آداب الأكل
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
للأكل آداب كثيرة، بعضها قبله، وبعضها بعده، وبعضها أثناؤه، وذلك كما يلي:
توجد عدّة آداب قبل
الأكل وبعده، نجمعها معاً على الشكل التالي:
يستحبّ أن يغسل
الإنسان يديه قبل أن يأكل الطعام ويغسلهما بعد الأكل؛
ودليله النظافة المطلوبة عقلًا وشرعاً،
ولما روي في الروايات المستفيضة من
الصحاح وغيرها:
منها: ما روي عن
أبي جعفر الثاني عليه السلام أنّه يوم قدم
المدينة تغدّا معه جماعة، فلمّا غسل يديه من الغمر مسح بهما رأسه ووجهه قبل أن يمسحهما بالمنديل، وقال:«اللهمّ اجعلني ممّن لا يرهق وجهه قتر ولا ذلّة».
ومنها: ما رواه
ابن القدّاح عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «من غسل يده قبل الطعام وبعده عاش في سعة، وعوفي من بلوى في جسده».
وإطلاق النصوص والفتاوى يقتضي عدم الفرق بين كون الطعام مائعاً أو جامداً، وبين كونه ممّا يباشر باليد أو بآلة كالملعقة.
ويستحبّ ترك
المسح بالمنديل في الغسل الأوّل السابق على الطعام والمسح به في الثاني اللاحق له؛ لما روي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «إذا غسلت يدك للطعام فلا تمسح يدك بالمنديل، فلا تزال
البركة في الطعام ما دامت النداوة في اليد».
بل ورد في بعض الأخبار
استحباب الوضوء قبل الطعام، منها: ما رواه
إبراهيم الكرخي عن أبي عبد اللَّه عن آبائه عليهم السلام قال: «قال
الحسن بن علي عليهما السلام : في المائدة اثنتا عشرة خصلة، يجب على كلّ مسلم أن يعرفها: أربع منها فرض وأربع سنّة وأربع تأديب، فأمّا الفرض فالمعرفة والرضا
والتسمية والشكر، وأمّا السنّة فالوضوء قبل الطعام، والجلوس على الجانب الأيسر، والأكل بثلاث أصابع، ولعق الأصابع...».
يستحبّ أن يسمّي اللَّه تعالى عند
تناول الطعام والشراب، ويحمد اللَّه تعالى عند الفراغ، وإن كان على مائدة عليها ألوان مختلفة فليسمّ عند تناول كلّ لون منها،وإن قال بدلًا من ذلك (بسم اللَّه على أوّله وآخره) كان جائزاً، وإن سمّى واحد من الجماعة أجزأ عن الباقين.
فعن
السكوني عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال:«قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: إذا وضعت المائدة حفّتها أربعة آلاف ملك، فإذا قال العبد:بسم اللَّه، قالت الملائكة: بارك اللَّه عليكم في طعامكم، ثمّ يقولون
للشيطان : اخرج يا فاسق، لا سلطان لك عليهم، فإذا فرغوا فقالوا: الحمد للَّه، قالت الملائكة: قوم أنعم اللَّه عليهم فأدّوا شكر ربّهم، فإذا لم يسمّوا قالت الملائكة للشيطان: ادن يا فاسق، فكُل معهم، فإذا رفعت المائدة ولم يذكروا اسم اللَّه عليها، قالت الملائكة: قوم أنعم اللَّه عليهم فنسوا ربّهم».
وعن
كليب الأسدي عنه عليه السلام أيضاً قال:«إنّ الرجل المسلم إذا أراد يطعم طعاماً فأهوى بيده، وقال: بسم اللَّه، والحمد للَّه ربّ العالمين، غفر اللَّه عزّوجلّ له من قبل أن تصير اللقمة إلى فيه».
وكذا يستحبّ رفع الصوت بالحمد بعد الفراغ؛
لما روي في تحف العقول: «يا كميل، إذا استوفيت طعامك فاحمد اللَّه على ما رزقك، وارفع بذلك صوتك يحمده سواك، فيعظم بذلك
أجرك ».
