أولو الأمر
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو ذووالأمر وبمعناه الخاص هم
الأئمّة المعصومون من آل محمّد صلوات الله عليهم أجمعين.
اُولو الأمر ـ لغةً ـ: أي ذوو الأمر،وذو بمعنى صاحب، أي من له الأمر
.والأمر: إمّا هو طلب العالي أو المستعلي ـ كما حقّق في الاُصول ـ أو بمعنى الإمرة و
الإمارة ـ بكسر الهمزة ـ: وهي
الولاية .ومنه الأمير وجمعه اُمراء.قال الله تعالى:« يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الاْءَمْرِ مِنْكُمْ»
.وقال عزّوجلّ:« وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ »
.
وليس
للفقهاء اصطلاح خاص في اُولي الأمر بل يستعملونه عادة في معناه الثاني، غايته أنّهم يستعملونه في مصاديق خاصة بشكل أكثر، كخصوص أئمّة
أهل البيت عليهمالسلام كما سيأتي بيانه.
تحدّث الفقهاء ـ وكذلك المفسّرون ـ عن اُولي الأمر، وهو ما نوجزه ـ إجمالاً ـ فيما يلي:
لم يتأمّل أحد في هذا الحكم؛ لوضوح ظهور الأمر في
الآية الكريمة:« يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الاْءَمْرِ مِنْكُمْ »
في
الوجوب، بل أنّ اقترانه بطاعة الرسول وطاعة الله الواجبتين قطعاً بالعقل والنقل يعطي هذا الأمر مزيةً إضافية.وقد ذكروا أنّ مقتضى إطلاق الأمر
بالإطاعة وعطف اُولي الأمر على
الرسول وجوب إطاعتهم في
الأحكام الشرعية أيضا، فتدلّ على حجّية آرائهم وفتاواهم.
وقع خلاف بين العلماء في تعيين المراد من اُولي الأمر الوارد في كلّ من قوله سبحانه وتعالى:« يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الاْءَمْرِ مِنْكُمْ »
.وقال عزوجل:« وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ »
.فقال جمع من
الجمهور: إنّهم الاُمراء، كما في رواية
ابن جرير الطبري عن
أبي هريرة، قال: هم الاُمراء.وفي رواية اُخرى عن
ابن زيد، قال: قال أبي: هم السلاطين.وفي رواية اُخرى: هم اُمراء السرايا.وقال آخرون: هم أهل العلمو
الفقه، كما في رواية
أعمش عن
مجاهد، قال: اُولي الفقه منكم.وعن
أبي نجيح، قال: اُولي الفقه في
الدين و
العقل، وأيضا مثله عن
ابن عبّاس.وعن
عطاء: أنّهم الفقهاء والعلماء.وقال بعضهم: هم أصحاب
محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، روي ذلك عن مجاهد.وقال بعض آخر: هم
أبو بكر و
عمر، روي ذلك عن
عكرمة.
قال ابن جرير بعد ذكره هذه التفاسير: « وأَولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: هم الاُمراء والولاة؛ لصحّة الأخبار عن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالأمر بطاعة الأئمّة والولاة فيما كان طاعة وللمسلمين مصلحة »
.وقال
ابن عابدين: « المعتمد أنّ اُولي الأمر في قوله تعالى... هم العلماء كما سيذكره الشارح »
.
ومشهور
الإماميّة على أنّ المراد من اُولوالأمر هنا هم الأئمّة المعصومون من
آل محمّد صلوات الله عليهم أجمعين،وبهذا المضمون روايات كثيرة مذكورة في محلّها
قال
الشيخ الطوسي: « وروى أصحابنا عن
أبي جعفر و
أبي عبد الله عليهماالسلام أنّهم الأئمّة من
آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم؛فلذلك أوجب الله تعالى طاعتهم بالإطلاق، كما أوجب طاعة رسوله وطاعة نفسه كذلك.ولا يجوز إيجاب طاعة أحدٍ مطلقا إلاّ مَن كان معصوما، مأمونا منه
السهو و
الغلط، وليس ذلك بحاصل في الاُمراء ولا العلماء...
