أهل الخبرة (شرائط الرجوع إليهم)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
أهل الخبرة (توضيح).
تحدّث
الفقهاء عن عدّة شروط في أهل الخبرة
صريحاً أو
تلويحاً ، وهذه الشروط هي:
أن يتحقّق عنوان الخبروية في حقّه بحيث يصدق عليه أنّه من
أهل الخبرة في
المجال الذي يراد
الرجوع إليه فيه. وهذا الشرط واضح في نفسه لا يحتاج إلى ذكر؛ إذ هو
مستبطن في
عنوان أهل الخبرة. من هنا قيّد بعض الفقهاء
جواز الرجوع إليهم
بإعمالهم الحدس و
النظر و
الاجتهاد ، أمّا في الامور التي لا ترجع إلى ذلك فلا يجري فيها
قانون الرجوع إلى أهل الخبرة.
والظاهر أنّ
المستند في ذلك أنّه في غير حال النظر والاجتهاد والحدس يصدق الرجوع إلى
الثقة أو العادل لفرض
شمول دليل حجّية خبرهما لحال
الإخبار الحسّي دون
الحدسي .
ذهب بعض الفقهاء إلى
اشتراط العدالة في أهل الخبرة،
فيما يبدو أنّهم اعتبروا الرجوع إليهم من باب
البيّنة الشرعية التي يؤخذ فيها شرط العدالة، لا سيما إذا أخذ
الفقيه مع شرط العدالة شرط
التعدّد . وذهب آخرون إلى كفاية
الوثاقة ؛
لعدم كون المورد من موارد البيّنة؛ لأنّ
المدرك في حجّية قول أهل الخبرة هو
السيرة لا النصوص، وهي لا تشترط العدالة كما هو واضح.
فقد اختلف الفقهاء في عدد أهل الخبرة، فذهب جماعة إلى كونهم اثنين فصاعداً،
وذهب بعض آخر إلى أنّه واحد.
قال في مسألة ما إذا باع
الإنسان بعض
الثمار الموجودة مع
اصولها : «إذا عطشت
الثمرة الباقية على ملك
البائع وأراد سقيها لم يكن للمشتري منعه منه؛ لأنّ ذلك من
صلاح الثمرة... وإذا عطشت الاصول وأراد
المشتري أن يسقي الاصول لم يكن للبائع منعه منه... وإن كان
السقي ينفع أحدهما دون الآخر... وتمانعا
فسخ العقد بينهما. وقيل: إنّه يجبر
الممتنع عليه. وإذا جعلنا للبائع سقي ثمرته ومنعنا المشتري من
معارضته ، فإنّما له أن يسقي
النخل مقدار ما فيه صلاح الثمرة ولا يزيد عليه. وإن اختلفا في قدر ما فيه
صلاح ... رجع إلى أهل الخبرة، فإذا شهد رجلان من أهل الخبرة بقدر من ذلك حملا عليه».
ذكر
المحقّق النراقي عند كلامه عن
الرضاع المحرّم: «أنّ
نصاب سبب
التحريم مقدّر في
الشرع بتقديرات ثلاثة:
الأثر -أي ما أنبت
اللحم وشدّ العظم- والزمان والعدد»، ثمّ قال: «و
المرجع في حصول الأثرين إلى قول أهل الخبرة؛ لأنّه من الموضوعات. وهل يشترط فيه التعدّد والعدالة أم لا؟ ظاهر
الأكثر : نعم؛
للأصل . وقيل: لا، بل يكفي
العدل الواحد... لأنّه من باب
الخبر دون
الشهادة ...».
قال: «يعرف
الأرش بمعرفة قيمتي
الصحيح و
المعيب ليعرف
التفاوت ، فيؤخذ بنسبة التفاوت، ومع
الجهل بالقيمة يرجع إلى
العالم بها، فإن أخبر بالقيمة
السوقية المتعارفة، أو بتقويم أهل الخبرة، فيدخل في الشهادة، ولا تثبت إلّامع التعدّد ومع سائر ما يعتبر في الشهادة في الموضوعات، وإن أخبر بما هو رأيه ونظره في القيمة، وكان من أهل الخبرة، فلا يعتبر التعدّد ولا
العدالة ...».
ومنشأ
الاختلاف - كما هو واضح من هذه الكلمات- هو اختلافهم في أنّ قبول قول أهل الخبرة من باب
قبول الشهادة والبيّنة، فيعتبر التعدّد أو ليس كذلك، فلا يعتبر ويكفي قول الواحد. والصحيح أنّ
السيرة العقلائية التي هي المدرك هنا لا تشترط التعدّد إلّافيما خرج بدليل.
شرط بعض الفقهاء في الرجوع إلى أهل الخبرة أن لا يتيسّر لمن يريد الرجوع إليهم أن يجتهد في موضوع المسألة ويصبح من أهل الخبرة بنفسه.
والظاهر عدم
اشتراط ذلك؛ لبناء العقلاء على الرجوع إليهم مطلقاً حتى لمن قدر على
تحصيل الاجتهاد في الموضوع نفسه.
الموسوعة الفقهية، ج۱۹، ص۴۴-۴۶.