الراهن
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو الذي رهن مالا أو شيئا كي تصرف المرتهن فيها.
(الثالث : في) بيان (الراهن).
(ويشترط فيه كمال
العقل ) بالبلوغ والرشد (وجواز التصرف) برفع الحجر عنه في التصرفات المالية كما في سائر العقود.
(وللولي أن يرهن لمصلحة المولّى عليه) ماله، كما إذا افتقر إلى
الاستدانة لنفقته أو
إصلاح ماله ولم يكن بيع شيء من ماله أعود، أو لم يمكن وتوقّفت على
الرهن ، ويجب كونه على يد ثقة يجوز إيداعه منه.
ولا خلاف في أصل الحكم، بل عليه الوفاق في
المسالك ،
وإنما الخلاف لبعض الشافعية كما فيه.وكذا يجوز بل ربما قيل يجب أخذ الرهن له، كما إذا أسلف ماله مع ظهور الغبطة، أو خيف على ماله من غرق أو حرق أو نهب.
ويعتبر كون الرهن مساوياً للحق أو أزيد؛ ليمكن
الاستيفاء منه، وكونه بيد الولي أو يد عدل، ليتمّ التوثّق،
والإشهاد على الحق لمن يثبت به عند الحاجة إليه عادةً، فلو أخلّ ببعض هذه ضمن مع
الإمكان ، كما قالوه، ولا ريب أن فيه
احتياطاً لمال اليتيم المبني جواز التصرف فيه عندهم على المصلحة والغبطة، فضلاً عن عدم دخول نقص عليه.
(وليس للراهن التصرف في الرهن) ببيع أو وقف أو نحوهما مما يوجب
إزالة الملك، ولا (
بإجارة ولا سكنى) ولا غيرهما مما يوجب نقصه، بلا خلاف فيهما؛ لما في الأوّل من فوات الرهن، وفي الثاني من دخول الضرر على المرتهن. وأما غيرهما مما لا يوجب الأمرين فكذلك على الأشهر الأقوى؛ لإطلاق المروي في المختلف وغيره عنه عليه السلام : «الراهن
والمرتهن ممنوعان من التصرف في الرهن».
وللإجماع المحكي عن الطوسي في
استخدام العبد وركوب الدابة وزراعة الأرض وسكنى الدار،
وعن الحلّي مطلقاً.
خلافاً للمحكي عن محتمل التذكرة،
وتبعه من متأخّري المتأخّرين جماعة،
مستندين إلى
الأصل ، وعموم الخبر
بإثبات التسلط لأرباب الأموال عليها مطلقاً.
وخصوص الصحيحين الواردين في تجويز وطء الأمة المرهونة، في أحدهما : رجل رهن جارية عند قوم، أيحلّ له أن يطأها؟ قال : «إن الذين ارتهنوها يحولون بينه وبينها» قلت : أرأيت إن قدر عليها خالياً؟ قال : «نعم، لا أرى عليه هذا حراماً»
ونحوه الثاني.
ولا يخلو عن قوة لولا الرواية المتقدمة، والإجماعات المحكية المتقدمة بعضها والآتي باقيها، المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً، بل لعلّها إجماع في الحقيقة، لعدم معلومية الخلاف حتى عن التذكرة، كما اعترف به بعض هؤلاء الجماعة،
بل ظاهر عبارته المحكية عدم الخلاف في المنع بين
الإمامية ، حيث نسبه إلى الشافعية خاصة، ولم ينسبه إلى أحد منّا، نعم أيّد مذهبهم، لكن بعبارات ليست في الفتوى بالجواز صريحة، بل ولا ظاهرة.
وأمّا هؤلاء الجماعة فلا ينافي مخالفتهم الإجماع، سيّما وإنّ دأبهم المناقشة في كثير من الموارد الإجماعية، ولا يبالون بالإجماعات المحكية، معتضدةً بالشهرة بل وعدم الخلاف كانت أم غير معتضدة، فيخصّص بالإجماع الدليلان الأوّلان.
(و) يذبّ عن الخبرين به وبالإجماع المحكي عن صريح
المبسوط والخلاف
على أنه (لا) يجوز (وطء) الأمة المرهونة، المعتضدين ببعض الوجوه الاعتبارية، المشار إليه بقوله : (لأنه تعريض
للإبطال ) في الرهن
بالاستيلاد المانع عن
البيع ، بل ربما حصل معه الموت بسبب الوضع في بعض الأحيان.
