عدّة المسترابة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
المسترابة: وهي لا تحيض، وفي سنها من تحيض، وعدتها ثلاثة أشهر؛ وهذه تراعى الشهور
والحيض وتعتد بأسبقهما؛ أما لو رأت في الثالث حيضة وتأخرت الثانية أو الثالثة، صبرت تسعة أشهر لاحتمال
الحمل ثم اعتدت بثلاثة أشهر؛ وفي
رواية عمار تصبر سنة ثم تعتد بثلاثة أشهر.
في
المسترابة بالحمل وهي التي لا تحيض وفي سنّها من تحيض، وعدّتها إن كانت حرّة ثلاثة أشهر هلالية، إن طلّقت عند
الهلال، وإلاّ أكملت المنكسر خاصّة بثلاثين بعد الهلالين، على الأشهر الأظهر.
والأصل في المسألة بعد
الآية والإجماع المحكي في كلام جماعة
المعتبرة المستفيضة، منها
الصحيح: «لا ينبغي للمطلّقة أن تخرج إلاّ بإذن زوجها، حتى تنقضي عدتها ثلاثة قروء، أو ثلاثة أشهر إن لم تحض»
مضافاً إلى النصوص الآتية.
وإطلاقها كالعبارة وصريح جماعة
يقتضي عدم الفرق في عدم
الحيض بين أن يكون خلقيّاً، أو لعارض من
حمل أو
رضاع أو
مرض.
خلافاً
للقاضي والمفلح الصيمري
، فخصّا الحكم بما عدا الأخيرين، وقالا: إنّ عدّتها فيهما بالأقراء، ويظهر من الثاني تخصيص محلّ البحث بالأوّل.
وإطلاق النصوص، كأكثر
الفتاوي، وصريح بعضها حجّة عليه، ولا حجّة له سوى
إطلاق الأدلّة باعتداد المطلّقات بالأقراء، وهو مع
الشك في شموله لمثل ما نحن فيه مقيّد بما هنا من الإطلاقات.
مضافاً إلى صريح
الموثق، بل الصحيح: عن رجل طلّق امرأته بعد ما ولدت، وطهرت، وهي امرأة لا ترى دماً ما دامت ترضع، ما عدّتها؟ قال: «ثلاثة أشهر»
.
وهذه تراعي الشهور والحيض، فتعتدّ بأسبقهما إلى
الطلاق، فتعتدّ بالأشهر إن مرّت بها بعد الطلاق بلا فاصلة خالية من الحيض، كما أنّها تعتدّ بالأقراء إن مرّت بها كذلك، أمّا لو مرّت بها الأشهر البيض بعد أن رأت الحيض ولو مرّة بعد الطلاق اعتدّت بالأقراء.
والأصل في ذلك بعد الاتفاق المستفاد من كلام جماعة
المعتبرة المستفيضة، منها الصحيح: «أمران أيّهما سبق بانت به المطلّقة المسترابة تستريب الحيض، إن مرّت بها ثلاثة أشهر بيض ليس فيها دم بانت منه، وإن مرّت ثلاث حَيض ليس بين الحيضتين ثلاثة أشهر بانت بالحيض»
ونحوه الموثّق
وغيره
.
وإطلاقها وإن أوهم الاكتفاء بالثّلاثة الأشهر البيض مطلقا، ولو كانت بعد حيضة أو حيضتين، إلاّ أنّ ظاهر
الأصحاب الاتّفاق إلاّ من شذّ ممّن تأخّر
على
التقييد بالأشهر المتّصلة بالطلاق؛ للنصوص الآتية، المصرِّحة بأنّها لو رأت في الثلاثة المتّصلة بحين الطلاق تعتدّ بالثلاثة الأشهر بعد الصبر تسعة أشهر، أو ستّة، لتعلم أنّها ليست من ذوات الأقراء، فاكتفاء الشاذّ المتقدّم إليه الإشارة بالثلاثة الأشهر البيض المطلقة، ولو بعد حيضتين أو حيضة، ضعيف البتّة.
