الإصلاح
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الإصلاح (توضيح).
هو
إزالة الفساد عن
الشيء و
التأليف بين
قلوب الناس بالمودة و
الإتيان بالصلح و
الخير .
الإصلاح: نقيض
الإفساد ، وهو
الإتيان بالخير و
الصواب ، يقال: أصلح بين
القوم ، أي وفّق وألّف بينهم بالمودّة، وأصلح
الشيء بعد فساده: أقامه، وأصلح
الدابّة :
أحسن إليها.
وقد استعمله الفقهاء في
نفس هذه المعاني اللغويّة.
و
المستفاد من هذا
التعريف أنّ كلمة إصلاح تطلق تارة على ما هو
مادّي ، واخرى على ما هو
معنوي ، وأنّه ربّما يكون دفعاً للفساد، لا
إزالته بعد وجوده.
تطلق كلمة
ترميم على إصلاح الامور المادّية-
كالحبل و
الدار ونحوهما- إذا فسد بعضها»، وإن اطلقت على ما هو معنوي فهو إطلاق
مجازي ، حيث يقال- مجازاً-: أحيا رميم المكارم.
فالفرق بين الإصلاح والترميم أنّ الإصلاح
أعمّ ؛ لأنّه يطلق حقيقة على المادّي والمعنوي، أمّا الترميم فيطلق
حقيقة على المادّي دون المعنوي.
وهو في
اللغة :
الهداية و
الدلالة .
ويستعمله الفقهاء بمعنى الدلالة على
الخير و
المصلحة ، سواء كانت دنيوية أم اخروية، فيقال:
إرشاد الجاهل ، ويريدون به هدايته ودلالته إلى ما هو
الصواب والصلاح.
فالفرق بين الإرشاد والإصلاح أنّ الإرشاد يطلق على
التبيين ، ولا يلزم من التبيين الإصلاح، أمّا الإصلاح فيتضمّن حصول الصلاح حتى لو لم يسبقه تبيين.
يختلف معنى الإصلاح ونوعه باختلاف مواطنه، نشير إلى أهمّها:
الإصلاح تارةً يكون بإكمال
النقص ، كإصلاح النقص في
الصلاة بصلاة الاحتياط ، أو
سجدة السهو ، وإصلاح الشيء
المستأجر على
المؤجر .
واخرى: بالتعويض عن
الضرر ، كوجوب
الدية على
الجنايات و
ضمان الإتلافات .
وثالثةً:
بالعقوبات ،
كالحدود و
القصاص و
التعزيرات و
التأديب ؛ فإنّها شرّعت لتكون وسيلة إصلاح.
ورابعةً:
بالكفّارات ؛ فإنّها شرّعت لإصلاح خلل في تصرّفات خاصّة، ككفّارة
اليمين و
الظهار و
القتل الخطأ ونحو ذلك.
وخامسةً: بالمنع عن
التصرّف وبنزع
اليد لإيقاف الضرر، وإيقاف الضرر يعني الإصلاح، كعزل
القاضي الذي لا يحسن
القضاء ، و
الحَجر على
السفيه ، ونحو ذلك.
وسادسة:
بالولاية و
الوصاية و
الحضانة ، وهي التي شرّعت لإصلاح المولّى عليه، أو إصلاح ماله.
وسابعةً:
بالوعظ ،
كالأمر بالمعروف و
النهي عن المنكر عموماً، ووعظ
الزوجة التي يخاف
نشوزها .
وثامنةً:
بالتوبة ، وهي تصلح شأن
الإنسان وتمحو
الذنب الذي ارتكبه.
وتاسعةً:
بإحياء الموات ، حيث يتمّ إصلاح
الأرض الميتة به.
وبالجملة: كلّ ما يؤدّي إلى
الكفّ عن
المعاصي أو الفساد أو إلى فعل الخير وما فيه
النفع فهو إصلاح.
وبكلمة موجزة جامعة: أنّ هدف
الأنبياء عليهم السلام و
الشرائع والرسالات و
إنزال الكتب و
بعث الرسل هو إصلاح حال
البشرية لما فيه كمالها الدنيوي والاخروي، قال تعالى على لسان نبيّه
شعيب عليه السلام : «قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ».
فالدين بكلّ هذه
الأحكام سببٌ
أساس للإصلاح.
