دية قتل العمد
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
فدية العمد: مئة من مسان الإبل، أو مئتا بقرة، أو مئتا حلة، كل حلة ثوبان من برود
اليمن، او الف
دينار، او الف شاة، او عشرة آلاف
درهم، وتستأدى في سنة واحدة من مال الجاني، ولا تثبت إلا بالتراضي.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ دية قتل العمد حيث تتعيّن أو يراد الصلح عليها مائة من مسانّ الإبل وهي الثنايا
فصاعدا، وفي بعض كلمات
الشهيد أنّ المسنّة من الثنيّة إلى بازل
عامها
.
أو مائتا بقرة وهي ما يطلق عليه اسمها ولو كان غير مسنّة، على ما يقتضيه إطلاق العبارة وغيرها من
النصوص والفتاوي.
خلافاً للمحكي عن
النهاية والمهذّب والجامع فمسنّة.
والحجة عليه غير واضحة، فهو ضعيف، ومع ذلك شاذّ، كالمحكي عن الأخير في الأوّل أيضاً، حيث قيّده بالفحولة.
ولكنّها أحوط، سيّما الأخير؛ لدلالة جملة من المعتبرة عليه، وفيها الصحيح والموثّق وغيرهما: عن دية العمد؟ فقال: «مائة من فحولة الإبل المسانّ، فإن لم يكن إبل فمكان كل جمل عشرون من فحولة الغنم»
.
ولكن في صلوحها لتقييد النصوص المطلقة نظر؛ لاعتضادها دون هذه بفتوى الأكثر، سيّما مع ورودها في مقام الحاجة، واشتمال هذه على ما لم يقل به أحد من الطائفة، ولذا حملها
الشيخ على
التقية.
أو مائتا حلّة بالضمّ، على الأشهر الأظهر بين الطائفة، ونفى عنه الخلاف بعض الأصحاب
، وعليه
الإجماع في
الغنية، وهو الحجّة، دون الصحيح: سمعت ابن أبي ليلى يقول: كانت الدية في الجاهلية مائة من الإبل فأقرّها
رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم)، ثم إنّه فرض على أهل البقر مائتي بقرة، وفرض على أهل الشاة ألف شاة وعلى أهل اليمن الحلل مائتي حلّة
.
لعدم الحجة في نقل ابن أبي ليلى، سيّما وأنّ الراوي سأل
أبا عبد الله (علیهالسّلام) عمّا رواه، فقال: «كان
علي (علیهالسّلام) يقول: الدية ألف دينار، وقيمة الدنانير عشرة آلاف درهم، وعلى أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق عشرة آلاف درهم لأهل الأمصار، ولأهل البوادي الدية مائة من الإبل، ولأهل السواد مائتا بقرة، أو ألف شاة».
ولم يذكر (علیهالسّلام) أصل الحلّة فضلاً عن عددها، ومع ذلك فما هنا إنّما هو على نسخة
التهذيب، وأمّا على نسخة:
الكافي والفقيه والاستبصار فإنّما هو مائة حلّة، ولذا قال
الصدوق بها في
المقنع، ولكنّه شاذّ، ومستنده لما عرفت ضعيف.
وأمّا الصحيح: في الدية، قال: ألف دينار، أو عشرة آلاف درهم، ويؤخذ من أصحاب الحلل الحلل، ومن أصحاب الإبل الإبل، ومن أصحاب الغنم الغنم، ومن أصحاب البقر البقر
.
فليس فيه سوى الدلالة على ثبوت أصل الحلّة دون عددها أنّها مائتان أو مائة.
مع أنّ في بعض نسخ التهذيب «الخيل»، بدل الحُلل، وحينئذٍ لا دلالة فيه على الأصل أيضاً، لكن نسخة
الكافي بما نقلناه واحدة، وهي أرجح من نسخة التهذيب المزبورة، سيّما مع أنّ بعض نسخه أيضاً له موافقة.
