النظر إلى الأجنبية
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لا يجوز للرجل النظر إلى
المرأة الأجنبية التي لا يريد نكاحها فيما عدا الوجه والكفين فاما الوجه والكفان فان خاف
الفتنة حرم.
وفيه دلالة ولو بضميمة - من
الإجماع المركب - على جواز النظر إلى الوجه والكفّين من الأجنبيّة مطلقاً - أي مرّة أو مراراً - كما هو أحد الأقوال في المسألة استناداً إليها، مع الأصل، والآية (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ ما ظَهَرَ).
بناءً على تفسير الزينة الظاهرة بأُمور أربعة: لا يمكن
إرادة بعضها كالثياب لعدم الدليل عليه، بل وقيام الدليل على خلافة من العموم المستفاد من لفظة : ما الموضوعة له، فلا وجه لتخصيصها بها، فتعيَّن إرادة البواقي :أحدها : الكحل والخاتم والخضاب في الكفّ، كما قيل؛
للخبر المتقدّم، وغيره بنقص الأخير، كرواية زرارة،
وليس في سندها مَن يُتوقّف فيه، سوى قاسم بن عروة، وقد قيل بحسنه،
ونحوهما خبر آخر،
لكن بزيادة : «المَسَكة» - المَسَكُ : أسورة من ذَبْلٍ أو عاج، والذبْل : شيءٌ كالعاج -
بدل : الكحل و
الخضاب . وثانيها : الوجه والكفّان، وربما أشعر به الخبر المجوّز لرؤيتهما.
وثالثها : الكفّ والأصابع. وذَكَرَ الأوّلَين قولاً الطبرسيُّ في جامع الجوامع،
وروى الثالث عنهم .
والأخبار وإن ضعف سندها إلاّ أنّ العرف المحكَّم في الألفاظ يؤيّدها. وعلى هذه التفاسير يثبت المطلوب. أمّا على الثاني فواضح، وكذا الأول والثالث، لكن بعد ضمّ
الإجماع .
ويدلّ عليه مضافاً إلى المتقدّم الصحيح المرويّ في الكفاية عن
قرب الإسناد ، وفيه : عمّا تُظهِر المرأة من زينتها؟ قال : «الوجه والكفّان».
والمرسل : ما يحلّ للرجل أن يرى من المرأة إذا لم يكن مَحرَماً؟ قال : «الوجه والكفّان والقدمان».
و
الإرسال غير قادح؛ لاعتضاده بالأصل، وفتوى جماعة به، كالكليني والشيخ في النهاية و
التبيان وكتابي الحديث وظاهر المسالك وسبطه في الشرح،
وجماعة من متأخّري المتأخّرين
مطلقاً، والمحقّق الثاني كما حكي، والمصنّف في الشرائع والعلاّمة في جملة من كتبه، واللمعة و
الروضة في الجملة، ونسبه الصيمري في
شرح الشرائع إلى الأكثر. فلا يقدح فيه
الاشتمال على القدمين، المجمع على عدم جواز النظر إليهما، وإن هو إلاّ كالعامّ المخصَّص، مضافاً إلى عدم ذكر الشارح المزبور لهما، فيقوى
احتمال الزيادة. والخبر الذي لا تبعد صحّته كما قيل
ـ : عن الرجل ما يصلح له أن ينظر إليه من المرأة التي لا تحلّ له؟ قال : «الوجه والكفّان وموضع السوار».
واحتمال إرادة المَحرَم من المرأة في السؤال بعيد، مع دلالة حصر المحلَّل منها في الثلاثة على إرادة غيرها من الأجانب؛ للإجماع على عدم الحصر فيها، مع أنّ العموم الناشئ عن ترك
الاستفصال كافٍ في
الاستدلال . ولا تقدح في الحجّية زيادة السوار؛ لما تقدّم.
