مايصح فيه السبق
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ويدخل تحت
النصل السهام والحراب والسيف و يدخل تحت الخفّ
الإبل و يدخل تحت الحافر الخيل والبغال والحمير ولا يصح المسابقة في غيرها.
(ويدخل تحت النصل السهام والحراب) جمع حربة، وهي :
الآلة (والسيف) وربما زيد النُّشّاب، مع أنه والأوّل واحد كما عن
الصحاح .
ولذا قيل في عطفه على الأوّل : إنه من قبيل عطف المرادف.
وعن ظاهر الشيخ أنه باعتبار
اختلاف اللغات، فيقال للنصل : نُشّابة عند العجم، وسهم عند العرب، وأنه زاد
المزاريق قال : وهي الردينيات والرماح والسيوف.
وحصر النصل في الأُمور المزبورة هو المعروف في العرف واللغة، فلا يدخل فيه الدبّوس والعصا والمرافق إذا جعل في رأسها حديدة، على إشكال فيه أشار إليه في الكفاية.
(و) يدخل (تحت الخفّ
الإبل ) بلا خلاف حتى من العامّة؛ لشمول اللفظة لها، مع مشاركتها الخيل في المعنى المطلوب منها حالة الحرب : من
الانعطاف وسرعة الأقدام؛ ولأن العرب يقاتل عليها أشدّ القتال. وكذلك الفيلة عندنا وعند أكثر العامّة، كما في المسالك، قال : لدخولها تحت
اسم الخف أيضاً ويقاتل عليها كالإبل. وذهب بعضهم إلى المنع منها؛ لأنه لا يحصل بها الكرّ والفرّ، فلا معنى للمسابقة عليها، قال : والخبر حجّتنا عليهم.
وفيه نظر؛ فإن غايته
الإطلاق ، وفي انصرافه إليها مع ندرتها سيّما في بلاد صدوره نظر. ومقتضى الأُصول التي أسّسوها من غير خلاف يعرف بينهم فيها من مخالفة هذه المعاملة للأُصول، وأنه يقتصر في إباحتها على القدر المتيقن منها والمنقول، عدم جواز المسابقة عليها. ولعلّ في ترك الماتن لها
إشعاراً بذلك، إلاّ أن يكون ذلك منه
اقتصاراً على الغالب. وكيف كان، فإن كان ما ذكره إجماعاً كما ادّعاه، وإلاّ فللنظر فيه مجال، مع أن الأحوط ترك المسابقة عليها بلا إشكال.
(و) يدخل (تحت الحافر الخيل) بلا خلاف حتى من العامة، وعن الإسكافي وفي المسالك
الإجماع عليه؛
وهو الحجة، مضافاً إلى التيقّن بدخوله في إطلاق الرواية.
(و) كذا (البغال والحمير) بلا خلاف عندنا، كما في المسالك، قال : لدخولها تحت الحافر، وصلاحيّتها للمسابقة عليها في الجملة، وخالف فيهما بعض العامّة، لأنهما لا يقاتل عليهما ولا يصلحان للكرّ والفرّ، قال : والنص حجّة عليه.
وفيه ما مرّ من النظر بعد
الالتفات إلى ما ذكروه في فائدة مشروعيّة السباق مما تقدم ذكره، ولا ريب أن الغالب في الحافر الذي يحارب عليه إنما هو الخيل، ولذا اقتصر عليه في النصوص المتقدمة.
ويشير إليه ما حكاه بعض الأجلّة
من أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يركب في الحرب بغلة
رسول الله صلي الله عليه و آله وسلم ، فعوتب على ذلك، فقال : «إنّي لا أفرّ عمن أقبل ولا اتبع من أدبر، والبغلة تكفيني».
فيشكل حمل النص على غيره، مع مخالفة السباق عليه
الأصل المتقدم، والصلاحية للمسابقة في الجملة غير مُجدٍ فائدة بعد عدم ظهور الدخول في إطلاق الرواية، فلم يبق إلاّ نفي الخلاف الذي ادّعاه، فإن تمّ، وإلاّ كما هو الظاهر، لأنه في المختلف وغيره
حكي الخلاف في المسابقة عليهما عن
الإسكافي فالرجوع إلى الأصل المتقدم أولى.
(ولا يصح) المسابقة (في غيرها) أي غير الثلاثة المزبورة، بل يحرم مع العوض، بإجماعنا، كما في
المهذب والتنقيح والمسالك وعن التذكرة؛
وهو الحجة. مضافاً إلى أنه قمار منهي عنه في الشريعة، وخصوص الحصر المستفاد من الرواية المتضمنة للرخصة في الثلاثة،
ونحوها الخبر، بل هو في الدلالة على
التحريم أظهر : «إن الملائكة تحضر الرهان في الخفّ والحافر والريش، وما عدا ذلك قمار حرام».
وقصور سنده كبعض ما تقدّمه منجبر بالعمل.
وفي جوازها بدونه إشكال ينشأ من
اختلاف الروايات في فتح الباء من لفظ السبق وسكونه، فإنه على الأوّل بمعنى العوض المبذول للعمل، وعلى الثاني بمعنى المصدر كما مرّ، والأوّل هو المشهور، كما في المسالك
وغيره، والموافق للأصل المعتمد عليه، ولذا اختاره
الشهيد الثاني ، مع تأيّده بأصالة جواز الفعل، فيجوز المسابقة بنحو الأقدام، ورمي الحجر ورفعه، والمصارعة، و
الآلات التي لا تشتمل على نصل، والطيور، ونحو ذلك بغير عوض.
