إجارة العين بزيادة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لا إشكال في أنّ مقتضى القاعدة جواز
إجارة العين المستأجرة بأُجرة تساوي الاجرة الاولى أو أقل أو أكثر منها، تمسّكاً بالمطلقات.
كما أنّه لا خلاف
في جواز الإجارة بالمساوي أو بالأقل (هذا ولكن قد يستظهر من بعض كلمات
الشيخ في
المبسوط أنّه لا تجوز الإجارة بالمساوي والأقل إلّا مع إحداث الحدث، ولكن الظاهر من
النهاية أنّ إحداث الحدث شرط في الإجارة بالأكثر لا مطلقاً).
وإنّما اختلفوا في جوازها بالأكثر، فالمشهور بين القدماء
بطلان الإجارة بالأكثر لو لم يحدث في العين المستأجرة حدثاً من دون اختصاص بعين خاصة كالدار والحانوت، وفي الغنية أنّ عليه
الإجماع .
وذهب جمع منهم
الصدوق والمفيد وسلّار والمحقق
والطباطبائي والنجفي وجماعة ممّن تأخّر عنه
(ولكن لم يلحق
السيد الخوئي في تعليقته على
العروة الرحى، كما أنّ
السيد الحكيم في
المنهاج أيضاً لم يلحق الرحى والسفينة بالبيت والدار في الحرمة. وأضاف
السيد الخميني إلى ذلك في تعليقته الخان أيضاً.) إلى المنع أو الإشكال والاحتياط في خصوص البيت والدار والدكان.
واحتاط
السيد اليزدي بالحاق الرحى والسفينة أيضاً دون الأرض مع الحكم بحسن
الاحتياط فيها وفيما عداها من الأعيان.
إلّا أنّ المشهور
بين المتأخرين
جواز الاستئجار بالأكثر ولو مع
اتحاد جنس الاجرتين، ولكنه يكره له ذلك فيما لو لم يحدث في العين المستأجرة حدثاً.
فالأقوال من حيث الحكم الوضعي للمسألة ثلاثة: البطلان مطلقاً، والبطلان في خصوص الموارد المتقدمة، والصحة مطلقاً.
والمنشأ في اختلاف
الفتاوى هو اختلاف مضامين الروايات الواردة في الباب، فإنّها على طوائف:
ما ورد في المنع عن ذلك في الموارد الخاصة المتقدمة، ففي الدار وردت رواية
الحلبي عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «لو أنّ رجلًا استأجر داراً بعشرة دراهم فسكن ثلثيها وآجر ثلثها بعشرة دراهم لم يكن به بأس، ولا يؤاجرها بأكثر ممّا استأجرها به إلّا أن يُحدث فيها شيئاً».
وفي الأرض والسفينة وردت رواية
اسحاق بن عمار عن الإمام الصادق عن أبيه عليهما السلام قال: «لا بأس أن يستأجر الرجل الدار أو الأرض أو السفينة ثمّ يؤاجرها بأكثر مما استأجرها به إذا أصلح فيها شيئاً».
وفي المرعى وردت رواية
سماعة قال:
سألته عن رجل اشترى مرعى يرعى فيه، بخمسين درهماً أو أقل أو أكثر فأراد أن يدخل معه من يرعى فيه ويأخذ منهم الثمن؟ قال: «فليدخل معه من شاء ببعض ما أعطى، وإن أدخل معه بتسعة وأربعين وكانت غنمه بدرهم فلا بأس، وإن هو رعى فيه قبل أن يدخله بشهر أو شهرين أو أكثر من ذلك بعد أن يبيّن لهم فلا بأس، وليس أن يبيعه بخمسين درهماً ويرعى معهم، ولا بأس بأكثر من خمسين ولا يرعى معهم إلّا أن يكون قد عمل في المرعى عملًا حفر بئراً أو شق نهراً أو تعنّى فيه برضا أصحاب المرعى فلا بأس ببيعه بأكثر مما اشتراه؛ لأنّه قد عمل فيه عملًا فبذلك يصلح له»،
وهي تدل على المنع عن أخذ الفاضل عن الاجرتين في هذه العناوين إذا لم يحدث فيها حدثاً واصلاحاً.
