جواز الوديعة من الطرفين
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(وهي جائزة من الطرفين) بلا خلاف، كما في المسالك وغيره؛
وهو الحجة المخصّصة لأدلّة لزوم الوفاء بالعقود إن قلنا بكونها منها كما هو المشهور، وإن قلنا بكونها إذناً فقط ارتفع
الإشكال من أصله ولا
احتياج إلى تخصيص.
وكيف كان، فللمودِع مطالبتها متى شاء، وللمستودَع ردّها كذلك، لكن مع وجود المالك أو وكيله لا يبرأ إلاّ بردّها عليه دون الحاكم؛ إذ لا
ولاية له على الحاضر الرشيد.
ومع فقدهما يجوز دفعها إلى الحاكم مع العذر، كالعجز عن حفظها، أو الخوف عليها من السرق أو الحرق، أو نحو ذلك من الأعذار؛ لأن له ولاية على الغائب على هذا الوجه لا بدونه، لالتزامه بالحفظ بنفسه فلا يبرأ إلاّ بدفعها إلى المالك أو وكيله.مع أن المالك لم يرض بيد غيره، ولا ضرورة له إلى
إخراجها من يده، فليحفظها إلى أن يجدهما أو يتجدّد له عذر.
ولا خلاف في شيء من ذلك بيننا وبين جماعة من العامّة، وكذا في جواز
إيداعها من ثقة، وأنه مع تعذّر الحاكم. أما مع القدرة عليه فلا، حكاه في المسالك وغيره،
بل عن التذكرة
الإجماع عليه؛ وهو الحجة، مضافاً إلى ما مرّ من الأدلّة.
وفي الأوّل عن بعض العامة جواز الدفع إلى الحاكم عند تعذّر المالك مطلقاً؛ لأنه بمنزلة الوكيل، ونفى عنه البعد فيه.وليس بوجه، سيّما مع دعواه عدم الخلاف في خلافه، فيجب المصير إليه، مع أنه أحوط.وفي وجوب قبول الحاكم إياها حيث جاز ردّها إليه، أم العدم وجهان، أحوطهما الأوّل.ويأتيان مع
الاحتياط فيما لو حمل المديون الدين إليه مع غيبة المدين، أو الغاصب المغصوب أو بدله عند تلفه، وغير ذلك من الأمانات التي يليها الحاكم.
ويجوز السفر بها بعد ذلك كلّه لا مطلقاً، إلاّ أن يخاف عليها مع الإيداع، فيقدّم السفر عليه هنا، وفي التذكرة
الإجماع عليه.وحيث جاز السفر أو وجب يشترط فيه عدم ظهور أمارة الخوف فيه. وأمّا معه فلا يجوز مطلقاً وإن خيف عليها في الحضر، بلا خلاف يظهر؛لتعارض الخطرين فيرجّح الحضر، لأن السفر بنفسه خطر، فإذا انضم إليه أمارة الخوف زاد خطر على خطر.ومنه يظهر عدم جواز السفر بها من دون ضرورة، وبه مع الإجماع عليه صرّح في التذكرة،معلّلاً بالتزامه الحفظ، فليؤخّر السفر أو يلتزم خطر
الضمان .
ومن التعليل يظهر
انسحاب المنع عنه في صورة التمكن من دفعها إلى الحاكم أو الثقة أيضاً؛ لالتزامه الحفظ بنفسه فلا يجوز من دون ضرورة، إلاّ أن ظاهره الجواز في هذه الصورة؛ لأن
النبي صلى الله وعليه وآله وسلم كانت عنده ودائع، فلما أراد الهجرة سلّمها إلى أُمّ أيمن، وأمر [[|عليّاً عليه السلام]] أن يردّها.
وفي السند والدلالة نظر، فإن كان إجماع، وإلاّ فالأوّل أظهر وأحوط.
(و) كما تبطل بالفسخ كذا (تبطل بموت كلّ واحد منهما) أو ما يوجب الخروج عن أهليّة التصرف، كالجنون
والإغماء ، بلا خلاف؛ لأن ذلك من أحكام العقود الجائزة،
والوديعة منها، كما مضى.وحيث بطلت تصير أمانة شرعيّة تجب المبادرة إلى ردّها على الفور إلى أهله، ولا يقبل قول مَن هي في يده في ردها إلى المالك ولو مع يمينه، بخلاف الوديعة.
ومن هنا يظهر بطريق أولى ما ذكروه من أنه لا يصحّ وديعة الطفل والمجنون؛ لعدم أهليّتهما، فيضمن القابض، ولا يبرأ بردّها إليهما، بل إلى وليّهما أو الحاكم.ولو علم تلفها في أيديهما إن لم يقبض فقبضها بنيّة الحسبة في الحفظ لم يضمن؛ لأنه محسن و (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ)
لكن يجب مراجعة الولي في ذلك مع
الإمكان .
ولو استودعا لم يضمنا
بالإهمال ؛ لأن المودِع لهما متلف ماله، والضمان بالإهمال إنما يثبت حيث يجب الحفظ، والوجوب لا يتعلق بهما؛ لأنه من خطاب الشرع المختص بالمكلفين. ولا يعارضه حديث على اليد؛ لظهور «على» في وجوب الدفع والتكليف بالردّ، فيكون مختصّاً بالمكلف.
نعم، لو تعدّيا فيه فتلف فهل يضمنان، أم المميّز خاصّة، أم لا مطلقاً؟ وجوه، وكذا القول في كلّ ما يتلفانه من مال الغير.واختار الأوّل في المسالك،
معلّلاً بأن
الإتلاف لمال الغير سبب في ضمانه إذا وقع بغير
إذنه ، والأسباب من باب خطاب الوضع يشترك فيها الصغير والكبير.
وهو حسن مع وجود ما يدلّ على السببية على
الإطلاق ، ولم أقف إلاّ على الحديث المتقدم المختص كما عرفت واعترف به بالمكلف، فإن وجد ما يدلّ عليها كذلك، وإلاّ فعدم الضمان مطلقاً أقوى، وفاقاً للتذكرة كما حكى عنه في كتاب
الحجر ؛
عملاً بأصالة
براءة الذمة .
رياض المسائل، ج۹، ص۴۱۷-۴۲۰.