العصير العنبي
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الأطعمة والأشربة (توضيح) .
وهو الذي يؤخذ من العنب ويحرم قبل أن يذهب ثلثاه في الغليان.
وهو أيضاً ممّا الحق
بالخمر والمسكر حكماً أو حقيقة، ويقع البحث فيه عن امور:
ذهب الفقهاء إلى حرمة العصير العنبي إذا غلى قبل أن يذهب ثلثاه،
بل قد نفى بعضهم
الخلاف فيه،
بل ادّعي عليه
الإجماع .
وتدلّ عليه النصوص المتكثّرة الدالّة منطوقاً أو مفهوماً،
والتي منها: ما رواه عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «كلّ عصير أصابته النار فهو حرام حتّى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه».
وما رواه
ذريح ، قال: سمعت
أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: «إذا نشّ العصير أو غلى حرم».
وقع البحث بين الفقهاء في أنّ موضوع التحريم هل هو النشيش أو الغليان أو الاشتداد؟
ظاهر كلمات أكثر الفقهاء أنّ سبب الحرمة هو الغليان.
وذكر غير واحد أنّ المراد بالغليان هو أن يصير أسفله أعلاه،
وكأنّه مستفاد من بعض الأخبار،
كرواية حمّاد عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال:... قلت: أيّ شيء الغليان؟ قال: «القلب»»، فإنّ المراد من القلب ذلك.
وذكر بعضهم أنّ موضوع الحرمة هو النشيش، وإن لم يصل إلى حدّ الغليان،
ولعلّه اعتمد في ذلك على موثّقة ذريح المتقدّمة، فإنّ ظاهر العطف فيها تغاير النشيش والغليان.
واجيب
عنه أوّلًا: بأنّها معارضة بحسنة
حمّاد المتقدّمة وغيرها، حيث إنّها ظاهرة في عدم العبرة بالنشيش.
وثانياً: بأنّ لازمها أن يكون ذكر الغليان وعطفه على النشيش لغواً ظاهراً؛ لأنّه مسبوق دائماً بالنشيش.
وقد ذكر في رفع التنافي عن الموثّقة نفسها بأنّ معنى النشيش غليان خاصّ، وهو الغليان بنفسه، والغليان الناري لا يطلق عليه النشيش، ولم ير استعماله بهذا المعنى في الأخبار؛ لأنّ الغليان- كما في خبر حمّاد- القلب، وهو يتحقّق بالنار ولا يتأتّى في الغليان بنفسه، فموضوع الحرمة أحد الغليانين.
ويظهر من العلّامة اعتبار الاشتداد،
وتبعه عليه الشهيد في الدروس.
والمراد بالاشتداد- كما ذكره كثير من الفقهاء
- القوام والثخانة، وهو أمر زائد على مجرّد الغليان.
وذهب بعضهم إلى أنّه لا دليل على اعتباره،
فإنّ ظاهر النصوص أنّ الشرط هو الغليان فقط.
واحتمل الشهيد في
الروضة أن يكون قيد الاشتداد في كلام
الشهيد الأوّل مؤكّداً بناءً على ما ادّعاه في
الذكرى من تلازم الاشتداد والغليان، وأنّ الثخانة حاصلة بمجرّد الغليان،
واستشكل فيه بأنّ التلازم في الغليان غير الناري ليس بواضح.
وذكر بعض الفقهاء أنّ تفسير الاشتداد بالثخانة الحاصلة بمجرّد الغليان غير صحيح، فإنّه بناءً عليه يسقط الاشتداد عن كونه شرطاً زائداً على الغليان، مع أنّه خلاف من صرّح بانفكاك الغليان عنه.
حكم كثير من الفقهاء بحلّية العصير إذا انقلب خلّاً.
قال
المحقّق الحلّي : «ويحرم العصير...
ولا يحلّ حتّى يذهب ثلثاه أو ينقلب خلّاً».
