اللص المحارب
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
واللص محارب، وللانسان دفعه إذا غلب السلامة، ولا
ضمان على الدافع؛ ويذهب دم المدفوع هدرا؛ وكذا لو كابر امرأة على نفسها، أو غلاما فدفع، فأدى إلى تلفه، أو دخل دارا فزجره ولم يخرج فأدى الزجر والدفع إلى تلفه، أو ذهاب بعض أعضائه، ولو ظن العطب سلم
المال؛ ولا يقطع
المستلب ولا
المختلس والمحتال، ولا المبنج ولا من سقى غيره مرقدا، بل يستعاد منهم ما أخذوا، ويعزرون بما يردع.
واللصّ بالكسر واحد اللصوص، وهو
السارق، وبالضم لغة محارب كما في الخبرين: «اللصّ محارب لله تعالى
ولرسوله (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) فاقتله، فما دخل عليك فعليّ»
.
وفي ظاهر
السرائر إجماعنا عليه، لكن قال: حكمه حكم المحارب
.
وظاهره الفرق بينهما، وعدم كونه محارباً حقيقةً، وعليه نبّه
شيخنا في
المسالك والروضة، فقال فيها بعد قول المصنف: واللصّ محارب: بمعنى أنّه بحكم المحارب في أنّه يجوز دفعه ولو بالقتال، ولو لم يندفع إلاّ بالقتل كان دمه هدراً، أمّا لو تمكّن الحاكم منه لم يحدّه حدّ المحارب مطلقاً، وإنّما أُطلق عليه اسم المحارب تبعاً لإطلاق
النصوص، نعم لو تظاهر بذلك فهو محارب مطلقا، وبذلك قيّده المصنف في
الدروس، وهو حسن. انتهى.
وهو كذلك؛ لما ذكره في المسالك من قصور النصوص سنداً عن إفادة الحكم مطلقا، مع اختصاص النصوص الواردة بحكم المحارب بمن جرّد سلاحاً أو حمله، فيرجع في غيره إلى القواعد المقرّرة.
أقول: ويعضده عدم عمل
الأصحاب بما فيها من جواز
القتل، وأنّ دمه هدر مطلقاً، بل قيّدوه بما إذا روعي فيه مراتب
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيتدرّج في الدفع من الأدنى إلى الأعلى.
وكيف كان يجوز للإنسان دفعه عن نفسه مطلقاً، وكذا عن ماله إذا تغلّب عليه، وغلب على نفسه
السلامة بل قالوا: يجب في الأوّل ولو ظنّ على نفسه
التلف؛ لإطلاق النصوص، ووجوب حفظ النفس، وغايته العطب، وهو غاية عمل المفسد، فيكون الدفاع أرجح.
نعم لو أمكن السلامة بالهرب كان أحد أسباب الحفظ، فيجب عيناً إن توقّف عليه، أو تخييراً إن أمكن به وبغيره.
وكذا في الثاني مع الاضطرار به والتضرر بفقده ضرراً يجب دفعه عقلاً.
قيل: أو كان المال لغيره
أمانة في يده، وربما وجب الدفع عنه مطلقاً من باب النهي عن المنكر
.
وهو حسن مع عدم التغرير بالنفس، وإلاّ فلا يجب، بل لا يجوز.
والفرق بينه وبين النفس حيث يجب الدفع عنه مطلقا دون المال جواز المسامحة فيه بما لا يجوز التسامح به في
النفس، وللصحيح
وغيره
: «لو كنت أنا لتركت المال ولم أُقاتل».
قالوا: ويجب أن يقتصر في جميع ذلك على الأسهل، فإن لم يندفع به ارتقى إلى الصعب، فإن لم يندفع فإلى الأصعب.
وهو حسن اقتصاراً على ما تندفع به الضرورة، مع قصور
النصوص المرخِّصة للمقاتلة على الإطلاق كما عرفته عن الصحة، فلا يخرج بها عن مقتضى القواعد المقرّرة.
فلو كفاه التنبيه على تيقّظه بتنحنح ونحوه اقتصر عليه إن خاف من الصياح أن يؤخذ فيقتل أو يجرح، ولو كفاه الصياح والاستغاثة في موضع يلحقه المنجد اقتصر عليه، فإن لم يندفع به خاصمه باليد أو بالعصا، فإن لم يفد فبالسلاح.
ولا
ضمان على الدافع لو جنى على اللصّ في هذه المراتب.
ويذهب دم المدفوع ولو بالقتل هدراً إجماعاً ظاهراً ومحكيّاً
.
والنصوص به مستفيضة جدّاً، منها زيادةً على ما مضى
الحسن: «أيّما رجل عدا على رجل ليضربه فدفعه عن نفسه فجرحه أو قتله فلا شيء عليه»
.
والمرسل كالموثق، بل كالصحيح على ما قيل
: «إذا دخل عليك اللصّ المحارب فاقتله، فما أصابك فدمه في عنقي»
.
والخبر: اللصّ يدخل في بيتي يريد نفسي ومالي، قال: «اقتل فاشهد الله ومن سمع أنّ دمه في عنقي»
.
وفي آخر: «إذا دخل عليك اللصّ يريد أهلك ومالك فإن استطعت أن تبدره وتضربه فابدره واضربه»
.
وفي غيره: «من دخل على
مؤمن داره محارباً له فدمه مباح في تلك الحال للمؤمن وهو في عنقي»
هذا.
مضافاً إلى
الأصل، مع اختصاص ما دلّ على الضمان بالجناية بحكم
التبادر بها في غير مفروض المسألة، مع وقوعها بأمر
الشارع فلا تستعقب ضماناً كما في سائر المواضع.
