حكم الإجارة مع تلف العين أو إتلافه
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
المسألة هنا هي ما هو حكم
الإجارة حينما تلف أو أتلف العين المستأجرة.
المشهور
بل المجمع عليه
بين الفقهاء بطلان
الإجارة بتلف العين المستأجرة المعيّنة قبل
القبض ،
بل وعقيبه بلا فصل.
أمّا في أثنائه
فيرجع بالاجرة بمقدار التخلّف عن المدة فيما لو تساوت الأجزاء مع الوقت، ومع الاختلاف والتفاوت تلاحظ النسبة.
هذا ولكن استشكل البعض في صورة التلف فقال: «البطلان في صورة التلف مشكل مطلقاً، نعم
الأحوط فيما إذا أراد الرجوع بالاجرة
الفسخ ».
ومستند المشهور في انفساخ الإجارة بالنسبة إلى تلك المدة أحد الوجوه التالية:
التمسّك بما دلّ على أنّ تلف المبيع قبل قبضه يوجب البطلان أو انفساخ
البيع - فيكون من مال صاحبه
- بدعوى الغاء الخصوصية في البيع وتعميمه لمطلق المعاوضات.
واورد عليه بأنّ القياس على البيع غير صحيح،
ولو سلّم ذلك فغايته البطلان في التلف قبل القبض لا بعده بلا فصل، فضلًا عن التلف في أثناء المدة،
إلّا مع الضمّ إلى الوجه الآتي.
أنّ المعقود عليه في الإجارة هو
المنافع وهي متكثّرة بتكثّر الزمان، فما يكون منها بعد التلف لا وجود له في لوح الواقع من أوّل الأمر، فتبطل الإجارة بالنسبة إليه.
ولا ينقض عليه بعدم الفرق بين التلف
والإتلاف من هذه الجهة؛ ليكون القول بالبطلان في صورة التلف وحق الفسخ والخيار في صورة الإتلاف أشبه بالتناقض.
إذ قد يدفع التناقض المذكور تارة بأنّ
العرف والعقلاء يحكمان بهذه التفرقة، فإنّ التلف في نظرهما لما كان خارجاً عن اختيار المكلّف فلا محالة يكشف عن عدم وجودٍ للمنفعة المستقبلية، وهذا بخلاف فرض الإتلاف فانّه لما كان باختيار المكلّف- ولم تتلف العين لتكون المنافع فعلية خارجية- فانّه بهذا الاعتبار يكون من الرفع لا الدفع، فلا يوجب الانفساخ، بل يوجب التضمين مع حق الخيار للمستأجر إذا لم يكن هو المتلف؛ لتخلّف الشرط الارتكازي وهو تسليم العين وإبقاؤها عند المستأجر.
واخرى بأنّ عدم الانفساخ وإثبات
الخيار في فرض إتلاف الأجنبي والبائع فهو لامكان المعارضة في الجملة بقاعدة «من أتلف...» المفقودة مع التلف بآفة سماوية، كما أنّ اللزوم باتلاف المشتري باعتبار كونه كوصول العوض إليه؛
لضمانه له لو انفسخ العقد.
أنّ الغرض النوعي في المعاوضات هو بناء أمثال هذه العقود على
المعاوضة الشرعية والعرفية التي هي بمعنى تبديل سلطنة باخرى، فإنّ تعذّر ذلك لتلف المعوّض قبل تسليمه لم تتحقق المعاوضة بحسب النظر العقلائي.
أنّ من شروط صحة المعاوضات شرعاً وعقلائياً القدرة على
التسليم ، فانّه شرط بوجوده الواقعي حين العقد. والتسليم في المنافع المتكثّرة بتكثر الزمان يكون بتسليم العين وابقائها عند المستأجر في ذلك الزمان. وحينئذٍ يقال بأنّه بناءً على تسليم النظر العرفي القاضي بتحقق ملكية المنافع المستقبلية للمستأجر بالعقد ينكشف تعذّر التسليم على المالك بالتلف القهري فيحكم بالانفساخ من جهة فقدان شرط القدرة على التسليم لا عدم المعوّض.
