الإصلاح (إصلاح ذات البين)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الإصلاح (توضيح).
ويراد به
إصلاح الحالة
الفاسدة و
الرابطة السيّئة ، و
إسكان النائرة التي وقعت بين الرجلين أو القبيلتين أو
الرجل و
أهله .
ويراد به إصلاح الحالة
الفاسدة و
الرابطة السيّئة ، و
إسكان النائرة التي وقعت بين الرجلين أو القبيلتين أو
الرجل و
أهله .
قال
الشيخ الطبرسي : ««وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ»،
أي أصلحوا ما بينكم من الخصومة و
المنازعة ، وقوله: «ذَاتَ بَيْنِكُمْ»
كناية عن المنازعة و
الخصومة ، و
الذات : هي
الخلقة و
البنية ، يقال: فلان في ذاته
صالح في خلقته وبنيته، يعني أصلحوا
نفس كلّ
شيء بينكم، وأصلحوا حال كلّ نفس بينكم.
وقيل: معناه: وأصلحوا
حقيقة وصلكم، كقوله: «لَقَد تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ»،
أي وصلكم، والمراد كونوا مجتمعين على ما أمر
اللّه و
رسوله ، وكذلك معنى: اللهمّ أصلح ذات البين، أي أصلح الحال التي بها يجتمع
المسلمون ».
وقال
العلّامة الطباطبائي : «وكذلك
الأمر في ذات البين، فلكون الخصومة لا تتحقّق إلّابين طرفين نسب إليها
البين ، فقيل: ذات البين، أي
الحالة والرابطة السيّئة التي هي
صاحبة البين، فالمراد بقوله: «أَصلِحُوا ذَاتَ بَينكُم»، أي أصلحوا الحالة الفاسدة والرابطة السيّئة التي بينكم».
وبناءً على هذا فإصلاح ذات البين تارة يكون على
المستوى الفردي كما لو اختلف الزوجان في أمرٍ وتنازعا وساءت علاقتهما، واخرى على المستوى
الاجتماعي و
السياسي كما في
العلاقات السلبية بين المسلمين أو بين
عشيرتين أو جماعتين:
لو تحقّق
الشقاق بين الزوجين فينبغي بعث حكمين للإصلاح ورفع الشقاق بينهما؛ لقوله تعالى: «وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً».
والشقاق: هو
الكراهة بين طرفين- لا من طرف واحد-
المنتهية إلى حدّ الاختلاف و
العداوة ، فكأنّهما باختلافهما كلّ واحدٍ في شقّ، أي في جانب.
واختلف الفقهاء في
وجوب بعث الحكمين، فذهب بعضهم إلى القول بالوجوب؛ لظاهر الأمر في
الآية الكريمة .
وآخر
بالندب ؛ للأصل، وكون الأمر من الامور الدنيويّة ظاهر في
الإرشاد .
والتفصيل ثالثاً بين ما إذا توقّف الإصلاح عليه فيجب، وإلّا استحبّ أو جاز بلا
رجحان .
كما وقع كلام في
المخاطب بالبعث هل هو
الحاكم أو الزوجان أو أهلهما؟ وكانت لهم في ذلك أقوال، و
المنسوب إلى الأكثر هو الأوّل.
ووظيفة الحكمين
الاجتهاد في
النظر و
البحث عن حال الزوجين، والسبب الباعث على الشقاق، والتأليف بينهما ما أمكن.
وينبغي أن يخلو حكم الرجل بالرجل وحكم
المرأة بالمرأة
خلوة غير محرّمة؛ ليتعرّفا ما عندهما وما فيه رغبتهما.
فإن رأيا أنّ الإصلاح هو الأصلح لهما فعلاه، وإن رأيا الأصلح هو
الفراق ، فهل يجوز لهما ذلك أو يتوقّف على إذن الزوجين؟
قولان مرتّبان على كونهما وكيلين أو حكمين، فعلى القول بكونهما وكيلين لا إشكال في وجوب
مراعاة الوكالة ، فإن تناولت الفراق فعلاه، وإلّا فلا.
