كفارة القتل
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
تجب
كفارة الجمع بقتل العمد
والمرتبة بقتل الخطأ مع المباشرة دون التسبيب؛ فلو طرح حجرا في ملك غيره أو سابلة فهلك به عاثر، ضمن
الدية ولا كفارة وتجب بقتل
المسلم ذكرا كان أو انثى، صبيا أو مجنونا، حرا أو عبدا، ولو كان ملك القاتل؛ وكذا تجب بقتل الجنين إن ولجته الروح، ولا تجب قبل ذلك؛ ولا تجب بقتل
الكافر ذميا كان أو معاهدا؛ ولو قتل المسلم مثله في
دار الحرب عالما لا لضرورة فعليه
القود والكفارة؛ ولو ظنه حربيا فبان مسلما فلا دية وعليه كفارة.
وقد مرّ في كتابها أنّه تجب
كفّارة الجمع بين الخصال الثلاث: العتق، وصيام شهرين متتابعين، وإطعام ستّين مسكيناً بقتل العمد، وتجب
المرتّبة بقتل الخطإ وفي معناه شبيه العمد، كما صرّح به في
التحرير والقواعد.
وذكر الفاضلان هنا وفي
الشرائع والتحرير والقواعد والشهيدان في اللمعتين
والمسالك وغيرهم
أنّها إنّما تجب
الكفّارة مطلقا كما يقتضيه إطلاق العبارة ونحوها وصريح بعضهم، أو في الخطأ خاصّة كما هو ظاهر التحرير مع المباشرة للقتل خاصّة دون التسبيب له فلو طرح حجراً في ملك غيره أو سابلة فهلك بها عاثر ضمن
الدية ولا كفّارة مطلقاً، كان التسبيب عمداً أو خطأً.
ولم أجد لهم على ذلك دليلاً صالحاً عدا ما قيل من الأصل، وعدم تبادره إلى الفهم من القتل الوارد في
النصوص. وفيه نظر؛ لمنع
التبادر بعد الاتفاق على شموله له بالإضافة إلى الدية، إلاّ أن يمنع الاتفاق على الشمول له لفظاً، بل يجعل مورده ثبوت أصل الدية لا دخوله تحت إطلاق لفظ القتل. وفيه بُعد.
وكيف كان فالعمدة هو عدم الخلاف في الحكم، بل ربما أشعر عبارة المسالك وغيره بالإجماع عليه، حيث نسبه في الأوّل إلى
الأصحاب من غير ذكر خلاف ولا دليل عليه، بل اقتصر منه على النسبة مشعراً بأنّ ذلك هو
الحجة في المسألة، وفي الثاني لم ينقل الخلاف فيه منّا، بل قال: خلافاً
للشافعي.
ولعلّه كاف في الحجة، سيما بعد التأيّد بالأصل، واحتمال عدم ظهور المخصّص كما عرفته.
وتجب الكفّارة بقتل
المسلم، ذكراً كان أو أُنثى، صبيّاً أو مجنوناً، حراً أو عبداً مطلقا ولو كان ملكاً للقاتل على الأظهر الأشهر، بل لا خلاف فيه يظهر، إلاّ ما يحكى عن كفّارات
النهاية والقاضي في العبد.
قيل: للصحيح: في الرجل يقتل مملوكه متعمّداً، قال: «يعجبني أن يعتق رقبة، ويصوم شهرين متتابعين، ويطعم ستّين مسكيناً، ثم تكون
التوبة بعد ذلك»
لإشعار «يعجب» بالفضل
.
وفيه نظر؛ لظهور السياق في رجوع الفضل إلى الترتيب بين الكفّارة والتوبة بتقديم الاولى على الثانية، لا إلى أصل الكفّارة.
ثم لو سلّم إشعاره أو دلالته فلا يعترض به إطلاقات
الكتاب والسنّة، وخصوص المعتبرة المستفيضة، منها
الصحيح: «من قتل عبده متعمّداً فعليه أن يعتق رقبة، وأن يطعم ستّين مسكيناً، وأن يصوم شهرين»
ونحوه الموثقان
.