وقد استدلّ عليه بأنّ خروجه عن اسم العصير عرفاً كافٍ في حلّه؛ لتعلّق الأحكام بالأسماء، ولأنّه لا يصير خلّاً إلّابعد أن يصير
خمراً ، وهي تطهر إذا صارت خلّاً نصّاً
وإجماعاً ،
ولأنّه مقتضى أصل الإباحة الذي هو المرجع بعد تعارض ما دلّ على حلّية الخلّ، وما دلّ على حرمة العصير الذي غلى قبل ذهاب الثلثين بالعموم من وجه.
وقال
المحقّق النراقي : «لعلّ في الأخبار ما يشعر بالحلّية أيضاً».
وناقش
المحقّق الأردبيلي في الحلّ، وتأمّل في قولهم: العصير سبب النجاسة، فإذا زال زالت، قال: «ولكن قد ينازع في السببيّة، وعلى تقديرها مجرّد زواله غير كافٍ، بل لابدّ من المطهّر».
ظاهر الفقهاء الاتّفاق على أنّ كلّ ما غلى بالنار يحلّ بذهاب ثلثيه. وأمّا ما غلى بنفسه وذهب ثلثاه ففيه خلاف، فقد ذهب بعضهم إلى الحلّ،
وهو المنسوب إلى المشهور أيضاً.
لكن ظاهر
ابن حمزة عدم الحلّ إلّا بصيرورته خلّاً،
ونسبه الفاضل الاصفهاني إلى غيره، حيث قال: «وفي
المقنع والنهاية والمهذّب
والوسيلة تخصيص ما غلى بنفسه بالتخلّل، وما غلى بالنار بذهاب الثلثين».
وكيف كان، فقد استدلّ له بامور:
أنّه إذا نشّ ومضت عليه مدّة ينقلب فيها خمراً مسكراً، لا إشكال في حرمته، ولا يحلّ إلّاإذا صار خلّاً.
واجيب عنه بأنّه لم يثبت أنّ العصير إذا غلى بنفسه ينقلب خمراً مسكراً ولم يدّع ذلك أهل الخبرة، بل المتحقّق خلافه، فإن صنع
الخمر لو كان بهذه السهولة لما تحمّل العقلاء المشاقّ الكثيرة في تحصيلها. نعم، قد يتّفق ذلك.
أنّ ما دلّ على أنّ ذهاب الثلثين غاية للحرمة إنّما هو فيما غلى بالنار، ولا دليل عليه في غيره.
واجيب عنه بأنّ رواية
ابن سنان : «العصير إذا طبخ حتّى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه فهو حلال»
تدلّ على أنّه رافع لحرمة مطلق العصير، فإنّ العصير فيها مطلق شامل لما غلى بنفسه أوّلًا ثمّ اغلي بالنار وذهب ثلثاه.
التمسّك بما رواه ابن سنان: «كلّ عصير أصابته النار فهو حرام حتّى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه»،
الذي يستفاد منه أنّ ما لم تصبه النار لا ترتفع حرمته بذهاب ثلثيه، وإلّا فما فائدة التقييد به
؟
واجيب عنه بأنّ فائدة التقييد عدم ترتّب ارتفاع الحرمة على طبيعي العصير، بل ترتّب ذلك على حصّة خاصّة، وأمّا عدم ارتفاعها به في غير هذه الحصّة فلا دلالة له عليه، فإنّ الوصف لا ظهور له في العلّية المنحصرة.
ما رواه عمّار، قال: وصف لي
أبو عبد اللَّه عليه السلام المطبوخ كيف يطبخ حتى يصير حلالًا، فقال لي: «تأخذ ربعاً من زبيب وتنقيه، ثمّ تصبّ عليه اثني عشر رطلًا من ماء، ثمّ تنقعه ليلة، فإذا كان أيّام الصيف وخشيت أن ينشّ جعلته في تنّور سخن قليلًا حتّى لا ينشّ... فلا تزال تغليه حتّى يذهب الثلثان ويبقى الثلث»».
فإنّ ظاهر قوله: «وخشيت أن ينشّ» في أنّ الخشية من جهة احتمال صيرورته محرّماً على نحو لا تزول عنه بذهاب ثلثيه.
واجيب عنه
فقد ورد في سنده: عن
محمّد بن يحيى عن
علي بن الحسن ، أو رجل عن علي بن الحسن، فلم يعلم الراوي عن علي بن الحسن هل أنّه محمّد بن يحيى أو الرجل وهو مجهول؟!.