وعلى القول بكونهما حكمين ففي
جواز الفراق قولان أيضاً، مبنيّان على أنّ
مقتضى إطلاق الحكميّة هو
تسويغ ما يفعلانه من إصلاح أو
طلاق ، وأنّ الطلاق يخصّ
الزوج ؛ للنبوي: «الطلاق بيد من أخذ
بالساق »،
فلابدّ من استئذانه، ونسب هذا القول إلى
الأشهر ،
بل
المشهور ،
بل ادّعي عدم الخلاف
فيه.
وينبغي للحكمين
إخلاص النيّة في
السعي و
قصد الإصلاح، فمن حسنت نيّته فيما يتحرّاه أصلح اللَّه
مسعاه ، وكان ذلك سبباً لحصول
مبتغاه ،
كما ينبّه عليه قوله تعالى: «إِن يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا».
يستحبّ الإصلاح بين
الناس في
ابتداء الأمر، ولكنّه قد يجب، كما إذا توقّف عليه
حفظ الدماء و
الأموال و
الأعراض و
صونها ، ونحو ذلك. بل قد تكون بعض موارده مشمولةً لأدلّة
الأمر بالمعروف و
النهي عن المنكر .
ويدلّ عليه من
الكتاب و
السنّة آيات و
روايات كثيرة، يستفاد منها
التأكيد على الإصلاح بين الناس، ورفع الاختلاف و
التنازع بين المسلمين و
المؤمنين ، نشير إلى بعضها فيما يلي:
۱- فقوله تعالى: «إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ».
۲- وقوله تعالى: «وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا».
۳- وقوله تعالى: «فَاتَّقُوا
اللّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ».
۴- وقوله تعالى: «لَا
خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِن
نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ».
قال الشيخ الطبرسي: ««أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ» أي
تأليف بينهم بالمودّة».
فإنّ
القرآن الكريم يؤكّد على إصلاح
العلاقات بين المسلمين حتى لو بلغ بهم الحال حدّ التقاتل، بل الآيتان الأخيرتان تدلّان على مطلوبية مطلق الإصلاح، حتى لو كانا بين غير المسلمين بمقتضى كلمة (الناس) الواردة فيهما. وفي هذا
قمّة الدعوة لإصلاح المجتمعات و
ردم الهوّة بين الناس و
إحلال الالفة في
القلوب .
۱- ففي
خطبة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم : «ومن مشى في صلح بين اثنين صلّى عليه
ملائكة اللَّه حتى يرجع، واعطي
ثواب ليلة القدر ، ومن مشى في
قطيعة بين اثنين كان عليه من
الوزر بقدر ما لمن أصلح بين اثنين من
الأجر ، مكتوب عليه
لعنة اللَّه حتى يدخل
جهنّم فيضاعف له
العذاب ».
۲- وفي وصيّة
الإمام علي عليه السلام مخاطباً ولديه
الحسن و
الحسين عليهما السلام : «اوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى اللَّه، ونظم أمركم، وصلاح ذات
بينكم، فإنّي سمعت جدّكما صلى الله عليه وآله وسلم يقول: صلاح ذات البين
أفضل من عامّة
الصلاة و
الصيام ».
(نعم، فسّرها الشيخ الطوسي بصلاة التطوّع وصيامه.)
۳- وفي رواية
أبي حمزة الثمالي عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال: «كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: لأن اصلح بين اثنين أحبّ إليّ من أن أتصدّق بدينارين».
۴- وفي حديث
حبيب الأحول قال: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: «صدقة يحبّها اللَّه إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا، وتقارب بينهم إذا تباعدوا».
وهناك روايات كثيرة اخرى في هذا
المجال تطلب في باب (الإصلاح بين الناس) من كتابي
الكافي و
بحار الأنوار .
يستحبّ
بذل المال فيما يستحبّ فيه الإصلاح إذا توقّف عليه؛ لرواية
المفضّل قال: قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «إذا رأيت بين اثنين من
شيعتنا منازعة فافتدها من مالي».
ورواية
أبي حنيفة سائق الحاجّ، قال: مرّ بنا المفضّل وأنا وختني نتشاجر في
ميراث ، فوقف علينا ساعة، ثمّ قال لنا: تعالوا إلى
المنزل ، فأتيناه فأصلح بيننا بأربعمئة
درهم ، فدفعها إلينا من عنده حتى إذا استوثق كلّ واحدٍ منّا من صاحبه قال: أما إنّها ليست من مالي، ولكن أبو عبد اللَّه عليه السلام أمرني إذا تنازع رجلان من أصحابنا في شيء أن أصلح بينهما وأفتديهما من ماله، فهذا من مال أبي عبد اللَّه عليه السلام.
