واجبات الدفن
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
والفرض فيه كفاية أمران: أ- مواراته في
الأرض، ب- أن يوضع على جنبه الأيمن موجّهاً إلى
القبلة.
مواراته في
الأرض على وجه يحرس جثته عن السباع ويكتم رائحته عن الانتشار، بإجماع المسلمين، حكاه الفاضلان كغيرهما
من المعتمدين، فلا يجوز وضعه في بناء أو تابوت إلّا عند الضرورة تأسياً
بالنبي (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) وعترته والمسلمين من بعده.
والوصفان المتقدمان في الغالب متلازمان. ولو قدّر وجود أحدهما وجب مراعاة الآخر؛ للإجماع على وجوب
الدفن، ولا يتم فائدته إلّا بهما، كما قال
مولانا الرضا (علیهالسّلام) في علل
ابن شاذان: «إنه يدفن لئلّا يظهر الناس على فساد جسده وقبح منظره وتغير ريحه، ولا يتأذى به الأحياء بريحه وبما يدخل عليه من الآفة والدنس والفساد، وليكون مستوراً عن الأولياء والأعداء فلا يشمت عدوّ ولا يحزن صديق»
. ويكره دفنه
بالتابوت في الأرض إجماعاً حكاه في
الخلاف.
أن يوضع على جنبه الأيمن موجّهاً إلى
القبلة بلا خلاف بين
الطائفة، عدا
ابن حمزة فجعله من الأمور المستحبة
. وهو محجوج بفحوى المعتبرة الدالة على الأمر به في حال
الاحتضار المستلزم للأمر به هنا بالأولوية. هذا مضافاً إلى خبر
العلاء بن سيابة في حديث القتيل الذي اتي برأسه: «إذا أنت صرت إلى القبر تناولته مع الجسد وأدخلته اللحد ووجّهته للقبلة»
. والتأسي بالنبي (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم)
والأئمة الأطهار (عليهمصلواتاللّه) الملك الجبّار، وعمل المسلمين في الأعصار والأمصار.
وعن
القاضي: نفي الخلاف عنه في شرح الجمل، كنفيه إياه عن جعل مقاديمه إلى القبلة
. وعن ظاهر
التذكرة: إجماعنا عليه
.
وروى في الدعائم: أنّ النبي (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) شهد جنازة رجل من بني
عبد المطلب، فلمّا أنزلوه في قبره قال: «أضجعوه في لحده على جنبه الأيمن مستقبل القبلة، ولا تكبّوه لوجهه، ولا تلقوه لظهره» ثمَّ قال لوليه: «ضع يدك على أنفه حتى يتبيّن لك استقبال القبلة به»
.
وفي الصحيح: مات
البراء بن معرور الأنصاري بالمدينة ورسول اللّه
بمكة، فأوصى أنه إذا دفن يجعل وجهه إلى وجه
رسول اللّه (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) وإلى القبلة فجرت به السنّة
. وظاهر السنّة فيها الطريقة اللازمة لا
الاستحباب والندبية. ويفصح عنه ما قدّمناه من الأدلة على الوجوب بالضرورة. ولا دليل على الاستحباب سوى
الأصل المخصّص بها وبالرضوي: «ثمَّ ضعه في لحده على يمينه مستقبل القبلة»
.
ولو كان
الميت في سفن البحر غسّل وكفّن وحنّط وصلّي عليه ونقل إلى البرّ إن أمكن؛ تحصيلاً للمأمور به بقدر الإمكان، والتفاتا إلى ظاهر المرفوع الآتي. ولو تعذّر النقل إلى البرّ ثقّل كما عن
الفقيه والمقنعة والنهاية والمبسوط والسرائر والوسيلة للمعتبرة بالشهرة،
كالمرفوع: إذا مات الرجل في السفينة ولم يقدر على الشط؟ قال: «يكفّن ويحنّط ويلقى في
الماء»
.
