معالم فقه أهل البيت عليهم السلام
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
معالم فقه
أهل البيت عليهم السلام ومن مجموع ما قدّمناه يمكن أن نلخص المعالم الأساسية لمدرسة أهل البيت عليهم السلام الفقهية فيما يلي.
اعتماد البيان الشرعي المتمثل بالكتاب والسنة الشريفين المصدرين الأساسيين
لاستخراج الحكم الشرعي في كل باب ومسألة؛ لأنّهما كاملان ووافيان بحاجات
الإنسان الفقهية في كل ألوان سلوكه الخاص والعام إلى الأبد.
انّ السنّة الشريفة لا تكون حجة ومعتبرة إلّا إذا كانت صادرة عن
المعصوم المتمثل في
النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم و
الأئمة الاثني عشر عليهم السلام لا غيرهم.
انّ السنة الشريفة لا بدّ من إثباتها شرعاً إمّا بالقطع واليقين أو بحجة شرعية كخبر الثقة أو الخبر الموثوق به- ولا بد من
إثبات هذه الحجّية الشرعيّة بالقطع واليقين- ولا يشترط في ذلك أن يكون الراوي إمامياً، ومن هنا أجمعت الطائفة على العمل بروايات جملة من العامة الواقعين في أسانيد روايات المعصومين عليهم السلام لوثاقتهم وصدقهم من قبيل:
غياث بن كلوب البجلي ، و
طلحة بن زيد النهدي الشامي، و
حفص بن غياث النخعي (ت/ ۱۹۴ ه)، و
إسماعيل بن أبي زياد السكوني الشعيري .
لا
اعتبار بقول الصحابي ورأيه ما لم ينقل حديثاً عن المعصوم ويكون ثقة، كما لا يجوز تقليد مجتهد لمجتهد آخر من أي عصر أو زمان.
الكتاب الكريم هو المصدر الأوّل للتشريع، وظهوراته حجة إلّا انّه لا بد- ككل ظهور معتبر- من التأكد أوّلًا: من نفس الظهور والدلالة، وذلك عن طريق معرفة أساليب الدلالة في الخطاب القرآني. وثانياً: لا بدّ من معرفة العام والخاص والناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه من الآيات عن طريق السنة الشريفة المتعرّضة لذلك، فلا يمكن
الاستناد إلى الظهور القرآني إلّا بعد
استكمال هاتين المرحلتين بحثاً وفحصاً وتحقيقاً.
لا قيمة للرأي والاجتهادات القائمة على أساس الأقيسة و
الاستحسانات أو المصالح المرسلة، كما لا حجّية لرأي الصحابي أو التابعي؛ فإنّ شيئاً من ذلك لا يمكن أن يكون من مصادر
الاجتهاد و الاستنباط الفقهي، وليس الاجتهاد إلّا
استفراغ الوسع والجهد لاستنباط الحكم الشرعي من الكتاب والسنة.
مدركات العقل- سواء على صعيد العقل النظري أو العقل العملي- قد يستعان بها في مجال
الاستنباط إذا كانت قطعية ويقينية إلّا أنّ هذه المدركات لا تكون في مجال تشخيص ملاكات الأحكام واثبات الحكم الشرعي بها، بل إمّا ترتبط بتشخيص العلاقة فيما بين الأحكام كعلاقة التضاد والتقابل أو
الاستلزام والتقارن وما يتولد منها نتيجة لذلك من دلالات تضمنية أو التزامية في خطاب شرعي أو تعارض وتزاحم بين خطابين شرعيين، فيكون المُدرك العقلي في هذا القسم راجعاً إلى تشخيص صغرى الدلالة في الخطاب الشرعي.
وإمّا ترتبط بتحديد الوظيفة والموقف العملي البديهي عند الشك في حكم شرعي لا تحديد نفس الحكم الشرعي، وقد اصطلح عليه علماؤنا في اصول الفقه بالاصول العملية العقلية من
احتياط أو
براءة أو تخيير.
