الشقاق
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
فهو أن يكره كل منهما صاحبه؛ فإذا خشى الاستمرار بعث كل منهما حكما من أهله، ولو امتنع الزوجان بعثهما الحاكم، ويجوز أن يكونا أجنبيين؛ وبعثهما تحكيم لا توكيل، فيصلحان إن اتفقا، ولا يفرقان إلا مع
إذن الزوج في
الطلاق والمرأة في
البذل؛ ولو اختلف الحكمان لم يمض لهما حكم.
وأمّا الشقاق: فهو أن يكره كلّ منهما صاحبه سمّي به لكون كلّ منهما في شقّ غير شقّ الآخر.
فإذا خُشي الاستمرار على الشقاق. وإنّما قُدر الاستمرار في
الآية مع خلّوها عنه لما قيل من أنّ ظهور
النشوز منهما موجب لحصول الشقاق، فالمراد حينئذٍ: خوف استمراره
.
وفيه نظر؛ لتوقفه على كون مطلق
الكراهة بينهما شقاقاً، وليس؛ لاحتمال أن يكون تمام الكراهة بينهما، فيكون المراد: أنّه إذا حصلت كراهة كلّ منهما لصاحبه، وخفتم حصول الشقاق بينهما، فابعثوا؛ مع أنّه هو المتبادر منه عند
الإطلاق، والأولى من الإضمار على تقدير مجازيّته.
نعم، على هذا التقدير يتردّد الأمر بين المجاز المزبور وبين التجوّز في
الخشية بحملها على العلم والمعرفة وإبقاء الشقاق على حقيقته، التي هي مطلق الكراهة.
وكيف كان، مع خشية ذلك بعث وجوباً، وفاقاً
للسرائر؛ عملاً بظاهر الأمر.
خلافاً
للتحرير، فاستحباباً
؛ للأصل، والتأمّل في دلالة الأمر على الوجوب؛ لكونه في الأُمور الدنيويّة.
وفيه نظر؛ لمنع كلّية
السند، سيّما فيما إذا توقّف الإصلاح عليه.
والمخاطب بالبعث كلّ منهما وفاقاً
للصدوقين؛ التفاتاً إلى ظواهر النصوص المستفيضة الدالّة على استئمار الحكمين الزوجين واشتراطهما عليهما قبول ما يحكمان به.
ففي
الموثق: أرأيت إن استأذن الحكمان فقالا للرجل والمرأة: أليس قد جعلتما أمركما إلينا في الإصلاح والتفريق
؟ ولو كان البعث من غيرهما لما كان لذلك وجه. مضافاً إلى صريح
الرضوي: «يختار الرجل رجلاً، وتختار المرأة رجلاً، ويجتمعان على فرقة»
.
خلافاً للماتن في
الشرائع والفاضل في
القواعد، بل الأكثر كما في
المسالك، فالحاكم
.
عملاً بظاهر الآية؛ بناءً على اختلاف ضميري المخاطب والزوجين بالحضور والغيبة فيها، وعلى الأول كان اللازم المساواة في الحضور وأن يقال: فابعثوا حكماً من أهلكما.
وللمرسل المحكيّ عن تفسير
عليّ بن إبراهيم: «أتى
عليّ بن أبي طالب (علیهالسّلام) رجل وامرأة على هذه الحال، فبعث حكماً من أهله وحكماً من أهلها»
ونحوه عن مجمع البيان
.
وهو أظهر إن صحّت
الشهرة، وإلاّ فالأول؛ لضعف المرسلَين، وعدم مكافأتهما لما مرّ. واحتمال الالتفات في الآية ومثله شائع، وتخرج النصوص شاهدة عليه.
ولمن شذّ، فأهلهما
.
وفيه بعد اندفاعه بما مضى ظهور الآية في خلافه قطعاً، فلا يلتفت إليه، وإن أشعر بعض الأخبار
به.
ويجب أن يكون المبعوث حَكَماً من أهله وأهلها، وفاقاً للسرائر
؛ عملاً بظاهر الآية، وليس على حملها على
الإرشاد أو الغالب دلالة ولا قرينة. وعلى تقديرها، فجواز البعث من غير
الأهل ومضيّ أحكام المبعوث منه عليهما يحتاج إلى دلالة، وهي مفقودة، فيجب الاقتصار فيما خالف
الأصل على مورد الآية.
