بيان حد المسكر
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو ثمانون
جلدة؛ ويستوى فيه الحر والعبد
والكافر مع التظاهر؛ ويضرب الشارب عريانا على ظهره وكتفيه ويتقى وجهه وفرجه؛ ولا يحد حتى يفيق؛ وإذا حد مرتين قتل في الثالثة وهو المروي؛ وقال
الشيخ في
الخلاف: يقتل في الرابعة؛ ولو شرب مرارا ولم يحد كفى حد واحد.
وهو ثمانون جلدةً إجماعاً، وللنصوص المستفيضة المتقدّمة إلى جملة منها الإشارة في
موجب حد المسكر.
ويستوي فيه الذكر والأُنثى، والحرّ والعبد،
والكافر مع التظاهر به بين
المسلمين، وهذا قيد للكافر خاصّة، واحترز به عمّا لو كان مستتراً به، فإنّه لا يحدّ حينئذ.
بلا خلاف في شيء من ذلك، عدا مساواة العبد للحرّ في مقدار
الحدّ، فإنّ الحكم بها مشهور بين الأصحاب، مدّعى عليه الإجماع في صريح
الغنية، وظاهر
السرائر والتهذيب والشرائع والتحرير، حيث نسب في الأول إلينا، وحكم بشذوذ الرواية الآتية بحدّه أربعين في الثاني، وبمتروكيّتها في الثالث، وبمطروحيّتها في الرابع؛ وهو
الحجّة.
مضافاً إلى عموم الأخبار المتواترة بأنّ حدّ الشارب ثمانون جلدة
، من دون فرق فيها بين الحرّ والعبد؛ مع ظهور جملة منها في الشمول للعبد غايته، وهي ما مرّ من
المستفيضة بل
المتواترة في التعليل تحديده بالثمانين بأنّه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، فاجلدوه جلد المفتري؛ وذلك بناءً على ما مرّ من أنّ العبد المفتري حدّه ثمانون أيضاً.
هذا، مضافاً إلى صريح المعتبرة المستفيضة المتجاوزة حدّ الاستفاضة.
ففي
الصحيح: «حدّ
اليهودي والنصراني والمملوك في
الخمر والفرية سواء، وإنّما صولح أهل الذمّة على أن يشربوها في بيوتهم»
.
وأصرح منه آخر: «يجلد الحرّ والعبد واليهودي والنصراني في الخمر ثمانين»
.
وفي الموثّقات الثلاث
وغيرها
: «كان
أمير المؤمنين (علیهالسّلام) يجلد الحرّ والعبد واليهودي والنصراني في الخمر
والنبيذ ثمانين» قلت: ما بال اليهودي والنصراني؟ فقال: «إذا أظهروا ذلك في مصر من الأمصار؛ لأنّهم ليس لهم أن يظهروا شربها».
وقصور أسانيدها مع عدم قدحه في الحجّية منجبرة بالشهرة العظيمة، والإجماعات المحكيّة حدّ الاستفاضة وإن اختلفت ظهوراً وصراحةً، والمخالفة للعامّة، كما ستعرفه من
شيخ الطائفة.
مع أنّه لا مخالف فيها منّا، عدا
الصدوق خاصّة، حيث قال بأنّ حدّه أربعون
؛ لما مرّ في
الحسن: عن عبد مملوك قذف حرّا، قال: «يجلد ثمانين، هذا من حقوق المسلمين، فأمّا ما كان من
حقوق الله تعالى فإنّه يضرب فيها نصف الحدّ» قلت: الذي من حقوق الله تعالى ما هو؟ قال: «إذا زنى أو شرب الخمر فهذا من الحقوق التي يضرب فيها نصف الحدّ»
.
وهو مع عدم صحّته ومكافأته لمقابله من وجوه عديدة حمله الشيخ على
التقيّة، قال: لأنّه مذهب بعض
العامّة.
أقول: ومع ذلك لم يقل الصدوق به؛ لتضمّنه حدّ العبد في
القذف ثمانين، وقد مرّ عنه أنّه عنده أربعون، وهو موجب لوهنه أيضاً، إن لم نقل بخروجه بذلك عند الصدوق عن الحجّية.
