لواحق حد القذف
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهي خمس مسائل: الأُولى: يقتل من سبّ
النبيّ (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم)، وكذا من سبّ أحد
الأئمّة: ويحلّ دمه لكلّ سامع إذا أمن؛ الثانية: يقتل مدّعي
النبوّة بعد نبيّنا (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم)؛ الثالثة: يقتل الساحر إذا كان مسلماً، ويعزّر إذا كان كافراً؛ الرابعة: يكره أن يزاد في تأديب الصبي وتعزيره حيث يحتاج إليه عن عشرة أسواط، وكذا العبد، ولو فعل المولى بعبده ذلك أي زاد في تأديبه على العشرة استحبّ له عتقه؛ الخامسة: يعزَّر من قذف عبده أو أمته كما يعزَّر الأجنبيّ بقذفهما؛ لحرمتهما، وعدم الفارق بين الأجنبيّ والمولى هنا، وكذا يعزَّر كلّ من فعل محرّماً أو ترك واجباً عالماً بهما وبحكمهما.
يقتل من سبّ
النبيّ (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم)، وكذا من سبّ أحد
الأئمّة: بلا خلاف، بل عليه الإجماع في كلام جماعة
؛ وهو
الحجّة، مضافاً إلى النصوص المستفيضة:
منها النبويّ الخاصّي: «من سمع أحداً يذكرني فالواجب عليه أن يقتل من شتمني ولا يرفع إلى السلطان، والواجب على السلطان إذا رفع إليه أن يقتل من نال منّي»
.
ومنها: عمّن سُمِع يشتم علّياً (علیهالسّلام)، فقال: «هو والله
حلال الدم، وما ألف رجل منهم برجل منكم، دعه»
.
ويستفاد من الرواية الاولى: أنّه يحلّ دمه لكلّ سامع من غير توقّف على
إذن الإمام، كما هو المشهور، بل عليه في الغنية الإجماع
.
خلافاً للمحكيّ عن
المفيد والمختلف، فلم يجوِّزا قتله بغير إذنه
؛ للخبر: إنّ أبا بحير
عبد الله بن النجاشي سأل
الصادق (علیهالسّلام) فقال: إنّي قتلت ثلاثة عشر رجلاً من الخوارج كلّهم سمعتهم يبرأ من
عليّ بن أبي طالب (علیهالسّلام)، فقال (علیهالسّلام): «لو كنت قتلتهم بأمر الإمام لم يكن عليك في قتلهم شيء، ولكنّك سبقت
الإمام، فعليك ثلاث عشرة شاة تذبحها بمنى وتتصدّق بلحمها لسبقك الإمام، وليس عليك غير ذلك»
ونحوه المرفوع
.
ومن الثانية وغيرها
مع عموم
نفي الضرر: اشتراط القتل بما إذا أمن القاتل ولم يخف على نفسه أو ماله أو على مؤمن نفساً أو مالاً، وانتفاء الجواز مع الخوف على شيء من ذلك، ولا خلاف فيه في الظاهر.
وفي إلحاق باقي
الأنبياء بهم: وجه قوي؛ لأنّ تعظيمهم وكمالهم قد علم من
دين الإسلام ضرورةً، فسبّهم ارتداد، فتأمّل؛ مع أنّ في الغنية ادّعى عليه إجماع الإماميّة
.
لكن عن
المبسوط: أنّه روي عن عليّ (علیهالسّلام) أنّه قال: «لا أُوتى برجل يذكر أنّ
داود (علیهالسّلام) صادف المرأة إلاّ جلدته مائة وستّين، فإنّ جلد الناس ثمانون، وجلد الأنبياء مائة وستّون»
فتأمّل. وهو ضعيف.
وألحق في
التحرير وغيره
بالنبيّ (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم): امّه وبنته، من غير تخصيص
بفاطمة (سلاماللهعليها).
قيل
: ويمكن اختصاص الحكم بها (سلاماللهعليها)؛ للإجماع على طهارتها
بآية التطهير. وهو حسن.
ثم إنّ إطلاق
النصّ والفتوى يقتضي عدم الفرق في القاذف بين الرجل والمرأة، والمسلم والكافر، وبعدم الفرق بين الأخيرين صرّح في
المسالك، قال: وقد روي عن عليّ (علیهالسّلام): «إنّ يهوديّة تشتم النبيّ (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) وتقع فيه، فخنقها رجل حتى ماتت، فأبطل رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) دمها»
.
يقتل مدّعي
النبوّة بعد نبيّنا (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم)، بلا خلاف ظاهر ولا محكيّ؛ للنصوص:
منها: إنّ بزيعاً يزعم أنّه نبيّ! فقال: «إن سمعته يقول ذلك فاقتله»
.
