وقت صلاة العيدين
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ووقتها ما بين طلوع
الشمس إلى الزوال.
(ووقتها) أي هذه الصلاة (ما بين طلوع
الشمس إلى الزوال) على المشهور، بل الظاهر أنه متفق عليه كما في
الذخيرة ،
بل فيه وفي غيره نقل
الإجماع عليه صريحا عن الفاضل في النهاية والتذكرة،
وبه صرّح
المحقق الثاني في شرح القواعد،
وفي المنتهى الإجماع على الفوات بالزوال،
وهو الحجّة عليه.
مضافا إلى ظاهر الصحيح، بل صريحه، لقوله فيه : «إذا شهد عند
الإمام شاهدان أنهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوما أمر الإمام
بالإفطار في ذلك اليوم إذا كانا شهدا قبل زوال الشمس، فإن شهدا بعد زوال الشمس أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم وأخّر
الصلاة إلى الغد فصلّى بهم»
ولو لا الفوات بعد الزوال لما كان للتأخير إلى الغد وجه. ونحوه المرفوع.
وفي الأول ـ مضافا إلى الإجماعات ـ الدلالة على
الامتداد إلى الزوال، لظهور الشرطيتين فيه في سقوط قوله : «وصلّى بهم» بعد قوله : «في ذلك اليوم» في الشرطية الاولى، وإلاّ للغتا وخلتا عن الفائدة طرّا، فلا وجه للتفصيل بهما بعد اشتراكهما في الحكم بالإفطار، وعليه يحمل إطلاق المرفوع بتأخير الصلاة إلى الغد، حمل المطلق على المقيّد.
وأما المروي عن
دعائم الإسلام عن
علي عليه السلام : في القوم لا يرون الهلال فيصبحون صياما حتى مضى وقت صلاة العيد أول النهار، فيشهد شهود عدول أنهم رأوا من ليلتهم الماضية، قال : «يفطرون ويخرجون من غد فيصلون صلاة العيد أول النهار».
فبعد
الإغماض عن سنده يمكن حمل أول النهار فيه على ما يمتدّ إلى الزوال بقرينة ما مرّ من النص والإجماع، فتوهّم بعض المعاصرين عدم امتداد وقتها إليه واختصاصه بصدر النهار
ضعيف.
سيّما مع
إمكان الاستدلال عليه بالاستصحاب، لدلالة الأخبار وكلمة الأصحاب بثبوت وقته بطلوع الشمس أو انبساطها مع سكوت الأدلّة عن آخره، فالأصل بقاؤه إلى ما قام الإجماع فتوى ونصّا على خلافه وهو الزوال. وإن أبيت
الاستصحاب فلنا على ذلك إطلاق الأخبار المضيفة لهذه الصلاة إلى يوم العيد الظاهر في الامتداد إلى الغروب، وإنما خرج منه ما بعد الزوال بما مرّ، فيبقى الباقي تحت
الإطلاق . وبهذا استدلّ جماعة
على كون مبدئها طلوع الشمس، لأنه مبدأ اليوم العرفي، أو الأعم منه ومن قبل طلوعها من عند الفجر، لكنّه خارج بنحو ما مرّ. وهو حسن.
ويدل عليه بعده وبعد الإجماع المحكي المتقدم خصوص الصحيح : «ليس في الفطر و
الأضحى أذان ولا إقامة، أذانهما طلوع الشمس، إذا طلعت خرجوا».
والتقريب أنّ الأذان
إعلام بدخول الوقت، والخروج مستحب، فدلّ على جواز الصلاة عنده لو لم يخرجوا. ومنه يظهر ضعف ما قيل في ضعف دلالته بأن الشرطية قرينة على أن الطلوع وقت الخروج إلى الصلاة لا وقتها،
مضافا إلى ظهور ضعفه أيضا باستلزامه جهالة أول وقت الصلاة، لعدم تعيّن مقدار زمان الخروج قلّة وكثرة بحسب الأوقات والأشخاص والأمكنة، فتعيّن كون الطلوع مبدأ لنفس الصلاة لا للخروج إليها كما لا يخفى.
وبهذا يجاب عن النصوص المضاهية لهذا الصحيح في جعل الطلوع وقتا للخروج، منها الموثق : عن الغدوّ إلى الصلاة في الفطر والأضحى، فقال : «بعد طلوع الشمس».
ومنها المروي عن كتاب
الإقبال بسنده عن زرارة : «لا تخرج من بيتك إلاّ بعد طلوع الشمس».
والمروي عنه أيضا بسنده عن
أبي بصير المرادي : «كان
رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يخرج بعد طلوع الشمس».
ونحوها حديث صلاة
مولانا الرضا عليه السلام بمرو : فلمّا طلعت الشمس قام عليه السلام فاغتسل وتعمّم الخبر.
مضافا إلى قصور أسانيدها.
فظهر ضعف القول بأنّ وقتها
الانبساط ، كما عن النهاية والمبسوط و
الاقتصاد والكافي والغنية و
الوسيلة والإصباح.