وأوضح منه غيره، كالخبر: في الرجل يموت مع القوم في البحر فقال: «يغسّل ويكفّن ويصلّى عليه ويثقّل ويرمى في البحر»
. ونحوه آخر
والرضوي
. وإطلاق هذه الأخبار كإطلاق كلام بعض الأصحاب الشامل لإمكان البرّ محمول على الغالب من عدم الإمكان، ويشهد له المرفوع المتقدم.
أو جعل في وعاء وخابية وأرسل إليه
للصحيح: عن رجل مات في السفينة في البحر كيف يصنع به؟ قال: «يوضع في خابية ويوكى رأسها ويطرح في الماء»
. والتخيير بينهما مشهور بين
الأصحاب؛ ولعلّه للجمع بينه وبين الروايات السابقة. وحملها على صورة تعذر الخابية أو تعسرها كما هو الأغلب أجود، وفاقاً لظاهر المحكي عن
الشيخ؛ لصحة مستندها، واعتضادها بما فيها من صيانة الميت عن الحيوانات وهتك حرمته. وفي وجوب الاستقبال به حين الرمي كما هو الأشهر أو العدم وجهان، والأول
أحوط.
ثمَّ إنه لا خلاف في المنع عن دفن الكفّار مطلقا في مقبرة المسلمين، وكذا أولادهم، بل عن التذكرة ونهاية الإحكام:
الإجماع عليه من العلماء
؛ لإشعار الخبر الآتي به، ولئلّا يتأذى المسلمون بعذابهم. ولو كانت مسبّلة فغيرهم غير الموقوف عليهم. ولو دفن نبش إن كان في
الوقف، ولا يبالي بالمثلة فإنه ليس له حرمة. ولو كان في غيره أمكن صرفاً للأذى عن المسلمين كما عن
الشهيد.
ولكن لو كانت الميت ذمية حاملاً من
مسلم بنكاح أو ملك أو شبهة قيل: دفنت في مقبرة المسلمين يستدبر بها القبلة إكراماً للولد والقول مشهور، بل عليه الإجماع عن الخلاف والتذكرة
. وهو
الحجّة، لا الرواية: عن الرجل تكون له الجارية اليهودية أو النصرانية حملت منه، ثمَّ ماتت والولد في بطنها، ومات الولد، أيدفن معها على
النصرانية، أو يخرج منها ويدفن على فطرة الإسلام؟ فكتب (علیهالسّلام): «يدفن معها»
.
إذ لا دلالة فيها على ذلك لو لم تدل على خلافه؛ ولعلّه لذا تردّد
الماتن في ظاهر العبارة. ولكن استدل لإثباته بأنّ الولد لمّا كان محكوماً بإسلامه تبعاً لم يجز دفنه في مقابر
أهل الذمة، وإخراجه مع موتها غير جائز، فتعيّن دفنها معه. وردّ بمنع الأخير؛ لعدم حرمة للكافرة. وكيف كان: مقتضاه اشتراط موت الولد بعد ولوج الروح، كما عن ظاهر الشيخ
والحلّي، ولعلّه المتبادر من إطلاق كلام
المفيد والفاضلين
. كتبادر نشئه من
نكاح وما في حكمه، فلا يأتي الحكم في
ولد الزنا بمقتضى التعليل
والتبادر. ويحتمل الإتيان، تغليباً لجانب الإسلام.
وفي اختصاص الحكم بالذمية كما يستفاد من ظاهر أكثر العبارات، أم يعم كل مشركة كما عن ظاهر الخلاف للتعبير بها فيه
، وجهان. والأصل يقتضي الأول، وعموم احترام الولد المستفاد من أنّ: «
الإسلام يعلو ولا يعلى عليه»
يوجب الثاني، ولا بأس به مع عدم إمكان الإخراج بشق البطن في غير الكتابي.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱، ص۴۱۹-۴۲۳.