القصاص في سن الصبي
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وسنّ الصبي إذا جني عليها عمداً ينتظر به مدّة جرت العادة بالنبات فيها؛ وكيف كان فإن عادت ففيها
الأرش والحكومة؛ وإلاّ تعد وحصل اليأس من عودها ولو بإخبار أهل الخبرة لكان فيها
القصاص؛ وإن رجعت كما كانت سالمة من التغيّر والنقصان لم يكن فيها قصاص ولا
دية.
وسنّ الصبي إذا جني عليها عمداً ينتظر به مدّة جرت العادة بالنبات فيها، وفي كتب
الفاضل سنة
، واستغربه جماعة ومنهم الشهيد قال: فإنّي لم أقف عليه في كتب أحد من الأصحاب مع كثرة تصفّحي لها، ككتب الشيخين
وابن البراج وابن حمزة وابن إدريس وابني سعيد وغيرهم من القائلين بالأرش مع العود،
وابن الجنيد ومن تبعه من القائلين بالبعير مطلقاً، ولا في رواياتهم، ولا سمعته من الفضلاء الذين لقيتهم، بل الجميع أطلقوا الانتظار بها، أو قيّدوه بنبات بقية أسنانه بعد سقوطها، وهو الوجه؛ لأنّه ربما قلع سنّ ابن أربع سنين، والعادة قاضية بأنّها لا تنبت إلاّ بعد مدّة تزيد على السنة قطعاً، وإنّما هذا شيء اختصّ به المصنف قدّس الله روحه فيما علمته في جميع كتبه التي وقفت عليها، حتى أنّه في التحرير علّله بأنّه الغالب، ولا أعلم وجه ما قاله، وهو أعلم بما قال.
نعم في رواية أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن
عبد الله بن سنان، عن
أبي عبد الله (علیهالسّلام) قال: «السنّ إذا ضربت انتظر بها سنة، فإن وقعت اغرم الغارم خمسمائة درهم، وإن لم تقع واسودّت أُغرم ثلثي الدية»
وهذه وإن كانت صحيحة إلاّ أنّها لا تدل على المطلوب؛ إذ موضوعها سنّ ضربت ولم تسقط، قال: ويمكن أن يعتذر له بأنّ المراد به إذا قلعها في وقت تسقط أسنانه فيه، فإنّه ينتظر سنة، ولا ريب أنّ هذا إذ ذاك غالب
، انتهى ما ذكره.
ولنعم ما أفاده، إلاّ أنّ ما ذكره كباقي الجماعة من أنّهم لم يجدوا ذلك في كتب أحد من الأصحاب غريب، فقد ذكره
الماتن في
الشرائع أيضاً، اللهم إلاّ أن يكون قرؤوه «سنّة» بتشديد النون وإضافة الظاهر إلى المضمر، كما احتمل في عبارة الفاضل أيضاً، لكنّه بالنسبة إلى عبارته في
الإرشاد في غاية البُعد، بل لا تقبله كما لا يخفى على من راجعه، وكذا التعليل السابق المحكي عن
التحرير.
وكيف كان فإن عادت ففيها
الأرش والحكومة، وهي التفاوت لو كان عبداً بين قيمته لو لم تسقط سنّه تلك المدّة وقيمته وقد سقطت فيها، وفاقاً للمشهور على الظاهر، المصرّح به في المسالك
، بل عليه
الإجماع عن
الخلاف وفي السرائر
، وهو الحجّة.
مضافاً إلى
المرسلة كالصحيحة: في سنّ الصبي يضربها الرجل فتسقط ثم تنبت، قال: «ليس عليه قصاص، وعليه الأرش»
.
وإلاّ تعد وحصل اليأس من عودها ولو بإخبار أهل الخبرة لكان فيها القصاص كما
نصّ به جماعة
؛ لعموم الأدلة؛ فإنّه قلع السنّ الحاصلة في الحال وأفسد المَنبِت فيقابل بمثله.
وحكي في المسالك
قول بالعدم؛ لأنّ سنّ الصبي فضلة في الأصل نازلة منزلة الشعر الذي ينبت مرّة بعد اخرى، وسنّ البالغ أصلية فلا يكون مماثلة لها.
وذهب جماعة
إلى أنّ في سنّ الصبي بعير مطلقا من غير تفصيل إلى العود وعدمه؛ للخبرين: «إنّ
أمير المؤمنين (علیهالسّلام) قضى في سنّ الصبي قبل أن يثغر بعيراً في كل سنّ»
.
وقصور سندهما بل ضعف أحدهما جدّاً يمنع عن العمل بهما، سيّما في مقابلة ما مضى، وإن نسبه في
المبسوط إلى أصحابنا
، وفي
المختلف إلى أكثرهم
، مشعرين بدعوى الإجماع والشهرة عليهما؛ لوهنها، مع عدم صراحتها بل ولا ظهورها فيهما، ومعارضتها بمثلها بل وأقوى منهما.
وعن
الإسكافي قول ثالث مفصّل بين عودها فالبعير، وعدمه واليأس منها فالدية، ولم أعرف مستنده، سيّما في مقابل ما تقدم من الأدلّة.
ثم إنّ هذا كلّه في سنّ الصبي قبل أن يثغر، أمّا إذا ثغر أي سقطت أسنان اللبن منه ونبتت ثم جنى عليها بعد ذلك فلها أحوال:
منها: أن لا تعود أبداً بحيث حصل اليأس منها عادةً، فيثبت بدلها إمّا
القصاص أو
الدية، لكن لا يعجل بهما، بل إن قضى أهل الخبرة بعودها في مدّة أُخِّر إلى انقضائها إن قلنا بعدم القصاص والدية مع عودها مطلقاً، بل الأرش خاصّة، وإلاّ جاز التعجيل بهما كذلك.
ومنها: أن تعود ناقصةً أو متغيّرةً، فيثبت الأرش، وكذا لو عادت تامّةً، وقيل وإن رجعت كما كانت سالمة من التغيّر والنقصان لم يكن فيها قصاص ولا دية.
: لا أرش ولا دية هنا؛ لأنّ ما عاد قائم مقام الأوّل، فكأنّه لم يفت، وصار كما لو عاد السنّ غير المثغر.
والأظهر وفاقاً
للفاضلين وغيرهما
ثبوته؛ لأنّه نقص دخل على المجني عليه بسبب الجاني فلا يهدر؛ للحديث
؛ ولزوم الظلم، وعود السنّ نافى القصاص والدية، لا أرش النقص.
قيل
: وفي المسألة وجه ثالث بعدم سقوط القصاص مطلقا؛ لأنّه لم تجر العادة بنبات سنّ الثغر، وما اتفق نعمة وهبة جديدة من الله سبحانه، فلا يسقط ما على الجاني استحقه.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۶، ص۳۳۴-۳۳۸.