يستفاد من
استقراء كلام الفقهاء في أبواب
الفقه استحباب الإصلاح في موارد، ووجوبه في موارد اخرى، نشير إلى أهمّ هذه الموارد وأحكامها فيما يلي:
•
الإصلاح (إصلاح ذات البين)، ويراد به إصلاح
الحالة الفاسدة و
الرابطة السيّئة ، و
إسكان النائرة التي وقعت بين الرجلين أو القبيلتين أو
الرجل وأهله.
•
الإصلاح (إصلاح العباد)، لا
إشكال ولا
خلاف في لزوم إصلاح الإنسانية جمعاء، بمعنى
رفع الظلم والفساد والجهالة من بينهم، و
بسط العلم و
العدل فيهم، وبيان مصالحهم ومفاسدهم الفرديّة والاجتماعيّة، وهدايتهم إلى وسائل
السعادة و
الشقاوة .
يجب على
الألثغ وشبهه
الاجتهاد في إصلاح
اللسان ، فإن
لحن مع
التمكّن من إصلاح لسانه بطلت صلاته، سواء أخلّ بالمعنى أو لم يخلّ.
المشهور بين الفقهاء
عدم جواز
إمامة من يلحن في قراءته ولا يقدر على إصلاح لسانه للمتقن؛
لأصالة عدم سقوط
القراءة عن
المأموم إلّامع العلم بالمسقط
المنتفي هنا؛ فإنّ اللحن يمنع عن تحقّق تحمّل القراءة من
الإمام ، والقراءة لا تسقط إلّابالتحمّل المذكور.
نعم، ذكر بعض الفقهاء أنّه يكره إمامة من يلحن في قراءته، سواء كان في
الحمد أو غيرها إذا لم يقدر على إصلاح لسانه، فإن قدر وأهمل لم تصحّ صلاته ولا صلاة من خلفه إن علموا بذلك.
يجوز
لأهل الذمّة إصلاح معابدهم ومنعها من الخراب ورمّ ما تصدّع وتشعّث منها،
وادّعي عدم الخلاف
في جوازه بالنسبة إلى ما جاز إبقاؤه من
المعابد ، بل ادّعي
الاتّفاق عليه.
يجوز قبول الولاية من قبل
السلطان الجائر مع قصد
الإحسان إلى
المؤمنين وإصلاح شؤونهم
ودفع الضرر عنهم، بل ذهب بعض الفقهاء إلى استحبابه،
وبعض آخر إلى وجوبه إن توقّف عليها الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر
الواجبان .
وقد وردت في ذلك روايات كثيرة يستفاد من جملة منها
الجواز ، ومن جملة اخرى الاستحباب:
فممّا يدلّ على
الاستحباب رواية
محمّد ابن إسماعيل بن بزيع عن
أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: «إنّ للَّهتعالى بأبواب
الظالمين من نوّر
اللّه له
البرهان ، ومكّن له في
البلاد ليدفع بهم عن أوليائه، ويصلح اللَّه بهم امور
المسلمين ، إليهم ملجأ المؤمنين من الضرّ، وإليهم يفزع ذو
الحاجة من شيعتنا، وبهم يؤمن اللَّه
روعة المؤمن في دار الظلمة، اولئك المؤمنون حقّاً، اولئك امناء اللَّه في أرضه، اولئك نور اللَّه في رعيّتهم
يوم القيامة ، ويزهر نورهم لأهل
السماوات كما يزهر
الكواكب الدرّية لأهل الأرض، اولئك من نورهم نور القيامة، تضيء منهم القيامة، خلقوا- واللَّه- للجنّة، وخلقت
الجنّة لهم، فهنيئاً لهم، ما على أحدكم أن لو شاء لنال هذا كلّه»، قال: قلت: بماذا جعني اللَّه فداك؟ قال: «يكون معهم فيسرّنا بإدخال
السرور على المؤمنين من شيعتنا، فكن منهم يا محمّد».
لا إشكال
ولا خلاف
في صحّة
رهن ما يسرع إليه الفساد قبل
الأجل مع إمكان إصلاحه
بتجفيف ونحوه؛ لوجود
المقتضي وعدم
المانع ، فيجب حينئذٍ على
الراهن الإصلاح؛ لأنّ ذلك من
مؤونة حفظه.
يمتدّ
حجر الصغير حتى يبلغ ويرشد، وهو أن يكون مصلحاً لماله،
بحيث يكون له
ملكة نفسانيّة تقتضي إصلاحه وتمنع من إفساده وصرفه في غير
الوجوه اللائقة بأفعال
العقلاء .
