ضابط التسبيب لضمان الدية
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ضابط التسبيب: ما لولاه لما حصل التلف، لكن علته غير السبب كحفر البئر، ونصب السكين، وطرح المعاثر والمزالق في الطريق، والقاء الحجر، فان كان ذلك في ملكه لم يضمن؛ ولو كان في غير ملكه أو كان في طريق مسلوك ضمن؛ ومنه نصب الميازيب، وهو جائز اجماعا؛ وفي
ضمان ما يتلف به قولان، أحدهما: لا يضمن، وهو الأشبه؛ وقال
الشيخ: يضمن، وهو
رواية السكوني.
وضابطه: ما لولاه لما حصل التلف، لكن علّته غير السبب كحفر البئر وما في معناها ونصب السكين ونحوه وطرح المعاثر من نحو قشور البطيخ والمزالق كرشّ الماء ونحوه في الطرق مثلاً وإلقاء الحجر ونحوه فيها فإنّ التلف لم يحصل من شيء منها، بل من العثار المسبّب عنها، وليس
الضمان فيها كلّياً، بل على تفصيل ذكره
الماتن وغيره من أصحابنا
.
وهو أنّه إن كان إحداث شيء من ذلك في ملكه لم يضمن التالف بها فيه إمّا مطلقاً، كما يقتضيه
الأصل وإطلاق النصوص الآتية والعبارة ونحوها.
أو مقيّداً بما إذا لم يتضمن غروراً، وإلاّ فيضمن، كما لو جهل الداخل بإذنه لكونه أعمى، أو كون ذلك مستوراً، أو الموضع مظلماً، أو نحو ذلك.
ولعلّه أظهر، وفاقاً لجمع ممّن تأخّر
؛ عملاً بأدلّة
نفي الضرر؛ وقدحاً في دلالة الإطلاقات بقوة احتمال اختصاصها بحكم
التبادر بغير محل الفرض.
وربما يشعر به
الخبر: «لو أنّ رجلاً حفر بئراً في داره ثم دخل رجل فوقع فيها لم يكن عليه شيء ولا ضمان، ولكن ليغطّها»
.
وألحق جماعة
بالملك المكان
المباح؛ لإباحة التصرف فيه، فلا عدوان يوجب ضمان ما يتلف فيه ويقتضيه.
وهو حسن لولا ما سيأتي من
إطلاق الأخبار بالضمان بالإحداث فيما لا يملكه، بل عمومها الشامل لما نحن فيه، إلاّ أن يذبّ عنه بنحو مما ذبّ عن سابقه.
ولو كان في غير ملكه أو كان في طريق مسلوك ضمن ديته إمّا مطلقاً، كما يقتضيه إطلاق العبارة ونحوها والنصوص الآتية أو مقيّداً في الأوّل: بوقوع الإحداث فيه من غير إذن المالك، وأمّا معه ولو بعده فكوقوعه في ملكه.
وفي الثاني: بعدم كون الإحداث لمصلحة
المسلمين، وأمّا معه فلا ضمان، كما ذكره جماعة
، وإن اختلفوا في نفي الضمان مع الإحداث للمصلحة هل هو مطلق، أو مشروط بما إذا كان بإذن
الإمام؟
ولعلّه غير بعيد؛ لإلحاق إذن المالك للمُحدِث بالحدث ملكَه بملِكه في عدم العدوان الذي هو الأصل في شرعية الضمان بالإتلاف حيث لا دليل على العموم، كما فيما نحن فيه؛ لعدم عموم فيه سوى الإطلاق الممكن أن يذبّ عنه بما ذبّ به في سابقه.
وبنحوه يجاب عن نفي الضمان في الإحداث مع المصلحة؛ مضافاً إلى أنّه محسن وما على المحسنين من سبيل.
والأصل في هذه المسائل مضافاً إلى ما عرفته المعتبرة المستفيضة، منها زيادةً على ما مرّ وما سيأتي الصحاح: «من أضر بشيء من طريق المسلمين فهو له ضامن»
.
