دية الشفتين
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
في استئصال الشفتين
الدية؛ وفي تقدير دية كل واحدة خلاف؛ قال في
المبسوط: في العليا الثلث، وفي السفلى الثلثان، واختاره
المفيد؛ وقال في
الخلاف: في العليا أربعمائة دينار، وفي السفلى ستمائة، وكذا في
النهاية، وبه
رواية فيها ضعف؛ وقال
ابن بابويه: في العليا نصف الدية. وفي السفلى الثلثان؛ وقال
ابن أبي عقيل: في كل واحدة نصف الدية، وهو قوي. وفي قطع بعضها بحساب ديتها.
وفي استئصال الشفتين
الدية بالإجماع الظاهر، المستفيض النقل
، المعتضد بالعمومات المتقدمة في الأُذنين، وخصوص النصوص المستفيضة
، وفيها
الصحيح وغيره.
ولكن في تقدير دية كل واحدة منهما خلاف:
فقال
الشيخ في
المبسوط في العليا الثلث، وفي السفلى الثلثان، واختاره
المفيد في
المقنعة وجماعة
كالمراسم والكافي والجامع والإصباح على ما حكي عنهم، وهو خيرة الغنية
مدّعياً في ظاهر كلامه كالمبسوط إجماع
الإمامية، قال المفيد: لأنّها تمسك الطعام والشراب، وشينها أقبح من شين العليا، وبهذا ثبتت الآثار عن
أئمّة الهدى (علیهمالسّلام).
والإجماع معارض بمثله كما يأتي.
والتعليل لا يفيد سوى التفضيل في السفلى ونحن نقول به كما ستدري، ولكنّه لا يعيّن الثلثين كما يقولون، فيحتمل الثلاثة أخماس كما في القول الآتي.
والآثار مرسلة لم نقف عليها، مع أنّ الموجود منها على خلافها، إلاّ ما في كتاب ظريف
الذي وصل إلينا، وهو وإن تضمّن الثلثين في السفلى لكنّه صرّح بالنصف في العليا، ولم يقولوا به، فهو وإن وافق من جهة لكن خالف من اخرى، مع أنّ المحكي عنه أيضاً المخالفة مطلقا كما ستعرفها.
وقال في
الخلاف: في العليا أربعمائة دينار، وفي السفلى ستمائة، وكذا قال في
النهاية وكتابي الحديث
، وحكي عن
المقنع والهداية والمهذّب والوسيلة والصهرشتي والطبرسي واختاره في المختلف
.
وبه رواية
أبي جميلة، عن
أبان بن تغلب، عن
أبي عبد الله (علیهالسّلام) قال: «في السفلى ستّة آلاف، وفي العليا أربعة آلاف، لأنّ السفلى يمسك الماء»
.
وفيها كما ترى ضعف بأبي جميلة، وإن روى عنه
الحسن بن محبوب المحكي على تصحيح ما يصح عنه إجماع العصابة
، وحكى
الماتن مضمونها عن كتاب ظريف أيضاً
؛ لعدم بلوغها بالأوّل درجة الاعتبار والصحة، وضعف الحكاية بمخالفتها لما يروى عن ذلك الكتاب في الكتب المشهورة ممّا ستعرفه.
نعم عن الخلاف
دعوى
الإجماع، لكنّه بعد الإغماض عن وهنه في نحو المضمار معارض بالمثل، بل وأجود؛ للتعدّد، كما مضى.
وقال
الإسكافي وابن بابويه على ما حكاه الماتن: في العليا نصف الدية، وفي السفلى الثلثان لما في كتاب ظريف المروي
في الكتب المشهورة بعدّة طرق معتبرة كما عرفته، لكن ندرة القول به ومتروكيته كما في
الشرائع وشرحه
للصيمري، وعدم مقاومته لما سبق من الأدلّة وما يأتي يضعِّف العمل به، سيّما مع مخالفته للأدلّة فتوًى ونصّاً على أنّ في الشفتين الدية لا زائداً، إلاّ أن يخصّ ذلك بصورة الجناية عليهما معاً لا منفرداً.
وقال
ابن أبي عقيل: إنّ في كل واحدة نصف الدية لا يفضل إحداهما على الأُخرى بزيادة
وهو قوي متين؛ لعموم الأدلّة على أنّ: ما كان اثنين ففي كل منهما نصف الدية، وخصوص
الموثق: «الشفتان العليا والسفلى سواء في الدية»
.
وحمله على التساوي في وجوب الدية لا قدرها بعيد.
وإليه ذهب الفاضلان هنا وفي الشرائع
والتحرير والإرشاد والقواعد، والشهيدان في
اللمعتين،
والفاضل المقداد في الشرح
، وغيرهم من المتأخرين
.
ولكن في النفس منه شيء؛ لندرة القول به بين القدماء، بل كاد أن يكون خلاف المجمع عليه بينهم، كما نصّ عليه
الحلّي، فقال بعد تقويته هذا القول: إلاّ أن يكون على خلافه إجماع، ولا شك أنّ
الإجماع منعقد على تفضيل السفلى، والاتفاق حاصل على الستمائة دينار، والأصل براءة الذمة ممّا زاد عليه، قال: وبهذا القول الأخير أعمل وأُفتي، وهو قول شيخنا في
الاستبصار.
ويعني القول بالأربعمائة والستمائة، وقد كان اختار أوّلاً القول الأوّل، ولنعم ما استدرك.
وبه يضعّف قول من تأخّر، سيّما مع دعاوي الإجماعات المتقدّمة، وورود
الروايات العديدة على خلافه.
ولكن ما حقّقه في اختيار ما في الاستبصار ضعيف؛ فإنّ حاصله الرجوع إلى
أصل البراءة عن الزائد على الستمائة، وهو جارٍ في الزائد عن الثلث في العليا أيضاً، فهو وإن أبرأ ذمّة إلاّ أنّه شغل اخرى، والتمسك به مشروط بأن لا يلزم منه ثبوت تكليف ولو من وجه آخر، ولو لزم لم يجز قطعاً.
ولو تمسك به في العليا أيضاً لزم خرق الإجماع جدّاً؛ لعدم قائل بالثلث في العليا وثلاثة أخماس في السفلى كما يقتضيه الأصل فيهما، بل كلّ من قال بالأوّل في الأُولى قال بضعفِه في الثانية، وكلّ من قال بالثلاثة أخماس فيها قال بالخُمسَين في الاولى، مع أنّ هذا خيرة الإستبصار
الذي اختاره لا ما سبقه، فالتمسك لإثباته بأصالة البراءة ضعيف في الغاية.
ومن جميع ما مرّ ظهر أنّ المسألة محل تردّد وشبهة، لكن الذي يقتضيه النظر ضعف الأخيرين جدّاً، ويبقى الكلام في تعيين أحد الأوّلين وترجيحه على الآخر، ولا مرجّح يظهر، فليؤخذ بما هو
الأحوط، وهو الأخذ بالمتيقن من الثلث في العليا والثلاثة أخماس في السفلى، ويرجع في الزائد في المقامين إلى
الصلح.
وعلى الأقوال في قطع بعضها يؤخذ له بحساب ديتها كما سبق في نظائرها.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۶، ص۴۴۴-۴۴۸.