ولكن الأشهر خلافه، بل ظاهر المهذب والمحقق الثاني وصريح المحكي عن التذكرة
أن عليه إجماع
الإمامية في جميع الأُمور المذكورة. فالمنع أظهر؛ لحجّية الإجماع المنقول، سيّما مع التعدّد، و
الاعتضاد بالشهرة، وبما دلّ على حرمة اللهو واللعب، لكون المسابقة في المذكورات منهما بلا تأمّل، وخصوص ما مرّ من المعتبرة
المنجبر قصور سندها بالشهرة، بل وعمل الكلّ ولو في الجملة، الدالّة على تنفّر الملائكة عند الرهان ولعنها صاحبه ما خلا الثلاثة، مع تصريح الرواية السابقة بأن ما عداها قمار محرّم.
ودعوى توقّف صدق القمار و
الرهانة على بذل العوض غير معلوم الصحة، مع صدقهما سيّما الرهانة بدونه عرفاً وعادة. ويحتمل قوياً أن يجعل جميع ذلك قرينة لصحة النسخة الثانية من سكون الباء من لفظ السبق في الرواية. ودلالتها على عدم الصحة بل وعلى الحرمة ظاهرة؛ لعدم إمكان
إرادة نفي الماهيّة، فليحمل على أقرب المجازات، وهو إمّا نفي جميع أحكامها التي منها الصحة والمشروعية، أو نفيهما خاصّة، لأنه المتبادر من نفي الماهية بلا شبهة، سيّما مع الاعتضاد بما قدّمناه من الأدلة على الحرمة.
وبما ذكرناه يظهر الجواب عما أورده في
الكفاية على الرواية، من أنها لا دلالة لها على الحرمة على النسختين، قال : بل يحتمل غيرها، فإنه على الفتح يحتمل أن لا لزوم، أو أن لا تملّك، أو لا فضل للسبق والعوض إلاّ في هذه الثلاثة من بين الأفعال التي يسابق عليها، وعلى هذا لا دلالة لها على تحريم الفعل والملاعبة مع العوض أيضاً في غير الثلاثة، بل لا يدل على تحريم العوض أيضاً. وعلى السكون يحتمل أن يكون معناها : لا
اعتداد بسبق في أمثال هذه الأُمور إلاّ في الثلاثة، أو لا فضل لسبق إلاّ في الثلاثة، فلا تكون دالة على التحريم.
انتهى كلامه.
وهو كما ترى المناقشة فيه بعد ما قدّمناه واضحة، فإنه لا ريب أن هذه الاحتمالات التي ذكرها بعيدة غير متبادرة، ولذا أن أحداً من الأصحاب لم يشر إلى جريان شيء منها في الرواية، بل أطبقوا على دلالتها على الحرمة، وإنما اختلفوا لاختلاف النسخة في متعلّقها، هل هو العوض خاصة، أو نفس الرهانة؟ وأين هذا
الإطباق من صحة ما ذكره؟ بل ينبغي القطع بفساده، سيّما مع ما عرفت من الروايات بل الأدلة الأُخر الظاهرة في الحرمة، وأخبارهم : يكشف بعضها عن بعض.
وأمّا ما ربما يستدل لجواز المسابقة بالطيور والمصارعة من الأخبار الدالة عليه كالروايات الثلاث
النافية للبأس عن قبول شهادة اللاعب بالحمام إذا لم يُعرف بفسقٍ في الأُولى، مضافاً فيها إلى الخبرين المتقدمين
المرخّصين لها في الريش، وهو الطيور؛ وكالروايات المروية في الأمالي وغيره الدالّة على أمر
النبي صلي الله عليه وآله وسلم الحسن والحسين عليهما السلام بالمصارعة
في الثانية.
فضعيف غايته؛ لضعف الروايات المزبورة جملة سنداً في أنفسها، فكيف يمكن أن يحتجّ بها، سيّما في مقابلة ما قدّمنا من الأدلّة القويّة. مضافاً إلى ضعفٍ في دلالتها، فإن اللعب بالحمام أعمّ من السباق عليه، فلعلّ نفي البأس عن قبول شهادته إنما هو إذا لم يسابق عليه. ويمكن دخوله في الشرط من قوله : إذا لم يعرف بفسقٍ. ودعوى أن السبق عليه ليس بفسق مصادرة. نعم، لها دلالة على جواز اللعب به، وهو أمر آخر، ظاهر المحكي عن الأصحاب فيه في بحث الشهادة جوازه.
ودعوى أن المراد من الريش هو الطيور ممنوعة؛ لاحتمال أن يراد به السهام المثبت ذلك فيها. وليس في عطفه على النصل في أحد الخبرين دلالة على التباين بينهما بعد
احتمال كون العطف فيه من باب عطف المرادف، أو الخاص على العام، مع تأيّده بإسقاط العطف وإبدال النصل بالريش في الخبر الثاني، مع التصريح فيه بحرمة الباقي.
رياض المسائل، ج۱۰، ص۲۳۵- ۲۴۱.