ذهب بعض الفقهاء إلى عدم جواز التصرّف لكلّ أحدٍ في مال
اليتيم بقصد الإصلاح إلّاللولي
الشرعي أو
العرفي اللذين كان مال اليتيم تحت أيديهما أو من أذن
الولي له.
يجوز للولي و
المعلّم ضرب الصبي المميّز للتأديب والإصلاح ما لم يتجاوز
المعتاد ،
ولكن صرّح غير واحد بضمان المعلّم إذا ضرب الصبي للتأديب،
بل في
المسالك : أنّ ظاهر الفقهاء الاتّفاق على ضمان
الأب و
الجدّ له لو أدّباه،
فضلًا عن المعلّم،
فيضمنون ما يجنونه عليه، فإن مات الصبي بسببه وجبت الدية والكفّارة.
ذهب الفقهاء إلى جواز ضرب الزوجة
الناشزة للتأديب والإصلاح،
وادّعي عدم الخلاف فيه،
بل عليه دعوى
الإجماع ،
بشرط أن لا يكون مدمياً ولا مبرّحاً، فلو حصل بالضرب تلف ضمن؛
لخروج الضرب حينئذٍ عن
المشروع ، فإنّه إنّما شرّع للإصلاح وهذا إفساد.
نعم، تردّد بعضهم في الضرب الجائز والمشروع.
يجب على العامل- مع
إطلاق المساقاة - كلّ عمل يتكرّر كلّ
سنة ممّا فيه صلاح
الثمرة أو زيادتها، من إصلاح الأرض
بالحرث و
الحفر المحتاج إليه، وإصلاح
الأجاجين (لأجاجين: جمع إجّانة- بالكسر والتشديد- وهي: موقف الماء تحت الشجرة، ومنه: «يجب على العامل تنقية الأجاجين»، والمراد ما يحوط حول الأشجار.)
وإزالة
الحشيش المضرّ بالاصول، و
تهذيب الجرائد ونحوها، وإصلاح
طريق الماء وتنقيته من
الحمأة ونحوها، وإصلاح موضع
التشميس المحتاج إليه، ونقل الثمرة إليه، ونحو ذلك.
اختلف الفقهاء في جواز
إجبار الموجر وإلزامه بإصلاح
البناء المستأجر أو إعادته وعدمه، فذهب بعضهم
إلى وجوب إصلاح ما استهدم، وأنّ للمستأجر إلزام المؤجر بالإصلاح؛ نظراً إلى
استحقاق المستأجر المنفعة، فله إلزام
المالك بذلك توصّلًا إلى حقّه.
بينما ذهب آخرون
إلى عدم وجوب ذلك على المُكْرِي؛ نظراً إلى أنّ الحكم بوجوب الإصلاح تكليف منفي بالأصل؛ لعدم
الدليل عليه؛ إذ ليس على المؤجر إلّا تسليم ما آجره مع ما يتوقّف عليه
الانتفاع ، أمّا الإصلاح بعد الخراب فلا يجب،
غاية الأمر أنّ المستأجر يتخيّر في
فسخ الإجارة إذا كان يتضرّر بذلك.
يحرم استعمال
آلات اللهو ، لكن لو أمكن إصلاحها بحيث لا تستعمل في
اللهو كما لو جعل
المزمار عصاةً ، فقد حكم بعض الفقهاء بحرمة الاستعمال أيضاً، وقالوا: كأنّه لا خلاف في ذلك؛
لأنّ ما حرم استعماله مطلقاً حرم اتخاذه على هيئة
الاستعمال .
كما استدلّوا ببعض
الروايات الدالّة على أنّ
النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث لمحق
المعازف والمزامير،
أو أنّ
الصناعة فيها حرام كلّها.
لكن ناقش بعض الفقهاء في ذلك بأنّ إصلاح آلة اللهو لتكون شيئاً آخر ليس مشمولًا لهذه الروايات بل هي منصرفة عن هذه الحالة.
بل ذكر بعض الفقهاء أنّه تصحّ
الوصيّة بطبل اللهو إن أمكن إصلاحه
للحرب ونحوه، بتغيير يسير يبقى معه اسم
الطبل .
إذا التقط ما يفسد بتركه على حاله قبل
الحول فهو على ضربين:
أحدهما: ما لا يمكن إبقاؤه-
كالطعام ونحوه- فيتخيّر بين أن يتملّكه
بالقيمة ويأكله أو يبيعه ويأخذ
ثمنه ثمّ يعرّفه، وبين أن يدفعه إلى
الحاكم ليعمل فيه ما هو
الحظّ للمالك.