يستحبّ لصاحب الطعام إذا كان عنده ضيف شيئان:
الابتداء بالأكل قبله، وكفّ اليد عنه بعده، تأنيساً له.
لما رواه ابن القداح عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال: «كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم إذا أكل مع القوم طعاماً كان أوّل من يضع يده، وآخر من يرفعها، ليأكل القوم».
يستحبّ
الافتتاح بالملح
والاختتام به؛
فإنّه يعافي من اثنين وسبعين نوعاً من أنواع البلاء، منها:
الجنون والجذام والبرص،
وفي بعض الروايات:«أيسرها
الجذام ».
وفي خبر
هشام بن سالم عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم
لعلي عليه السلام : افتتح طعامك بالملح، واختم به، فإنّ من افتتح طعامه بالملح وختم به عوفي من اثنين وسبعين نوعاً من أنواع
البلاء ، منه: الجنون والجذام والبرص».
وأمّا ما في رواية
إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «إنّا لنبدأ بالخلّ عندنا، كما تبدؤون بالملح عندكم، وإنّ الخلّ ليشدّ العقل».
فمعارض بما روي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «إنّ بني اميّة يبدؤون بالخلّ في أوّل الطعام، ويختتمون بالملح، وإنّا نبدأ بالملح في أوّل الطعام ونختم بالخلّ».
ويمكن حمل أحاديث الملح على الابتداء الحقيقي؛ لكثرتها وشهرتها وصراحتها، وما عداها على الابتداء الإضافي، وكذا الختم.
وقال المحقّق النراقي:
الترجيح للأخبار الدالّة على الافتتاح بالملح؛ لموافقة سائر الأخبار لبني اميّة.
يستحبّ غسل الفم بعد الطعام، سيّما بالسُعد،(السُعد: الطيب، نبت له أصل تحت الأرض أسودطيّب الريح.)
فإنّه قد ورد أنّ من غسل فمه بالسُعد بعد الطعام لن يصب علّة في فمه،
فقد روي عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام أنّه قال: «من استنجى بالسعد بعد الغائط، وغسل به فمه بعد الطعام، لم تصبه علّة في فمه، ولا يخاف شيئاً من أرواح البواسير».
يستحبّ
الخلال بعد الأكل؛
وذلك للروايات المستفيضة:
منها: ما رواه وهب بن عبد ربّه، قال:رأيت أبا عبد اللَّه عليه السلام يتخلّل فنظرت إليه، فقال: «إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم كان يتخلّل، وهو يطيّب الفم».
ومنها: ما روي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «ناول
النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعفر بن أبي طالب خلالًا فقال: يا جعفر، تخلّل، فإنّه مصلحة للفم- أو قال: للثّة- مجلبة للرزق».
يستحبّ بعد الأكل
الدعاء لصاحب الطعام، وليختر ما كان يدعو به رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم؛
لرواية السكوني عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم إذا طعم عند
أهل بيت ، قال لهم:طعم عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلّت عليكم الملائكة الأخيار».
يستحبّ أن يستلقي الآكل بعد الأكل، ويجعل رجله اليمنى على رجله اليسرى،
كما في خبر
البزنطي عن
الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال: «إذا أكلت فاستلقِ على قفاك، وضع رجلك اليمنى على اليسرى».
وما روي عن
الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «
الاستلقاء بعد الشبع يسمن البدن، ويمرئ الطعام، ويسلّ الداء».
تنقسم آداب الأكل حين الطعام إلى قسمين: أحدهما المندوبات، والثاني هو المكروهات، وذلك كما يلي:
مندوبات الأكل عديدة، أهمّها:
يستحبّ الأكل باليمين
اختياراً ؛ لاستحباب التيامن، ويكره الأكل والشرب والتناول بالشمال مع عدم العذر، فلو كان له عذر فلا بأس.
