حكم اشتراء مال المقاسمة والخراج
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(الثالثة : يجوز أن يشترى من
السلطان ) الجائر المخالف لا مطلقاً على الأصح (ما يأخذ باسم
المقاسمة ) والخراج (واسم
الزكاة ، من ثمرة وحبوب ونَعَم، وإن لم يكن) السلطان (مستحقّاً له) بشرط أن لا يزيد في الأخذ على ما لو كان
الإمام العادل ظاهراً لأخذه.وهو في الثالث مقدّر مضبوط، وقدّر في الأوّلين حيث لا تقدير فيهما في الشريعة بما يتراضى عليه السلطان وملاّك الأرضين في ذلك الزمان.
فلو أخذ الجائر زيادة على ذلك كلّه حرم الزائد بعينه إن تميّز، وإلاّ حرم الكلّ من باب المقدّمة.
والأصل في المسألة بعد عدم الخلاف في الطائفة،
والإجماع المستفيض حكايته في كلام جماعة
المعتبرة المستفيضة :
منها الصحيح : عن الرجل منّا يشتري من السلطان من إبل الصدقة وغنمها، وهو يعلم أنّهم يأخذون منهم أكثر من الحق الذي يجب عليهم، قال : فقال : «ما
الإبل والغنم إلاّ مثل الحنطة والشعير وغير ذلك، لا بأس به حتّى تعرف الحرام بعينه» قيل له : فما ترى في مصدّق يجيئنا فيأخذ صدقات أغنامنا فنقول : بعناها فيبيعناها، فما ترى في شرائها منه؟ قال : «إن كان قد أخذها وعزلها فلا بأس» قيل له : فما ترى في
الحنطة والشعير يجيئنا القاسم فيقسم لنا حظّنا ويأخذ حظّه فيعزله بكيل، فما ترى في شراء ذلك الطعام منه؟ فقال : «إن كان ما قبضه بكيل وأنتم حضور ذلك فلا بأس بشرائه منه بغير كيل».
والمناقشة في الدلالة أوّلاً : بمنعها على إباحة الخراج والمقاسمة؛ فإنّ غايتها الدلالة على حكم الزكاة خاصّة.وثانياً :
بانتفائها على إباحتها أيضاً؛ للإجمال في الجواب عن إباحتها بقوله : «لا بأس به حتّى تعرف الحرام بعينه» المحتمل لأن يراد منه الكناية عن عدم إباحتها، بناءً على معلوميّة حرمتها إجماعاً، ويكون المنشأ في
الإجمال هو التقيّة.وثالثاً : باحتمال كون المصدّق من قبل
العدل .ورابعاً : باحتمال
الشراء فيه
الاستنقاذ لا المعاملة الحقيقية، بناءً على كون متعلّقها فيه صدقات المشترين خاصّة.
مدفوعة، فالأوّل : بظهور لفظ القاسم في كون المأخوذ مال المقاسمة، سيّما في مقابلة لفظ المصدّق، مع مضيّ السؤال عن حكم المسئول عن حكمه هنا في الصدر، المشعر بل الظاهر في أنّه غير الأوّل، ويتمّ الباقي بعدم القول بالفصل.
والثاني : بانتفاء الإجمال بعد تعلّق السؤال بخصوص إبل الصدقة ووجوب مطابقة الجواب له
وإرجاع ضميره إليه، ولا ينافيه تعليق الإباحة وتحديدها بعدم معلومية الحرمة بعد تضمّن السؤال إيّاها فيما زاد على الصدقة المفروضة، فيكون حاصل الجواب حلّ شراء الصدقة إذا لم تعلم فيها الزيادة المحرّمة التي تضمّنها السؤال، وسياق الرواية يأبى عن حمل الإجمال فيها لو كان على التقيّة.
والثالث والرابع : ببعدهما غايته، سيّما الأوّل بملاحظة حال
الأئمّة : زمان صدور الرواية من تقيتهم من العامّة غاية التقيّة.ويدفع الثاني مضافاً إلى البعد الماضي بأنّ صدرها كالصريح في كون المبيع من غير المشتري.
ومنها الحسن : «ما يمنع ابن أبي سماك أن يخرج شباب الشيعة فيكفونه ما يكفيه الناس، ويعطيهم ما يعطي الناس؟» ثم قال للراوي : «لِمَ تركت عطاءك؟» قال : مخافةً على ديني، قال : «ما منع ابن أبي سماك أن يبعث إليك بعطائك؟ أما علم أنّ لك في
بيت المال نصيباً».
وهو مع حُسنه
واحتمال صحته واضح الدلالة، من حيث تجويزه عليه السلام أوّلاً لشباب
الشيعة أخذ ما يعطي الحاكم الناس المعينين له، ومن جملة ما يعطون وجوه الخراج والمقاسمة، وثانياً للراوي أخذ العطاء من بيت المال الغالب فيه اجتماع وجوههما فيه، لندرة الزكوات، فإنّ لها أرباباً مخصوصة يعطون من دون
إحراز لها فيه، فاحتمالها فيه ضعيف، وأضعف منه احتمال الوجوه الموصى بها أو المنذورة للشيعة، فالمناقشة في الدلالة بما مرّ ضعيفة.
