حد وطء البهائم
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
إذا وطئ البالغ العاقل بهيمة مأكولة اللحم، كالشاة والبقرة، حرم لحمها ولحم نسلها؛ ولو اشتبهت في قطيع قسم نصفين وأفرغ هكذا حتى تبقى واحدة فتذبح وتحرق ويغرم قيمتها إن لم يكن له؛ ولو كان المهم ما يركب ظهرها لا لحمها كالبغل والحمار والدابة أغرم ثمنها إن لم تكن له، وأخرجت إلى غير بلده وبيعت؛ وفي
الصدقة بثمنها قولان، والأشبه: أنه يعاد عليه؛ ويعزر الواطئ على التقديرين ويثبت هذا الحكم
بشهادة عدلين أو
الإقرار ولو مرة؛ ولا يثبت
بشهادة النساء منفردات ولا منضمات؛ ولو تكرر
الوطء مع
التعزير ثلاثا، قتل في الرابعة.
اعلم أنّه إذا وطئ البالغ العاقل المختار بهيمةً مأكولة اللحم أي مقصودةً بالأكل عادةً كالشاة والبقرة ونحوهما ممّا يسمّى في العرف
بهيمة، دون نحو
الطير ممّا لم يسمّ بها فيه وإن سمّي بها لغةً، كما عن الزجّاج، حيث قال: هي ذات الروح التي لا تميّز، سمّيت بذلك لذلك
.
وذلك
للأصل، وعدم انصراف
الإطلاق إلى المستثنى بحكم العرف المرجّح على اللغة حيث حصل بينهما معارضة، مع أنّه ذكر جماعة
أنّها لغةً ذات الأربع من حيوان البرّ والبحر، وهو الموافق للعرف حرم لحمها ولحم نسلها ولبنهما.
ولو اشتبهت الموطوءة في قطيع محصور قسّم نصفين وأُقرع بينهما، بأن يكتب رقعتان في كل واحدة اسم نصف منهما، ثم يخرج على ما فيه المحرّم، فإذا خرج أحد النصفين قسّم كذلك وأُقرع، وهكذا حتى تبقى واحدة، فيعمل بها ما يعمل بالمعلومة ابتداءً، وهو أن تذبح وتحرق، ويغرم الواطئ قيمتها يوم
الوطء إن لم تكن له ولو كان المهمّ والمقصود منها ظهرها، كالبغل، والحمار، والدابّة، اغرم ثمنها إن لم تكن له أو مطلقاً، على اختلاف القولين الآتيين في
التصدق به أو ردّه على الواطئ، وإنّما ذكر الشرط على مذهبه. وأُخرجت إلى غير بلده الذي فعل فيه وبيعت وجوباً.
بلا خلاف في شيء من ذلك على الظاهر، المصرّح به في بعض العبائر
.
للمعتبرة المستفيضة، ففي
الصحيح وغيره: «إن كانت البهيمة للفاعل ذبحت، فإذا ماتت أُحرقت بالنار ولم ينتفع بها، وضرب هو خمسة وعشرين سوطاً ربع
حدّ الزاني، وإن لم تكن البهيمة له قوّمت وأُخذ ثمنها منه ودفع إلى صاحبها وذبحت وأُحرقت بالنار ولم ينتفع بها، وضرب خمسة وعشرين سوطاً» فقلت: وما ذنب البهيمة؟ قال: «لا ذنب لها، ولكن
رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) فعل هذا وأمر به لكيلا يجترئ الناس بالبهائم وينقطع النسل»
.
وفي
الموثّق: عن الرجل يأتي بهيمة شاة أو ناقة أو بقرة، قال: فقال: «عليه أن يجلد حدّا غير
الحدّ، ثم ينفى من بلاده إلى غيرها» وذكروا أنّ لحم تلك البهيمة محرّم ولبنها
.