فالقول بجواز الحَكَم من غير الأهل كما يأتي هنا، وفي الشرائع وعن المبسوط
والوسيلة ضعيف.
ولو امتنع الزوجان، بَعَثهما الحاكم ولا دليل عليه سوى الجمع بين الروايات المتضمنة لبعثه وبعثهما كما مضى، بحمل الأولة على صورة الامتناع، والثانية على العدم. ولا شاهد عليه.
وربما عُلِّل الحكم هنا بأنّ للحاكم
الولاية العامّة، فله البعث.
والأولى إجباره إيّاهما عليه حينئذ، وفاقاً
للإسكافي، إلاّ أنّه لم يقيّده بصورة الامتناع، بل قال: يأمرهما الحاكم بالبعث
، وأطلق.
ويجوز أن يكونا أي الحكمان أجنبيّين إمّا مطلقاً كما هو ظاهر المتن، وفاقاً منه لمن مضى أو مقيّداً بعدم الأهل، كما هو الأقوى.
لكن مع ذلك، ليس لهما حكم المبعوث من أهلهما من
إمضاء ما حكما عليهما؛ لمخالفته الأصل، فيقتصر فيه على مورد
النصّ، ويكون حكمهما حينئذٍ الاقتصار على ما أذن به الزوجان وفيه وكّلا.
وليس لهما من التحكيم الذي هو حكم الحكمين كما يأتي شيء جدّاً.
وفي حكم فقد الأهل توقّف
الإصلاح على الأجنبيّين.
وبَعثهما تحكيمٌ لا توكيل على الأظهر الأشهر، بل عليه
الإجماع عن ظاهر المبسوط وصريح السرائر
وفقه القرآن؛ لظاهر الآية المشتملة على لفظ الحَكَم ونسبة الإصلاح إليهما، وللنصوص الظاهرة في أنّ لهما الإصلاح بما يريانه من غير استئذان، وأنّ ليس لهما التفريق إلاّ بالإذن.
ففي الرضوي: «إن اجتمعا إلى إصلاح لم يحتج إلى مراجعة، وإن اجتمعا على الفرقة فلا بدّ لهما أن يستأمرا الزوج والزوجة»
وقريب منه
المعتبرة الأُخر الدالّة على اعتبار استئمارهما في الفراق لا مطلقاً
.
خلافاً لمن شذّ، فتوكيل
؛ التفاتاً إلى بلوغ الزوجين ورشدهما، فلا ولاية لغيرهما عليهما؛ مع عدم اشتراط الفقه فيهما إجماعاً، فلا حكم لهما؛ إذ لا حكم لغير
الفقيه اتّفاقاً.
وليس في شيء ممّا ذكر
حجّة في مقابلة ما مضى من الأدلّة كما ترى؛ مع أنّ المحكي عن القائل به الرجوع عنه معلّلاً بما ذكرنا
، فلا خلاف فيما ذكرنا.
فيصلحان أي الحكمان إن اتّفقا من غير معاودة إلى الباعث مطلقاً، ويمضي عليهما ما حكما، من غير خلاف يظهر حتى من القائل بالتوكيل؛ ولعلّه لرجوعه عنه، وإلاّ فيأتي عليه لزوم الاستئذان ولو ابتداءً على جهة العموم.
ولا يفرّقان إلاّ مع
إذن الزوج في
الطلاق والمرأة في
البذل في المشهور، بل قيل: بلا خلاف
.
للأصل، مع اختصاص الأدلّة من
الكتاب والسنّة بغير الطلاق.
والنبويّ: «الطلاق بيد من أخذ بالساق»
.
والمعتبرة المستفيضة، منها
الصحيح: «ليس للحكمين أن يفرّقا حتى يستأمرا»
ونحوه
الحسن، والرضوي المتقدّم، وغيره
.
ولو اختلف الحَكَمان، لم يمض لهما عليهما حكم بلا إشكال؛ للأصل، واختصاص الأدلّة باتّفاقهما، مع
استحالة الترجيح من غير مرجّح، وهو واضح والحمد لله.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۲، ص۹۷-۱۰۲.