طرق إثبات الاستحاضة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ذكر الفقهاء طريقين لإثبات دم الاستحاضة: أ-الإثبات بالصفات والعلائم، ب-
ذكر الفقهاء لدم
الاستحاضة صفات عديدة وإن اختلفت كلماتهم في ذلك، فذكر جماعة منهم أنّ له أربع صفات، وهي:
الاصفرار والبرودة والرقّة والخروج بضعف وتثاقل.
واقتصر آخرون على الثلاثة الاول من دون تعرّض للرابعة.
ونصّ
الشيخ الطوسي على الاوليين مع الرابعة وإن عبّر عنها بعدم
الإحساس بخروج الدم.
كما أنّ بعضاً آخر اقتصر على الثانية والرابعة مع التعبير عنها بما تقدّم.
وآخر اقتصر على الثانية والثالثة مع زيادة الصفاء.
وهناك صفات اخرى ذكرت لدم الاستحاضة كالفساد،
والخروج من الجانب الأيسر،
والسلامة من النتن،
والكدورة.
وقال بعض الفقهاء: إنّ دم الاستحاضة مضادّ في الصفات لدم الحيض.
وكيف كان فقد استدلّ على اتّصاف الاستحاضة ببعض الصفات المتقدّمة بجملة من الأخبار والنصوص.
فاستدلّ
على اتّصافها بالاصفرار والبرودة بصحيح
حفص عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام حيث قال: «دم الاستحاضة أصفر بارد».
وعلى الاتّصاف بالبرودة أيضاً بصحيحي
معاوية بن عمّار و
إسحاق بن جرير، ففي الأوّل: «أنّ دم الاستحاضة بارد، وأنّ دم
الحيض حارّ».
وفي الثاني أنّ: «دم الاستحاضة دم فاسد بارد».
ويدلّ الصحيح الأخير أيضاً على
الاتّصاف بالفساد.
وعلى الاتّصاف بالرقّة بصحيح علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن الماضي عليه السلام عن النفساء وكم يجب عليها ترك الصلاة؟
قال: «تدع الصلاة ما دامت ترى الدم العبيط إلى ثلاثين يوماً، فإذا رقّ وكانت صفرة اغتسلت وصلّت إن شاء اللَّه».
واستشكل فيه بأنّه لا يظهر منه أنّ المراد بالدم دم الاستحاضة، مضافاً إلى أنّه مهجور عند الفقهاء.
واجيب عنه بأنّه لا خفاء في ظهوره في اتّصاف دم الاستحاضة بالرقّة لا سيّما مع ذكر الصفرة والرقّة، وأمّا عدم عمل الأصحاب بما فيه من الحكم بأنّ الدم نفاس إلى ثلاثين يوماً، فلا يضرّ بدلالة الفقرة الدالّة على اتّصاف الاستحاضة بالرقّة؛ لأنّ رفع اليد عن فقرة من الحديث لا يقتضي
رفع اليد عن جميع فقراته، فإنّه لا مانع من التفكيك في الحجّية.
وأمّا الصفة الرابعة- وهي الخروج بفتور وتثاقل- فاستدلّ عليها غير واحد بأنّ توصيف الحيض بالدفع في بعض الأخبار يدلّ على ثبوت ضدّه وهو الفتور لدم الاستحاضة؛ لأنّها تكون في مقام التمييز بين الحيض والاستحاضة بذكر الصفات.
ومن هنا فإنّه قد يستفاد من ذكر بعض صفات الحيض الاخرى اتّصاف الاستحاضة بما يقابل تلك الصفات، فقد استفاد
المحقّق النجفي من ذكر صفتي السواد و
البحراني - أي الدم الخالص الشديد الحمرة- في الحيض غلبة غيرهما في الاستحاضة لا خصوص الاصفرار وإن كان هو أغلب الغالب.
ثمّ إنّ المشهور أنّ الصفات المتقدّمة هي أمارات شرعيّة تعبّديّة اعتبرها الشارع لرفع الشكّ، لا أنّها أمارات عقلائيّة بملاك حصول
الاطمئنان بها أو أنّها
إرشاد إلى حصول العلم بكون الدم استحاضة مع اتّصافه بتلك الصفات.
وبناءً على كونها أمارات شرعيّة تعبّديّة فقد صرّح كثير من الفقهاء بأنّ تلك الصفات ليست بصفات دائميّة لازمة لدم الاستحاضة، بل هي صفات يتّصف بها غالباً؛ إذ قد يكون بصفات الحيض.