ما ورد بلفظ
الكراهة كما في الرحى عن
أبي بصير عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «إني لأكره أن أستأجر رحى وحدها ثمّ اؤاجرها بأكثر مما استأجرتها به، إلّا أن يحدث فيه حدثاً أو يغرم فيها
غرامة ».
ما دلّ على التفصيل بين الأرض ومثل الحانوت كما عن
أبي المغراء عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: في الرجل يؤاجر الأرض ثمّ يؤاجرها بأكثر مما استأجرها، قال: «لا بأس، إنّ هذا ليس كالحانوت ولا الأجير، إنّ فضل الحانوت
والأجير حرام».
والبيت والأجير كما عن
أبي الربيع الشامي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يتقبّل الأرض من الدهاقين ثمّ يؤاجرها بأكثر مما تقبّلها به ويقوم فيها بحظّ
السلطان ؟ فقال: «لا بأس به، إنّ الأرض ليس مثل الأجير ولا مثل البيت، إنّ فضل الأجير والبيت حرام».
وزاد في
الفقيه : «ولو أنّ رجلًا استأجر داراً بعشرة دراهم فسكن ثلثيها وآجر ثلثها بعشرة دراهم لم يكن به بأس، ولكن لا يؤاجرها بأكثر ممّا استأجرها»،
حيث جوّزت الإيجار بالأكثر في القسم الأوّل دون الثاني.
ما ورد في الأرض من التفصيل بين التقبيل بالثلث والنصف وبين الإجارة بأُجرة مقطوعة، فيجوز التفاضل في الأوّل دون الثاني، مع التعليل بأنّ ذاك غير مضمون وهذا مضمون كما عن
الحلبي قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: أتقبّل الأرض بالثلث أو الربع فأقبلها بالنصف، قال: «لا بأس به» قلت: فأتقبلها بألف درهم وأقبّلها بألفين، قال: «لا يجوز» قلت: لم؟ قال: «لأنّ هذا مضمون وذلك غير مضمون».
وغيرها.
ما قد يدلّ بظاهره على بطلان الزيادة والفضل بدون إحداث حدث في الأرض مطلقاً، أي حتى لو كان بنحو
المزارعة كما عن
اسماعيل بن الفضل الهاشمي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألته عن رجل استأجر من السلطان من
أرض الخراج بدراهم مسمّاة أو بطعام مسمّى ثمّ آجرها وشرط لمن يزرعها أن يقاسمه النصف أو أقل من ذلك أو أكثر وله في الأرض بعد ذلك فضل أ يصلح له ذلك؟
قال: «نعم، إذا حفر لهم نهراً أو عمل لهم شيئاً يعينهم بذلك فله ذلك» قال: وسألته عن الرجل استأجر أرضاً من أرض الخراج بدراهم مسمّاة أو بطعام معلوم فيؤاجرها قطعة قطعة أو جريباً جريباً بشيءٍ معلوم فيكون له فضل فيما استأجر من السلطان ولا ينفق شيئاً أو يؤاجر تلك الأرض قطعاً على أن يعطيهم البذر والنفقة فيكون له من ذلك فضل على إجارته وله تربة الأرض أو ليست له؟ فقال: «إذا استأجرت أرضاً فأنفقت فيها شيئاً أو رمّمت فيها فلا بأس بما ذكرت».
وقد اختلف الفقهاء في كيفية الجمع بين هذه الطوائف من
الروايات من جهات:
هل أنّ مقتضى الجمع بين الروايات بطلان الإجارة بالأكثر أو كراهتها؟
قد تقدّم ذهاب مشهور القدماء إلى البطلان.
لكن قد يقال بأنّ مقتضى الجمع هو الحكم بالكراهة في جميع الموارد بقرينة الكراهة الواردة في الطائفة الثانية أي رواية الرحى، ولا خصوصيّة في الرحى فيحكم بالكراهة في غيرها، كما هو المشهور بين المتأخرين.