نعم على ما ذكرناه ربما يستشكل الحكم بلزوم اختلاف
العدّة باختلاف وقت الطلاق الواقع بمجرّد
الاختيار مع كون المرأة من ذوات العادة المستقرّة في الحيض، فلو كان عادتها أن تحيض في كل أربعة أشهر مثلاً مرّة فإنّه على تقدير طلاقها في أوّل
الطهر أو ما قاربه بحيث يبقى له منه ثلاثة أشهر بعد الطلاق تنقضي عدّتها بالأشهر، كما تقرّر.
لكن لو فرض طلاقها في وقت لا يبقى من الطهر ثلاثة أشهر تامّة كان اللازم من ذلك اعتدادها بالأقراء، فربما صارت عدّتها سنة وأكثر، على تقدير وقوع الطلاق في وقت لا يتم بعده ثلاثة أشهر بيضاء، والاجتزاء بالثلاثة على تقدير سلامتها.
ويمكن الذبّ عنه بأنّ غايته الاختلاف في العدّة على ذلك التقدير، ولا ضير فيه بعد تحقّق النظير، ألا ترى إلى المطلّقة في آخر طُهرها بحيث يبقى بعده منه لحظة عدّتها أقلّ من المطلّقة في ابتدائه، وبالجملة هذا الاستبعاد مع اندفاعه بما مرّ من النظير غير ملتفت إليه بعد قيام الدليل عليه.
وبالجملة: إذا مضت بها بعد الطلاق بلا فاصلة الأشهر الثلاثة خالية عن الحيضة فقد انقضت العدّة.
أمّا لو رأت في الشهر الثالث حيضة أو حيضتين وتأخّر الثانية أو الثالثة إلى أن انقضت الأشهر انتظرت تمام الأقراء؛ لأنّها قد استرابت بالحيض غالباً، فإن تمّت الأقراء قبل أقصى
الحمل انقضت عدّتها، وإلاّ صبرت تسعة أشهر على أشهر القولين وأظهرهما لاحتمال الحمل غالباً، فإن وضعت ولداً، أو اجتمعت الأقراء الثلاثة فذاك هو المطلوب في انقضاء العدّة.
ثمّ إن لم يتفق أحد الأمرين اعتدّت حينئذٍ بالأشهُر وليست الأشهر التسعة المتقدّمة من العدّة، بل إنّما اعتبرت لتعلم أنّها ليست من ذوات الأقراء.
والأصل في المسألة بعد التأيّد بالشهرة العظيمة بعض المعتبرة المنجبرة بها، وبوجود المجمع على تصحيح رواياته في سندها، فلا تضرّ جهالة راويها: «إن كانت شابّة مستقيمة
الطمث فلم تطمث في ثلاثة أشهر إلاّ حيضة، ثم ارتفع طمثها، فلم تدر ما رفعها، فإنّها تتربّص تسعة أشهر من يوم طلّقها، ثم تعتدّ بعد ذلك ثلاثة أشهر، ثم تتزوّج إن شاءت»
.
وفي رواية
عمّار الموثقة
تصبر سنة ثم تعتدّ بثلاثة أشهر أفتى بها
الشيخ في
النهاية، لكن مقيّداً لها بصورة تأخّر الحيضة الثالثة.
ولا دليل عليه، مع عدم مقاومة
الرواية للرواية المتقدّمة من اعتضادها بالشهرة العظيمة، وغيرها من المعتبرة المستفيضة، منها الصحيح: «إذا طلّق الرجل امرأته، فادّعت حبلاً انتظر تسعة أشهر، فإن ولدت، وإلاّ اعتدّت بثلاثة، ثم قد بانت منه»
.
والموثق: المرأة الشابّة تحيض مثلها يطلّقها زوجها، ويرتفع حيضها، كم عدّتها؟ قال: «ثلاثة أشهر» قلت: فإنّها ادّعت
الحَبل بعد التسعة أشهر، قال: «إنّما الحَبل تسعة أشهر» قلت: تتزوّج؟ قال: «تحتاط بثلاثة أشهر» قلت: فإنّها ادّعت بعد ثلاثة أشهر، قال: «لا ريبة عليها، تزوّجت إن شاءت»
ونحوهما غيرهما
.