والدليل على ذلك أنّه كثيراً ما يحكم باستحاضة الدم الذي لم يتوفّر على الصفات المتقدّمة على ما سيتّضح ذلك لاحقاً. وإنّما يرجع إليها عند
اشتباه الحيض بالاستحاضة ودوران
الأمر بينهما.
وفي قبال ذلك ذهب بعض الفقهاء إلى أنّها أمارات تعبّديّة اعتبرها الشارع لمعرفة الاستحاضة بحيث يدور الحكم بالاستحاضة مدارها وجوداً وعدماً، إلّا أن يقوم دليل على خلافها، وعليه فلا بدّ لمعرفة دم الاستحاضة من الرجوع إلى الصفات كقاعدة كلّية.
ذهب
السيد العاملي إلى هذا القول حيث ذكر في ذيل كلام
المحقّق الحلّي (كلّ دم تراه المرأة أقلّ من ثلاثة ولم يكن دم قرح ولا جرح فهو استحاضة) : أنّه لا بدّ من تقييد هذه الكلّية بما إذا كان الدم واجداً لأوصاف الاستحاضة من كونه بارداً وأصفر ونحوهما من الأوصاف، ولازم هذا التقييد تحقّق الفاصل بين دمي الحيض والاستحاضة فلا يحكم على الفاقد لها بالاستحاضة حتى فيما إذا لم تحتمل الحيضيّة، فإذا رأت
المرأة الدم بعد العشرة أسود فإنّه ليس بحيض؛ لأنّ أكثره عشرة أيّام، وليس باستحاضة؛ لعدم اتّصافه بأوصافها لفرض كونه أسود، وكذا إذا رأت ذات العادة دماً أسود أقلّ من ثلاثة أيّام، فإنّه ليس بحيض؛ لكونه أقلّ من ثلاثة أيّام وليس باستحاضة؛ لعدم اتّصافه بأوصافها.
ثمّ إنّه بناءً على شرعيّة الصفات المذكورة فهل كلّ واحدة منها
أمارة مستقلّة بحيث يحكم بأنّ الدم استحاضة بمجرّد اتّصافه بصفة من تلك الصفات أو أنّها مع
الاجتماع أمارة عليها بحيث لا يكفي اتّصافه بواحدة منها بل يتوقّف الحكم باستحاضة الدم على اتّصافه بجميع الصفات؟
ذهب بعض الفقهاء كالسيد العاملي
إلى الثاني، خلافاً للمشهور.
والتفصيل في محلّه.
إذا أحرزت المرأة أنّ الدم النازل منها ليس بحيض ولا نفاس ولا قرح ولا جرح ولا بكارة فذلك كافٍ لإثبات كونه دم استحاضة وإن لم يكن متّصفاً بصفة من صفات الاستحاضة المتقدّمة.
وقد اشير إلى هذه الطريقة لإثبات الاستحاضة ضمن قاعدة كلّية تقول: (كلّ دم ليس بحيض ولا نفاس ولا من جرح أو قرح أو بكارة فهو دم استحاضة). وقد ذكرها جملة من الفقهاء بهذا الشكل أو قريب منه،
ونفى عنها المحقّق النجفي الإشكال والخلاف،
بل نسبها
الوحيد البهبهاني إلى الفقهاء،
ولكن تأمّل فيها أو أنكرها جماعة آخرون.
وليعلم قبل التعرّض لأدلّة القاعدة ومناقشتها أنّه لا
إشكال في أنّ المرأة التي هي في سنّ من تحيض- وهي غير الصغيرة واليائسة- إذا رأت الدم في غير حال الولادة وأحرزت أنّه ليس حيضاً لعدم توفّر شروطه وأنّه لم يكن من جرح ولا قرح ولا بكارة فذلك الدم دم استحاضة وإن لم يكن متّصفاً بالصفات المتقدّمة.
ويدلّ على ذلك جملة من الأخبار:
منها: صحيح
إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن المرأة الحبلى ترى الدم يوماً ويومين؟ قال: «إن كان دماً عبيطاً فلا تصلّي ذينك اليومين، وإن كان صفرة فلتغتسل عند كلّ صلاتين».
فإنّه يدلّ على أنّ الدم الذي تراه الحامل وهي ممّن تحيض إذا تعذّر كونه دم حيض؛ لعدم كونه عبيطاً فهو استحاضة ويجب معها أن تغتسل عند كلّ صلاتين، وإنّما عبّر عن الاستحاضة بالصفرة؛ لخصوصيّة المورد ودورانه بين الأحمر والأصفر، لا لأنّ الصفرة لازم غير مفارق للاستحاضة.