واعلم أنّ كل حلّة ثوبان على ما نص عليه أكثر أهل اللغة والأصحاب، من غير خلاف بينهم أجده، فعن
أبي عبيد: الحلل برود اليمن، والحُلّة إزار ورداء، لا تسمّى حلّة حتى تكون ثوبين
وابن الأثير: الحلّة واحدة الحلل، وهي برود اليمن ولا تسمّى حلّة إلاّ أن تكون ثوبين من جنس واحد
.
والمصباح المنير: الحلّة بالضم لا تكون إلاّ ثوبين من جنس واحد
.
والعين: الحلّة إزار ورداء، برد أو غيره، لا يقال لها حلّة حتى تكون ثوبين، وفي
الحديث تصديقه
.
والقاموس: لا تكون حلّة إلاّ من ثوبين أو ثوب له بطانة
.
ويستفاد منهم أن التعدّد له مدخلية في صدق الحلّة وعدمه مع الوحدة، وعليه فيكون القيد في العبارة توضيحاً لا تقييداً، وكذلك التقييد بكونهما من برود اليمن على ما يستفاد من الأوّلين.
وفي
السرائر زاد بعد اليمن: أو نجران
. ولم أقف على دليله، نعم ما مرّ عن العين ربما يعضده، فتدبّر.
ثم إنّ المعتبر من الثياب ما يصدق عليه اسم الثوب عرفاً، لا مجرّد ما يستر العورة خاصّة، كما ربما يقال؛ لفساده قطعاً.
أو ألف دينار أي مثقال ذهب خالص، كما في صريح
الخبر: «دية المسلم عشرة آلاف من
الفضة، أو ألف مثقال من
الذهب، أو ألف من الشاة على أسنانها أثلاثاً، ومن الإبل مائة على أسنانها، ومن البقر مائتين»
.
وفي باقي النصوص المعتبرة ألف دينار
.
أو ألف شاة وهي ما يطلق عليه اسمها ولو كان أُنثى.
وأمّا المعتبرة المتقدمة الدالة على أنّ مكان كل جمل عشرون من فحولة الغنم، فقد عرفت جوابه، مع دعوى
الإجماع على خلافها في الغنية
، وعدم قائل بها هنا على ما أجده، إلاّ ما ربما يتوهّم من الشيخ في الكتابين
، حيث حملها على وجهين:
أحدهما: أنّ الإبل يلزم أهل الإبل، فمن امتنع من بذلها ألزمه الوليّ قيمتها، وقد كانت قيمة كل جمل عشرين من فحولة الغنم، كما في
الصحيح: «ومن الغنم قيمة كل ناب من الإبل عشرون شاة»
.
وثانيهما: اختصاص ذلك بالعبد إذا قتل حرّا، كما في الخبر المتضمّن للسؤال عن قتله له قال: «مائة من الإبل المسانّ، فإن لم يكن إبل فمكان كل جمل عشرون من فحولة الغنم»
.
ولكن الظاهر أنّ ذلك منه ليس قولاً، بل إنّما ذكره جمعاً.
أو عشرة آلاف درهم كما مرّ في جملة من المعتبرة، ويأتي في جملة أُخرى إليه الإشارة.
وأمّا ما في الصحيح وغيره من أنّه اثنا عشر ألفاً
، فمع شذوذه، وعدم ظهور قائل به، ودعوى الإجماع في الغنية
على خلافه محمول على التقية، كما ذكره الشيخ، قال: لأنّ ذلك مذهب
العامّة، واحتمل أيضاً حملهما على ما ذكره
الحسين بن سعيد وأحمد بن محمد بن عيسى معاً: أنه روى أصحابنا أنّ ذلك من وزن ستّة، قال: وإذا كان كذلك فهو يرجع إلى عشرة آلاف درهم
.