والموثّقان: عن الرجل يحفر البئر في داره أو في أرضه؟ فقال: «أمّا ما حفر في ملكه فليس عليه ضمان، وأمّا ما حفر في الطريق أو في غير ما يملك فهو ضامن لما يسقط فيه»
.
والحسن: «كل من حفر في غير ملكه كان عليه الضمان»
.
وأمّا
الموثّق: عن غلام دخل دار قوم يلعب فوقع في بئرهم، هل يضمنون؟ قال: «ليس يضمنون، فإن كانوا متّهمين ضمنوا»
ونحوه
المرفوع: «إن كانوا متهمين ضمنوا»
فمحمول على وقوع
القسامة.
ومنه أي من التسبيب نصب الميازيب، وهو جائز إلى الطرق النافذة إجماعاً كما في كلام جماعة
حدّ الاستفاضة، ولكن عن
ابن حمزة أنّه للمسلمين المنع عنه، ويمكن تخصيصه بالمضرّ، فلا خلاف كما ذكروه.
ولكن في ضمان ما يتلف به قولان:
أنّه لا يضمن إلاّ مع التفريط في نصبه، كأن يثبت على غير عادة أمثاله وهو الأشبه وفاقاً
للمفيد والحلّي وجماعة
؛ للإذن في نصبها شرعاً، فلا يستعقب ضماناً؛ ولأصالة البراءة.
وقال آخرون، ومنهم
الشيخ في
المبسوط والخلاف، مدّعياً فيه عليه
إجماع الأُمّة: إنّه يضمن وإن جاز وضعه؛ لأنّه سبب الإتلاف وإن أُبيح السبب كالطبيب والبيطار والمؤدِّب، وللنصوص وهي كثيرة، وإن اختلفت في الدلالة ظهوراً وصراحةً، ففي الصحاح المتقدمة ورواية
النوفلي عن
السكوني قال
رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم): «من أخرج ميزاباً، أو كنيفاً، أو أوتد وتداً، أو أوثق دابّة، أو حفر شيئاً في طريق المسلمين فأصاب شيئاً فعطب فهو له ضامن»
.
وللنظر في هذه الأدلّة مجال؛ لعدم الدليل على الضمان بمطلق الإتلاف حتى ما أبيح سببه، والطبيب والبيطار خارجان
بالنص المعتمد عليه، وليس في محل البحث؛ لقصور دلالة الروايات الصحيحة، وعدم صحة
سند الرواية الأخيرة، ولا جابر لها من شهرة أو غيرها سوى حكاية إجماع الأمّة، وهي موهونة بلا شبهة، سيّما مع مخالفة نحو المفيد بل الناقل نفسه أيضاً في
النهاية، حيث قال: فإن أحدث في الطريق ماله إحداثه لم يكن عليه شيء
. وهو ممّن قد ادّعى
الإجماع في المبسوط على جواز نصب الميزاب.
وبالجملة: الخروج عن
أصالة البراءة القطعية بهذه الأدلّة جرأة عظيمة، ولكن المسألة بعد لا تخلو عن شبهة، فهي محل تردّد، كما هو ظاهر
الفاضل في
التحرير وشيخنا في
المسالك والروضة وغيرهم
، حيث اقتصروا على نقل القولين مع ذكر ثالث احتمالاً في الأوّل وقولاً لجماعة في الأخير، وهو الحكم بالضمان مطلقاً إن كان الساقط الخارج منه عن الحائط؛ لأنّ وضعه في الطريق مشروط بعدم الإضرار، كالروشن والساباط، وبضمان النصف إن كان الساقط الجميع؛ لحصول التلف بأمرين أحدهما غير مضمون؛ لأنّ ما في الحائط منه بمنزلة أجزائه، وهو لا يوجب ضماناً حيث لا تقصير في حفظها. وأصل هذا التفصيل من المبسوط
، وتبعه في
القواعد وولده في شرحه وغيرهما
مفتين به.
وكذا القول في الجناح والروشن لا يضمن ما يتلف بسببهما إلاّ مع التفريط؛ لما ذكرنا.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۶، ص۴۰۵-۴۱۰.