إنّ الاجتهاد واستنباط الحكم الشرعي في فقه
أهل البيت له مرحلتان طوليتان؛ لأنّ البيان الشرعي ينقسم إلى نوعين رئيسيين:
البيان الذي يثبت به الحكم الشرعي الواقعي ويسمّى بالدليل الاجتهادي، وهذا ما يكون على مستويين: المستوى الأوّل: ما يثبته الدليل إثباتاً قطعياً، من قبيل ما يثبت من الأحكام الشرعية بصريح آية من الكتاب الكريم أو بسنة قطعية سنداً وصريحة دلالة. المستوى الثاني: ما يثبته إثباتاً شرعياً تعبّدياً من قبيل ما يثبت من الأحكام بظهور أو بحديث معتبر شرعاً رغم انّه لا قطع بصدوره ومطابقته للواقع إلّا أنّ حجيته قطعية.
البيان الذي لا يثبت الحكم الشرعي الواقعي وإنّما يحدّد الوظيفة العملية والموقف الذي يجب اتخاذه من قبل المكلف في حالات الشك والتردّد و
اشتباه الحكم الشرعي وعدم الدليل عليه، ويسمّى هذا النوع من الأدلّة بالدليل الفقاهتي أو
الأصل العملي . وهذه الاصول العملية بدورها لا بد وأن تثبت بالأدلّة الشرعية من النوع الأوّل أو بحكم العقل، كما انّه لا تصل النوبة إلى هذا النوع من الأدلّة إلّا بعد فقد النوع الأوّل، فليس النوعان من الأدلّة في عرض واحد بل طوليان. وهذا التقسيم وأحكام كل قسم وآثاره من أروع إنجازات فقهائنا وتخريجاتهم في اصول الفقه التي استنبطوها من فقه أهل البيت عليهم السلام.
انفتاح باب الاجتهاد و
استمرار حركته في فقه أهل البيت عليهم السلام وحرمة تقليد مجتهد لمجتهد آخر، كما انّه على كل مكلف إمّا أن يجتهد أو يقلّد مجتهداً حيّاً لا ميّتاً. ولو مات مقلّده وأراد أن يبقى على تقليده أو يقلّد مجتهداً ميّتاً ابتداءً فعليه أن يرجع إلى مجتهد حيّ أوّلًا، فاذا كان يرى جواز ذاك التقليد رجع إلى الميت بإذن الحي، وهذا يعني انّ التقليد لا بدّ وأن يبدأ بالمجتهد الحيّ دائماً.
وقد أدّى هذا
الانفتاح في باب الاجتهاد إلى تطوّر هذا الفقه وسعة معطياته ودقّة مناهجه و
استكشاف أعماقه وكنوزه وأدّى إلى تنامي الخبرات العلمية والفقهية للفقهاء جيلًا بعد جيل وتفوّقهم على من سبقهم تدريجياً. وأدّى إلى حيوية
الفقه وقدرته على استخراج حكم كل مسألة مستجدة أو نظرية حديثة معتمداً على نفس المنهج لُاصول الاستنباط والاجتهاد المقرّر في هذا الفقه. وهذه امتيازات توجب تفوّق الفقه وتطوّره يوماً بعد يوم، كما انها توجب تعيّن الرجوع في التقليد إلى الفقهاء الأحياء من هذه المدرسة، لأنّ الواجب في التقليد الرجوع إلى الأفضل والأعلم دائماً.
على الرغم من حجّية فتوى الفقيه الجامع لشرائط التقليد بالنسبة إلى نفسه وإلى مقلّديه إلّا أنّ هذا لا يعني انّ فتواه ورأيه يمثل حكم اللَّه الواقعي، بل هو من نوع الحكم الظاهري- حسب المصطلح الاصولي- الذي قد يكون غير مطابق مع الحكم الشرعي الواقعي، فلا تصويب لآراء الفقهاء والمجتهدين في فقه الامامية. وحجيتها في حقهم وحق مقلّديهم لا تعني أكثر من المعذّريّة لهم في مقام العمل، وهذا يختلف عن التصويب في حقيقته وفي آثاره، كما نقّحه علماؤنا في اصول الفقه.
الموسوعة الفقهية،ج۱، ص۳۰- ۳۲.