أمّا في موارد إتلاف المؤجر للعين المستأجرة فحيث إنّه يكون الإتلاف فيها باختياره فهو من التعجيز والتعذّر بعد القدرة عليه حين العقد، وهو لا يوجب البطلان، كما أنّه لا وجه للبطلان باتلاف الأجنبي؛ إذ لا علاقة له بالتسليم من جهة المؤجر.
ثمّ انّه هل يتخيّر المستأجر في فسخ الإجارة بالنسبة إلى المدّة المتصرّمة أم لا؟
ذهب جمع من الفقهاء منهم
الشيخ والحلّي وغيرهما
إلى ثبوت ذلك
لتبعّض الصفقة بلحاظ عمود الزمان، بينما ذهب العلّامة في موضع من
التذكرة إلى وجوب الاجرة بلحاظ المدة الماضية، لكنه استشكل في ذلك في
التحرير .
والملاحظ أنّ الفقهاء صرّحوا بثبوت خيار تبعّض الصفقة للمستأجر في تلف بعض العين،
إلّا أنّهم لم يصرّحوا بذلك في المقام.
ولعلّ الوجه في عدم ثبوت الخيار هو أنّ ملاك خيار تبعّض الصفقة الشرط الضمني الارتكازي، وهو غير موجود بلحاظ الأجزاء الطولية للمنفعة في عمود الزمان، بمعنى أنّه ليس هناك شرط ضمني يقضي بأنّ المدّة التي استؤجر فيها العين إذا بقي مقدار منها غير منتقل إليه، فالمستأجر غير راضٍ بما استوفاه من المنفعة، على أنّه لا أثر لهذا الخيار هنا إلّا تبديل
أجرة المسمى بأُجرة المثل، وليست هذه هي الحكمة في جعل الخيار عقلائياً في موارد تبعّض الصفقة، فإنّ نكتة جعله عدم تبعّض الصفقة، وهو حاصل على كلّ حال
هذا كلّه في العين الشخصية.
وأمّا إذا آجره عيناً كلية ودفع فرداً منها فتلف فإنّ الإجارة لا تنفسخ؛ لأنّ المعقود عليه حقيقة هو المنفعة الكلية في الذمّة وهي لم تتشخص في فرد، غاية الأمر ينفسخ الوفاء، وعليه دفع فردٍ آخر.
المشهور بين الفقهاء
أنّ إتلاف العين المستأجرة لا يوجب الانفساخ سواء كان من قبل المؤجر أو المستأجر أو الأجنبي؛ لما تقدم من أنّ وجه الانفساخ في صورة التلف، إمّا انتفاء المنفعة أو عدم القدرة على التسليم، وكلاهما غير جارٍ في صورة الإتلاف. غاية الأمر للمستأجر حق الفسخ إذا أتلفها المؤجر لتخلّف الشرط الارتكازي، وهو التسليم في تمام المدة، وعليه فإمّا أن يختار الفسخ ويرجع بالاجرة المسماة أو يمضي العقد ويرجع إلى المؤجر بأُجرة مثل المنفعة الفائتة.
غير أنّ
المحقق العراقي قدس سره فصّل بين إتلاف المؤجر قبل القبض وبعده فوافق على ثبوت الخيار في الأوّل واستشكل في الثاني.
ولو أتلفها أجنبي قبل القبض تخيّر المستأجر بين الفسخ والرجوع بالاجرة المسمّاة؛ لعدم تحقق التسليم، وبين الإبقاء والرجوع إلى المتلف بأُجرة مثل الفائتة. وإن أتلفها بعد القبض انحصر حق المستأجر في تضمينه بأُجرة المثل، ولا خيار للمستأجر لخروج العين بعد التسليم عن عهدة المؤجر، ولا ربط لإتلاف الأجنبي حينئذٍ بالتسليم من قبل المؤجر.
أمّا إتلاف المستأجر فهو بمنزلة القبض.
ثمّ إنّ في قبال رأي المشهور أقوالًا ثلاثة:
الأوّل: انفساخ الإجارة لو لم يكن الإتلاف من جهة المستأجر كما هو ظاهر
النهاية والحلّي
وابني زهرة وحمزة ،
بل لعلّه صريح المحقّق في
النافع ،
ومال إليه
الخوانساري .