واورد عليه
بأنّ حمل النهي على الكراهة في باب العقود
والمعاملات لا يتناسب مع باب الوضع، وقد ورد نفس التعبير في أبواب اخرى فهم الفقهاء منه البطلان الوضعي لا
الحكم التكليفي .
هذا، مضافاً إلى أنّه قد صرّحت جملة من تلك الروايات بالبطلان مما لا مجال لحملها على الكراهة للتعبير بعدم الجواز فيها،
أو حرمة فضل الأجير والحانوت
.
هذا مضافاً إلى أنّ الحمل على الكراهة بقرينة ما يدل على الترخيص إنّما يصح كجمع عرفي فيما إذا لم تكن النسبة بين الدليلين بنحو التقييد والتخصيص، وإلّا تعيّن ذلك، وسوف يأتي أنّ هذا هو الصحيح.
هل يختص المنع بالموارد المنصوصة في الروايات، أو يمكن استفادة قاعدة عامة منها؟
ذهب جماعة إلى الاختصاص لكونه حكماً تعبدياً مخالفاً للقاعدة فلا بد من الاقتصار فيه على المتيقّن وهو الدار والبيت والحانوت،
فلا تشمل مثل الرحى أو السفينة؛ لعدم دلالة لفظ الكراهة أو البأس الواردين في موردهما على الحرمة،
مضافاً إلى اقتران السفينة في موثقة
إسحاق بن عمار بالأرض المعلوم جواز إيجارها بالأكثر؛
لما ورد في الطائفة الثالثة المفصِّلة بين الأرض والدار والحانوت، المرجّحة سنداً بل دلالة على الطائفة الرابعة
لورود نصوصها في الأعم من الإجارة على أنّها غير صريحة في البطلان للتعبير فيها بالنهي عن التقبيل بالذهب والفضة، وأمّا الطائفة الثالثة فهي واردة في خصوص إجارة الأرض، وصريحة في جوازها بالأكثر، فتحمل الطائفة الرابعة على كراهة الإجارة فيما إذا كانت الاجرة من الذهب أو الفضة.
وشمول الطائفة الخامسة
للمزارعة أيضاً لا ينافي ذلك؛ لتقدم الطائفة الرابعة المجوّزة للمزارعة بالأكثر على الطائفة الخامسة، فتحمل نصوصها على الكراهة في المزارعة، ويجمع بين الطائفتين بحمل روايات الطائفة الرابعة على شدّة الكراهة في الإجارة.
هذا ولكن المشهور بين القدماء- كما تقدم- شمول المنع لغير ما ورد في الروايات من العناوين أيضاً.
واستدلّ له- مضافاً إلى
الإجماع - بالنصوص المتقدم ذكرها مع التعدي عن الموارد المنصوصة إلى ذلك؛ لأنّ
العرف يفهم أنّ ملاك الحكم المذكور هو المنع عن
الاسترباح بأخذ الزيادة بلا إحداث أي عمل، وهذه النكتة لا خصوصيّة للدار أو الحانوت أو الأجير فيها.
هذا مضافاً إلى وجود قرائن في بعض الروايات تجعلها ظاهرة في العموم
:منها: عطف الأرض على السفينة في بعض روايات الطائفة الاولى كما في موثقة إسحاق بن عمّار
مع عدم وجود جامع بين العناوين المعطوفة عرفاً إلّا من حيث كونها أعياناً متعلّقة للإجارة.
ومنها: ظهور الأسئلة والأجوبة في الروايات في أنّ الجهة الأساسية المنظور اليها هي الاسترباح، ولا نظر في ذلك إلى تحديد مورد الإجارة بفرد بعينه.
ومنها: ما في جملة من الروايات من التعليل بأنّه «قد عمل فيه عملًا فبذلك يصلح» كما في ذيل موثقة
سماعة في إجارة المرعى.
وحمل هذا التعليل على أنّه في خصوص المورد- أعني المرعى أو الأجير خاصّة- خلف كونه تعليلًا.