وكذا يقتل من قال: لا أدري أنّ محمّداً (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) صادق أم لا، إذا كان على ظاهر
الإسلام بلا خلاف.
وفي الخبر: أرأيت لو أنّ رجلاً أتى النبيّ (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) فقال: ما أدري أنبيّ أنت أم لا، كان يقبل منه؟ قال: «لا، ولكن يقتله، إنّه لو قبل ذلك منه ما أسلم منافق»
.
وربما استدلّ للحكم في المقامين وما مضى
بالارتداد الموجب للقتل
.
وهو حسن، إلاّ أنّه لا يدلّ على
القتل مطلقاً ولو كان المرتدّ ملّياً، بل مقتضاه قتل الفطريّ مطلقاً، والملّي على بعض الوجوه، وهو خلاف ظاهر
إطلاق النصّ والفتوى، إلاّ أن ينزّل على مقتضاه.
واحترز بالقيد عن إنكار الكفّار لصدقه، كاليهود والنصارى، فإنّهم لا يُقتلَون بذلك، وكذا غيرهم من فرَق الكفّار، وإن جاز قتلهم بأمر آخر.
يقتل الساحر إذا كان مسلماً، ويعزّر إذا كان كافراً بلا خلاف، فتوًى ونصّاً.
ففي القويّ: «ساحر المسلمين يقتل وساحر الكفّار لا يقتل، قيل: يا رسول الله، ولِمَ لا يقتل ساحر الكفّار؟ فقال: لأنّ
الكفر أعظم من
السحر، ولأنّ السحر
والشرك مقرونان»
.
وعليه يحمل إطلاق باقي النصوص، منها: عن الساحر، فقال: «إذا جاء رجلان عدلان فشهدا بذلك فقد حلّ دمه»
.
ومنها: «من تعلّم شيئاً من السحر كان آخر عهده بربّه، وحدّه القتل إلاّ أن يتوب»
.
ومنها: «الساحر يضرب بالسيف ضربة واحدة على رأسه»
.
وفي الأوّل منها دلالة على ردّ من قال بانحصار طريق ثبوته في الإقرار؛ لأنّ
الشاهد لا يعرف قصده ولا يشاهد التأثير.
وفي الثاني منها دلالة على عموم القتل للعامل بالسحر والمتعلّم له، كما هو ظاهر إطلاق العبارة وغيرها من النصّ والفتوى.
خلافاً لجماعة، فخصّوه بالأوّل
؛ ولعلّ وجهه
الأصل، واختصاص ما دلّ على قتله بقولٍ مطلق بحكم
التبادر بالعامل به، والصريح في العموم ضعيف
السند، مع احتمال اختصاصه أيضاً بما مرّ؛ بناءً على أنّ الغالب في المتعلّم له أن يعمل به. ولا يخلو عن وجه.
ثم إنّ مقتضى إطلاق النصّ والفتوى بقتله عدم الفرق فيه بين كونه مستحلا له أم لا، وبه صرّح بعض
الأصحاب. وحكى آخر من متأخّري المتأخّرين قولاً بتقييده بالأول
؛ ووجهه غير واضح بعد إطلاق النصّ، المنجبر ضعفه بعد الاستفاضة بفتوى الجماعة، وعدم خلاف فيه بينهم أجده، ولم أرَ حاكياً له غيره.
يكره أن يزاد في تأديب الصبي وتعزيره حيث يحتاج إليه عن عشرة أسواط، وكذا العبد كما هنا وفي
الشرائع والتحرير والقواعد، والسرائر لكن في العبد
؛ للنبويّ المرويّ في
الفقيه: «لا يحلّ لوالٍ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يجلد أكثر من عشرة أسواط إلاّ في حدّ» وأذن في المملوك من ثلاثة إلى خمسة
.
وفي آخر: في أدب الصبيّ والمملوك، فقال: «خمسة أو ستّة، وأرفق»
.
قيل: وبمضمونه أفتى
الشيخ في
النهاية ويحيى بن سعيد.
وفي ثالث: «إنّ أمير المؤمنين (علیهالسّلام) قال لصبيان: بلّغوا معلّمكم إن ضربكم فوق ثلاث ضربات في
الأدب أنّي أقتصّ منه»
.
وفي رابع: الرخصة في ضرب الصبيّ للتأديب إلى خمسة
.
ولم أر عاملاً بهما، مع قصور سندهما ومخالفتهما لما مضى، والجمع بينهما يقتضي ترتّب الأعداد المذكورة في
الكراهة ضعفاً وشدّة.