نعم، يؤيّده
الأصل، وإطلاق الحسن: «حدّ المملوك نصف حدّ الحرّ»
.
وقريب منه إطلاق الخبر الذي مرّ: عن
التعزير كم هو؟ قال: «دون الحدّ» قلت: دون ثمانين؟ قال: «لا، ولكن دون الأربعين، فإنّها حدّ المملوك» الخبر.
ولكن الأصل يجب الخروج عنه بما مرّ، والخبران قاصرا
السند، عديما الجابر؛ مع ضعف الثاني سنداً بمعلّى بن محمّد، ومتناً بعدم قائل بتحديد التعزير بما فيه كما مرّ؛ مع ضعفه دلالةً كالأول أيضاً بعدم الصراحة، واحتمالهما التقييد بحدّ ما عدا الشرب، كما ذكره شيخ الطائفة.
وبالجملة: لا ريب في ضعف هذا القول وشذوذه، وإن مال إليه
الشهيدان والفاضل في
المختلف، مع عدم تصريحهم بالموافقة، وإنّما غايتهم في الظاهر الميل الضعيف، بل التردّد، ولا وجه له.
ويضرب الشارب ومن في معناه عرياناً مستور العورة عن الناظر المحترم على ظهره وكتفيه وسائر جسده ويتّقى وجهه وفرجه ومَقاتله، بلا خلاف ظاهر ولا محكي، إلاّ عن
المبسوط، فقال: لا يجرّد عن ثيابه؛ لأنّ
النبيّ (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) أمر بالضرب ولم يأمر بالتجريد
. وهو شاذّ، بل لم يحك الخلاف عنه إلاّ نادر، ومضعَّف بالصحيح الصريح: عن السكران والزاني، قال: «يجلدان بالسياط مجرّدين بين الكتفين، فأمّا الحدّ في القذف فيجلد على ثيابه ضرباً بين الضربين»
.
ولا يُحَدّ حتى يُفيق عن سكره، بلا خلاف أجده؛ وكأنّ الحجّة فيه أنّ الحكمة في
شرع الحدود هو
الإيلام والإيذاء والتأثّر، ليمتنع المحدود عمّا حُدَّ به فلا يفعله ثانياً، وهي إنّما تحصل بعد الإفاقة لا مطلقاً.
وإذا حُدَّ مرّتين قُتل في المرّة الثالثة كما قطع به الأكثر، ومنهم:
الشيخان والعماني والتقي والحلّي وابن زهرة، وعليه عامّة المتأخّرين، عدا النادر الآتي ذكره، وعليه
الإجماع في الغنية وهو الحجّة، مضافاً إلى أنّه المرويّ في الصحاح المستفيضة الصريحة ونحوها من المعتبرة المتجاوزة عن حدّ الاستفاضة.
ففي الصحيح: «من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاقتلوه»
ومع ذلك معتضد بعموم الصحيح بقتل أهل الكبائر في الثالثة
.
وقال الصدوق في
المقنع والشيخ في الخلاف والمبسوط
: إنّه يقتل في الرابعة وتبعهما
الفاضل في
الإرشاد وولده في
الإيضاح والشهيد في
اللمعة.
لمرسل
الكافي والفقيه: «إنّه يقتل في الرابعة»
.
ولأنّ
الزناء أعظم منه ذنباً، وفاعله يقتل فيها كما مضى، فهنا أولى.
والمرسل غير مقبول مطلقاً، خصوصاً مع معارضة الصحاح المتقدّمة وغيرها.
والأولويّة جيّدة لولاها.
وتأوّل
ابن أبي عمير المرسلة كما نقله عنه في الكافي فقال: وكأنّ المعنى أنّه يقتل في الثالثة، ومن كان إنّما يؤتى به يقتل في الرابعة.
قال بعض الأصحاب: ولعلّ مراده أنّه ما اتي في الثالثة، بل في الرابعة، فيقتل فيها؛ لأنّه ما اتي به إلاّ حينئذ، لا أنّه ما استحقّ
القتل إلاّ فيها
.
ولو شرب مراراً ولم يُحَدّ خلالها كفى عن الجميع حَدٌّ واحد بلا خلاف كما مرّ في الزناء.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۶، ص۶۹-۷۴.