بأنّ الخشية يمكن أن تكون من جهة احتمال طروّ الحموضة والنشيش المانعين عن طبخه على الكيفيّة الخاصّة المؤثّرة في علاج بعض الأشياء.
هل الملاك في ذهاب الثلثين ملاحظة الوزن أو الكيل
أو المساحة؟
لا شبهة في كفاية التقدير بالوزن،
والظاهر أنّه متّفق عليه؛ لأنّ الذهاب وزناً يتأخّر دائماً عن الذهاب كمّاً، من جهة أنّ الذاهب بالنار أو غيرها هو الأجزاء المائية اللطيفة، وبذهابها يزداد العصير غلظة وثخانة، فيكون ثلثه بحسب الكمّ قريباً من نصفه بحسب الوزن.
ومن هنا ذكروا أنّه لا يعقل تحديد الحرمة بهما، وأنّه لابدّ من تحديدها بأحدهما؛ لأنّ التحديد بشيئين إنّما يعقل لو كانت النسبة بينهما عموماً من وجه، والنسبة بين الوزن والكيل عموم مطلق، والأخصّ- وهو الكيل- حاصل دائماً قبل الأعمّ.
نعم، قد يظهر من
المحقّق الأردبيلي لزوم التقدير بالوزن وعدم كفاية غيره.
وذكر
الشيخ الأنصاري أنّ ذلك أحوط؛ لأنّ المتبادر من إضافة الثلث إلى الموزونات الثلث من حيث الوزن.
ويدلّ عليه:
إجمال ما دلّ على أنّ غاية الحرمة ذهاب الثلثين؛ لإجمال المراد بالثلث، ومقتضى القاعدة الأخذ بالمقدار المتيقّن، وهو الذهاب الوزني، والرجوع في الزائد إلى العامّ الدالّ على حرمته بالغليان.
ونوقش فيه: بأنّ ذهاب الثلثين قد اشترط
واطلق من دون تخصيص بشخص دون آخر، مع أنّ أكثر البلاد يتعذّر فيها الوزن، فكيف بالصحارى والقرى؟! وما هذا شأنه لا يناط به الحكم الشرعي من دون بيان صريح.
منها: ما رواه
ابن أبي يعفور عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «إذا زاد الطلا على الثلث اوقية فهو حرام»،
فإنّ الاوقية من الأوزان المعروفة.
واجيب عنه بضعف السند بالإرسال.
ومنها: ما رواه
ابن خالد عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام: في رجل أخذ عشرة أرطال من عصير العنب، فصبّ عليه عشرين رطلًا...
فقال عليه السلام: «ما طبخ على الثلث فهو حلال»،
حيث دلّت على أنّ المراد هو المقدار الوزني.
واجيب عنه:
بضعف السند.
بأنّ ذلك ذكر في كلام السائل دون
الإمام عليه السلام.
ومنها: ما رواه
عبد الله بن سنان عنه عليه السلام، قال: «العصير إذا طبخ حتّى يذهب منه ثلاثة دوانيق ونصف... فقد ذهب ثلثاه وبقي ثلثه».
واجيب عنه:
بضعف السند.
بأنّ الدانق معرّب (دانگ) بالفارسية، والمراد به سدس الشيء، وهو من أسماء المقادير بالمساحة.
بينما ذهب جماعة من الفقهاء إلى كفاية الكيل والكمّ؛
لصدق نقص الثلثين،
وهو المتعارف في أمثال ذلك.
واستدلّ
المحقّق النراقي عليه- مضافاً إلى صدق نقص الثلثين وتعارف الكيل في ذلك الاعتبار- بروايتي
الساباطي ،
وكذا رواية
الهاشمي .
لكن ناقش
الشيخ الأنصاري وغيره في الاستدلال بروايتي الساباطي بأنّ التثليث يحتمل كونه لبعض الخواصّ لا لأجل زوال التحريم.
اعتبار ذهاب الثلثين بالنار وعدمه: مقتضى
إطلاق أكثر الفقهاء وصريح آخرين عدم اعتبار الذهاب بالنار.