وأمّا التفصيل بين الأرض وبين الدار والحانوت الوارد في روايات الطائفة الثالثة فمضافاً إلى أنّ هذا لا يوجب عدم استفادة العموم من سائر الروايات، فليس المراد منها التفصيل بين إجارة الأرض وإجارة الحانوت والأجير بالمعنى المصطلح لعقد الإجارة ليجعل مخصّصاً أو معارضاً لسائر الروايات، بل أنّ مفادها التفصيل بين الأرض والحانوت والبيت في أصل إمكان الاسترباح والفضل فيها بخلافهما، وذلك لإمكان المزارعة في الأرض، دون البيت والحانوت،
ويشهد لذلك روايات الطائفة الرابعة المفصِّلة بين الإجارة والمزارعة حيث لا يمكن حمل رواياتها على
الكراهة ؛ لوجود ما هو صريح في البطلان فيها كصحيح الحلبي
الذي ورد التعبير فيه بلفظ «لا يجوز» لا بالنهي ليحمل على الكراهة، بل نفس التفصيل بين المزارعة والإجارة الاصطلاحية، وأيضاً التعليل الوارد فيها يوجبان صراحة دلالتها في ذلك بحيث لا يمكن حملها على الكراهة خصوصاً في مثل هذه
النواهي الارشادية الوضعية.
أمّا الطائفة الخامسة كموثقة
إسماعيل بن الفضل الظاهرة في المنع عن الاسترباح مع عدم إحداث حدث في الأرض ولو من خلال عقد المزارعة، فإنّه يمكن حملها على صورة اشتراط الفضل على الاجرة في عقد المزارعة بحيث يكون الربح والفضل مضموناً بالشرط المذكور في العقد، وهذا لا يعارض روايات الطائفة الرابعة بل هو مطابق لها؛ لأنّ مقتضى عموم التعليل فيها عدم جواز ذلك إذا كان مضموناً بالشرط ضمن عقد المزارعة أيضاً.
هل يختصّ المنع بصورة وحدة الجنس بين الاجرتين.
ذهب جماعة
في إجارة الأعيان إلى اختصاص المنع أو الكراهة بصورة وحدة جنس الاجرتين، بل في الانتصار عليه دعوى الإجماع،
وظاهره- وهو المحكي عن
ابن الجنيد أيضاً
- تقييد الحرمة بما إذا كانت الاجرة من الجنس
الربوي .
إلّا أنّ المشهور عدم التخصيص بذلك، بل الحرمة أو الكراهة من دون إحداث الحدث عندهم يشمل ما إذا كان مال الإجارة نقوداً مطلقاً أو كان عروضاً من جنس واحد.
لكن ظاهر الكافي
والخلاف
عدم كفاية تغاير النوع مطلقاً.
واستدلّ
السيد المرتضى على ما ذهب إليه بأنّ دليل المنع من الإجارة بالأكثر لزوم الربا، فإن لم تكن الاجرة جنساً ربويّاً أو اختلف النوع فلا ربا.
وكأنّ ذكر عنوان الذهب والفضة في بعض الروايات دعاه إلى استظهار لزوم محذور الربوية منها، إلّا أنّه لا وجه لهذا الاستظهار كما تقدم عند استعراض الروايات وما يستفاد منها.
وأمّا ما ذكره المشهور من اشتراط التجانس فقد استدلّ له
- مضافاً إلى دعوى الإجماع- بأنّه مقتضى الاقتصار على ما شملته الروايات الخاصة التي ورد التعبير فيها بعدم الإجارة بأكثر مما استأجره، وهو ظاهر في المماثلة في الجنس وإلّا لم تصدق الأكثرية.
وقد اورد عليه بأنّ صدق الأكثرية فيما تلحظ ماليته كما في الأثمان غير منوط بالتماثل.
هذا مضافاً إلى عدم انحصار الأمر في صدق الأكثر؛ للتعبير في بعض الروايات بالفضل كرواية
أبي المغراء وأبي الربيع حيث دلّتا على حرمة فضل البيت والأجير، وهو يصدق على الزيادة في الاجرة ولو كانت من جنس آخر.