والحسنان: عن رجل قتل مملوكاً له متعمّداً، قال: «يعتق رقبة، ويصوم شهرين متتابعين»
إلى غير ذلك من النصوص
.
وكذا تجب بقتل الجنين الآدمي
المؤمن إن ولجته الروح مطلقا ولا تجب قبل ذلك كما مضى.
وقد خالف
الفاضل في التحرير
هنا، فأوجب الكفّارة فيه مطلقاً، ولو لم يلجه الروح، مع أنّه في بحث ديته صرّح بما هنا، وهو الأقوى؛ للأصل، بل قد عرفت أنّ عليه في بعض العبارات إجماعنا، مع أنّي لم أجد له موافقاً إلاّ الشافعي فيما حكي عنه
، ومع ذلك فلم أعرف له مستنداً.
ولا تجب بقتل
الكافر ذمّيّاً كان أو حربيّا أو معاهداً بلا خلاف أجده، بل قيل: عندنا، خلافاً للعامّة، لتوهّمهم ذلك من
الآية.
ولو قتل المسلم مثله في
دار الحرب عالماً عامداً لا لضرورة التترّس ونحوه فعليه
القود والكفّارة بلا خلاف أجده، بل بإجماعنا كما يشعر به عبارة بعض الأجلّة
، وهو الحجة؛ مضافاً إلى إطلاقات الكتاب والسنّة.
ولو ظنّه حربيّا فقتله فلا دية له وعليه الكفّارة بلا خلاف في لزومها، ووفاقاً للأكثر في عدم الدية، بل في ظاهر المسالك وغيره وعن ظاهر
المبسوط الاتفاق عليه
؛ لقوله سبحانه «وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ» مع قوله بعد ذلك «فَإِنْ كانَ» يعني المقتول خطأً «مِنْ قَوْمٍ» أي في قوم؛ لأنّ
حروف الصفات بعضها يقوم مقام بعض «عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ» وقوله بعد ذلك «وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ»
لفهمنا من الثاني أنّ المؤمن يكون في دار الحرب فيظنّ كافراً فيُقتل لا دية له، وإلاّ لم يظهر وجه للتفصيل وإهمال الدية فيه.
خلافاً للحلّي، فأوجب الدية لئلاّ يطلّ دم امرئ مسلم
. وقوله (علیهالسّلام): «في النفس مائة من الإبل»
قال: والدية وإن لم تذكر في الآية، فقد علمناها بدليل آخر إلى أن قال: وأيضاً فإجماع أصحابنا منعقد على ذلك، ولم يخالف أحد منهم في ذلك
.
وهو نادر، ولذا لم ينقل الخلاف عنه هنا إلاّ نادر. ووهن إجماعه لعدم الوقوف على موافق له ظاهر، مع معارضته بالمثل. وما ذكره من الإطلاقات غير معلوم الشمول لنحو الفرض؛ لعدم
التبادر، وعلى تقديره فهي مقيّدة بالآية الشريفة النافية بظاهرها من حيث السياق للدية، فتكون بالإضافة إلى الإطلاقات أخصّ فلتكن عليها مقدّمة.
ومنه يظهر أنّ وجه دلالة الآية ليس أنّه لم يذكر فيها الدية كما زعمه وقدّم لذا عليها الإطلاقات المزبورة، بل إنّما هو ظهور سياقها في نفيها، فينعكس الأمر كما عرفته.
ثم إنّ
إطلاق الآية والعبارة يقتضي عدم الفرق في الحكم بين ظهور كون المقتول أسيراً أم غيره.
خلافاً
للشيخ في المبسوط
والخلاف والفاضل في التحرير والقواعد
والصيمري في
شرح الشرائع، فقيّدوه بالثاني.
وتردّد فيه
الماتن في
الشرائع: من ذلك، ومن إطلاق ما دلّ على لزوم الدية.
وفيه ما قد عرفته، فإذاً الأولى الأخذ بإطلاق الآية، مضافاً إلى
أصالة البراءة.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۶، ص۵۶۳-۵۶۸. الفئات في هذه الصفحة :
الدية