وإنّما حملها الأصحاب عليها مع أنّ ظاهر جملة منها وصريح بعضها التحريم للأصل، وقصور الأسانيد، ومعارضتها بأقوى منها ممّا دلّ على أنّ
التعزير إلى الوالي، يجريه بحسب ما يراه ما لم يزد الحدّ.
ففي الخبر المرويّ في
الكافي ضعيفاً وعن العلل صحيحاً: كم التعزير؟ قال: «دون الحدّ» قلت: دون ثمانين؟ قال: «لا، ولكن دون أربعين، فإنّها حدّ المملوك» قلت: وكم ذاك؟ قال: «على قدر ما يراه الوالي من ذنب الرجل وقوّة بدنه»
.
وفي
الموثّق: عن التعزير كم هو؟ قال: «بضعة عشر ما بين العشرة إلى العشرين»
.
ولو فعل المولى بعبده ذلك أي زاد في تأديبه على العشرة استحبّ له عتقه.
إطلاق العبارة يقتضي ثبوت
الاستحباب فيما إذا لم تبلغ الزيادة حدّا، ولم أجد به نصّاً، بل ولا فتوًى، وإنّما الموجود في غير الكتاب حتى
الشرائع استحباب
العتق لو ضربه في غير حدٍّ حدّا، كما هو ظاهر
الصحيح: «من ضرب مملوكاً حدّا من الحدود من غير حدّ أوجبه المملوك على نفسه، لم يكن لضاربه كفّارة إلاّ عتقه»
وظاهره
الوجوب كما عن الشيخ في النهاية
، لكن فرضه فيمن ضرب عبده فوق الحدّ، وهو خارج عن مورد الرواية، فتكون بظاهرها شاذّة، والعاملون بها في موردها حملوها على الاستحباب، فتأمّل جدّاً.
يعزَّر من قذف عبده أو أمته كما يعزَّر الأجنبيّ بقذفهما؛ لحرمتهما، وعدم الفارق بين الأجنبيّ والمولى هنا، مع عموم ما مرّ من النصوص بتعزير من قذفهما.
وفي الخبر: «إنّ امرأة جاءت
رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) فقالت: إنّي قلت لأمتي: يا زانية فقال: هل رأيت عليها زناءً؟ فقالت: لا، فقال: أما إنّها ستقاد منك
يوم القيامة، فرجعت إلى أمتها فأعطتها سوطاً، ثم قالت: اجلديني، فأبت الأمة، فأعتقتها، ثم أتت النبيّ (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) فأخبرته، فقال: عسى أن يكون به»
.
وكذا يعزَّر كلّ من فعل محرّماً أو ترك واجباً عالماً بهما وبحكمهما؛ بما دون الحدّ متعلّق بـ: يعزَّر، أي يعزَّر هذان بما دون الحدّ بما يراه
الإمام.
قيل: ولا يبلغ حدّ الحرّ في الحرّ وإن تجاوز حدّ العبد، ولا حدّ العبد في العبد، ففي الحرّ: من سوط إلى تسعة وتسعين، وفي العبد: منه إلى تسعة وأربعين، كما في التحرير
.
وقيل: يجب أن لا يبلغ أقلّ الحدود، وهو في الحرّ: ثمانون، وفي العبد: أربعون
.
وقيل: إنّه فيما ناسب الزناء يجب أن لا يبلغ حدّه، وفيما ناسب القذف أو الشرب يجب أن لا يبلغ حدّه، وفيما لا مناسب له أن لا يبلغ أقلّ الحدود، وهو: خمسة وسبعون، حدّ القوّاد. ونسبه في المسالك إلى الشيخ والمختلف واختاره
.
ومرّ في المسألة السابقة من الأخبار ما يدلّ على المنع عن بلوغه
حدّ القذف في العبد وهو أربعون مطلقاً، من غير تقييد بكون المعزَّر عبداً، بل يشمل ما لو كان حرّا. ولا ريب أنّ الاقتصار عليه
أحوط وأولى، وإن لم أجد به قائلاً.
ثمّ وجوب
التعزير في كلّ محرّم من فعل أو ترك إن لم يحصل الانتهاء بالنهي والتوبيخ ونحوهما فهو ظاهر؛ لوجوب إنكار المنكر. وأمّا مع الانتهاء بهما، فلا دليل على التعزير مطلقاً إلاّ في مواضع مخصوصة ورد النصّ بالتأديب أو التعزير فيها.
ويمكن تعميم التعزير في العبارة ونحوها لما دون الضرب أيضاً من مراتب الإنكار، فتأمّل جدّاً.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۶، ص۵۴-۶۳.