لواحق حد السرقة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
في ذكر اللواحق، وفيه ثلاث مسائل: الأولى، إذا سرق اثنان نصابا، قال في
النهاية: يقطعان، وفي
الخلاف: اشترط نصيب كل واحد نصابا؛ الثانية، لو قامت الحجة
بالسرقة ثم أمسك ليقطع، ثم شهدت عليه بأخرى؛ قال في النهاية قطعت يده بالأولى ورجله بالأخرى، وبه
رواية؛ والأولى التمسك بعصمة
الدم إلا في موضع
اليقين؛ الثالثة، قطع
السارق موقوف على مرافعة المسروق منه، فلو لم يرافعه لم يرفعه
الإمام، ولو رافعه لم يسقط
الحد ولو وهبه قطع.
إذا سرق اثنان فصاعداً نصاباً واحداً، أو زائداً مع عدم بلوغ نصيب كل منهما نصاباً قال
المفيد والمرتضى والشيخ في النهاية
والأتباع أجمع كما في
المسالك: إنّه يقطعان معاً، والظاهر أنّه مذهب أكثر القدماء، بل في
الانتصار والغنية عليه إجماع
الإمامية، وهو الحجة.
مضافاً إلى الرواية المروية في
الخلاف، قال: وروى أصحابنا أنّها إذا بلغت
السرقة نصاباً وأخرجوها بأجمعهم وجب عليهم القطع، ولم يفصّلوا
.
لكنّها مرسلة؛ إذ لم نقف عليها في كتب
الحديث، ولا نقلها ناقل من الأصحاب، ولا أشار إليها أحد منهم في الباب، وإنّما احتجّوا لهم بتحقق الموجب للقطع وهو سرقة النصاب وقد صدر عنهما، فيقطعان؛ وهو كما ترى.
نعم في
الصحيح: «قضى
أمير المؤمنين (علیهالسّلام) في نفر نحروا بعيراً فأكلوه فامتحنوا أيّهم نحر فشهدوا على أنفسهم أنّهم نحروه جميعاً، لم يخصّوا أحداً دون أحد، فقضى (علیهالسّلام) أن تقطع أيمانهم»
.
وهو عام من حيث ترك الاستفصال عن بلوغ نصيب كل منهم النصاب وعدمه للصورتين.
وقال الشيخ في
المبسوط والخلاف
والإسكافي والحلّي اشترط بلوغ نصيب كل واحد نصاباً وعليه عامّة متأخّري الأصحاب، وفي الخلاف عليه
الإجماع، وهو الأوفق بالأصل؛ لاختصاص ما دلّ على قطع السارق نصاباً بحكم
التبادر بصورة انفراده به لا مطلقاً؛ مضافاً إلى
الإجماع المنقول.
لكنّه مع وهنه بعدم موافق له من القدماء عدا الإسكافي، وهو بالإضافة إلى باقيهم شاذّ، وكذا الحلّي، مع أنّه بعد الناقل معارض بمثله، بل وأرجح منه بالتعدّد، وعدم ظهور الوهن فيه، والاعتضاد بالرواية المرسلة المنجبرة بالشهرة القديمة، وعموم الصحيحة المتقدمة، لكنّها قضية في واقعة، والشهرة الجابرة معارضة بالشهرة العظيمة المتأخّرة القريبة من الإجماع، فلم يبق للقدماء غير الإجماع المنقول المعارض بالمثل، ورجحان الأوّل بما مرّ يقابل بالأصل المرجِّح لهذا الطرف.
وبالجملة: المسألة محل تردّد، كما هو ظاهر المتن، ولكن مقتضاه ترجيح القول الأخير للشبهة الدارئة للحدّ.
لو سرق سرقتين موجبتين للقطع ولم يقطع بينهما وقامت الحجة أي
البيّنة عليه بالسرقة الأُولى فأمسكت ليقطع، ثم شهدت عليه بالسرقة الأخرى، قال
الصدوق والشيخ في النهاية والخلاف
قطعت يده بالأُولى ورجله بالأُخرى وادّعى في الخلاف عليه
الوفاق ومع ذلك به رواية صحيحة، وفيها: «ولو أنّ الشهود شهدوا عليه بالسرقة الاولى ثم أمسكوا حتى يقطع، ثم شهدوا عليه بالسرقة الأخيرة قطعت رجله اليسرى»
.
ولكنه رجع عنه في المبسوط
، وتبعه الحلّي
والفاضلان والشهيدان، وغيرهم من المتأخّرين
، وهو الأوفق بالأصل، مع اختصاص ما دل على تعدّد القطع بتعدّد السرقة بصورة تخلّل القطع بينهما لا مطلقاً.
والإجماع المنقول موهون زيادةً على ندرة القائل به برجوع الناقل عنه إلى خلافه في المبسوط.
وأجاب متأخروا
الأصحاب عن الرواية بضعف
السند.
وفيه نظر؛ لاختصاصه بطريق
التهذيب، وإلاّ فهو في
الكافي مروي بطريق حسن قريب من الصحيح، فطرحه مشكل، ولكنّ العمل به أيضاً لا يخلو عن إشكال في نحو المقام.
والأولى التمسك بعصمة
الدم إلاّ في موضع
اليقين عملاً بالنص
المتواتر بدفع الحدّ بالشبهات.
قطع
السارق موقوف عندنا على مرافعة المسروق منه له إلى الإمام تغليباً لحق الناس فيه فلو لم يرافعه إليه لم يرفعه
الإمام ولم يقطعه وإن قامت عليه البيّنة حسبة أو أقرّ بها مرّتين، وكذا لو علم بسرقته، كما في الخبر: «الواجب على الإمام إذا نظر إلى رجل يزني أو يشرب خمراً أن يقيم عليه
الحدّ، ولا يحتاج إلى بيّنة مع نظره؛ لأنّه أمين الله في خلقه، وإذا نظر إلى رجل يسرق فالواجب عليه أن يزبره وينهاه ويمضي ويدعه» قال: وكيف ذاك؟ قال: «لأنّ الحق إذا كان لله تعالى فالواجب على الإمام إقامته، وإذا كان للناس فهو للناس»
.
ولو وهبه المالك العينَ بعد السرقة، أو عفا عن القطع قبل المرافعة سقط القطع وإن كان لو رافعه لم يسقط عنه الحدّ مطلقاً ولو عفا عنه أو وهبه لقول
النبي (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) المروي في الصحيح
والحسن وغيرهما
لصفوان بن أُميّة حين سُرِقَ رداؤه فقبض السارق وقدّمه إلى النبي (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) ثم وهبه: «ألاّ كان ذلك قبل أن ينتهي به إليّ».
وللموثّق: «من أخذ سارقاً فعفا عنه فذاك له، فإذا رفع إلى الإمام قطعه، فإن قال الذي سرق منه: أنا أهب له، لم يدعه الإمام حتى يقطعه إذا رفعه إليه، وإنّما
الهبة قبل أن يرفع إلى الإمام، وذاك قول الله عزَّ وجلَّ «وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ»
فإذا انتهى إلى الإمام فليس لأحدٍ أن يتركه»
.
وفي الصحيح: «لا يعفى عن
الحدود التي لله تعالى دون الإمام، فأمّا ما كان من
حقوق الناس فلا بأس أن يعفى عنه دون الإمام»
.
وفي الخبر: «ولا يشفعنّ في حدّ إذا بلغ الإمام، فإنّه لا يملكه، واشفع فيما لم يبلغ الإمام إذا رأيت الدم»
كما في نسخة، وبدّل الدم بـ «الندم» في أُخرى.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۶، ص۱۴۴-۱۴۸.