والحاصل: أنّ الحكم في الخبر بوجوب الصلاة والغسل مترتّب على عدم كون الدم حيضاً بأن لا يكون عبيطاً، ومعنى ذلك أنّ الدم إذا تعذّر كونه حيضاً فهو استحاضة، والمفروض في الخبر أنّ الدم ليس بنفاس ولا جرح ولا بكارة.
ومنها: صحيح
أبي المغراء قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن الحبلى قد استبان ذلك منها ترى كما ترى الحائض من الدم؟ قال: «تلك الهراقة إن كان دماً كثيراً فلا تصلّين، وإن كان قليلًا فلتغتسل عند كلّ صلاتين».
وهو أيضاً دالّ على أنّ الدم إذا لم يمكن الحكم بحيضيّته؛ لعدم اتّصافه بصفات الحيض وأماراته وجب معه الغسل والصلاة، ومعنى ذلك أنّ ما لا يمكن أن يكون حيضاً فهو استحاضة.
ومنها: صحيح
الحسين الصحّاف قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: إنّ امّ ولدي ترى الدم وهي حامل كيف تصنع بالصلاة؟ قال: فقال لي: «إذا رأت الحامل الدم بعد ما يمضي عشرون يوماً من الوقت الذي كانت ترى فيه الدم من الشهر الذي كانت تقعد فيه، فإنّ ذلك ليس من الرحم ولا من الطمث فلتتوضّأ وتحتشي...».
فإنّه يدلّ على وجوب التوضّؤ و
الاحتشاء بمجرّد رؤية الدم إذا لم يكن حيضاً؛ لأنّ
الإمام عليه السلام علّل ذلك بأنّه ليس من الرحم ولا من الطمث، ومن الواضح أنّ الدم الذي يكون سبباً للوضوء والاحتشاء هو دم الاستحاضة.
وهكذا يظهر أنّ الملازمة ثابتة بين عدم كون الدم حيضاً وبين كونه استحاضةً بالنسبة إلى الدم الذي تراه المرأة القابلة للاتّصاف بالحيض والاستحاضة وكان الأمر دائراً بينهما.
وإنّما الكلام والخلاف في أنّ الملازمة المذكورة هل هي ثابتة مطلقاً حتى بالنسبة إلى الدم الذي تراه الصغيرة واليائسة اللتان لا يحتمل فيهما الحيض أصلًا؛ لعدم قابليّتهما للاتّصاف بالتحيّض الذي من شروطه البلوغ وعدم اليأس؟
فمن أذعن بالقاعدة المتقدّمة حكم بأنّ الصغيرة واليائسة أيضاً إذا رأتا الدم وأحرزتا أنّه ليس حيضاً ولا جرحاً ولا قرحاً ولا بكارةً فهو دم استحاضة.
وأمّا ما استدلّ به على القاعدة المزبورة أو يمكن أن يستدلّ به عليها فامور:
إجماع الفقهاء، واورد عليه بأنّه
إجماع منقول، وهو غير حجّة، وعلى تقدير حجيّته يقتصر فيه على المقدار المتيقّن، وهو المرأة التي ترى الدم وهي في سنّ من تحيض.
سيرة المتشرّعة وعادتهم على معاملة دم الاستحاضة مع الدم غير المتّصف بالحيضيّة وإن كان دم الصغيرة أو اليائسة.
واورد عليه بأنّه لا يمكن إحراز السيرة في المسائل التي يقلّ
الابتلاء بها، ومن الواضح أنّ رؤية الصغيرة واليائسة الدم غير المتّصف بالحيضيّة إنّما تتحقّق مرّة في عشرة آلاف مورد أو أقلّ أو أكثر، فلا مجال لدعوى السيرة في المقام.
أنّ القاعدة مستفادة من
استقراء أخبار الباب على كثرتها، حيث حكم فيها بكون الدم استحاضة بمجرّد انتفاء الحيضيّة عنه، منها: أخبار
الاستظهار ، ومنها: أخبار المستمرّ دمها، وغيرها.
قال
المحقّق الهمداني : «لا يبعد أن يدّعى أنّه يستفاد من تتبّع الموارد ولو باعتضاده بالفتاوى أنّ الدم الذي تراه المرأة ما لم يكن من قرح أو نحوها مطلقاً حدثٌ، فهو إمّا حيض أو نفاس أو استحاضة، فمتى انتفى الأوّلان يتعيّن الثالث».