ويؤيّد ذلك ما ورد في المقطع الآخر من موثقة
إسماعيل بن الفضل الهاشمي - الذي ذكر في سؤال له بأنّه يؤجره بشيء معلوم بعد أن كان قد فرض استئجاره بدراهم مسمّاة أو طعام مسمّى- فهو كالصريح في أنّ النظر في السؤال إلى أصل الاسترباح لا إلى التجانس بين الاجرتين، ولم يُفصّل الإمام عليه السلام بين وحدة الجنس وتعدده.
وأيضاً تؤيّده الروايات
المانعة من اعطاء العمل بأقل في إجارة الأعمال حيث لم يشترط فيها ذلك، ومن هنا لم يشترط المشهور في باب العمل وحدة الجنس.
وتشتمل على فروض ثلاثة: فإنّه تارة يؤجر بعض العين بأكثر مما استأجر به الكل، واخرى يؤجر البعض بما يساوي ما استأجر به الكلّ، وثالثة: يؤجر البعض بأكثر مما يقابل ذلك البعض من الاجرة في الإجارة الاولى.
ولا شك أنّ مقتضى فحوى الروايات السابقة
اتحاد حكم الفرضية الاولى مع حكم إجارة الكلّ بالأكثر، بل قد يقال بصدق عنوان الإيجار بأكثر على إيجار البعض أيضاً الوارد في الروايات، خصوصاً في مثل ذيل معتبرة أبي الربيع الشامي بنقل
الصدوق في روايات الطائفة الثالثة. وكذا في صحيحة
الحلبي الثانية
من روايات الطائفة الاولى؛ لأنّ الكبرى المذكورة وردت فيهما بعد فرض سكنى ثلثي الدار وإيجار ثلثها بعشرة.
وأمّا الفرضية الثانية- أي إيجار بعض العين المستأجرة بما يعادل ما استأجرها- فقد صرّح بعض الفقهاء
كالشيخ وابن حمزة بعدم الجواز فيها أيضاً، ولعلّه هو المشهور بين القدماء نظراً إلى افتائهم بجواز إيجار بعض العين بالأقل فقط وعدم جوازه بالأكثر، ولم يتعرضوا لحكم إيجار البعض بالمعادل
(لكن استظهر في
جواهر الكلام المنع من عبارة
الشرائع وما شابهها). ولكن ذهب القاضي
إلى جواز ذلك، وهو المشهور بين المتأخّرين؛ لأنّهم جوّزوا أصل الإيجار بالأكثر، بل ذهب إليه بعض
من منع إيجار الكلّ بالأكثر.
ويدلّ على عدم الجواز في هذه الصورة فحوى الروايات، وإطلاق التعليل بأنّ الفضل والاسترباح إنّما يصلح بالعمل أيضاً؛ لإطلاق التعبير بالفضل كما ورد في حسنة أبي المغراء،
أو بالإيجار بأكثر مما استأجر به.
وقد تمسّك بهذا الإطلاق
الوحيد البهبهاني على ما سيأتي عند التعرّض لحكم الفرضية الثالثة.
هذا، ولكن القائل بالجواز ينكر صدق الإجارة بالأكثر مع فرض وحدة الاجرة،
وكذا ينكر صدق الفضل؛ لأنّ الممنوع هو أخذ فضل الاجرة- أي بين الاجرتين- لا الفضل عليها، فانتفاعه بما عدا الحصة المستأجرة ثانياً وإن كان فضلًا إلّا أنّه ليس من فضل الاجرة في الإجارة الثانية،
كما أنّ مورد الأولوية إنّما هو الإيجار بالأكثر فقط لا إيجار الكلّ أو البعض بما يماثل الاجرة،
وعليه فلا مانع من إجارة بعض العين بكلّ ما استأجرها به.
هذا مضافاً إلى ما ورد في صحيح الحلبي وذيل معتبرة أبي الربيع- بنقل الصدوق- من التصريح بجواز سكنى ثلثي الدار وإجارة ثلثها بكلّ ما استأجرها به،
ولا يعارضهما مضمرة
سماعة الواردة في المرعى لحملها على الكراهة كما هو مقتضى تقديم النص أو الأظهر على الظاهر.