الثاني: التفصيل بين إتلاف الأجنبي قبل القبض حيث يوجب البطلان، وبين إتلاف غيره أو إتلافه بعد القبض فلا يوجب ذلك، وإلى ذلك ذهب بعض الأعلام.
الثالث: بطلان الإجارة في جميع صور الإتلاف كما في التلف، وإليه ذهب
السيد الخميني ،
واحتمله
السيد الحكيم ،
ولعلّ ذلك مبني على أنّه بحسب النظر العقلي والدقي لا فرق بين التلف والإتلاف من حيث انتفاء موضوع المنفعة، واعتبار المنفعة تابعة لوجود العين خارجاً، ولا يكفي فيه الوجود الفرضي ولو كان ذمياً.
يمكن تصوير تلف العين التي يعمل فيها الأجير في عدة فروض:
لو تلف مورد العمل قبل أن يعمل الأجير فيه شيئاً- كتلف الثوب قبل الخياطة أو موت الصبي قبل الارضاع- فالمشهور بين الفقهاء بطلان الإجارة بذلك؛
لتعذّر استيفاء المنفعة المعقود عليها،
وانكشاف عدم تملّك الأجير لهذه المنفعة ابتداءً لكي يكون قادراً على تمليكها.
وحينئذٍ لا فرق في ذلك بين أن يكون مورد العمل شيئاً معيّناً أو كلياً منحصراً في الفرد التالف،
وإن خالف البعض في ذلك كلّه حيث قال: «البطلان مشكل، والأحوط
الفسخ ثمّ الرجوع بالاجرة».
هذا كلّه فيما إذا كان متعلّق الإجارة عمل الأجير مطلقاً أو عمله الخارجي على ما سيأتي تفصيله.
أمّا إذا كان متعلّق الإجارة
منفعة شخص الأجير في زمن معيّن؛ بأن يكون مستعدّاً ومهيأً للقيام بالعمل في ذلك الوقت سواء أمره المستأجر به أم لا، فلا وجه لبطلان الإجارة بتلف العين؛ لرجوع ذلك لبّاً إلى تمليك منفعة العامل للمستأجر على حدّ منافع الأعيان. ولا يشترط في استحقاق الاجرة في الأعيان تحقق الاستيفاء من قبل المستأجر، فلو استأجر دكاناً ليبيع فيه ثوباً فسرق أو حرق فإنّ الإجارة لا تبطل، بل يستحق المؤجر
الاجرة .
إذا تلف بعض العين بطلت الإجارة بنسبة المقدار التالف إن لم يكن متعلّق الإجارة العمل التام؛ بأن كان قابلًا للتجزئة بتعدّد الأفراد كما لو استأجر شخصاً للرعي فتلف بعض الماشية
فإنّ الإجارة تبطل في التالف وتصح في المتبقي منها، غاية الأمر يتخيّر الأجير في الفسخ لتبعّض الصفقة، كما أنّه يحتمل تخيّر المستأجر لذلك أيضاً.
أمّا إذا كان متعلّق الإجارة العمل التام لا أجزائه بطلت الإجارة واسترجعت الاجرة جميعها.
لو تلفت العين في أثناء العمل فقد حكم الشيخ
وبعض من تبعه
بأنّ الأجير يستحق من الاجرة بمقدار ما عمل، ولكن بشرط أن يكون العمل في ملك المستأجر أو مع حضوره حتى يكون من باب التلف بعد
التسليم ، وحكم بذلك أيضاً
السيد اليزدي حتى فيما إذا لم يعمل بين يديه بناءً على مختاره من استحقاق الاجرة بالعمل ولو قبل تسليمه العين.