فأمّا من قال: المراد به العلماء فقوله بعيد؛ لأنّ قوله تعالى :« وَاُولِي الأَمرِ »
معناه أطيعوا من له الأمر، وليس ذلك للعلماء ( لاحتمال الخطأ ).فإن قالوا: يجب علينا طاعتهم إذا كانوا محقّين، فإذا عدلوا عن الحقّ فلا طاعة لهم علينا، قلنا: هذا تخصيصٌ لعموم
إيجاب الطاعة، لم يدلّ عليه دليل، وحمل الآية على العموم فيمن يصحّ ذلك فيه أولى من تخصيص الطاعة بشيءٍ دون شيء، كما لا يجوز تخصيص وجوب طاعة الرسول وطاعة الله في شيء دون شيء »
وقال
الشيخ الصدوق: « ويجب أن يعتقد أنّهم (
الأئمّة الاثني عشر ) اُولو الأمر الذين أمر الله بطاعتهم... »
وقد يقال: إنّ المراد من اولي الأمر في الآية كلّ من يكون وليّاً
للأمر- أي له الرئاسة الدينية والدنيوية- شرعاً ومن قبل الله تعالى- أي من جعله الشارع
وليّاً للأمر- ومصداقه منحصر في الأئمّة المعصومين عليهم السلام أو من جعلوهم
نوّاباً لهم من الفقهاء، فتكون ولايتهم طولية وفي حدود
التنصيب من قبلهم.فيبقى مفهوم « اُولي الأمر » عامّا يشمل كلّ من اعتبره
الشارع الأقدس وليّا شرعيا للأمر، ولا يشمل من لم يثبت في حقّه ذلك وإن كان
أميرا أو رئيسا خارجا.والوجه في هذا الاستظهار أنّه مقتضى المعنى اللغوي للألفاظ الموضوعة بإزاء المعاني الاعتبارية والحقوقية،فعندما يرد في خطاب الشارع عنوان
الملكية أو المالية في مثل: « لا بيع إلاّ في ملك » فيراد به ما يراه الشارع ملكا، لا ما يدعيه الآخرون ولو لم يكن ملكا أو مالاً شرعا.وبناءً على عمومية دلالة الآية تحمل
الروايات على أنّها بصدد بيان الفرد الأكمل لولاة الأمر، وهم
الأئمّة المعصومون عليهمالسلام جرياً على قانون الجري والتطبيق.
وبهذا يثبت أنّ ولاة الأمر هم كلّ من ثبت له شرعاً
ولاية على
المسلمين في زمن الحضور أو
الغيبة؛ولعلّه لأجل شمول المفهوم للأئمّة وغيرهم جاء الردّ في الآية الثانية إلى الله وإلى الرسول فقط، مع أنّ الأئمّة عليهمالسلام حالهم حال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في لزوم الردّ إليهم، وإنّما ذكر ذلك لأجل عمومية العنوان الشامل
للمعصوم وغيره.فبضمّ الآيتين إلى بعضهما يفهم أنّ طاعة اُولي الأمر مقيدة
بالاحتكام إلى الله والرسول،وأنّ اُولي الأمر عندما يكون مصداقهم الأئمّة المعصومين عليهمالسلام، فإنّ هذا الاحتكام محرز منهم أنفسهم بدليل
العصمة و
الطهارة.وقد ذكر بعض العلماء أنّه لابدّ في اُولي الأمر ـ في الآية ـ من العصمة؛ وذلك لأمره تعالى بطاعتهم على وجه الإطلاق على نهج أمره بطاعة نبيّه وطاعة نفسه، ولا يجوز في حكم
العقل أن يوجب الله تعالى طاعة أحد على الإطلاق إلاّ من ثبتت عصمته.
قال
الشيخ الطبرسي: « جلّ الله أن يأمر بطاعة من يعصيه أو
بالانقياد للمختلفين في القول والفعل؛ لأنّه محالٌ أن يطاع المختلفون »
.
وإذا بني على التفسير الثاني للآية بما يحافظ على عموميتها بحيث تشمل
الولي الفقيه ـ مثلاً ـ في
عصر الغيبة، فلابدّ من
الالتزام بوجود مقيد لبّي في الآية،فإنّ الأمر بإطاعة غير المعصوم مقيّد ارتكازاً بعدم انحرافه عن جادة الشرع،
واحتكامه إلى الله والرسول.هذا، وقد ذكروا أنّ الآيات تفيد ولايتهم المطلقة، وذلك لأنّه مقتضى إطلاق الأمر بالطاعة الشامل لكلّ فرد، وفي كلّ أمر ـ وهو معنى الولاية و
الإمامة ـ كما أنّه مقتضى اقتران طاعة اُولي الأمر بطاعة
النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإمامة النبي وولايته على الإطلاق من البديهيّات، كما في قوله سبحانه وتعالى:« النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ »
، فكذلك اُولو الأمر.
قال
أبو الصلاح الحلبي: « يدلّ أيضا على إمامتهم قوله تعالى:« يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا الله وَ... »
فأوجب سبحانه طاعة اُولي الأمر على الوجه الذي أوجب طاعته تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم على كلّ مكلّف حاضر؛ لنزول الآية وناشئ إلى انقضاء
التكليف وفي كلّ أمر، فيجب عموم طاعة اُولي الأمر كذلك «كالنبي»؛ لوجوب إلحاق المعطوف بحكم المعطوف عليه، وذلك مقتضٍ لإمامتهم؛ إذ لا أحد وجبت طاعته على هذا الوجه إلاّ من ثبتت إمامته بعد الرسول... »
.
وقال
الزمخشري: « المراد ب « اُولِي الأَمرِ مِنكُم » اُمراء الحق؛ لأنّ اُمراء
الجور الله ورسوله بريئان منهم، فلا يعطفون على الله ورسوله في وجوب الطاعة لهم، وإنّما يجمع بين الله ورسوله والاُمراء الموافقين لهما في إيثار
العدل واختيار الحقّ، والأمر بهما والنهي عن أضدادهما »
.
الموسوعة الفقهية ج۱۹، ص۲۲۷-۲۳۱.