واستدلّ له بما رواه
سماعة عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يأكل بشماله ويشرب بها، فقال: «لا يأكل بشماله ولا يشرب بشماله ولا يتناول بها شيئاً».
وعن
أبي بصير عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أيضاً قال: «لا تأكل باليسرى وأنت تستطيع».
يستحبّ طول الجلوس على المائدة، وترك
استعجال الذي يأكل وإن كان عبداً.
قال
الشيخ المفيد : «وروي: «أطيلوا الجلوس على الموائد؛ فإنّها أوقات لا تحسب من أعماركم»».
وعن جعفر بن محمّد عليهما السلام أنّه كره القيام من الطعام، وكان ربما دعا بعض عبيده، فيقال: هم يأكلون، فيقول: «دعوهم حتى يفرغوا».
وفي رواية تحف العقول عن أمير المؤمنين عليه السلام في وصيّته لكميل: «يا
كميل ، إذا أكلت فطوّل أكلك ليستوفي من معك ويرزق منه غيرك».
يستحبّ
الاجتماع على أكل الطعام خصوصاً أكل الرجل مع عياله؛ لرواية مسمع عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: ما من رجل يجمع عياله،ويضع مائدته، فيسمّون في أوّل طعامهم ويحمدون في آخره، فترفع المائدة حتى يغفر لهم».
ولخبر ربعي عنه عليه السلام أيضاً قال: «لئن آخذ خمسة دراهم ثمّ أخرج إلى سوقكم هذه فأشتري طعاماً، ثمّ أجمع عليه نفراً من المسلمين، أحبّ إليّ من أن أعتق نسمة».
يستحبّ الجلوس على الجانب الأيسر عند
الأكل ؛ لما رواه إبراهيم الكرخي عن أبي عبد اللَّه عن آبائه عليهم السلام قال: «قال الحسن بن علي عليهما السلام: «في المائدة اثنتا عشرة خصلة يجب على كلّ مسلم أن يعرفها: أربع منها فرض، وأربع سنّة، وأربع تأديب، فأمّا الفرض فالمعرفة والرضا والتسمية والشكر، وأمّا السنّة فالوضوء قبل الطعام، والجلوس على الجانب الأيسر، والأكل بثلاث أصابع، ولعق الأصابع...».
يستحبّ رفع ما سقط من الخوان وأكله ولو مثل
السمسمة؛
لأنّه- كما في الروايات- شفاء من كلّ داء لمن أراد أن يستشفى به،
خصوصاً داء الخاصرة، وينفي الفقر ويكثر الولد،
ومهور الحور العين.
هذا فيما لو أكل في منزله طعاماً، أمّا لو أكل في الصحراء فقد ورد في الحديث أنّه يتركه للطير والسباع ولو فخذ شاة.
وإذا أكل الثريد فليأكل من جوانبه دون رأسه وذروته، فإنّ الذروة(ذِروة كلّ شيء: أعلاه.)
فيها البركة،
وتأتي منها البركة.
يستحبّ الأكل من بين يديه من غير أن يتناول من عند غيره من الظروف؛
لما رواه
أبو سلمة عن أبي عبد اللَّه عن أبيه عليهما السلام- في حديث- قال: «إنّ لكلّ شيء حدّاً ينتهي إليه، وما من شيء إلّاوله حدّ، فاتي بالخوان، فقيل: ما حدّه؟ فقال:حدّه إذا وضع الرجل يده، قال: بسم اللَّه، وإذا رفعها قال: الحمد للَّه، ويأكل كلّ إنسان من بين يديه، ولا يتناول من قدّام الآخر».
وابن القدّاح عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال:«قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: إذا أكل أحدكم فليأكل ممّا يليه».
يستحبّ الأكل بثلاث أصابع أو أكثر ولا يأكل بإصبعين، وقد ورد أنّه من فعل الجبّارين؛
لخبر أبي خديجة عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: أنّه كان يجلس جلسة العبد، ويضع يده على الأرض، ويأكل بثلاث أصابع، وأنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم كان يأكل هكذا، ليس كما يفعل الجبّارون، يأكل أحدهم بإصبعيه.