لو تلفت العين بعد إكمال العمل قبل تسليمها إلى المستأجر فإنّ صحة الإجارة واستحقاق الاجرة متوقّفان على ما مرّ من أنّ التسليم في باب الأعمال هل يتحقّق باتمام العمل أو لا بد من تسليم نتيجة العمل والعين التي عمل فيها الأجير مطلقاً أو فيما إذا أمكن ذلك؟
فإن قلنا بأنّ تسليم العمل يكون بتسليم نتيجته- إمّا من جهة أنّ متعلّق الإجارة هو الوصف العرضي والهيئة الحاصلة والصفة تلحق بالأعيان فلا بد من قبضه،
أو من جهة أنّ متعلّق الإجارة وإن كان في إجارة الأعمال هو العمل دائماً، أي إيجاد الخياطة مثلًا، إلّا أنّ تسليم المنفعة إنّما يكون بتمكين المستأجر من
الانتفاع ، وهذا لا يتحقق في الأعمال التي تكون المنافع في نتائجها إلّا بتسليم الأعيان
- فيتفرع عليه أنّ تلف المنفعة أو العمل المعوّض قبل تسليمها تكون من مال صاحبها فلا يستحق اجرة العمل كما ذهب إليه جمع من الفقهاء منهم الشيخ
والقاضي والعلّامة.
أمّا إذا قلنا بأنّ الصفة ليست من متعلّقات الإجارة وانّه يكفي في التسليم إتمام العمل فلا وجه لبطلان الإجارة بتلف العين بعد العمل، بل يستحق الأجير الاجرة المسماة كما اختاره المحقق
والعلّامة في
الارشاد وجماعة آخرين.
وإن قلنا بأنّ متعلّق الإجارة نفس العمل ولكن الأجير ملزم بالتسليم بمقتضى الشرط الارتكازي، فحيث إنّه معلّق على فرض وجود العين- ضرورة عدم التزام الأجير بعروض تلف سماوي يكون خارجاً عن اختياره على العين- فلا وجه لبطلان الإجارة بالتلف بل يستحق الأجير الاجرة المسمّاة.
تارة يكون الإتلاف قبل العمل واخرى بعده:
۱- الظاهر بطلان الإجارة باتلاف المؤجر مورد العمل قبل أن يعمل فيه على المشهور؛ لأنّه بمثابة ترك العمل المعروف بينهم انفساخ الإجارة به،
خلافاً لما ذهبوا إليه في إتلاف المؤجر للعين المستأجرة حيث حكموا بضمانه للمنفعة كما تقدم.
والفرق بينهما هو أنّ العرف يرى فعلية المنفعة في إجارة الأعيان تابعة لوجود العين، فإن أتلفها كان ضامناً لها، ويكون المستأجر مخيّراً بين الإبقاء في يده وتضمينه، وبين الفسخ من جهة تخلّف شرط التسليم.
وأمّا في المقام فحيث إنّ متعلّق الإجارة عمل الأجير، والعمل ليس قائماً بمورد العمل- كالثوب مثلًا- قبل تحققه، فلا يكون إتلافه للثوب إتلافاً لما يملكه الغير- وهو المستأجر- بعقد الإجارة، فلا وجه لضمانه قيمة الخياطة، بل تنفسخ الإجارة بذلك لعدم إمكان تحقق العمل.
إلّا أنّه يظهر من بعض كلمات السيد اليزدي
أنّ إتلاف المؤجر لمحل العمل موجب لتخيير المستأجر بين الفسخ والتضمين، واختاره بعض المعلّقين على العروة أيضاً.
لكنه صرّح في موضع آخر
بما هو المشهور من أنّه لو أتلف المؤجر محل العمل قبله أو في الأثناء بطلت الإجارة واسترجع المستأجر تمام الاجرة أو بعضها، وتبعه عليه بعض المتأخرين عنه.
وفصّل
السيد الشهيد الصدر بين ما إذا كان مورد الإجارة هو العمل الخارجي فتبطل الإجارة باتلاف المحل، وبين ما إذا كان موردها العمل الكلّي في الذمة فلا تنفسخ؛ لوجود متعلّق الإجارة على الثانية في الذمة اعتباراً، وإن تعذّر عليه تسليمه فللمستأجر الخيار بين الفسخ والرجوع بقيمة الثوب غير مخيط، وبين الإبقاء وتضمين الأجير قيمته مخيطاً.
۲- أمّا لو أتلف المالك- المستأجر- محل العمل قبل عمل الأجير فظاهر
العروة في بعض المواضع
أنّ إتلاف المستأجر بمنزلة
القبض ، وتبعه عليه بعض الفقهاء،
من دون فرق في ذلك بين تعلّق الإجارة بالعمل الخارجي أو به في ذمة الأجير، فإنّ
الإتلاف في كلتا الصورتين بمنزلة القبض، فيكون من كيس المالك نفسه.
