شهادة الأصمّ
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
تقبل شهادة الأصمّ فيما لا يفتقر
العلم به إلى السماع؛ وفي
رواية: يؤخذ بأوّل قوله ولا يؤخذ بثانيه.
الأصمّ المؤوف السمع، تقبل شهادته فيما لا يفتقر
العلم به إلى السماع وفيما يفتقر إليه أيضاً إذا سمع ثم اعتل وأُثبت، بلا خلاف فيه في الجملة؛ للأصل والعمومات، وخصوص ما سيأتي من بعض الروايات مع سلامتها عن المعارض.
والصمم ليس له قابلية المانعية حيثما يأتي معه الشروط المعتبرة في سماع الشهادة التي منها العلم بالمشهود به، كما سيأتي إليه الإشارة.
وفي
رواية جميل الضعيفة بسهل ودرست قال: سألت
أبا عبد الله (علیهالسّلام) عن شهادة الأصمّ في القتل، قال: «يؤخذ بأوّل قوله ولا يؤخذ بثانيه»
.
وبها أفتى
الشيخ في
النهاية والقاضي وابن حمزة، ونسبها في
الدروس إلى الشيخ وأتباعه كافّة، قال: ولم يقيّدوا
بالقتل، والأكثر على إطلاق قبول شهادته، وهو الأصح، وفي طريق الرواية
سهل بن زياد وهو
مجروح. انتهى.
أقول: ما اختاره هو والماتن هنا وفي الشرائع مختار الأكثر
كما ذكره، بل المشهور كما في
شرح الشرائع للصيمري، وعليه عامة المتأخرين، وفاقاً منهم
للحلبي والحلّي.
ووجه إعراضهم عنها مع دلالتها على قبول شهادته في الجملة يظهر مما ذكره
الفاضل المقداد في شرح الكتاب، حيث قال بعد تضعيف سنده: مع أنّ العمل بها محل بحث، وهو أنّ القول الثاني إن كان منافياً للأوّل فهو رجوع فيردّ، وإن كان غير مناف فإمّا أن يكون مدلوله مدلول الأوّل فهو إذن تأكيد غير مردود، أو لا يكون فهو كلام مستقل لا تعلّق له بالأوّل
.
وقريب منه كلام
الفاضل في
المختلف، إلاّ أنّه قال بعد تضعيف
السند: وأيضاً القول بالموجب، فإنّ الثاني إن كان منافياً
، إلى آخر ما مرّ.
وفيه نظر؛ فإنّ ردّ القول الثاني على تقدير استقلاله وعدم منافاته للأوّل وعدم ارتباطه به مناف لما اختاره من قبول شهادته على الإطلاق، فكيف يجتمع مختاره مع القول بموجب الرواية في هذه الصورة، ولعلّه لهذا تنظّر في كلامه فيها في
المسالك، فقال بعد نقله: وفي هذا القسم الأخير نظر
.
أقول: بل ولعلّ في القسم الأوّل وهو صورة منافاة الثاني للأوّل أيضاً نظر؛ لأنّه إن كان المردود هو الشهادة الأُولى لم يكن قولاً بموجبها؛ لتصريحها بردّ الشهادة الثانية وقبول الأُولى خاصّة، عكس ما ذكره، وإن كان هو الشهادة الثانية فلا يتّجه ردّها على
الإطلاق، بل يختص بما إذا كانت بعد حكم الحاكم بشهادة الأُولى، وإلاّ فلو كانت قبله ردّت الاولى، كما ذكروه في مسألة رجوع الشاهد عما شهد به وسيأتي إن شاء الله تعالى.
وممّا ذكر ظهر أنّ تعبير الفاضل المقداد وإسقاطه ما ذكره من القول بالموجب أجود.
وحيث قد عرفت ما في العمل بها من المخالفة للأُصول والفرق بينهما وبين القول المشهور ظهر لك ما في كلام بعض الفحول حيث قال بعد تضعيفها: بل لا محصّل لها وللقول بها، فتأمّل
انتهى.
فكيف لا محصّل لها؟ وقد عرفت ما فيها، ولعله لهذا أمر بالتأمّل أخيراً.
وكيف كان، فينبغي القطع بطرحها؛ لما هي عليه زيادةً على ما مضى من الندرة، كما صرّح به
الماتن في
الشرائع، مشعراً بمخالفتها
الإجماع، فتقبل شهادة الأصمّ فيما مرّ مطلقاً.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۵، ص۳۲۶-۳۲۸.