ومنها الموثق : عن الرجل يشتري من العامل وهو يظلم؟ فقال : «يشتري منه ما لم يعلم أنّه ظلم فيه أحداً».
وترك
الاستفصال عمّا يشتري منه يفيد العموم لجميع أفراد السؤال التي منها مفروض البحث، ولا ينافيه القيد، لاشتراطه فيه إجماعاً.وليس المراد من الظلم مطلقه، كيف لا والعامل لا ينفكّ عنه مطلقاً، فالمراد منه الظلم الزائد على المتعارف عرفاً، وهو المستند في الشرط الذي قدّمناه تبعاً لأصحابنا.وبالوجه في دلالته يعلم الوجه في دلالة إطلاق النصوص المعتبرة بجواز الشراء من الظلمة من دون استفصال وتقييد بما يخرج عن مفروض المسألة : منها الصحيح : أشتري من العامل الشيء وأنا أعلم أنه يظلم؟ فقال : «اشتر منه».
والمرسل كالصحيح : أشتري الطعام فيجيئني من يتظلّم، يقول : ظلموني، فقال : «اشتره».
وينبغي تقييد الظلم فيهما بعدم العلم بوقوعه على المبيع، أو بعدم زيادته عن متعارفة لو وقع عليه، ويكون نسبته إلى الحاكم حينئذٍ من حيث عدم
استحقاقه لمثله، وعلى هذا فهما ظاهران فيما ذكره الأصحاب من جواز
الأخذ من المالك ولو تظلّم، أو أظهر عدم الرضاء، هذا.مع التأيّد بما سيأتي من الصحاح المستفيضة المبيحة على الإطلاق أو العموم جوائز الظلمة ، ونحوها المعتبرة المستفيضة الدالّة على جواز قبالة الخراج والجزية، كالصحيح : عن رجل يتقبّل بخراج الرجال وجزية رؤوسهم وخراج النخل والشجر
والآجام والمصائد والسمك والطير، وهو لا يدري لعلّ هذا لا يكون أبداً أو يكون، أيشتريه؟ وفي أيّ زمان يشتريه ويتقبّل به؟ فقال : «إذا علمت أنّ من ذلك شيئاً واحداً قد أدرك فاشتره وتقبّل به».
ونحوه الموثق.
والصحيح : «لا بأس بأن يتقبّل الرجل الأرض وأهلها من السلطان» وعن مزارعة أهل الخراج بالربع والنصف والثلث؟ قال : «نعم لا بأس به»
الخبر.وهو كالصريح في أنّ حكم تصرّف الجائر في هذه الأراضي حكم تصرّف الإمام العادل في الجملة.ويستفاد ممّا مرّ من النصوص صريحاً في بعض وإطلاقاً أو عموماً في آخر ما ذكره الأصحاب من غير خلاف يظهر : من عدم الفرق في الحكم المتقدّم بين الشراء وغيره من سائر المعاوضات والمعاملات، وقبض الجائر أو وكيله لها وعدمه، فلو وهبها وأحاله بها وقبّل الثلاثة، أو وكّله في قبضها، أو باعها وهي في يد المالك أو في ذمّته جاز
التناول ؛ لأنّ دليل الإباحة شامل لهذه الصور المفروضة.
وعلى ذلك يحمل الشراء والأخذ في العبارة وغيرها من كلام جماعة. ويؤيّد العموم ما اتّخذ دليلاً في أصل المسألة من
استلزام عدم الإباحة العسر والحرج على الشيعة المنفيّين آية ورواية.ثم إنّ في سقوط الزكاة بأخذ الحاكم لها قولين.
للأوّل : ظواهر الصحاح المستفيضة، منها : «ما أخذه منكم بنو أُميّة فاحتسبوا به ولا تعطوهم شيئاً ما استطعتم، فإنّ المال لا يبقى على هذا أن تزكّيه مرّتين».
ومنها : عن صدقة المال يأخذه السلطان؟ فقال : «لا آمرك أن تعيد».
بل يستفاد من كثير من المعتبرة وفيها الصحيح وغيره جواز
احتساب ما يأخذه باسم الخراج مكان الزكاة،
إلاّ أنّ ظاهر الأصحاب
الإطباق على ردّها، بل عليه إجماعنا عن المنتهى،
فتكون شاذّة، ومع ذلك محتملة للتقيّة، فقد حكي القول بمضمونها عن أبي حنيفة.
وللثاني :
الأصل ، والعمومات، وخصوص الصحيح : إنّ هؤلاء المصدّقين يأتون فيأخذون منّا الصدقة فنعطيهم إيّاها، أتجزي عنّا؟ فقال : «لا، إنّما هؤلاء قوم غصبوكم أو ظلموكم، وإنّما
الصدقة لأهلها».
ويخصّ الأوّلان بما مرّ، ويحمل الثالث لقصوره عن مقاومته على
الاستحباب تارة كما عن الشيخ، وعلى الإعطاء
اختياراً أخرى، كما ذكرهجماعة من أصحابنا،
وفيهما بُعدٌ، سيّما الثاني جدّاً، لمكان التعليل بالظلم، فالعمل به أحوط.
رياض المسائل، ج۸، ص۱۹۵-۲۰۱.