وكذا لو كابر امرأة أو
جارية على نفسها، أو غلاماً ليفعل بهما محرّماً فدفعه كلّ منهم فأدّى الدفع إلى تلفه، أو دخل داراً فزجروه ولم يخرج، فأدّى الزجر والدفع إلى تلفه، أو ذهاب بعض أعضائه لم يكن على الدافع ضمان لو راعى في الدفع ما مرّ، والمستند واحد.
مضافاً إلى خصوص النصوص المستفيضة، ففي
الصحيح: في رجل راود امرأة على نفسها حراماً فرمته بحجر فأصاب منه فقتل، قال: «ليس عليها شيء فيما بينها وبين الله عزّ وجلّ، وإن قدّمت إلى إمام عادل أهدر دمه»
.
وفي المرسل: عن الرجل يكون في
السفر ومعه جارية له، فيجيء قوم يريدون أخذ جاريته، أيمنع جاريته من أن تؤخذ وإن خاف على نفسه القتل؟ قال: «نعم» قلت: وكذلك إن كانت معه امرأة؟ قال: «نعم» (قلت:) وكذلك
الأمّ والبنت وابنة العمّ والقرابة يمنعهنّ وإن خاف على نفسه القتل؟ قال: «نعم» قلت: وكذلك المال يريدون أخذه في سفره فيمنعه وإن خاف القتل؟ قال: «نعم»
.
وما فيه من جواز الدفع مع خوف التلف على النفس محمول على ما إذا لم يبلغ حدّ
الظنّ، وذلك لما عرفت من أنّه لو ظنّ العطب والهلاك بالدفع سلّم المال ولم يجز له الدفع؛ حفظاً للنفس، مع ضعف هذا المرسل ومعارضته بالصحيح وغيره المتقدّمين الدالين على جواز ترك الدفاع في المال على
الإطلاق.
وظاهر العبارة اختصاص جواز الترك بالمال دون النفس والعرض، وأنّه يجب الدفع فيهما مطلقاً، وبه صرّح الأصحاب في النفس، وتقدّم ما يدلّ عليه.
وأمّا في
العرض مع ظنّ الهلاك فمحل نظر، بل الظاهر جواز الاستسلام حينئذٍ، كما صرّح به في
التحرير وغيره
؛ لأولوية حفظ النفس من حفظ العرض، كما يستفاد من جملة من الأخبار
الواردة في درء الحدّ عن المستكرهة على
الزناء؛ معلّلةً بقوله تعالى «فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ»
.
ولو قتل الدافع كان
كالشهيد في الأجر؛ للنصوص النبوية: «من قتل دون ماله» كما في بعض
، أو «دون عقال» كما في آخر
«فهو شهيد» كما فيهما، أو «بمنزلة الشهيد» كما في ثالث
.
وإنّما يجوز الدفع إذا كان مقبلاً، فإذا ولّى فضربه كان ضامناً لما يجنيه اتفاقاً؛ إذ لا يجوز الضرب إلاّ للدفع، ولا دفع مع الإدبار.
ولا يقطع المستلب وهو الذي يأخذ المال جهراً ويهرب، مع كونه غير محارب.
ولا المختلس وهو الذي يأخذ المال خفيةً من غير الحرز.
ولا المحتال على أموال الناس
بالتزوير في
الشهادة والرسائل الكاذبة.
ولا المُبنِج قيل: هو من أعطى أحداً البنج حتى خرج من
العقل ثم أخذ منه شيئاً
.
ولا من سقى غيره مُرقداً أي مُنَوّماً فأخذ منه شيئاً، إجماعاً على الظاهر، المصرّح به في بعض العبائر
.
للأصل، وخروجهم عن نصوص
السرقة والمحارب؛ لعدم صدق تعريفهما عليهم، كما ظهر من تعريفهما وتعريفهم.
مضافاً إلى النصوص المستفيضة في الأوّلين، منها الصحيح: في رجل اختلس ثوباً من السوق، فقالوا: قد سرق هذا الرجل، فقال: «إنّي لا أقطع في الدغارة المعلنة، ولكن أقطع من يأخذ ثم يخفي»
.
والموثّق: «لا أقطع في الدغارة المعلنة وهي الخلسة ولكن أُعزّره»
ونحوهما كثير من الأخبار.
ويستفاد منها تفسير المختلس بما مرّ في تفسير المستلب، كما في السرائر وعن
النهاية والمهذّب.
قيل: ولعلّه أُريد به ما يعمّ المستلب
، وما ذكرناه في تفسيره أشهر بين
الفقهاء، وبه صرّح في
مجمع البحرين.
وفي الخبر: «ليس على الذي يستلب قطع»
.
بل يستعاد منهم ما أخذوا ويعزَّرون بما يردعهم ويزجرهم؛ لفعلهم المحرّم، والنصوص، منها زيادةً على ما مرّ الخبر: «اتي (علیهالسّلام) برجل اختلس درّة من اذن جارية، فقال: هذه الدغارة المعلنة فضربه وحبسه»
.
وفي آخر: «من سرق خلسة اختلسها لم يقطع، ولكن يضرب ضرباً»
.
وأمّا ما في الصحيح من قطع الكاذب في الرسالة
، فمحمول إمّا على ما ذكره
الشيخ من كون القطع للإفساد لا للسرقة
. وفيه مناقشة للتعليل بها في آخر
الرواية. أو على أنّه قضية في واقعة ثبت القطع فيها بالمصلحة، وإلاّ فالرواية شاذّة، لا عامل بها بالكلية، مخالفة للأُصول كما عرفته.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۶، ص۱۶۰-۱۶۶.