حكم الصلاة في فرو السنجاب
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(وفي) جواز الصلاة في (فرو
السنجاب قولان، أظهرهما الجواز) وفاقا للمقنع والشيخ في
المبسوط وموضع من النهاية والخلاف،
نافيا عنه في الأوّل الخلاف، مؤذنا بدعوى
الإجماع عليه، كالصدوق في الأمالي، حيث جعله من دين
الإمامية الذي يجب
الإقرار به،
ونسبه في المنتهى إلى أكثر الأصحاب،
وفي شرح القواعد للمحقق الثاني إلى جمع من كبرائهم،
وفي الذخيرة وغيرها إلى المشهور بين المتأخرين.
وهو كذلك، بل لعلّه عليه عامّتهم عدا الفاضل في
التحرير والقواعد وفخر الدين في شرحه والصيمري،
وظاهرهم التردد، لاقتصارهم على نقل القولين من غير ترجيح.ولعله في محله. وإن كان القول بالجواز ليس بذلك البعيد، للإجماع المحكي المعتضد بالشهرة العظيمة الظاهرة والمحكية في كلام جماعة، مضافا إلى النصوص المستفيضة : ففي الصحيح : «صلّ في الفنك والسنجاب، وأما السمور فلا تصلّ فيه»قلت : والثعالب يصلى فيها؟ قال : «لا»
الحديث.
وفيه : عن الفراء-الفرا : الحمار الوحشي، والجمع : الفراء، مثل الجبل والجبال. -
والسمور والسنجاب والثعالب وأشباهه، قال : «لا بأس بالصلاة فيه».
وفي الخبر : «صلّ في السنجاب والحواصل الخوارزمية، ولا تصلّ في الثعالب ولا السمور».
وفي آخر : أصلّي في الفنك والسنجاب؟ قال : «نعم» قلت : تصلّى في الثعالب إذا كانت ذكية؟ قال : «لا تصلّ فيها».
وفي آخرين : عن الصلاة في السمور والسنجاب والثعالب، فقال : «لا خير في ذا كلّه ما خلا السنجاب، فإنه دابّة لا تأكل اللحم»
كما في أحدهما، ونحوه الثاني.
وضعف الأسانيد والتضمن لما لا يقولون به غير ضائر،
لانجبار الأوّل بالشهرة والإجماع المحكي، وعدم الخروج عن الحجية بالثاني، كما قرر في محله، وإن أوجب الوهن في مقام
التعارض ، لانجباره بالكثرة والشهرة، وبالصراحة
بالإضافة إلى المعارض، إذ ليس إلّا العمومات المانعة حتى الموثق كالصحيح الذي هو
الأصل والعمدة من أدلّة المنع.
ودعوى صراحته في المنع عن السنجاب،
لابتناء الجواب العام فيه عليه، لسبق السؤال عنه الذي يصيّره كالنص في المسؤول عنه غير مفهومة، وإن صرّح بها جماعة،
لإمكان تخصيص السنجاب في الجواب بأن يقال : كل شيء حرام أكله فالصلاة في وبره مثلا حرام إلّا وبر السنجاب الذي سألت عنه، وحيث جاز التخصيص متصلا جاز منفصلا، لعدم الفرق بينهما جدّاً.وبالجملة : لم أجد من المعارض ما يدل على المنع بالخصوص، بل ما وقفت عليه منه دلالته كله من جهة العموم، وهو لا يعارض الخصوص وإن اشتمل على ما لا يقول به أحد.
نعم، في الرضوي : «ولا يجوز الصلاة في سنجاب ولا سمور وفنك..وإيّاك إيّاك أن تصلّي في الثعالب».
كما عن موضع منه، وعن موضع آخر منه : «وإن كان عليك غيره من سنجاب أو سمور أو فنك وأردت الصلاة فيه فانزعه» لم نعثر عليه في
فقه الرضا عليه السلام ووجدناه في الفقيه حاكيا عن رسالة والده.
وهو نص في المنع، كما هو خيرة المختلف، وعن صريح والد
الصدوق ، والشيخ في قوله الآخر، والحلي والقاضي،
وظاهر الإسكافي والحلبي والمرتضى وابن زهرة،
حيث منعوا عن كل ما لا يؤكل لحمه من دون
استثناء ما نحن فيه، ونسبه الشهيدان في الذكرى والروض والمحقق الثاني في شرح القواعد إلى أكثر الأصحاب،
وعن ابن زهرة دعوى الإجماع عليه،
وفي السرائر : جلد ما لا يؤكل لحمه لا يجوز الصلاة فيه بغير خلاف من غير استثناء.
ولذا يشكل الحكم بالجواز في المسألة؛ لنفي الخلاف في كلام الحلي ودعوى الإجماع في كلام ابن زهرة، المعتضدين بالشهرة المنقولة في كلام هؤلاء الجماعة، وصريح الرضوي المعتضد بعموم الأخبار المانعة، مع خلوصها عن التضمّن لما لا يقول به أحد من الطائفة، وبعدها عن طريقة العامة.ولكن يمكن الذبّ عن جميع ذلك : فنفي الخلاف والإجماع بالمعارضة بالمثل، مع كون الثاني مدّعى على المنع عموما. ولا كذلك معارضه، لدعواه على الجواز في السنجاب بالخصوص.وكذا الشهرة المحكية معارضة بمثلها كما عرفت، مع قوّته وأرجحيّته عليها بالتحقق والقطع به من غير جهة النقل، دون الشهرة المحكية في كلام هؤلاء، لعدم تحققها، بل ظهور استناد حكايتهم إلى
إطلاق المنع من غير استثناء : في عبائر جملة من القدماء.
والرضوي ـ مع قصور سنده وعدم
اشتهاره وعدم مكافأته للمستفيضة المتضمنة للصحيح وغيره ـ مصرّح بعد المنع بورود رواية بالرخصة، مشعرا بأن الأصل المنع والجواز رخصة، كما هو ظاهر الصدوق وجماعة كالشيخ في الخلاف والتهذيبين والديلمي والجامع
كما حكي، فهو أيضا مؤيد للجواز ولو رخصة، وعموم الأخبار مخصّص بخصوص الأخبار المرخّصة، وهي أقوى دلالة، وبعيدة أيضا عن مذهب العامة، لتضمن أكثرها المنع عما ظاهرهم
الإطباق على الجواز فيه، كما حكاه جماعة،
فالتفصيل لا يوافق مذهبهم بلا شبهة.
وبالجملة : فالجواز لعله لا يخلو عن قوة، ولكن مع الكراهة كما عن ابن حمزة.
وإن كان الأحوط الترك بلا شبهة، تحصيلا للبراءة اليقينية، وخروجا عن شبهة الخلاف في المسألة فتوى وأدلّة.
رياض المسائل، ج۲، ص۳۱۳-۳۱۸.