وممّا ذُكِر ظهر وجه
اندفاع المناقشات في هذه الأدلّة، سيّما مع اعتضادها بالشهرة في الجملة، الظاهرة والمحكيّة، وبحجّةٍ أُخرى في غاية القوّة بحيث كادت تُعدّ من الأدلّة القطعيّة وهي فحاوى كثير من الأخبار الواردة في ، أبواب النظر إلى النسوة، المتواترة معنىً، المتضمّنة لحكمه منعاً وجوازاً، سؤالاً وجواباً وبياناً؛ لدلالتها على الجواز من حيث كون محطّ الحكم فيها بطرفيه في كلّ من السؤال والجواب والبيان هو خصوص الشعر واليدين والرأس والذراعين وغيرهما، وبالجملة : ما عدا الوجه والكفّين، مع أنّهما أولى بالسؤال عن حكمهما وبيانه بحسب النظر بشدّة
الابتلاء به، وغلبته وسهولته، من حيث عدم احتياجه إلى كشف ساتر من خمار ومقنعة، دون الرأس والشعر؛ لندرة الابتلاء بالنظر إليهما وعسره؛ للاحتياج إلى كشف الستور عنهما غالباً. فالسكوت عن حكمهما - أي : الوجه والكفّين - مطلقاً سؤالاً وبياناً كاشف عن وضوح حكمهما جوازاً لا عكساً، وإلاّ لكان حكم النظر إليهما - أي الرأس والشعر - منعاً أخفى من حكم النظر إلى الوجه والكفّين كذلك - أي منعاً - جدّاً، وهو مخالف للبديهة قطعاً؛ لاتّفاق المسلمين على ثبوت المنع في النظر إليهما مطلقاً، وخفاؤه في النظر إلى الوجه والكفّين، بحيث ذهب الأكثر إلى حِلّه في الجملة أو مطلقاً. ويدلّ على أوضحيّة حكم النظر منعاً منه كذلك في الوجه والكفّين أيضاً : تجويزهم النظر إليهما لمريد التزويج المتمكّن منه، واختلافهم في تجويزه إلى الشعر كما مضى،
وليس هذا إلاّ لما ذكرنا كما لا يخفى.
ولو لم يكن في المسألة دليل على الجواز غير فحاوى هذه الأخبار لكفانا؛ لحصول الظنّ القويّ القريب من القطع بكون الحكم فيها الجواز، فلا ينبغي أن يرتاب فيه، وإن كان الأحوط : الترك مهما أمكن، من باب
التسامح في أدلّة السنن .
هذا، مضافاً إلى النصوص الواردة في كتاب الحجّ في باب : ما يجوز أن تلبسه المحرمة من الثياب، وهي كثيرة : منها الصحيح : «مرّ
أبو جعفر عليه السلام بامرأة متنقّبة وهي محرمة، فقال : أحرمي وأسفري وأرخِ ثوبكِ من فوق رأسك، فإنّك إن تنقّبتِ لم يتغيّر لونك، فقال رجل : إلى أين ترخيه؟ فقال : تغطّي عينيها» الحديث.
والصحيح : «تسدل الثوب على وجهها» قلت : حدّ ذلك إلى أين؟ قال : «إلى طرف
الأنف قدر ما تبصر».
والخبر الضعيف بسهل الذي ضعفه سهل ـ : «مرّ أبو جعفر عليه السلام بامرأة محرمة قد استترت بمِرْوَحَة، فأماط المروحة بنفسه عن وجهها».
و
الأمر بالإرخاء في الأوّل والسدل في الثاني للرخصة؛ لعدم القائل بوجوب ستر قدر ما أُمر فيهما بستره قطعاً. وهذه النصوص سيّما الأخير، والأوّل من حيث التعليل ظاهرة في عدم تستّر تلك النسوة بشيء آخر غير ما تستّرن به من كجاوة-كجاوة : كلمة فارسية تعني : الهَوْدَج؛ وهو من مراكب النساء مقبّب وغير مقبّب-
ونحوها، وهذا أيضاً ممّا يدلّ على ما قدّمناه من أشدّية حكم الشعر منعاً من حكم الوجه جدّاً كما لا يخفى.
والاستدلال للجواز بإطباق الناس على خروج النسوة سافرات، غير موجّه، كالاستدلال للمنع باتفاقهم من منع خروجهنّ غير متستّرات. لمخالفتهما الوجدان؛ لاختلاف الناس في الزمان، فبين من يجري على الأول، ومن يحذو حذو الثاني. وتزيد الحجّة على الثاني باحتمال استناده إلى الغيرة و
الاحتجاب من الناظر بشهوة، الغير الحاصل إلاّ به مطلقاً. ويشاركه في الضعف باقي أدلّته، كعمومي (لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ)
و (يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ)
لتخصيصهما بما ظهر من الأدلّة؛ مع
إجمال الثانية، مع عدم المبيّن لها، سوى الإجماع المنحصر بيانه في القدر المتّفق عليه، ولا كلام فيه. وحديث
الخَثْعَمية - خَثْعَم : أبو قبيلة، وهو خثعَم بن أنمار من اليمن، ويقال : هم من معدّ، وصاروا باليمن -؛
إذ لا دلالة فيه عليه، لو لم يدلّ على الجواز. وكذا غير ما ذكر من الأدلّة التي أجبنا عنها في رسالة مفردة في المسألة.
مضافاً إلى ندرة القول بالمنع مطلقاً؛ لعدم نقله إلاّ عن
التذكرة وفخر الدين،
وإن مال إليه بعض من تأخّر عنهما.
وقيل بالجواز مرّة والحرمة ثانية؛
لأخبار
أكثرها ضعيفة السند، قاصرة الدلالة كالمعتبر منها، وقد أوضحنا جميع ذلك في الرسالة، من أراد التحقيق فليرجع إليها. نعم، هو أحوط، وأحوط منه الأول.
رياض المسائل، ج۱۱، ص۴۷ -۵۳.