مضافاً إلى الإجماع الظاهر من قول الماتن : (وفيه رواية بالجواز مهجورة) ونحوه قول الشهيد في الدروس،
فاستفاض الإجماع على المنع عن وطئها عموماً في بعض وخصوصاً في آخر، فلا يقاومه الخبران وإن صحّ سندهما، بل وإن اعتضدا بأحاديث أُخر غيرهما، فقد ورد عنهم :
الأمر بطرح الخبر الشاذّ الذي لم يوجد له عامل، والأمر بالأخذ بالمشتهر بين الأصحاب،
معلّلاً بعلّة اعتبارية قاطعة عامة تجري في الفتوى والرواية. وبها يذبّ عن المناقشة فيه
بالاختصاص بالأخيرة؛ لكونها مورد ما دلّت عليه الرواية الآمرة، هذا.
مع احتمالها الحمل على التقية، كما يستشعر من التذكرة وعبارة الشيخ المحكية،
حيث عزيا القول بالجواز إلى الشافعية كما في الأُولى، أو مطلقاً كما في الثانية.
ولعلّ وجه الحكمة في المنع عن التصرّفات بالكلّية وإن لم تكن ناقلة ولا منقصة ما ذكره بعض الأصحاب
: من القصد إلى تحريك الراهن إلى
الأداء ؛ إذ لو جاز له
الانتفاع ولو في الجملة لانتفت الفائدة في الرهانة والوثيقة، فقد يكتفي ببعض المنافع ويقتصر به عن الباقي.ومثله وإن لم يصلح دليلاً، إلاّ أنه قابل للتأييد القوي جدّاً.
وبما ذكر يظهر الجواب عن مختار المسالك والمهذّب
والصيمري : من جواز التصرف بما يعود به النفع إلى المرتهن، كمداواة المريض، ورعي الحيوان، وتأبير النخل، وختن العبد، وخفض الجارية، إن لم يؤدّ إلى النقص، إلاّ أن يقال بحصول
الإذن بذلك بالفحوى، ولكنه حينئذ خروج عن المفروض جدّاً، لأنه التصرف الذي لم يتحقق فيه إذن أصلاً.
(و) حيث ثبت المنع لو خالف وتصرّف بدون الإذن، فإن كان بعقد كما (لو باعه الراهن) مثلاً بدونه صحّ وإن أثم، ولكن (وقف على إجازة المرتهن) فإن حصلت، وإلاّ بطل؛ استناداً فيه إلى ما مرّ، وفي الصحة إلى عموم أدلّة الفضولي، أو فحواها إن اختصّت
بإجازة المالك.
وإن كان بانتفاع منه أو ممن سلّطه عليه ولو بعقد لم يصحّ، وفعل محرّماً؛ لما مضى.
(وفي وقوف
العتق على إجازة المرتهن) أم بطلانه من رأس (تردد). للمنع كما عن المبسوط
كون العتق
إيقاعاً فلا يتوقف؛ لاعتبار
التنجيز فيه. وللجواز عموم أدلّة العتق السليمة عن المعارض، بناءً على أن المانع هنا حق المرتهن، وقد زال بالإجازة بمقتضى الفرض.
(أشبهه الجواز) والصحّة مع الإجازة، وفاقاً للنهاية والتحرير،
وبه أفتى الماتن في الشرائع والصيمري في الشرح، وتبعهم الشهيدان؛
لمنع منافاة التوقف المذكور للتنجيز كغيره من العقود التي يشترط ذلك فيها أيضاً، فإنّ التوقف الممنوع منه هو توقف المقتضي على شرط لا على زوال مانع، وعلى هذا لو لم يبطله المرتهن إلى أن افتكّ الرهن لزم.وهو حسن مع حصول نية التقرب، وهو مع النهي عنه واشتراطه بالقربة لا يخلو عن التأمّل.
مضافاً إلى
الأصل ، وعدم عموم في أدلّة لزوم العتق يشمل محل النزاع، وإن كان الأحوط ذلك، بمعنى عدم تملّكه مثل هذا العبد وعتقه في ثاني الحال.إلاّ أنه يمكن الذبّ عن الأوّل بأن متعلّق النهي هو التصرف، وليس بمعلوم عدّ مثل
إجراء صيغة العتق بمجرّده منه، ولعلّه لذا إن الشيخ مع دعواه
الإجماع المتقدم تزويج العبد المرهون في الخلاف والمبسوط،
مشترطاً فيه عدم التسليم إلاّ بعد الفكّ، ومال إليه الفاضل في المختلف بعد أن ردّه،
وفاقاً لموضع آخر من المبسوط
قد منع فيه عن التزويج على
الإطلاق ، مستنداً إلى إطلاق ما مرّ من الخبر .
فما ذكره الأكثر من الجواز، هو الوجه مع تحقق العموم، كما هو ظاهر الفريقين، حيث لم يتعرّضوا لمنعه، بل ظاهرهم
الإطباق على وجوده، وإنما علّل المانع المنع بما مرّ لا بمنعه، وهو ظاهر في إجماعهم على وجوده.
رياض المسائل، ج۹، ص۲۰۹-۲۱۴.