ضمان الدية في تزاحم الموجبات
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
اذا اتفق المباشر والسبب ضمن المباشر كالدافع مع الحافر، والممسك مع الذابح؛ ولو جهل المباشر السبب ضمن المسبب كمن غطى بئرا حفرها في غير ملكه فدفع غيره ثالثا
فالضمان على الحافر على تردد. ومن الباب واقعة الزبية: وصورتها وقع واحد تعلق بآخر والثاني بالثالث وجذب الثالث رابعا، فأكلهم الأسد فيه روايتان: احداهما رواية
محمد بن قيس عن
أبي جعفر (علیهالسّلام)، قال: قضى
أمير المؤمنين علي (علیهالسّلام) في الاول فريسة الاسد، وأغرم اهله ثلث الدية للثاني؛ وغرم الثاني لاهل الثالث ثلثي الدية، وغرم الثالث لاهل الرابع الدية؛ والآخر في رواية مسمع عن
أبي عبدالله (علیهالسّلام) أن
عليا (علیهالسّلام): قضى للاول ربع
الدية وللثاني ثلث الدية وللثالث نصف الدية وللرابع الدية تماما، وجعل ذلك على
عاقلة الذين ازدحموا؛ وفي
سند الاخيرة إلى مسمع ضعف، فهي ساقطة؛ والاولى مشهورة، وعليها
فتوى الأصحاب.
اعلم أنه إذا اتفق اجتماع السبب والمباشر وتساويا في القوة، أو كان المباشر أقوى ضمن المباشر اتفاقاً على الظاهر، المصرَّح به في بعض العبائر
، وذلك كاجتماع الدافع مع الحافر، والممسك مع الذابح فيضمن الدافع والذابح دون المجامع، وقد مرّ من
النصوص ما يدل على الأخير، وفيه
الحجة على أصل هذه القاعدة، مضافاً إلى الاتفاق الذي عرفته، هذا مع علم المباشر بالسبب.
ولو جهل المباشر السبب ضمن المسبِّب بكسر الباء الأُولى، أي ذو السبب كمن غطّى بئراً في غير ملكه فدفع غيره ثالثاً مع جهله بالحال
فالضمان على الحافر بلا خلاف ظاهر إلاّ من
الماتن هنا، فقد حكم به على تردّد مع أنّه حكم به في
الشرائع كباقي الأصحاب من غير تردّد؛ لضعف المباشر هنا بالغرور، وقد اشترط في تقديمه على السبب قوّته، وهي مفقودة في المفروض.
مع أنّي لم أجد وجهاً لتقديم المباشر هنا إلاّ ما ذكره في
التنقيح: من عموم: إذا اجتمع المباشر والسبب فالضمان على المباشر، وهو كما ترى؛ إذ لم أجد به نصّاً حتى يكون عمومه معتبراً، وإنّما المستند فيه مجرّد
الوفاق المعتضد بالاعتبار، وهما كما عرفت مفقودان في المضمار.
ومن هذا الباب واقعة الزبية بضم الزاء المعجمة، وهي الحفرة التي تحفر للأسد،
وقضاء علي (علیهالسّلام) فيها مشهورة بين الخاصّة والعامّة، لكن بكيفيات مختلفة.
وصورتها: أنّه وقع فيها واحد فتعلّق بآخر والثاني بثالث وجذب الثالث رابعاً فوقعوا جميعاً فأكلهم الأسد وفيه أي فيما حكم به (علیهالسّلام) فيها روايتان من طرقنا مختلفتان:
رواية
محمد ابن قيس الصحيحة إليه قطعاً، وهو
الثقة بقرينة ما قبله وما بعده، وهو روايته عن
أبي جعفر (علیهالسّلام) أنه قال: «قضى
أمير المؤمنين (علیهالسّلام) في الأوّل أنّه فريسة الأسد لا يلزم أحداً وأغرم أهله ثلث الدية للثاني، وغرّم الثاني لأهل الثالث ثلثي الدية، وغرّم الثالث لأهل الرابع كمال
الدية»
.
رواية مسمع، عن
أبي عبد الله (علیهالسّلام): «أنّ عليّاً (علیهالسّلام) قضى للاوّل ربع الدية، وللثاني ثلث الدية، وللثالث نصف الدية، وللرابع الدية كاملة، وجعل ذلك على
عاقلة الذين ازدحموا»
.
وفيهما من المخالفة للأُصول ما لا يخفى، وإن وُجّهتا بتوجيهات زعم موافقتهما بها معها، لكنّها في التحقيق لا تفيد توفيقاً، كما صرّح به جماعة من أصحابنا
، ولذا تركنا ذكرها.
ومع ذلك في
سند الأخيرة منهما إلى مسمع ضعف بعدّة ضعفاء فهي ساقطة عن درجة الاعتبار لا حجة فيها قطعاً.
وأمّا الأُولى فيشكل التمسك بها أيضاً؛ لما مضى، إلاّ أنّها مشهورة شهرةً لا يمكن دفعها، واستفاض نقلها في كلام كثير من أصحابنا
، بحيث إنّه لا رادّ لها وزاد جماعة منهم فادّعوا أنّ عليها
فتوى الأصحاب كافّة، كما في ظاهر العبارة وغيرها
، أو أكثرهم كما في
الروضة وغيرها
، فإن بلغت الشهرة إجماعاً، وإلاّ فالتمسك بالرواية مشكل وإن صحّ سندها؛ لكونها قضية في واقعة لا عموم لها، فيحتمل اختصاصها بواقعة اقترنت بأُمور أوجبت الحكم بما فيها.
وبنحو هذا يجاب أيضاً عن
الرواية الأخيرة لو سلّم سندها، والشهرة ليست بحجة بنفسها ما لم تكن إجماعاً، أو تقترن برواية واضحة الدلالة وإن كانت ضعيفة، وليست كسابقتها هنا كما فرضنا، ولذا استوجه
الفاضل في
التحرير الرجوع إلى الأُصول في هذه الواقعة لو اتفقت في زماننا، وهو خيرة
شيخنا في الروضة أيضاً، حيث إنّه استوجه أوّلاً ردّ الروايتين لما مضى بزيادة دعواه اشتراكاً في راوي الاولى، ثم قال: وحيث يطرح الخبران فالمتّجه ضمان كل دية من أمسكه أجمع؛ لاستقلاله بإتلافه
، انتهى.
واحتمله الماتن في الشرائع والفاضل في
القواعد والإرشاد وغيرهما
، وقالوا بعده: وإن قلنا بالتشريك بين مباشر الإمساك والمشارك في الجذب كان على الأوّل دية ونصف وثلث، وعلى الثاني نصف وثلث، وعلى الرابع ثلث لا غير، وإنّما لم يذكر هذا في الروضة لضعفه عنده، بل وعندهم أيضاً، كما يظهر منهم جدّاً.
واعلم: أنّ حكمهم على كل منهم بالدية لمجذوبه إنّما يتم لو كانت جنايتهم عمداً أو شبيهه، لا خطأ.
ويضعّف بأنّ ما صدر عنهم من الجذب إنّما هو من حيث لم يشعروا به لما اعتراهم من الدهشة، فهو كانقلاب النائم على من قتله، فلا يكون عمداً ولا شبيهه، وبذلك صرّح جماعة
، رادّين به من ضعّف الرواية الثانية في حكمها بأنّ الدية على العاقلة، بناءً على زعمه كون الجناية فيها عمداً أو شبيهه، وعلى هذا فمقتضى الأُصول أخذ الدية من
العاقلة.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۶، ص۴۱۹-۴۲۳.