ومستندهم في ذلك إطلاق النصّ والفتوى،
وخصوص ما رواه ابن سنان عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام: «العصير إذا طبخ حتّى يذهب منه ثلاثة دوانيق ونصف، ثمّ يترك حتّى يبرد، فقد ذهب ثلثاه وبقي ثلثه»،
فإنّه قد يستفاد منه كفاية غير الناري؛ لأنّ ذهاب باقي الثلثين يكون بغير النار.
واجيب عنه:
بأنّ الطبخ وإن ترك ولكنّ الحرارة الناريّة باقية، وهي الموجب لتصاعد الباقي.
بأنّه لو سلّم ذلك فإنّه يقتصر فيه على المورد، وهو نصف الدانق، وأمّا ذهاب مجموع الثلثين بغير النار فلا دليل على كفايته.
بينما اختار البعض اعتبار ذهاب الثلثين بالنار،
واستدلّ له بأنّ الأخبار واردة في خصوص ذهابهما بالنار، ولا دليل على الحلّية بالذهاب بمثل الشمس والهواء، بل مقتضى مفهوم بعض النصوص عدم ارتفاع الحرمة.
وألحق بعضهم الشمس بالنار،
وفصّل آخرون بين الذهاب بالغليان ولو بغير النار والذهاب بغيره، كالهواء وطول المكث.
اختار جماعة من الفقهاء عدم حلّ العصير بصيرورته دبساً»، وهو المنسوب إلى المشهور.
واستدلّ له بإطلاق النصوص، حيث اشترط فيها ذهاب الثلثين،
وبرواية ابن أبي يعفور عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام: «إذا زاد الطلا على الثلث فهو حرام».
وأمّا القول بالحلّ فنسب إلى بعض الفقهاء،
واختاره في
اللوامع ،
وهو الظاهر من
ابن حمزة ،
وقوّاه
النراقي ،
بل استظهر من بعضهم أنّه مظنّة
الإجماع .
ويدلّ عليه عدّة امور:
ما رواه
عمر بن يزيد ، قال: قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «إذا كان يخضب الإناء فاشربه».
واجيب عنه:
بأنّه مجمل؛ لأنّ اسم كان غير مذكور، فكما يحتمل أن يكون السؤال عن الحكم الواقعي كذلك يحتمل كونه عن فرض الشكّ.
بأنّه يعارض ما رواه
معاوية بن وهب عنه عليه السلام أيضاً: «إذا كان حلواً يخضب الإناء، وقال صاحبه: قد ذهب ثلثاه وبقي الثلث فاشربه»
الوارد في مورد الشكّ بقرينة قوله عليه السلام: «وقال صاحبه: قد ذهب ثلثاه»، حيث قيّد الحلّ بأمرين، فلو كان الخضاب يكفي لم تكن حاجة إلى ضمّ شهادة صاحبه، فاعتبر الخضاب أمارة على ذهاب الثلثين.
واجيب عنه بأنّه لا دليل على كونه موجباً للحلّ، وإنّما خرجنا عن ذلك في خصوص الانقلاب إلى الخلّ بالنصّ، ولا يمكن التعدّي عن المورد.
إنّ الموضوع هو شرب العصير، فإذا صار مأكولًا بالدبسية ارتفع الموضوع.
واجيب عنه بأنّ الموضوع في أكثر النصوص نفس العصير، وإطلاقها يشمل ما إذا صار دبساً.
التمسّك بإطلاق ما دلّ على أنّ الدبس مطلقاً حلال.
غليان ماء العنب في حبّه: إذا غلى ماء العنب في جوفه بحرارة الهواء أو الشمس ونحوهما، فهل يحكم بحرمته؟
في المسألة قولان:
التحريم، وقد ذهب أو مال إليه جمع من المتأخّرين،
بل يظهر من
المحقّق الأردبيلي نسبته إلى الفقهاء.
وقد استدلّ عليه
بأنّ موضوع الحرمة هو نفس المائع المكوّن من العنب، والتعبير بالعصير عنه من باب التعبير بالغالب، وإلّا يلزم القول بالحلّ إذا استخرج ماء العنب لا بالعصر بل بالغليان، وهو واضح الفساد.