هذا ولكن حمل الروايات المانعة على إرادة فضل الاجرة بالخصوص بحيث لا بد وأن يكون الفضل بعنوان الاجرة خلاف المتفاهم العرفي، بل خلاف إطلاق عنوان فضل البيت والحانوت الوارد في تلك الروايات حيث اضيف الفضل إلى العين المستأجرة، وهو أعم من أن يكون من خلال إجارة كلها وفضل الإجارة الثانية على الاولى، أو من خلال إجارة بعضها بنفس الاجرة فيكون الباقي فضلًا.
هذا مضافاً إلى ما صرّح به من الضابطة في موثقة سماعة الواردة في المرعى
من عدم جواز بيع المرعى بما اشتراه به، وأنّه يرعى مع المستأجرين، وعدم جواز بيعه بالأكثر، وأنّه لا يرعى معهم، بناءً على إرادة الإيجار والاستئجار من
البيع والشراء فيها.
ولا يعارض ذلك ما ورد في صحيحة الحلبي من جواز سكناه لثلثي الدار وإجارة ثلثها بكلّ الاجرة؛ لإمكان الجمع بحمل الصحيحة على فرض السكنى خاصة دون الاسترباح، ومع التعارض فالمرجع إطلاق روايات المنع. وأمّا حمل المضمرة على الكراهة مع تصريحه بعدم الجواز فغير عرفي، خصوصاً في باب الأوامر والنواهي الارشادية في المعاملات والتي تختلف عن الأوامر التعبّدية الصرفة.
وأمّا الفرضية الثالثة- أي إجارة بعض العين المستأجرة بأكثر مما يقابله في الإجارة الاولى- فقد ادعى في الجواهر أنّه لا إشكال ولا خلاف نصاً وفتوى في جوازه مع اتحاد الجنس فضلًا عن اختلافه، ثمّ استدلّ له بما مرَّ في الصورة الثانية.
وقد اعترض
البهبهاني على القول بالجواز بأنّ الظاهر من رواية الهاشمي الاولى وموثقة سماعة هو التسوية بين الكلّ والجزء في المنع من الزيادة عما استؤجر به، وأنّه لا فرق في ذلك بين إجارة الجميع بالأكثر دفعة وتدريجاً وبين إجارة البعض بأكثر مما يقابله من
الاجرة ، والبعض الآخر بأقل منه أو بما يساويه؛ للإطلاق وللضابطة المتقدمة المستظهرة عرفاً وعقلائياً من تلك الروايات بعد استبعاد حملها على التعبّد المحض.
إذا آجر العين بأكثر مما استأجرها به من خلال إيجارات متعددة كلّ واحد منها ليس بأكثر مما استأجرها به إلّا أنّ مجموعها يكون أكثر مما استأجرها به فهل يحكم بالبطلان أو بالصحة؟
أمّا وجه الصحة فهو أنّ الفرض المذكور خارج عن نطاق الروايات المتقدمة، فهي لا تشمله، ولا يمكن التعدي إليه.
ووجه البطلان دعوى الاستفادة من فحوى تلك الروايات، وكذا إطلاق التعليل في بعضها، بل واطلاق منطوقها لصدق عنوان الإيجار بالأكثر على المقام أيضاً؛ لأنّ عنوان الإجارة والاستئجار ليس اسماً للسبب والانشاء المتعارف
للعقد ، بل هو عنوان للمسبّب والنتيجة معاً. والنتيجة في إجارة تمام الدار واحدة، سواء كان ذلك بايجار وعقد واحد أو بايجارات متعددة.
هذا مضافاً إلى ورود السؤال في موثقة اسماعيل بن فضل الهاشمي في الاستفضال بايجار الأرض التي استأجرها من السلطان بنحو التقطيع وإجارتها جريباً جريباً، فيكون له فضل في المجموع، فتكون صريحة في المنع في نفس المورد.
