المسائل في حجة الإسلام
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهنا مسائل خمس : الاولى : من أوصى بحجّة ولم يعيِّن الأُجرة، الثانية : إذا أوصى أن يحجّ عنه ندباً ولم يعيّن العدد، الثالثة : لو أوصى أن يحجّ عنه في كل سنة بمال معيّن، الرابعة : لو حصل بيد
إنسان مال لميت وعليه حجة مستقرة، الخامسة : من مات وعليه حجة الإسلام وحجة منذورة.
(الاولى : من أوصى بحجّة ولم يعيِّن) الأُجرة (انصرف) ذلك (إلى
أجرة المثل ) لأن الواجب العمل بالوصية مع
الاحتياط للوارث، فيكون ما جرت به العادة كالمنطوق به، وهو المراد من اجرة المثل. ولو وجد من يأخذ بأقلّ من المثل اتفاقاً مع
استجماعه لشرائط
النيابة وجب الاقتصار عليه؛ احتياطاً للوارث. والظاهر أنه لا يجب تكلّف تحصيله، كما صرّح به شيخنا الشهيد الثاني.
ويعتبر ذلك من البلد أو الميقات على الخلاف.
(الثانية : إذا أوصى أن يحجّ عنه) ندباً (ولم يعيّن) العدد (فإن عرف التكرار) منه (حجّ عنه حتى يستوفي ثلثه) إذا علم
إرادة التكرار على هذا الوجه، وإلاّ فيحسب ما علم منه (وإلاّ) يعلم منه التكرار مطلقاً (اقتصر على المرة) الواحدة. بلا خلاف في شيء من ذلك أجده إلاّ في الأخير، فظاهر التهذيب التكرار هنا أيضاً،
كما عن جماعة؛
للخبرين.
وضعف سندهما مع مخالفتهما الأصل يمنع عن العمل بهما؛ ولذا حملهما متأخّرو الأصحاب على صورة ظهور قصد التكرار،
ولا بأس به، وما اختاروه خيرة الحلّي.
(الثالثة : لو أوصى أن يحجّ عنه في كل سنة بمال معيّن) مفصّلاً كعشرين ديناراً، أو مجملاً كغلّة بستان (فقصر) ما لكل سنة عن حجّيتها (جمع) ما يزيد عن المعيّن في السنة مطلقاً (ما يمكن به
الاستيجار ) لحجة فصاعداً (ولو كان) ما جمع (نصيب أكثر من سنة) فيما قطع به الأصحاب على الظاهر، المصرَّح به في كلام جماعة حدّ الاستفاضة.
للمكاتبتين
المنجبر ضعفهما لعدم وضوح وثاقة الراوي، وإن صرّح بها بعضهم، ويشهد له بعض القرائن بعمل الأصحاب كافة.
مضافاً إلى التأيد بما ذكره جماعة
من الاعتبار، وهو خروج الأقدار عن الميراث ووجوب صرفها في الحج بالوصية، ووجوب العمل بها بقدر
الإمكان ، وكأنّ الوصية وصية بأمرين : الحج، وصرف القدر المخصوص فيه، فإذا تعذّر الثاني لم يسقط الأول، ومرجعه إلى قاعدة «
الميسور لا يسقط بالمعسور » المأثورة في المعتبرة، ولولاها لكان هذا الاعتبار محل مناقشة، وفاقاً لبعض متأخري الطائفة.
(الرابعة : لو حصل بيد
إنسان مال) وديعة (لميت، وعليه) أي على ذلك الميت (حجة) الإسلام (مستقرة) في ذمته (وعلم) ذلك الإنسان أو ظن (أن الورّاث) إذا علموا بالمال (لا يؤدّون) عنه الحجة (جاز) له (أن يقطع) من ذلك المال (قدر
أجرة ) المثل لذلك (الحج) الواجب عليه، بعد
استئذان الحاكم، وعدم خوف ضرر، بلا خلاف؛ للصحيح : عن رجل استودعني مالاً فهلك وليس لولده شيء ولم يحجّ حجة الإسلام، قال : «حجّ عنه وما فضل فأعطهم».
قيل : ولخروج هذا المقدار من الميراث فلا يجب
تسليمه الوارث.
وهذا الدليل يعمّ الحكم لغير حجة الإسلام، كما في إطلاق المتن وغيره، بل غير الحج من الحقوق المالية، كالديون و
الزكاة وغيرها كما قيل.
والمراد بالجواز ومرادفه في العبارة وغيرها الأعم المجامع للوجوب، كما صرّح به آخرون؛
للأمر بذلك في الصحيح؛ وتضمّن خلافه تضييع حق واجب على الميت وتضييع حق المستحق للمال؛ ولانحصار حق المستحق لذلك القدر من المال فيما بيده مع العلم بتقصير الوارث، فيجب تسليمه إليه، دون غيره، ويضمن إن خالف وامتنع الوارث كما قيل.