واجيب عنه بأنّ التعدّي من الخارج بالعصر إلى الخارج بغيره لا يقتضي التعدّي في المقام، فإنّ العرف يأبى عن دخل العصر، بخلاف المقام.
الحلّ، وقد مال إليه جمع من الفقهاء،
بل اختاره بعضهم؛
مستدلّاً عليه بأنّ الموضوع هو الغليان، ومعلوم انتفاؤه في حبّات العنب، فإنّ العنب ليس كالوعاء المشتمل على مقدار من الماء بحيث يمكن غليانه، بل هو كالخيار والبطّيخ يشتمل على لحم فيه رطوبة، فالمسألة من فرض الخيال.
ثمّ إنّه على تقدير إمكان الغليان لا دليل على الحرمة؛ لأنّ ما دلّ على حرمته هو الذي خرج ماؤه بعصر أو بغير عصر، وأمّا الماء في جوفه فلا دليل على حرمته.
ثمّ إنّه يتفرّع على بحث العصير العنبي بحث أمرين:
لو كان العصير التمري أو الزبيبي مسكراً فلا إشكال ولا خلاف في حرمته، وكذا لا إشكال في حلّية ما لم يغلِ منه أو ينشّ
أو غلى وذهب ثلثاه، وإنّما وقع الخلاف فيما إذا غلى ولم يكن مسكراً.
أمّا العصير التمري فقد صرّح جملة من الفقهاء بحلّيته،
وهو المنسوب إلى المشهور،
وعن بعض أنّه الأشهر،
بل حكى في
الرياض عن بعض الفضلاء التصريح بعدم
الخلاف فيه أصلًا،
بل ادّعى بعض الفقهاء
الإجماع عليه، قال
المحدّث البحراني : «بل كاد أن يكون إجماعاً، بل هو إجماع، فإنّا لم نقف على قائل بالتحريم ممّن تقدّمنا من الأصحاب».
وأمّا القول بالتحريم ففي
الحدائق أنّه حدث في الأعصار المتأخّرة، ثمّ نسبه إلى
الشيخ سليمان البحراني وصاحب
الوسائل .
ونسبه
المحقّق النجفي إلى ظاهر
التهذيب والسرائر والمحدّث الجزائري أيضاً.
واستظهر بعضهم من
الدروس التردّد فيه،
بل قيل: إنّ ظاهره الميل إلى التحريم.
وأمّا عصير الزبيب فقد اختار جماعة من الفقهاء حلّيته،
وقال بعضهم: إنّه الأشهر،
بل نسبه بعضهم إلى المشهور،
ونفى عنه الخلاف آخر.
ونسب الشهيد الأوّل التحريم إلى بعض مشايخه وبعض الفضلاء المتقدّمين،
وهو ظاهر كشف اللثام أيضاً،
بل صريح الوحيد البهبهاني.
قال في الرياض: إنّ القول بالحلّ لا يخلو عن إشكال، كما أنّ رفع اليد عن الاصول القطعيّة الدالّة على الحلّ أيضاً كذلك.
واختار بعضهم التفصيل في عصير التمر والزبيب بين ما غلى بنفسه وما غلى بالنار، فحكم بالتحريم فيما غلى بنفسه.
واحتجّ للحلّ بأصالة الإباحة،
واستصحاب الحلّ، والعمومات الدالّة على حلّية الأشياء،
وترك الإشارة إليه في النصوص مع عموم البلوى به،
ونفي الحرج،
وبالنصوص الدالّة على دوران الحرمة مدار وصف الإسكار،
والتي منها: صحيحة
معاوية ، قال: قلت
لأبي عبد اللَّه عليه السلام: إنّ رجلًا... أمرني أن أسألك عن
النبيذ وأصفه لك، فقال:
«أنا أصف لك، قال
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: كلّ مسكر حرام».
ومنها:
صحيحة صفوان ، حيث جاء فيها: فقلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: أصف لك النبيذ؟ فقال: «بل أنا أصفه لك، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: كلّ مسكر حرام».