واعلم أنّ هذه الخصال الستّة وإن لم يشتمل على تمامها رواية فيما أجده، إلاّ أنّها مستفادة من الجمع بين روايات المسألة بعد ضمّ بعضها إلى بعض، مع تضمّن جملة منها خمسة ما عدا الحلّة، كالصحيحة المتضمّنة لنقل
ابن أبي ليلى، وكذا الصحيحة التي بعدها على نسخة الخيل بدل الحلل، وإلاّ فهي شاملة للستّة، وإن قصرت عن إفادة بيان العدد في الحلّة، ونحوهما
الرواية المتقدّمة في الدينار بحمل الواو في جملة من أعدادها على «أو» بقرينة الإجماع والروايات الأُخر؛ فإنّ أخبارهم: بعضها يكشف عن بعض، فما يقال: من عدم وضوح دلالة الأخبار على تمام هذه الخصال لا وجه له، هذا.
وقد ادّعى في الغنية
الإجماع عليها بعد ما ذكرها بعين ما هنا مخيّراً بينها، ونفى عنه الخلاف بعض أصحابنا
أيضاً، فلا إشكال فيها بحمد الله تعالى.
وإنّما الإشكال في أنّها هل على
التخيير، كما هو ظاهر العبارة وعامة المتأخرين؟ أم على التنويع، بمعنى أنّه يجب كل صنف منها على أهله، كما عن الشيخين وغيرهما من القدماء
؟
وللأوّل بعد
الأصل: ظاهر «أو» المفيدة للتخيير في جملة من النصوص، مع ظهور دعوى الإجماع عليه في عبائر كثير،
كالحلّي وغيره
.
وللثاني:
الاحتياط، وظواهر كثير من النصوص المتقدمة جملة منها، المتضمّنة لأنّ الإبل على أهلها، والبقر على أهلها، وهكذا.
وحمل هذه على إرادة التسهيل على القاتل لئلاّ يكلّف تحصيل غيره فتنطبق على أخبار التخيير وإن أمكن، إلاّ أنّه يمكن الجمع بالعكس، بحمل «أو»، على التنويع، فتنطبق على أخباره، ولعلّ الترجيح مع الأوّل؛ لظواهر الإجماعات المحكية، مضافاً إلى الشهرة العظيمة المتأخّرة التي كادت تكون إجماعاً، بل لعلّها إجماع في الحقيقة.
وتظهر الثمرة فيما لو بذل ربّ كلّ صنف غيره بدون رضاء وليّ المقتول، فيجوز على المشهور ولا على غيره.
وتستأدى هذه الدية في سنة واحدة لا يجوز تأخيرها عنها بغير رضاء المستحق، ولا يجب عليه المبادرة إلى أدائها قبل تمام السنة، بلا خلاف بيننا أجده، إلاّ من ظاهر
الخلاف، فجعلها حالّة، وعلى خلافه في ظاهر عبائر جماعة
وصريح الغنية والسرائر
إجماع
الإمامية، وهو
الحجة.
مضافاً إلى الصحيحة الصريحة: قال: «كان
علي (علیهالسّلام) يقول: تستأدى
دية الخطأ في ثلاث سنين، وتستأدى دية العمد في سنة»
.
وهي من مال الجاني لا
بيت المال، ولا العاقلة، بلا خلاف أجده، وبه صرّح جماعة، ومنهم السيد
ابن زهرة في الغنية
، وهو الحجة.
مضافاً إلى أنّ تعلق الدية بغير الجاني خلاف الأصل، فيقتصر فيه على الخطأ؛ لأنّه مورد الفتوى والنصّ؛ لصريح الخبرين: «لا تضمن العاقلة عمداً ولا إقراراً ولا صلحاً»
وفي المضمر: «فإن لم يكن له مال يؤدّي ديته يسأل المسلمين حتى يؤدّوا عنه ديته إلى أهله»
.
ولا تثبت إلاّ بالتراضي بها عن
القود حيث يتعيّن على الأصح، كما مرّ، وأمّا على غيره فلا يحتاج إليه، وكذا حيث لا يتعيّن القود كقتل الوالد للولد، أو تعيّن ولكن فات بمبادرة أحد الأولياء إليه، أو
موت القاتل، أو كان القاتل عاقلاً والمقتول مجنوناً، أو نحو ذلك.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج، ص۳۴۴-۳۵۲.