وإنما قيّدوا الصحيح بعلم منع الوارث أو ظنّه مع عمومه لهما ولغيرهما؛ لعدم انحصار حق غير الوارث فيه بدونه، لجواز أداء الوارث له من غيره، فلا يجب عليه
الأداء ؛ ومساواة الوارث صاحب الحق في التعلّق بما عنده، فلا يجوز له الأداء منه بدون إذنه، وربما يومئ إليه قوله «وليس لولده شيء». وإنما اشترطتُ استئذان الحاكم وما بعده وفاقاً للتذكرة؛
قصراً لما خالف الأصل على المتفق عليه فتوًى وروايةً.
وما قيل من أنها مطلقة،
فمضعّف بتضمّنها أمر الإمام عليه السلام للراوي بالحج عمن له عنده
الوديعة ، وهو إذن وزيادة، كذا قيل.
ولعلّه لا يخلو عن مناقشة. ولا ريب أن الاستئذان من الحاكم مهما أمكن أحوط وأولى. ومقتضى النص حج الودعي بنفسه، وجوّز له الأصحاب الاستئجار عنه، قيل : وربما كان أولى، خصوصاً إذا كان الأجير أنسب لذلك من الودعي.
ولا بأس به، سيّما مع إمكان دعوى تنقيح المناط القطعي. وبه يمكن إلحاق غير الوديعة من الحقوق المالية حتى الغصب والدين بها وإن كانت مورد النص خاصة وفاقاً للمتن وغيره،
خلافاً لجماعة فجمدوا على الوديعة.
(الخامسة : من مات وعليه حجة الإسلام وأُخرى منذورة أُخرجت حجة الإسلام من الأصل) بلا خلاف (والمنذورة من الثلث) وفاقاً للإسكافي والصدوق والنهاية و
التهذيب والمبسوط والمعتبر والجامع؛
للصحاح :
منها : عن رجل عليه حجة الإسلام نذر نذراً في شكر ليحجّنّ رجلاً إلى مكة، فمات الذي نذر قبل أن يحجّ حجة الإسلام ومن قبل أن يفي بنذره الذي نذر، قال : «إن ترك مالاً يحجّ عنه حجة الإسلام من جميع المال، وأُخرج من ثلثه ما يحجّ به رجل لنذره وقد وفى بالنذر، وإن لم يكن ترك مالاً إلاّ بقدر ما يحجّ به حجة الإسلام حجّ عنه بما ترك، ويحجّ عنه وليه حجة النذر، إنما هو مثل دين عليه»
ونحوه الباقي. ويضعّف : بأنّ موردها من نذر أن يُحجّ رجلاً، أي يبذل له ما يحجّ به، وهو خلاف نذر الحج الذي كلامنا فيه.
وما يقال : من أن
الاستدلال بها إنما هو بفحواها، بناءً على أن
إحجاج الغير الذي هو موردها ليس إلاّ بذل المال لحجّة، فهو دين مالي محض بلا شبهة، وبه وقع التصريح في الرواية، فإذا لم يجب إلاّ من الثلث فحج نفسه أولى. فحسن إن كان حكم الأصل مسلّماً، وعن المعارض سالماً. وليس كذلك؛ إذ لم أربحكم الأصل مُفتياً، وأرى ما دلّ على وجوب إخراج الحق المالي المحض من الأصل له معارضاً. ولعلّه لذا أعرض عنها متأخّرو الأصحاب، ونزولها تارةً على وقوع النذر في مرض الموت، كما في
المختلف .
وأُخرى على وقوعه التزاماً بغير صيغته كما في غيره. وثالثةً على ما إذا قصد الناذر تنفيذ الحج المنذور بنفسه فلم يتّفق بالموت، فلا يتعلق بماله حج واجب بالنذر، ويكون الأمر بإخراج الحج المنذور وارداً على الاستحباب للوارث، وكونه من الثلث رعايةً لجانبه، كما في المنتقى.
(وفيه) أي وفي المقام (وجه آخر) وهو خروج المنذور من الأصل كحجة الإسلام، اختاره الحلّي
وأكثر المتأخرين.
ووجهه غير واضح، عدا توهّم أنه دين كحجة الإسلام. وفيه منع ظاهر؛ فإنّ الحج ليس واجباً مالياً، بل هو بدني وإن توقف على المال مع الحاجة إليه، كما يتوقف الصلاة عليه كذلك، وإنما وجب قضاء حجة الإسلام بالنصوص الصحيحة والإجماع، وإلحاق النذر به من غير دليل قياس. هذا ، ولو لا اتّفاق القولين على وجوب القضاء من الثلث أو الأصل بحيث كاد أن يكون إجماعاً لكان الحكم به من أصله مشكلاً ؛ للأصل ، وعدم
اقتضاء النذر سوى وجوب الأداء ، والقضاء عنه يحتاج إلى أمر جديد.
رياض المسائل، ج۶، ص۹۴- ۱۰۰.