وفي بعض النصوص بعدما سألوه صلى الله عليه وآله وسلم عن النبيذ وأطالوا في وصفه، قال صلى الله عليه وآله وسلم:
«يا هذا، قد أكثرت عليّ، أفيسكر؟» قال: نعم، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «كلّ مسكر حرام».
الحلّ ما ورد في أنّ علّة التحريم هي شركة إبليس في شجرة الكرم وثمرته بالثلثين، وأنّه إذا ذهب نصيبه حلّ الباقي.
ولا ريب أنّ الزبيب قد ذهب ثلثاه وزيادة بالشمس.
وكذا يؤيّده بعض الأخبار،
كرواية الحرّ بن يزيد،
ورواية
إسحاق وأبي بصير .
واحتجّ للتحريم بوجوه بعضها يعمّ العصير التمري والزبيبي، وبعضها يختصّ بأحدهما:
أنّ الزبيب حينما كان عنباً كان عصيره حراماً إذا غلى، فإذا جفّ فمقتضى الاستصحاب حرمته إذا غلى.
واجيب عنه أوّلًا: بأنّ الاستصحاب التعليقي لا أصل له أساساً.
وثانياً: بتغيّر الموضوع، والمنع من بقائه،
فإنّ الموضوع عصير العنب- أي ماؤه- لا نفس العنب ولا أمر آخر، وظاهر أنّ الزبيب ليس بعصير، ومغايرتهما ممّا لا تكاد تخفى على أحد، وكذا لا يصدق العصير العنبي على الماء الذي نبذ فيه الزبيب، ومع تعدّد الموضوع لا مجال لجريان الاستصحاب.
نعم، لو كان الموضوع نفس العنب لحكمنا بجريان
الاستصحاب عند صيرورة العنب زبيباً؛ لأنّ الجفاف والرطوبة من الحالات الطارئة لا من المقوّمات.
وهي كالتالي:
۱- حسنة
ابن سنان عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: «كلّ عصير أصابته النار فهو حرام...»؛
نظراً إلى عموم قوله عليه السلام:
«كلّ عصير» الشامل لعصير الزبيب والتمر.
واجيب عنه بأنّ العصير في عرف
أهل البيت عليهم السلام وأخبارهم اسم لما يؤخذ من العنب خاصّة، وأنّ ما يؤخذ من التمر يسمّى نبيذاً، وما يؤخذ من الزبيب يسمّى نقيعاً.
وأيضاً المراد من العصير لغة وعرفاً الرطوبة المتكوّنة ممّا يعصر من الأشياء، والزبيب لا يشتمل على تلك الرطوبة حتّى يصدق عليها العصير، ومجرّد صبّ الماء عليه خارجاً لا يصحّح إطلاق العصير،
مضافاً إلى أنّ العصير لو كان عامّاً للزم تخصيص الأكثر المستهجن.
وقال
المحقّق النجفي : «ويؤيّده ما قيل من عدم استدلال أحد من الأصحاب كالمصنّف والعلّامة وغيرهما بهذه الأخبار مع كثرتها واستفاضتها وكونها بمرأى منهم ومسمع».
۲- موثّقة عمّار عنه عليه السلام أيضاً قال: سئل عن الزبيب كيف يحلّ طبخه حتّى يشرب حلالًا؟ قال: «تأخذ ربعاً من زبيب فتنقيه، ثمّ تطرح عليه اثني عشر رطلًا من ماء... ثمّ توقد تحته النار حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه...».
واجيب عنه بأنّ من المتيقّن عدم مدخلية مجموع القيود الواردة في الحلّية بحيث تنتفي الحلّية بانتفاء بعض تلك القيود، ولعلّ السرّ في اعتبارها- ومنها ذهاب الثلثين- هو أن لا يطرأ الفساد على العصير بنشيشه بعد ما مضى عليه زمان،
كما اشير إليه بقوله عليه السلام في آخر روايته الاخرى: «فإن أحببت أن يطول مكثه عندك فروّقه».
