المنع من التسليم لقبض المهر
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
للمرأة أن تمنع من تسليم نفسها إلى الزوج قبل الدخول بها حتى تقبض مهرها؛ وهل لها الامتناع بعد الدخول بها؟ قولان، أشبههما: أنّه ليس لها الامتناع.
للمرأة أن تمنع من تسليم نفسها إلى الزوج قبل الدخول بها حتى تقبض مهرها إن كان حالاّ، عيناً كان أم منفعة، متعيّناً كان أم في الذمّة، موسراً كان الزوج أم معسراً.
إجماعاً فيما عدا الأخير، حكاه جماعة، منهم: شيخنا في
المسالك والروضة؛ وهو
الحجّة فيه، دون مفهوم بعض المعتبرة:
كالموثّق: عن رجل تزوّج
جارية أو تمتّع بها، ثم جعلته في حلّ من صداقها يجوز أن يدخل بها قبل أن يعطيها شيئاً؟ قال: «نعم، إذا جعلته في حلّ فقد قبضته منه»
.
إذ اللازم منه بعد تسليم دلالته عدم جواز الدخول مع عدم إعطاء شيء، وذلك مع مخالفة عمومه
الإجماع غير ملازم لجواز امتناعها من التسليم معه، فقد لا يجوز لها مع حرمة دخول الزوج بها قبل الإعطاء، فتأمّل.
وعلى الأشهر في الأخير أيضاً، بل عن
الغنية الإجماع ظاهراً
؛ بناءً على أنّ
النكاح في معنى المعاوضة وإن لم تكن محضة، ومن حكمها: أنّ لكلّ من المتعاوضين الامتناع من التسليم إلى أن يسلّم إليه الآخر مطلقاً، وغاية الإعسار المنع من المطالبة، وهو لا يقتضي وجوب التسليم إليه قبل قبض
العوض، فالقول بأنّ ليس لها الامتناع حينئذٍ لمنع مطالبته كما عن
الحلّي ضعيف، كذا قالوه.
وهو جيّد إن تمّ ما ادّعوه من الدليل على أنّ لها الامتناع، وهو كون النكاح في معنى
المعاوضة، لكنّه محلّ تأمّل، كيف لا؟! ولم يقم عليه بحيث يشمل المقام دليل، بل على تقديم قيام الدلالة عليه ربما منع ممّا ادّعوه من حكمها.
فإذاً المصير إلى ما قاله الحلّي لا يخلو عن قوّة، وفاقاً لجماعة
؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل المدلول عليه بالأدلّة القطعيّة الدالّة على وجوب إطاعة الزوج على الزوجة على القدر المتّفق عليه، وهو ما قدّمناه.
لكن الظاهر انعقاد الإجماع هنا حتى من الحلّي؛ لاعتذاره في المخالفة بما ينبئ عن الموافقة لهم في
الأصل المتقدّم من أنّها معاوضة يترتّب عليها الحكم السالف، وأنّ الداعي له عليها هو ما ذكره من الدلالة المردودة بما ذكره الجماعة، فالمصير إلى ما ذكروه أقوى.
واحترزنا بالحالّ عمّا لو كان مؤجّلاً، فإنّ تمكينها لا يتوقّف على قبضه إجماعاً كما حكاه جماعة
إذ لا يجب لها حينئذٍ شيء، فيبقى وجوب حقّه عليها بغير معارض.
ولو أقدمت على فعل المحرّم وامتنعت به أو بعذر شرعي كالمرض ونحوه عن التسليم إلى أن حلّ الأجل، ففي جواز امتناعها إلى أن تقبضه تنزيلاً له منزلة الحالّ ابتداءً وعدمه بناءً على وجوب تمكينها قبل الحلول فيستصحب؛ ولأنّها لمّا رضيت بالتأجيل بنت أمرها على أن لا حقّ لها في الامتناع، فلا يثبت بعد ذلك لانتفاء المقتضي وجهان، أجودهما: الثاني، سيّما على المختار من لزوم الاقتصار فيما خالف الأصل المتقدّم على ما انعقد عليه الإجماع، وليس المقام منه؛ لتحقّق الخلاف.
ولو كان بعضه حالاّ وبعضها مؤجّلاً، كان لكلّ واحد منهما حكم مماثله.
ثم على المشهور، إنّما يجب على الزوج تسليم
المهر إذا كانت مهيّاة للاستمتاع، فلو كانت ممنوعة بعذر وإن كان شرعيّاً
كالإحرام لم يلزم؛ لأنّ
الواجب التسليم من الجانبين، فإذا تعذّر من أحدهما لم يجب من الآخر.
نعم، لو كانت صغيرة يحرم وطؤها، فالأقوى تبعاً لجماعة من أصحابنا
، سيّما على ما اخترنا وجوب دفع مهرها إذا طلبه الوليّ؛ لأنّه حقّ ثابت حالّ، طلبه من له حقّ الطلب، فيجب دفعه كغيره من الحقوق.
وعدم قبض العوض الآخر غير مانع؛ أمّا على المختار فواضح؛ وأمّا على غيره فلمجيئه من قبل الزوج حيث عقد عليها كذلك موجباً على نفسه عوضاً حالاً، ورضي بتأخير قبض العوض إلى محلّه، وهذا بخلاف
النفقة؛ لأنّ سبب وجوبها
التمكين التامّ دون
العقد. ووجه عدم الوجوب قد علم ممّا سلف مع جوابه.
وهل لها ذلك أي الامتناع بعد الدخول بها؟ قولان، أشبههما وأشهرهما بل عن
السرائر والغنية الإجماع عليه
: أنّه ليس لها ذلك. لاستقرار المهر بالوطء، وقد حصل تسليمها نفسها برضاها، فانحصر حقّها في المطالبة دون الامتناع. ولأنّ النكاح معاوضة، ومتى سلّم أحد المتعاوضين العوض الذي من قبله باختياره لم يكن له بعد ذلك حبسه ليتسلّم العوض الآخر. ولأنّ منعها قبل الدخول ثابت بالإجماع، ولا دليل عليه بعده، فينتفي بالأصل السالف، فإنّ التسليم حقّ عليها، والمهر حقّ عليه، والأصل عدم تعلّق أحدهما بالآخر، فيتمسّك به إلى أن يثبت الناقل.
خلافاً
للمفيد والمبسوط، فلها الامتناع
؛ لأنّ المقصود بعقد النكاح منافع
البضع، فيكون المهر في مقابلها، ويكون تعلّق
الوطء الأوّل به كتعلّق غيره.
وهو قويّ؛
للاستصحاب الذي لا يعارضه شيء ممّا ذكره
الأصحاب. إلاّ أنّ الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً ربما أشكلت المصير إليه، سيّما مع دعوى الحلّي والعلوي على خلافه الإجماع كما حكي؛ فهو الحجّة فيه، مع الشهرة العظيمة الدافعة للقول المزبور، وللقول بتخصيص عدم جواز الامتناع بما إذا سلّمت نفسها اختياراً، وأمّا لو دخل بها مكرهاً فحقّ الامتناع بحاله؛ لأنّه قبض فاسد، فلا يترتّب عليه أثر الصحيح، كما عن
ابن حمزة.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۲، ص۷۲-۷۵.