معرفة نوع الاستحاضة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
إنّ
الاستحاضة على ثلاثة أقسام قد يختلف بعضها عن الآخر في بعض الأحكام يجب على المستحاضة
اختبار حالها بإدخال القطنة في الموضع، والصبر عليها بالمقدار المتعارف لتعرف نوع استحاضتها وتعمل بوظيفتها الخاصّة كما صرّح بذلك جملة من الفقهاء.
واستدلّ على ذلك ببعض النصوص:
صحيح
عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «... وإن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين، ولتغتسل ولتستدخل كرسفاً، فإن ظهر على الكرسف فلتغتسل، ثمّ تضع كرسفاً آخر ثمّ تصلّي، فإذا كان دماً سائلًا فلتؤخّر الصلاة إلى الصلاة».
فإنّ الظاهر من
الأمر باستدخال الكرسف إنّما هو لأجل اختبار أنّه هل يظهر الدم على الكرسف فقط أو يسيل من ورائه أو لا؟ واورد عليه بمنع الظهور في ذلك، بل الظاهر منه أنّها تغتسل بعد
الاستظهار بيوم أو يومين، وتستدخل كرسفاً، وتصلّي بلا غسل ولا تغيير قطنة حتى يظهر الدم على الكرسف، فعند ذلك تعيد الغسل وتعيد الكرسف.
فهذا الخبر نظير خبر
الجعفي عن
أبي جعفر عليه السلام قال: «... وإن هي لم تَرَ طهراً اغتسلت واحتشت فلا تزال تصلّي بذلك الغسل حتى يظهر الدم على الكرسف، فإذا ظهر أعادت الغسل وأعادت الكرسف».
فإنّ الأمر بالاحتشاء فيه لا يكون لأجل
الاختبار وتشخيص الحال، وكذلك الأمر باستدخال الكرسف في خبر عبد الرحمن.
ولكن يمكن أن يجاب عليه بأنّ الظاهر من التفريع في قوله عليه السلام: «فإن ظهر...»، وعدم الأمر بالصلاة من دون غسل ولا تغيير قطنة بعد الأمر باستدخال القطنة أنّه إنّما هو لتعرّف الحال وتشخيص نوع
الاستحاضة .
الصحيح المرويّ في المعتبر
عن كتاب
المشيخة لابن محبوب عن أبي جعفر عليه السلام: في الحائض إذا رأت دماً بعد أيّامها التي كانت ترى الدم فيها «فلتقعد عن الصلاة يوماً أو يومين، ثمّ تمسك قطنةً، فإن صبغ القطنة دم لا ينقطع فلتجمع بين كلّ صلاتين بغسل».
فإنّ الظاهر من الأمر بإمساك القطنة هو تعرّف الحال وتشخيص نوع الاستحاضة.
واورد عليه بما تقدّم من أنّ الظاهر منه هو ما في خبر الجعفي ونحوه، أي فلتمسك قطنة فتصلّي، فإن صبغ القطنة دم لا ينقطع وصار كثيراً فلتجمع بين الصلاتين بغسل، ولا أقلّ من
الاحتمال المساوي لاحتمال كون
الإمساك للاختبار، ويرجح ما ذكرنا بقرينة سائر الروايات.
ويرد عليه: أنّ الظاهر من التفريع في قوله عليه السلام: «فإن صبغ...»، وعدم الأمر بالصلاة بلا غسل وتغيير قطنة بعد الأمر بالإمساك أنّه لمجرّد الاختبار وتشخيص الحال.
وبذلك ظهر صحّة
الاستدلال برواية
ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «المستحاضة إذا مضت أيّام قرئها اغتسلت واحتشت كرسفها، وتنظر فإن ظهر على الكرسف زادت كرسفها، وتوضّأت وصلّت».
فإنّ الظاهر من التفريع وعدم الأمر بالصلاة بعد الأمر بالنظر أنّه للاختبار وتعرّف الحال. وبعض الفقهاء لم يجزم بوجوب الاختبار، ولعلّه لمناقشتهم في أدلّته.
وبناءً على وجوبه فهل هذا الوجوب وجوب نفسي أو شرطي أو طريقي؟ وتظهر الثمرة فيما لو أخلّت بالاختبار وعملت بما تحتمله وصلّت فطابق الواقع، فعلى الأوّل تصحّ صلاتها، لكنّها تأثم إذا تركت الاختبار. وعلى الثاني تبطل صلاتها؛ لعدم
الإتيان بشرطها وهو الاختبار، لكن لا تستحقّ عقاباً؛ لأنّ وجوب الاختبار شرطي لا نفسي، ولا عقوبة في ترك الواجب الشرطي. نعم، تستحقّ العقاب على ترك الصلاة المشروطة بالاختبار؛ لعدم إتيانها مع شرطها. وعلى الثالث تصحّ صلاتها ولا تستحقّ العقاب لا على ترك الاختبار؛ لعدم وجوبه نفسيّاً، ولا على الصلاة؛ لصدق
الامتثال بإتيانها بدون الاختبار بعد فرض العمل بوظيفتها في الواقع.
وظاهر جماعة من الفقهاء ترجيح الاحتمال الثالث؛ وذلك لأنّ الظاهر من دليل الوجوب أنّه من قبيل وجوب تعلّم الأحكام بحيث يكون إرشاداً إلى تنجّز الواقع وعدم معذّريّة الجهل، فإذا فرض أنّ المأتيّ به مطابق للواقع مع حصول قصد القربة كان ذلك موجباً لسقوط الأمر به عقلًا، فهذا الوجوب عقليّ محض وطريق إلى الواقع.
هذا كلّه مع التمكّن من الاختبار، وأمّا في صورة عدمه فقال بعضهم: تأخذ حينئذٍ بالقدر المتيقّن في مقام الامتثال، وهو المحتمل الأكثر، وهو الذي عبّر عنه
المحقّق النجفي بأسوإ الاحتمالات،
فمع دوران الأمر بين القليلة والكثيرة تعمل عمل الكثيرة، ومع دوران الأمر بين المتوسّطة والكثيرة تعمل أيضاً عمل الكثيرة، ومع دوران الأمر بين القليلة والمتوسّطة تعمل عمل المتوسّطة، إلّا أن تكون لها حالة سابقة فتأخذ بها حينئذٍ. وفي قبال ذلك ذهب بعضهم إلى أنّ وظيفتها هي الأخذ بالمقدار المتيقّن في مقام التكليف، وهو المحتمل الأقلّ، فتبني على أنّها ليست بمتوسّطة ولا كثيرة، إلّا إذا كانت مسبوقة بها فتأخذ بالحالة السابقة حينئذٍ.
وأمّا الاختبار فيجب أن يكون في وقت تعلم بعدم تغيّر حالها بعد ذلك سواء وقع في وقت الصلاة أو قبله، كما إذا اشتغلت بالاختبار قبل الوقت بحيث انتهى إلى أوّل وقت الصلاة أو كان قبل ذلك أيضاً لكن مع العلم بعدم تغيّر حالها إلى حال الصلاة، فلو لم تعلم ذلك لم يكن كافياً، ويجب إعادته ولو كان في وقت الصلاة، كما إذا اختبرت نفسها في أوّل الوقت وأرادت أن تصلّي في آخره مع الشكّ في تغيّر حالها.
الموسوعة الفقهية، ج۱۱، ص۱۱۹- ۱۲۲.