واورد عليه بأنّ مورد تلك الأخبار بأجمعها هو المرأة التي يمكن أن تكون حائضاً تارةً، ويمكن أن تكون مستحاضة تارةً اخرى، فلو دار الأمر بين الحيض والاستحاضة ولم يكن الدم واجداً لأوصاف الحيض وأماراته فقد دلّت تلك الأخبار في هذا المورد على أنّ الدم استحاضة كصحيح الصحّاف المتقدّم، فإنّه دلّ على أنّ النفساء بعد ما مضى عليها عشرون يوماً من وقت حيضها في الشهر الذي ترى فيه الدم إذا رأت دماً فلتتوضّأ وتحتشي، فالمورد هو الحامل التي يمكن أن تكون حائضاً، كما يمكن أن تكون مستحاضة، ففي مثلها دلّت الرواية على أنّ الدم إذا لم يمكن أن يكون حيضاً- بأن لم يكن واجداً لأوصافه وشروطه- يحكم عليه بأنّه استحاضة.
وكذا الحال في خبري أبي المغراء وإسحاق بن عمّار المتقدّمين؛ فإنّهما يدلّان على أنّ الحامل التي قد ترى الحيض وقد ترى الاستحاضة إذا رأت الدم، فإن كان متّصفاً بأوصاف الحيض من الكثرة الملازمة للحمرة والسواد المعبّر عنه بالدم البحراني أو كونه عبيطاً فهو حيض إذا دام ثلاثة أيّام، وإذا تعذّر أن يكون حيضاً لعدم توفّره على الشروط والقيود المعتبرة في الحيض فهو استحاضة.
وعلى هذا، فالأخبار الدالّة على الملازمة بين عدم كون الدم حيضاً وكونه استحاضة تختصّ بالمرأة الممكن اتّصافها بالحيض والاستحاضة ودار الأمر بينهما، فلا تشمل الصغيرة واليائسة اللتين لا يحتمل فيهما الحيض بوجه.
على أنّ بعض الأخبار مشتملة على عنوان المرأة، والصغيرة ليست بمرأة، واليائسة وإن كانت مرأة إلّا أنّ مورد الأخبار المتقدّمة- كما تقدّم- هو ما إذا كانت قابلة لأن تحيض تارةً وتستحيض اخرى، واليائسة ليست كذلك.
ولكن مع ذلك يمكن الحكم بالاستحاضة في اليائسة بالأخبار
الواردة في الاستحاضة الدالّة على أنّ المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف اغتسلت لكلّ صلاتين، وإن لم يثقب الدم الكرسف فعليها الغسل مرّة لكلّ يوم والوضوء لكلّ صلاة؛ لأنّ المراد بالاستحاضة في الأخبار هو الاستحاضة لغةً، أي كون المرأة مستمرّة الدم، وعليه فإذا فرضنا أنّ اليائسة استمرّ بها الدم شهراً أو شهرين أو ثلاثة أشهر فهي مستحاضة لغةً، ويشملها إطلاق الروايات المتكفّلة لبيان المستحاضة بالمعنى اللغوي.
بل يمكن الحكم باستحاضتها حتى فيما إذا كانت مستحاضة بالمعنى الاصطلاحي- بأن لم يستمرّ دمها شهراً أو شهرين أو أكثر- بالأخبار الدالّة على أنّ المرأة إذا رأت الدم بعد أيّام النفاس أو الحيض فهو استحاضة؛ لأنّه كما إذا فرضنا أنّ المرأة رأت الدم بعد حيضها الذي تكون يائسة بعده أو رأته بعد نفاسها الذي تتّصف باليأس بعده فإنّها مشمولة عندئذٍ لتلك الأخبار الدالّة على أنّ الحائض أو النفساء إذا رأت الدم بعد أيّام الحيض أو النفاس فهو استحاضة يجب معها
الاغتسال والوضوء، فإذا وجب على اليائسة أحكام المستحاضة واتّصفت بكونها مستحاضة في هذه الصورة حكم عليها بالاستحاضة في سائر الصور الاخرى؛ لعدم القول بالفصل القطعي.
وهكذا يظهر أنّه يمكن الحكم بالاستحاضة بالنسبة إلى اليائسة مطلقاً، وأمّا بالنسبة إلى الصغيرة فلا دليل على أنّ ما تراه من الدم استحاضة. وقد تقدّم أنّ القاعدة المتقدّمة غير تامّة؛ لأنّ عمدة أدلّتها هي الأخبار المتقدّمة، وتقدّم أنّ موردها ما إذا كانت المرأة قابلةً لأن تحيض تارة وتستحيض اخرى ولم يمكن أن يكون الدم حيضاً، والصغيرة ليست كذلك، على أنّ بعض الروايات مشتملة على عنوان المرأة، والصغيرة ليست بمرأة.