۳- ما رواه
عليّ بن جعفر عن أخيه عليه السلام: عن الزبيب هل يصلح أن يطبخ حتّى يخرج طعمه، ثمّ يؤخذ الماء، فيطبخ حتّى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه، ثمّ يرفع، فيشرب منه السنة؟ فقال عليه السلام: «لا بأس به».
وأجاب عنها في المسالك بقوله: «وهذه الرواية- مع أنّ في طريقها سهل بن زياد- لا تدلّ على تحريمه قبل ذهاب ثلثيه بوجه، وإنّما نفى عليه السلام البأس عن هذا العمل الموصوف... وتخصيص السؤال بالثلثين لا يدلّ على تحريمه بدونه، ولا بالمفهوم الذي ادّعوه... ولو سلّم دلالتها بالمفهوم فهو ضعيف لا يصلح
لإثبات مثل هذا الحكم المخالف للأصل».
۴- ما رواه
زيد النرسي ، قال: سئل
أبو عبد اللَّه عليه السلام عن الزبيب يدقّ ويلقى في القدر، ثمّ يصبّ عليه الماء ويوقد تحته، فقال عليه السلام: «لا تأكله حتّى يذهب الثلثان ويبقى الثلث، فإنّ النار قد أصابته»، قلت:
فالزبيب كما هو يلقى في القدر ويصبّ عليه الماء، ثمّ يطبخ ويصفّى عنه الماء؟
فقال: «كذلك هو سواء، إذا أدّت الحلاوة إلى الماء فصار حلواً بمنزلة العصير، ثمّ نشّ من غير أن تصيبه النار، فقد حرم، وكذلك إذا أصابته النار فأغلاه فقد فسد»،
حيث دلّ على حرمته إذا غلى ولم يذهب ثلثاه.
واجيب عنه بأنّ الكتاب المنسوب إلى زيد النرسي مطعون فيه،
مضافاً إلى عدم ثبوت وثاقة زيد النرسي.
وقال
السيّد الحكيم : «كفى في وهن الرواية وعدم صلاحيتها للحجّية إعراض المشهور عنها».
۵- ما دلّ على حرمة كلّ شراب لم يذهب ثلثاه، كرواية عليّ بن جعفر عن الرجل يصلّي إلى القبلة لا يوثق به أتى بشراب، يزعم أنّه على الثلث، فيحلّ شربه؟ قال عليه السلام: «لا يصدّق إلّاأن يكون مسلماً عارفاً».
واجيب عنه:
بأنّه مسوق لحكم قبول قوله وعدمه، لا لحكم اشتراط ذهاب الثلثين وعدمه، ومثل ذلك لا يفيد في
إطلاق حكم الشراب عند جماعة.
بأنّه معارض للأخبار الكثيرة الدالّة على اعتبار قول ذي اليد وعدم وجوب السؤال.
اختار جماعة من الفقهاء حلّه،
ونفى
الشيخ الأنصاري الخلاف عنه مستفيداً من كلماتهم
الإجماع عليه.
ويدلّ عليه: الأصل، والعمومات،
وما روي عن الإمام الهادي عليه السلام: عن طبيخ يجعل فيه الحصرم، وربما يجعل فيه العصير من العنب... ؟ فكتب عليه السلام:
«لا بأس بذلك»،
فإنّ ظاهره أنّهم يجعلون فيه الحصرم، ولم يتوهّم وجوب التثليث، ولم يتعرّض له
الإمام عليه السلام في مقام البيان.
لكن نُسب التردّد والاحتياط في
الاجتناب إلى بعض المحدّثين البحرينيين،
كما احتاط فيه
كاشف الغطاء أيضاً،
ومستنده في ذلك احتمال شمول إطلاق العصير في الروايات لعصير الحصرم، وما يومئ إليه نزاع إبليس مع آدم عليه السلام في شجرة الكرم الشامل للحصرم.
واجيب عنه بأنّ العصير يحمل على المتعارف في زمان صدور الأخبار، وهو عصير العنب لا الحصرم، مضافاً إلى أنّ عدم العلم بالتعارف كافٍ في الحكم بالحلّ، وأمّا أخبار نزاع إبليس فالظاهر منها أيضاً العنب.
الموسوعة الفقهية، ج۱۴، ص۱۵۴-۱۷۱.