هل يكفي صرف التغيير في العين المستأجرة ثانياً بأكثر أم لا؟
تقدم سابقاً الحكم بجواز إجارة العين ثانياً بأكثر، إذا أحدث فيها حدثاً كما ورد في نفس الروايات المانعة. والمراد بالحدث هو التغيير في العين
كالاصلاح والتوسعة ونحوهما، فهل يكفي مطلق التغيير أم لا بد من إحداث ما له مالية مما يوجب زيادة نفعها بحيث يقابل التفاوت والفضل الحاصل من الاجرتين؟
والمحكي عن الشيخ
وظاهر المحقق في
الشرائع الثاني، حيث قال: «لا يجوز أن يؤجر المسكن ولا الخان ولا الأجير بأكثر مما استأجره إلّا أن يؤجره بغير جنس الاجرة أو يحدث فيه ما يقابل التفاوت».
لكن صرّح بعض الفقهاء
بأنّه لا دليل على اشتراط مقابلة الحدث لشيء من الاجرة، وأنّ المستفاد من الأخبار كفاية مطلق الحدث والتغيير. ولا يخفى أنّ الذهن العرفي والعقلائي يساعدان على الاستظهار الأوّل، فإنّ هذا الحكم ليس حكماً تعبدياً محضاً- كما ذكر المحقق البهبهاني قدس سره
- وإنّما هو إرشاد إلى ملاك ونكتة مفهومة عقلائياً وعرفاً وهي أنّ تلك الزيادة والفضل لا بد وأن يكون في قبال شيء من اضافة مال أو عمل في الإجارة الثانية حتى تحلّ له.
إذا فرض أنّ الاجرة السوقية
للمنفعة ازدادت بعد الإجارة الاولى- كما إذا كانت مدة الإجارة طويلة- أو فرض نقصان اجرة العمل سوقياً في إجارة الأعمال فهل يمنع في مثل ذلك أيضاً عن إيجار العين بأكثر في إجارة الأعيان وإيجار العمل بأقل في إجارة الأعمال أم لا؟
هذا فرع لم يتعرض إليه الفقهاء في كتبهم الفقهية ولكنه فرع جدير بالاهتمام لكثرة الابتلاء به في أزمنتنا هذه.
ولا ينبغي الاشكال في أنّ هذا الارتفاع والانخفاض إذا كان عاماً ناشئاً بحسب الحقيقة من انخفاض سعر النقد أو ارتفاعه فلا منع في ذلك عندئذٍ؛ لعدم صدق الفضل والنفع الحقيقي، بل هو مجرد زيادة اسمية؛ إذ المفروض أنّ الاجرة الزائدة في الزمن الثاني قدرتها الشرائية بالنسبة لما يعدها من البضائع والأموال مساوية للُاجرة الاولى في وقتها الأقل منها اسمياً، وهذا ليس
ربحاً ولا فضلًا في المالية، والذي هو المعيار المتفاهم من هذه
الروايات كما أشرنا.
وأمّا إذا كان الارتفاع والانخفاض خاصاً بتلك المنفعة والعمل فقد يقال: إنّ مقتضى إطلاق الروايات المانعة عدم جواز ذلك أيضاً، إلّا إذا أحدث حدثاً.
وفي قبال هذا الإطلاق يمكن دعوى انصراف الروايات المانعة عن مثل هذه الحالة، إمّا لأنّ في الزام المالك بالإيجار بأقل من
القيمة السوقية في الأعيان والزامه بايجار الأجير بأكثر من قيمة عمله في السوق اضراراً واضحاً بعيد عن مذاق الشارع، أو لأنّ المتفاهم العرفي من الروايات أنّ النظر فيها إلى المنع عن تحصيل الفضل والزيادة بلا مقابل سوى الوساطة. وأمّا الفضل والزيادة الحاصلة نتيجة جهة اخرى كارتفاع القيمة السوقية خصوصاً إذا كان في بلد آخر غير البلد الأوّل فهذا بحكم إحداث حدث عرفاً، بل هو حدوث حدث ومالية زائدة خارجة عن منظور هذه الروايات ومنصرفها.
الموسوعة الفقهية، ج۴، ص۱۴۰-۱۵۳.