ثمّ إنّه هل المراد من دم الجرح أو القرح الذي لا يحكم معه بكون المرأة حائضاً خصوص دم الجرح أو القرح الواقع في فضاء الفرج أو يشمل دم الجرح أو القرح الواقع في داخل الرحم أيضاً؟ قولان:
أنّه خصوص دم الجرح أو القرح الواقع في فضاء الفرج، فلا يشترط في
إثبات كون الدم استحاضة
إحراز عدم كونه دم جرح أو قرح في
باطن الرحم؛ لأنّه بحكم الاستحاضة، كما اختاره
السيد الحكيم ، ولم يستبعد أنّه هو مراد الفقهاء.
واستدلّ عليه بأنّ مقتضى
الإطلاق المقامي لأدلّة أحكام الاستحاضة- كأخبار مستمرّة الدم، وأخبار الاستظهار وغيرها، وعدم التعرّض فيها لتحديد الاستحاضة بالحدود الذاتيّة أو العرضيّة، إلّا في ظرف كون الدم غير دم الحيض المتكوّن في الرحم جرياً على مقتضى الخلقة الأصليّة- هو أنّ دم الاستحاضة مطلق الدم الخارج من الرحم مقابل الحيض سواء كان من جرح أو قرح داخل الرحم أو من غير ذلك.
أنّ دم الجرح والقرح يشمل دم الجرح والقرح داخل الرحم، فكما يعتبر في إثبات الاستحاضة إحراز عدم كونه دم جرح أو قرح في فضاء الفرج كذلك يعتبر إحراز عدم كونه دم جرح أو قرح داخل الرحم، فلا يكون شيء منها بحكم الاستحاضة؛ لعدم الدليل على أنّ دم الجرح أو القرح داخل الرحم بحكم الاستحاضة، وأمّا الإطلاق الذي استدلّ به على القول السابق فغير تامّ؛ لأنّ جميع الروايات وردت في المرأة القابلة لأن ترى الحيض تارةً ولا تراه اخرى، وأنّه إذا تعذّر توفّره على أوصاف الحيض فهو استحاضة، بمعنى أنّ ما كنّا نحكم بحيضيّته لو كان واجداً للصفات هو الذي نحكم بكونه استحاضة إذا لم يشتمل على تلك الصفات لو دار الأمر بينه وبين الحيض، ومن الواضح أنّ دم القرحة ليس كذلك؛ لأنّه لو كان متوفّراً على أوصاف الحيض لم يكن حيضاً بلا شكّ، فلا يدور أمره حينئذٍ بين الحيض والاستحاضة ليحكم باستحاضته إذا نفيت عنه الحيضيّة للعلم بأنّه دم قرحة، ومعه كيف يحكم بكونه استحاضة إذا لم تتوفّر فيه أوصاف الحيض؟! وعلى هذا فلا إطلاق للروايات لتشمل دم القرح والجرح.
ثمّ إنّ المشهور والمعروف بين الفقهاء هو أنّ الحكم في القاعدة المتقدّمة ليس مقيّداً بما إذا كان الدم متّصفاً بصفات الاستحاضة، وعليه فالدم الذي تراه الانثى يكون استحاضة إذا أحرزت أنّه ليس بحيض ولا نفاس ولا جرح ولا قرح ولا بكارة ولو لم يكن بصفات الاستحاضة.
وفي قبال ذلك ذهب السيد العاملي
وغيره من الفقهاء
إلى أنّ الحكم في القاعدة يكون مقيّداً بما إذا كان الدم متّصفاً بصفات الاستحاضة، وإلّا فلا يحكم بأنّه استحاضة. هذا بناءً على أنّ صفات الاستحاضة أمارات لازمة غير مفارقة لدم الاستحاضة بحيث يدور مدارها وجوداً وعدماً.
واجيب عنه بأنّ الأخبار الواردة في صفات الاستحاضة لا دلالة فيها على أنّ الاستحاضة لا يمكن انفكاكها عن تلك الصفات، وإنّما دلّت على أنّ الصفات المذكورة ملازمة للاستحاضة عند اشتباه الحيض بالاستحاضة ودوران الأمر بينهما، لا أنّ الاستحاضة تلازم تلك الصفات دائماً وفي جميع الموارد.
وتفصيل ذلك متروك إلى محلّه.
الموسوعة الفقهية، ج۱۱، ص۷۳- ۸۳.