والثاني: ما يمكن بقاؤه
بالمعالجة والتجفيف والإصلاح، فإن تبرّع
الواجد بإصلاحه فذاك، وإلّا بيع بعضه وانفق في إصلاح
الباقي .
وهل يتوقّف ذلك على إذن الحاكم أم يجوز للملتقط تولّيه ابتداءً؟ فيه قولان:
أطلق جماعة
الرجوع فيه إلى الحاكم؛
لأنّه
مال غائب، وهو وليّه في حفظ ماله وعمل ما هو الحظّ له فيه، وذهب آخرون إلى
تخيير الملتقط بين تولّيه بنفسه والرجوع إلى الحاكم.
ذكر بعض الفقهاء أنّ من تاب قبل قيام
البينة عليه وأصلح سقط عنه الحدّ، أمّا لو تاب بعدها وأصلح لم يسقط،
واستندوا في ذلك لبعض الروايات مثل
مرسل جميل ابن دراج عن أحدهما عليهما السلام في
رجل سرق أو شرب
الخمر أو زنى فلم يعلم ذلك منه ولم يؤخذ حتى تاب وصلح؟ فقال: «إذا صلح وعرف منه أمر
جميل لم يقم عليه الحدّ».
كما لا خلاف في
عدم قبول
شهادة القاذف قبل توبته؛ لقوله تعالى: «وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً»،
لكن لو تاب وأصلح قبلت شهادته بلا خلاف أيضاً،
بل الإجماع بقسميه عليه.
وهل يشترط إصلاح العمل زيادةً على
التوبة أم لا؟ فيه قولان.
ذهب بعض الفقهاء إلى
اشتراطه زيادة على التوبة؛
لقوله تعالى: «وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ• إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ»،
فاستثنى ممّن لا تقبل لهم شهادة، منهم الذين تابوا وأصلحوا، فلا تكفي التوبة وحدها؛ لأنّ
المستثنى فاعل الأمرين معاً.
وذهب بعض آخر إلى
الاكتفاء بالاستمرار ؛ لأنّ بقاءه على التوبة إصلاح ولو
ساعة .
ذهب بعض الفقهاء إلى أنّه لا
قصاص في
كسر الأعضاء و
العظام التي يرجى إصلاحها
بالعلاج ، بل ينتظر حتى ينجبر
الموضع فيحكم حينئذٍ
بالأرش .
إذا كان
الغرض من
السجن عقاب الجاني بمنع حرّيته في
التنقل و
الحركة ، وردعه عمّا فعله كي لا يعود إليه
مرةً اخرى، فإنّ من الضروري
بناء السجن على إصلاح الجاني إضافةً إلى معاقبته.
وإلّا ربما لزم من عقابه من خلال السجن تحقيق
المزيد من
الجرائم في
المستقبل حيث يتسبّب
تلاقي المجرمين مع بعضهم في السجن في
سلسلة من المحاذير والإشكاليات من قبيل:
التعارف على بعضهم بما قد يفضي إلى
التنسيق فيما بينهم فيما بعد عقب خروجهم من السجن، وكذلك تعليم بعضهم بعضاً المزيد من الأساليب الإجرامية من خلال
تبادل تجاربهم.
وهذا الأمر يستدعي من
الحاكم الشرعي والمتولّين
لشؤون السجون إصلاح أوضاع السجن بما يخدم إصلاح السجين لا مجرد معاقبته
لفترة زمنية، استناداً في ذلك إلى عمومات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وحماية أمن المسلمين وأموالهم وأعراضهم، وغير ذلك من
القواعد العامة .
و
التدابير التي تتخذ في هذا
الصدد كثيرة، مثل
الفصل بين
المجرمين بحسب سنّهم ودرجات إجرامهم، و
القيام بتأهيل الجاني عبر إخضاعه
للبرامج التربوية و
الاجتماعية و
التعليمية ، الأمر الذي يخرجه من مناخه
الضيّق الذي دفعه إلى الجريمة ليدخله في
مناخ آخر غير
موبوء .
والأهم من ذلك
توفير فرص عمل له ليتمكّن من
الإقلاع عن
الجريمة بعد خروجه من السجن، إلى جانب رعايته
الصحية اللازمة.
الموسوعة الفقهية، ج۱۳، ص۳۴۱-۳۵۸.