نعم، لم يصرّح الفقهاء بحكم الإصلاح لو استلزم
لحوق الضرر على المصلح بين اثنين أو جماعتين في غير ما لو طرأ عنوان ثانوي أو جرى
قانون التزاحم .
الغارمون صنفان: أحدهما: من استدان في مصلحته ونفقته في غير
معصية ، وعجز عن أدائه وكان فقيراً فإنّه يأخذ من
سهم الغارمين ليؤدّي ذلك، وادّعي
الإجماع عليه.
الثاني: من تحمّل
حمالة لإطفاء الفتنة ، وسكون نائرة
الحرب بين المتقاتلين وإصلاح ذات البين، وهو قسمان:
أحدهما: أن يكون قد وقع بين طائفتين فتنة لقتل وُجد بينهما، فيتحمّل رجل
ديته لإصلاح ذات البين، فهذا يدفع إليه من
الصدقة ليؤدّي ذلك؛ لقوله تعالى:
«وَالغَارِمِينَ».
ثانيهما: أن يكون سبب الفتنة
إتلاف مال ولا يعلم من أتلفه وخشي من الفتنة، فتحمّل ذلك المال حتى سكنت النائرة، فإنّه يدفع إليه من سهم الغارمين؛ لصدق
اسم
الغرم عليه، وللحاجة إلى إصلاح ذات البين.
واختلف الفقهاء في إعطاء
الزكاة لهذا
الصنف من الغارمين إن كان غنيّاً، فقد ذهب بعضهم إلى الجواز،
وذهب آخر إلى عدمه.
وأشكل فيه ثالث.
للفقهاء بحث كلّي عام في تحمّل الضرر لدفعه عن الغير، ويمكن لذاك البحث أن يطبّق على تقدير أن يكون في عدم الإصلاح ضررٌ لاحق، وقد ذكروا هناك عدم وجوب ذلك.
جوّز الفقهاء
الكذب للإصلاح بين المتخاصمين،
بلا فرق بين أن يكون
الخصام من الجانبين أو من جانب واحد، وكذا بلا فرق بين أن يكون المصلح أحد المتخاصمين أو غيرهما،
وصرّح بعض بعدم الخلاف
فيه، وقد استفاضت
الأخبار بجوازه عند
إرادة الإصلاح:
منها: رواية جعفر بن محمّد عن آبائه عليهم السلام في
وصيّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام وفيها: «يا علي إنّ اللَّه أحبّ الكذب في الصلاح، وأبغض
الصدق في
الفساد - إلى أن قال:- يا علي ثلاث يحسن فيهنّ الكذب: المكيدة في الحرب، وعدتك زوجتك، والإصلاح بين الناس».
ومنها: صحيحة
معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «المصلح ليس بكذّاب».
قال
المحقّق المجلسي في ذيل
الحديث الأخير: «أي إذا نقل المصلح كلاماً من أحد الجانبين إلى الآخر لم يقله وعلم رضاه به أو ذكر فعلًا لم يفعله للإصلاح، ليس من الكذب
المحرّم بل هو
حسن .
وقيل: إنّه لا يسمّى كذباً اصطلاحاً وإن كان كذباً لغة؛ لأنّ الكذب في
الشرع ما لا يطابق
الواقع ، ويذمّ قائله، وهذا لا يذمّ قائله شرعاً».
فوّض
الأئمّة عليهم السلام الحكم والإصلاح بين الناس إلى فقهاء شيعتهم في حال عدم تمكّنهم من تولّيه بأنفسهم، فمن تمكّن من إنفاذ حكم أو إصلاح بين الناس أو فصل بين المختلفين فليفعل ذلك، وله بذلك الأجر والثواب ما لم يخف في ذلك على نفسه ولا على أحدٍ من أهل
الإيمان ويأمن الضرر فيه، فإن خاف شيئاً من ذلك لم يجز له
التعرّض لذلك على حال.
الموسوعة الفقهية، ج۱۳، ص۳۴۳-۳۴۹.