وفي
الحسن: في الرجل يأتي البهيمة، قال: «يجلد دون الحدّ، ويغرم قيمة البهيمة لصاحبها؛ لأنّه أفسدها عليه، وتذبح وتحرق إن كانت ممّا يؤكل لحمه، وإن كانت مما يركب ظهره غرم قيمتها وجلد دون الحدّ، وأخرجها من المدينة التي فعل بها إلى بلاد اخرى حيث لا تعرف، فيبيعها فيها كيلا يعيّر بها صاحبها»
.
وبه يقيّد إطلاق ما مرّ من الصحيح وغيره بحملها على مأكولة اللحم.
وهذه النصوص وإن كان ليس في شيء منها ما يدل على تحريم
النسل صريحاً إلاّ أنّه وتحريم اللبن أيضاً مستفاد من النهي عن الانتفاع بها في جملة منها، وعمومه يستلزم تحريمهما جدّاً.
وفي
الخبر بل الصحيح كما قيل
، ولا يبعد المروي في
التهذيب في أواخر كتاب
الصيد والذبائح: عن رجل نظر إلى راع نزا على شاة، قال: «إن عرفها ذبحها وأحرقها، وإن لم يعرفها قسّمها نصفين أبداً، حتى يقع السهم بها، فتذبح، وتحرق، وقد نجت سائرها»
.
والمذكور فيه كما ترى: «قسّمها نصفين أبداً» كما في العبارة وغيرها، وأكثر العبارات خالية عنه.
وفي
القواعد والتحرير: قسّم قسمين. وهو مع الإطلاق أعمّ من التنصيف، إلاّ أن يحمل عليه بقرينة
النصّ الذي هو المستند في هذا الحكم المخالف للأصل المقرّر في شبهة المحصور من وجوب اجتناب الجميع ولو من باب المقدمة، وللأخبار المخالفة له فيها أيضاً؛ لدلالتها على حلّ الجميع ما لم يعرف
الحرام بعينه.
ويشكل التنصيف لو كان العدد فرداً، وعلى النصّ يجب التنصيف ما أمكن، والمعتبر منه العدد لا القيمة، فإذا كان فرداً جعلت الزائدة مع أحد القسمين.
وفي لزوم
الصدقة بثمنها الذي بيعت به على الفقراء والمساكين كما عن
المفيد وابن حمزة، أم دفعه إلى الواطئ كما عن
الشيخ والحلّي قولان ووجّه الأوّل لعدم النص عليه بكون ذلك عقوبة على الجناية، فلو أُعيد إليه الثمن لم يحصل
العقوبة، ولتكون الصدقة مكفّرةً
للذنب.
وفيه نظر؛ لأنّ العقوبة بذلك غير متحقق، بل الظاهر خلافها؛ لتعليل بيعها في الأخبار في بلد لا يعرف فيه كيلا يعيّر بها، وعقوبة الفاعل حاصلة بالتعزير، وتكفير الذنب متوقّف على
التوبة، وهي كافية.
ووجه الثاني: أصالة بقاء الملك على مالكه والبراءة من وجوب الصدقة، والأخبار خالية عن تعيين ما يصنع به، وكذا عبارة جماعة من
الأصحاب.
ولذا قال
الماتن هنا وفي
الشرائع وعامة المتأخرين: إنّ الأشبه بأُصول
المذهب أنّه يعاد إليه وهذا الأصل في محلّه إن كان الفاعل هو المالك، وإن كان غيره فالظاهر أنّ تغريمه القيمة يوجب ملكه للبهيمة، وإلاّ لبقي الملك بغير مالك، أو جمع للمالك بين العوض والمعوّض عنه، وهو غير جائز.
وفي بعض الروايات «ثمنها»
كما عبّر به الماتن وكثير
، وهو
عوض المثمن المقتضي لثبوت معاوضة، والأصل فيها رجوع كلّ من العوضين إلى صاحب الآخر، ولعلّه السرّ في تخصيصهم لهذه العبارة.
وفي بعض الروايات «قيمتها»
وهو عوض أيضاً، وبذلك صرّح الشهيدان في
النكت والروضة.