ولكنه فصّل في موضع آخر
بين ما لو كانت الإجارة واقعة على منفعة المؤجر بأن كان يملك منفعة الخياط في يوم كذا، فإن أتلف المستأجر متعلّق العمل كان إتلافه بمنزلة استيفائه للمنفعة؛ لأنّه فوّت بذلك على نفسه المنفعة، وبين ما إذا كان متعلّق الإجارة نفس العمل، فإنّ إتلاف متعلّقه قبل العمل يوجب بطلان الإجارة ورجوع الاجرة إلى المستأجر.
ووجه الفرق في ذلك ما تقدم من أنّ الصورة الاولى ترجع لبّاً إلى تمليك منفعة العامل للمستأجر على حد منافع الأعيان، كما لو استأجر دكاناً ليبيع فيه الثوب الخام فأتلفه فإنّه لا يوجب بطلان الإجارة؛ لأنّ المؤجر سلّم المنفعة لكن المستأجر لم يستوفها باختياره، وهذا بخلاف ما إذا كان مورد الإجارة هو العمل فانّه لا يكون قادراً على تسليم عمله بعد إتلاف الثوب.
هذا ولكن صرّح
السيد الحكيم بأنّه لا فرق بين الصورتين في كون عدم العين موجباً لتعذر العمل المستأجر عليه
فتبطل الإجارة بتعذّر متعلّقها.
۳- لو كان المتلف هو الأجنبي ففي موضع من العروة أنّه موجب لضمانه،
من غير تفصيل بين إجارة الأعيان وإجارة الأعمال، وزاد عليه
السيد الگلبايگاني :
«أنّ المستأجر يتخيّر بين الفسخ لتعذّر التسليم والإبقاء والرجوع إلى المتلف في عوض المنفعة».
وقال
السيد اليزدي في موضع آخر:
«لو أتلفها المؤجر أو الأجنبي قبل العمل أو في الأثناء بطلت الإجارة ورجعت بتمامها أو بعضها إلى المستأجر».
وتبعه عليه بعض الفقهاء
نظراً إلى أنّ الأجنبي باتلافه للعين يكون قد أعدم موضوع العمل وجعله متعذّر الحصول خارجاً، لا أنّه أتلف نفس العمل ليكون ضامناً، ضرورة عدم كونه من منافع العين ليكون قد أتلفه باتلاف العين.
وهذا بخلاف الإجارة على الأعيان فإنّ الأجنبي إذا أتلف العين المستأجرة يكون قد أتلف على المالك العين مسلوبة المنفعة وعلى المستأجر المنفعة، فيصدق عنوان الإتلاف الذي هو موضوع الضمان.
نعم، لو استلزم إتلاف العين تفويتاً لفرصة العمل على الأجير أمكن أن يقال
بضمان قيمة فرصة العمل.
هذا ولكن صرّح بعض المحققين هنا بنفس التفصيل المتقدم في كون مورد الإجارة منفعة العامل أو العمل على وجه التقييد بالنسبة إلى العين الخاصة بحيث يكون إتلاف متعلّق العمل في النحو الثاني موجباً لبطلان الإجارة، بخلاف النحو الأوّل
الذي يكون الأجنبي فيه ضامناً للمنفعة، وحينئذٍ فلا يبعد دعوى ثبوت الخيار للمستأجر في المقام؛ لأنّه بحكم الاتلاف قبل القبض.
لا إشكال في أنّ المستأجر إذا أتلف محل العمل بعد اتمام الأجير عمله فانّه بحكم الاستيفاء، وتجب عليه الاجرة المسماة. أمّا في إتلاف الأجير أو الأجنبي، فالمسألة مبتنية على المباني الموجودة في كيفية تحقق التسليم في إجارة الأعمال، وكذا على البحث في أنّ الإتلاف قبل القبض هل يلحق بالتلف أم لا.
فانّه على القول بأنّ متعلّق الإجارة هو العمل وأنّ تسليمه بصدوره وتحققه خارجاً يتم ما ذكره
المحقق النجفي وغيره من صحة الإجارة وعدم حق الفسخ للمستأجر وضمان قيمة الثوب مخيطاً.