وإطلاق
النص والفتوى يقتضي عدم الفرق بين استرابتها بالحبل وعدمه في وجوب التربّص تسعة أو سنة، ثم الاعتداد بعدها، حتى لو كان زوجها غائباً عنها، أو حاضراً ولم يقر بها مدّة مديدة فحكمها كذلك، وإن كان ظاهر الحكمة يقتضي اختصاصه بالمسترابة، كما تعرب عنها المعتبرة الأخيرة، لكن ليس فيها كالتعليل في العبارة ما يوجب تقييد الحكم بالمسترابة، كما توهّمه بعض من عاصرناه في هذه الأزمنة
.
نعم عن
الشهيد في بعض تحقيقاته الاكتفاء بالتسعة لزوجة الغائب؛ محتجّاً بحصول مسمّى العدّة، وهو الأشهر البيض الثلاثة المندرجة في الأشهر التسعة
. وهو مصادرة غير مسموعة، سيّما في مقابلة إطلاق الفتاوي والرواية.
وهذه العدّة أطول عدّة تفرض، والضابط: أنّ المعتدّة المذكورة إن مضى بها ثلاثة أقراء قبل ثلاثة أشهر انقضت عدّتها بها، وإن مضى عليها ثلاثة أشهر لم تر فيها دم حيضٍ أصلاً انقضت عدّتها بها وإن كان لها عادة مستقيمة فيما زاد عليها، بأن كانت ترى
الدم في كل أربعة أشهر مرّة، أو ما زاد عليها وما نقص، بحيث يزيد عن ثلاثة ولو بلحظة. ومتى رأت في الثلاثة دماً ولو قبل انقضائها بلحظة فحكمها ما فصّل سابقاً من انتظار أقرب الأمرين من تمام الأقراء ووضع الولد، فإن انتفيا اعتدّت بعد تسعة أشهر بثلاثة أشهر، إلاّ أن يتمّ لها ثلاثة أقراء قبلها، ولو مبنيّة على ما سَبَق.
ولا فرق في ظاهر
إطلاق النص والفتوى بين أن يتجدّد لها دم آخر في الثلاثة أو قبلها، وعدمه.
خلافاً للمفلح الصيمري في الأوّل، فأبطل العدّة بها، وعيّن اعتدادها بالأقراء، قال: لأنّا بيّنّا أنّها من ذوات الأقراء، فيلزمها الاعتداد بها
.
وعليه فهل يجب عليها ثلاثة أقراء غير الأقراء المتخلّلة بين الطلاق وغاية التربّص؟ وجهان: فعن
المبسوط: الأوّل؛ مُعلّلاً بأنّ مدّة التربّص ليست من العدّة، فلا عبرة بها. وعن الشهيد الثاني،: وقوّاه
المفلح الصيمري، قال: لأنّها لمّا رأت الدم بعد انقطاعه ثبت أنّها من ذوات الأقراء، وعدّتهنّ ثلاثة أقراء من حين الطلاق، لا أزيد من ذلك
. وهو حَسَن.
ثم قال: أمّا لو رأت دم الثالث قبل مضيّ مدّة
التربّص ولو بيوم انقضت عدّتها، إجماعاً.
أقول: ويدلُّ عليه الصحيح المفسِّر للأخذ بأسبق الأمرين: «ثم إنّه إن مرّت بها ثلاثة أشهر إلاّ يوماً فحاضت، ثم مرّت بها ثلاثة أشهر إلاّ يوماً فحاضت، فهذه تعتدّ بالحيض على هذا الوجه، ولا تعتدّ بالشهور، فإن مرّت بها ثلاثة أشهر بيض لم تحض فيها بانت»
ونحوه غيره
.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۲، ص۲۸۹-۲۹۶.