ويعزّر الواطئ بما يراه الحاكم على التقديرين أي سواء قلنا بالتصدق أو بالردّ على الواطئ، كما هو ظاهر العبارة، أو سواء وطئ مأكولة اللحم أو غيرها، كما هو مقتضى النصوص
والفتاوي، من غير خلاف بينهما في ثبوت العقوبة على الواطئ مطلقاً، وإن اختلفت في تقديرها بما ذكرناه كما هو ظاهر أكثرهما، بل عليه عامّة متأخّري أصحابنا، ومن النصوص عليه زيادةً على ما مضى الخبران، بل الصحيحان كما قيل: في رجل يقع على البهيمة، قال: «ليس عليه حدّ ولكن يضرب تعزيراً»
.
ونحوهما المروي عن
قرب الإسناد، وفيه: «لا
رجم عليه ولا حدّ، ولكن يعاقب عقوبة موجعة»
.
أو بخمسة وعشرين سوطاً ربع حدّ الزاني، كما في الصحيح المتقدم وتاليه.
أو بتمام حدّ الزاني، كما في الصحيح
وغيره
.
أو
بالقتل مطلقا، كما فيهما
.
والأقوى ما ذكرناه؛ لشهرة ما دلّ عليه نصّاً وفتوى، وقصور المقابل له من وجوه شتّى، مع مخالفة بعضها بعضاً.
وجمع الشيخ
بين هذه الأخبار بحمل التعزير على ما إذا كان الفعل دون
الإيلاج، والحدّ إذا أولج حدّ الزاني، وهو
الرجم أو القتل إن كان محصناً، إن لم يكن محصناً.
أو بحمل أخبار القتل على ما إذا تكرّر منه الفعل ثلاثاً مع تخلّل التعزير؛ لما روي من قتل أصحاب الكبائر مطلقاً إذا أُقيم عليهم الحدّ مرّتين
. وفيهما بعد.
ويمكن حمل ما تضمن منها على حدّ الزاني على
التقية، كما ذكره أيضاً، فقال بعد ذكر الوجه الأوّل: ويمكن على هذا الوجه إن كان مراداً بهذه الأخبار أن تكون خرجت مخرج التقية؛ لأنّ ذلك مذهب
العامّة؛ لأنّهم يراعون في كون
الإنسان زانياً إيلاج فرج في فرج، ولا يفرّقون بين الإنسان وغيره من البهائم
.
وأشار بهذه الأخبار إلى الأخبار الأربعة الأخيرة.
ويثبت موجب هذا الحكم
بشهادة عدلين أو
الإقرار ولو مرّة وفاقاً للمشهور؛ عملاً بالعمومات.
خلافاً للحلّي وابن حمزة
، فاشترطا الإقرار مرّتين، ويظهر من المختلف الميل إليه
.
ولم نعرف له مستنداً، إلاّ أن يكون
الاستقراء، ولا بأس به إن أفاد ظنّاً معتمداً، ويحتمل مطلقاً؛ لإيراثه
الشبهة الدارئة لا أقلّ منها، فتأمّل جدّاً.
هذا بالنسبة إلى العقوبة، وأمّا بالنسبة إلى باقي الأحكام فالظاهر ثبوته بالإقرار مرّة إذا كانت الدابة لنفسه، وإلاّ فلا يثبت بإقراره وإن تكرّر سوى ما يتعلّق به من التعزير دون التحريم
والبيع؛ لأنّه متعلّق بحق الغير، فلا يسمع، إلاّ أن يصدِّقه المالك، فيثبت باقي الأحكام؛ لزوال المانع من نفوذه حينئذٍ.
ولا يثبت
بشهادة النساء منفردات ولا منضمّات للأصل، والشبهة والعمومات.
ولو تكرّر
الوطء مع
التعزير ثلاثاً قتل في الرابعة أو الثالثة، على الخلاف المتقدّم إليه الإشارة غير مرّة.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۶، ص۱۶۸-۱۷۵.