يستحبّ تصغير اللقمة وتجويد المضغ،
ففي رواية الكرخي عن أبي عبد اللَّه عن آبائه عليهم السلام قال: «قال الحسن ابن علي عليهما السلام:... وأمّا
التأديب : فالأكل ممّا يليك، وتصغير اللقمة، وتجويد المضغ، وقلّة النظر في وجوه الناس».
من مندوبات الأكل لعق الأصابع ومصّها؛
لرواية الكرخي المتقدّمة، ورواية
حمّاد بن عمرو وأنس بن محمّد عن أبيه جميعاً عن جعفر بن محمّد عن
آبائه عليهم السلام في وصيّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام قال: «... وأن يأكل ممّا يليه ومصّ الأصابع، وأمّا الأدب: فتصغير اللقمة والمضغ الشديد...».
يكره أثناء الأكل عدّة أمور، أبرزها:
لا ينبغي أن يقعد
الإنسان متّكئاً حال الأكل، بل ينبغي أن يقعد على رجله.
فعن
معاوية بن وهب عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «ما أكل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم متّكئاً منذ بعثه اللَّه إلى أن قبضه؛ تواضعاً للَّه عزّوجلّ...».
وعن زيد الشحّام عنه عليه السلام أيضاً قال:«ما أكل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم متّكئاً منذ بعثه اللَّه حتى قبض، كان يأكل أكلة العبد، ويجلس جلسة العبد»، قلت: ولم؟ قال:«تواضعاً للَّهعزّوجلّ».
يكره التملّي من الطعام؛
لروايات
متعدّدة:
منها: ما رواه
أبو الجارود عن
أبي جعفر عليه السلام قال: «ما من شيء أبغض إلى اللَّه عزّوجلّ من بطن مملوء».
ومنها: مرسلة ابن سنان عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «كلّ داء من التخمة...».
ومنها: رواية أبي بصير عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: قال لي: «يا أبا محمّد، إنّ البطن ليطغى من أكله، وأقرب ما يكون العبد من اللَّه إذا خفّ بطنه، وأبغض ما يكون العبد من اللَّه إذا امتلأ بطنه».
وربما كان
الإفراط في الأكل حراماً إذا أحسّ منه الضرر المحرّم أو خوفاً معتدّاً به ولو ظنّاً،
وقد تقدّم.
يكره النظر إلى وجوه الناس عند الأكل؛
لرواية الكرخي عن أبي عبد اللَّه عن آبائه عليهم السلام قال: «قال الحسن بن علي عليهما السلام: في المائدة اثنتا عشرة خصلة، يجب على كلّ مسلم أن يعرفها... وأمّا التأديب: فالأكل ممّا يليك، وتصغير اللقمة، وتجويد المضغ، وقلّة النظر في وجوه الناس»،
النفخ على الطعام والشراب مكروه؛
لما روي عن الإمام علي عليه السلام- في حديث الأربعمئة- أنّه قال: «... لا ينفخ الرجل في طعامه، ولا في شرابه...».
يكره رمي بقية الثمرة قبل
الاستقصاء في أكلها؛
لرواية نادر الخادم، قال:أكل الغلمان يوماً فاكهة فلم يستقصوا أكلها، ورموا بها، فقال أبو الحسن عليه السلام:«سبحان اللَّه إن كنتم استغنيتم، فإنّ ناساً لم يستغنوا، أطعموه من يحتاج إليه».
يكره للمسلم أن يتكلّف في الأكل كما يكره له دفع أخيه المسلم إلى التكلّف له فيه، ولو كان ضيفاً.
وذلك لما رواه السكوني عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم:من تكرمة الرجل لأخيه أن يقبل تحفته، ويتحفه بما عنده، ولا يتكلّف له شيئاً، وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: لا أحبّ المتكلّفين».
الموسوعة الفقهية، ج۱۶، ص۳۰۳-۳۱۲.