وعلى القول بأنّ متعلّقها هو النتيجة الحاصلة في العين وأنّه بتلفها أو إتلافها يكون متعلّق الإجارة تالفاً يلزم القول بانفساخ الإجارة وضمان الأجير قيمة الثوب غير مخيط، هذا إذا قيل بأنّ تلف المعوّض قبل قبضه يكون من مال صاحبه مطلقاً، وذلك إمّا بناءً على استفادته من
الرواية الواردة في باب
البيع بعد الغاء الخصوصية فيها، أو بدعوى أنّ ذلك هو الغرض النوعي من المعاملات.
وأمّا على القول بانكار كون التلف قبل القبض من مال صاحبه في الإجارة إمّا مطلقاً أو في خصوص الإتلاف فانّه يلزم القول بتخيير المستأجر بين الإبقاء وتضمينه الثوب مخيطاً مع دفع الاجرة المسماة وبين فسخ الإجارة من جهة تخلّف التسليم. ومع الفسخ يرجع المالك بقيمة الثوب غير مخيط، ولا يضمن اجرة الخياطة؛ لأنّ متعلّق الإجارة هو الصفة ولم تحصل.
هذا إذا كانت قيمة العين غير معمولة أقل من قيمته معمولةً، ولو انعكس الفرض انحصر حق المستأجر في تضمينه قيمته معمولة
للاذن في النقص.
وأمّا على القول بأنّ متعلّق الإجارة وإن كان هو العمل بالمعنى المصدري، إلّا أنّ تسليمه يكون بتسليم العين التي صبّ العمل فيها- بعد كون المقصود من التسليم تمكين المالك من الانتفاع بأحد العوضين- فإنّ النتيجة هي تخيير المستأجر بين الإبقاء والرجوع بقيمة الثوب مخيطاً مع دفع الاجرة المسماة كالسابق، وبين الفسخ والرجوع بقيمة الثوب مخيطاً، كما أنّه يضمن للأجير اجرة مثل عمل الخياطة خلافاً لما سبق، نظراً إلى أنّ متعلّق الإجارة هو نفس العمل وقد حصل، فيترتّب عليه حكمه من استحقاق اجرة العمل وضمان قيمته مع الإتلاف، وأمّا تخلّف الشرط الضمني هنا- وهو التسليم- فانّه لا يوجب إلّا حق الفسخ فقط.
ثمّ إنّ بعض الفقهاء
قوّى القول هنا بضمان الأجير قيمة الثوب مخيطاً مع عدم استحقاقه الاجرة، نظراً إلى أنّ الوصف وإن كان من عمل الأجير لكنّه صار سبباً في زيادة قيمة العين، فيكون بالإتلاف أو التفريط ضامناً لقيمتها مع الوصف، ولكنه لا يستحق مع ذلك الاجرة؛ لعدم تحقق التسليم.
لو أتلف العين متلف هل يلزمه ضمان قيمة يوم التلف أو غيره؟ فيه أقوال:
ذهب الشيخ في
النهاية والحلّي إلى ضمان المتلف قيمة يوم العدوان، وهو ظاهر المحقق،
واختاره
ابن سعيد والعلّامة،
بل في
المسالك والرياض أنّ عليه الأكثر، لكن قال المحقق النجفي: «انّه لم يجد ذلك قولًا لأحدٍ في غير المقام».
وذهب جملة من الفقهاء منهم الشيخ في
المبسوط وفخر المحققين وغيرهم
- إلى ضمان أعلى القيم من يوم العدوان إلى يوم التلف.
وفصّل
ابن حمزة بين
التفريط والتعدي حيث حكم بضمان القيمة يوم التلف في التفريط، وفي
التعدي يضمن أكثر قيمة من يوم التلف.
اختار الشهيدان
والمحقق الثاني والنجفي
ضمان القيمة يوم التلف، بل نسب
أيضاً إلى المشهور.
ذهب السيد اليزدي إلى القول بضمان القيمة يوم الأداء.
وتفصيل الكلام وبيان الأدلّة فيه موكول إلى محله.
الموسوعة الفقهية، ج۴، ص۲۳۲-۲۴۴.