هذا إن أرادوا أنه وقتها على الإطلاق، وإلاّ فلو أرادوا به اختصاصه بمريدي الخروج إلى الجبّانة كما هو الغالب فلا خلاف. وفي
الذكرى بعد نقل هذين القولين : وهما متقاربان.
(ولو فاتت) بأن زالت الشمس ولم تصلّ سقطت و (لم تقض) مطلقا وفاقا للمشهور، للأصل، والصحيح : «من لم يصلّ مع الإمام في جماعة فلا صلاة له ولا قضاء عليه».
وقوله عليه السلام: «لا صلاة له» محمول على نفي الكمال دون الصحة، لما مرّ من الأدلة فتوى ورواية على
استحباب فعلها بعد فوتها مع الإمام فرادى وجماعة. وما في الذخيرة من حمله على حال
الاختيار لا مطلقا
غير نافع للذبّ عن مخالفته لو حمل على نفي الصحة للإجماع، لعدم قائل بعدم استحباب فعلها فرادى أو جماعة لو فاتته اختيارا.
وكما لا قضاء عليه لا يستحب أيضا كما في ظاهر العبارة وصريح جماعة،
قيل : ويعطيه المعتبر،
للأصل. وظاهر الخلاف و
المنتهى دعوى الإجماع عليه.
خلافا للإسكافي فقال : إن تحققت الرؤية بعد الزوال أفطروا وغدوا إلى العيد،
واحتجّ له في
المختلف بعموم : من فاتته فليقضها كما فاتته، وأجاب بأن المراد اليومية، لظهورها عند الإطلاق. قلت : ويؤيده أنه لو عمّم لوجب القضاء مع أنه يردّه الصحيح السابق، مضافا إلى الإجماع المتقدم. واحتجّ له في الذكرى بالنبويين، في أحدهما : إنّ ركبا شهدوا عنده صلي الله عليه و آله وسلم أنهم رأوا
الهلال ، فأمرهم أن يفطروا فإذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصلاّهم
وأجاب عنها بأنها لم تثبت من طرقنا.
أقول : قد عرفت في المسألة النصوص من طرقنا بمضمونها، وفيها الصحيح وغيره،
وظاهر
الكليني والصدوق العمل بها، ولذا مال إليه جماعة من متأخري أصحابنا.
وهو حسن لو لا الإجماع المنقول المعتضد بالشهرة المحقّقة والمحكية، مع أنه قول جماعة من العامة، فقد حكاه الفاضل في المنتهى عن الأوزاعي والثوري وإسحاق وأحمد،
ولذا حملها بعض الأصحاب على
التقية .
وفي تعيّنه مناقشة،
لاختلاف العامة، فبين قائل بها كهؤلاء، وقائل بما عليه أصحابنا كأبي حنيفة،
ومفصّل بين علمهم بالعيد بعد غروب الشمس فالأوّل وعلمهم به بعد الزوال فلا يصلّي مطلقا.
فلو لا الإجماع المنقول في ظاهر الخلاف والمنتهى المعتضد بالشهرة بين أصحابنا لكان القول بمضامين هذه الأخبار متعيّنا.
وعن
المقنعة : من أدرك الإمام وهو يخطب فليجلس حتى يفرغ من خطبته ثمَّ يقوم فيصلّي القضاء.
وعن الوسيلة : إذا فاتت لا يلزم قضاؤها إلاّ إذا وصل إلى الخطبة وجلس مستمعا لها.
وهو _ يعمّ _ بعد الزوال، وبه الخبر، بل قيل : الصحيح
: قلت : أدركت الإمام على الخطبة، قال : «تجلس حتى يفرغ من خطبته ثمَّ تقوم فتصلّي».
وهو ـ مع قصور سنده ـ يحتمل أن يكون المراد منه إن لم تزل الشمس، ويحتمل أن يراد بالقضاء في الكتابين
الأداء إن لم تزل، وكذا قول الحلّي : ليس على من فاتته
صلاة العيدين مع الإمام قضاء واجب وإن استحب له أن يأت بها منفردا.
وكذا قول
الإسكافي : من فاتته ولحق الخطبتين صلاّها أربعا مفصولات يعني بتسليمتين.
ونحوه كلام
علي بن بابويه ، إلاّ أنه قال : يصلّيها بتسليمة.
مع أنه لا مستند لهذه الأقوال الأخيرة عدا رواية ضعيفة : «من فاتته صلاة العيد فليصلّ أربعا».
وهي غير منطبقة على شيء منها، لأنّ قوله «أربعا» ينافي ما عليه ظاهر الحلّي. وعدم تقييده بلحوق الخطبتين ينافي الأخيرين، مع عدم دلالتها على التسليمة الواحدة أو التسليمتين، لكنها ظاهرة في هذا. ونحو هذه الأقوال في عدم الدليل عليه ما اختاره في
التهذيب من أنه مع الفوت لا قضاء ولكن يجوز أن يصلّي إن شاء ركعتين وإن شاء أربعا من غير أن يقصد بها القضاء.
رياض المسائل، ج۳، ص۳۸۳- ۳۹۰.