سجدة السهو
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هما
سجدتان يأتي المصلي بهما لجبران ما كان في الصلاة من الخلل بزيادة أو نقصان أو شك. فإن سهى في الصلاة فزاد أو أنقص في عدد الركعات، أو نسي أحد واجبات الصلاة من غير أركانها، أو عند
الشك ، فيجب عليه أن يسجد سجود السهو.
•
هل تجب سجدتا السهو لكل زيادة ونقصان؟، (و) هل تجب سجدتا السهو في غير ما ذكر في مقالة مواضع وجوب سجدتي السهو ؟
وكذا في الموضع الثاني أيضا؛ لدلالة جملة من المعتبرة عليه، وفيها الصحيح والموثق وغيرهما،
وإن كان العدم هنا أيضا أقوى؛ لمعارضة الصحيح والموثق بمثلهما المتقدم
الدال على عدم الوجوب هنا مفهوما بل منطوقا أيضا.
مع أنهما ـ كغير هما ـ معارضان بالصحاح المستفيضة وغيرهما من المعتبرة الواردة في
نسيان السجدة الواحدة والتشهد قبل تجاوز المحل وبعده،
الدالة على عدم الوجوب بنحو من التقريب المتقدم في المستفيضة السابقة. وتخصيصها بهذه المعتبرة وإن أمكن إلاّ أنه يمكن حمل هذه المعتبرة على
التقية ؛ لكونها موافقة لمذهب
الشافعي وأبي حنيفة كما صرّح به في
المنتهى .
ومع ذلك قد عرفت معارضتها بمثلها من المعتبرة. وهي أولى بالترجيح؛ للأصل، ومخالفة العامة، وموافقة ظواهر تلك الصحاح المستفيضة. ولكن
الاحتياط قد عرفته.
وعن
الصدوق القول بوجوبهما للشك بين الثلاث والأربع إذا توهّم الرابعة؛
للصحيحين
وغيرهما.
وفي
الدروس إنه نادر.
ولعلّه كذلك، فينبغي حمل النصوص على
الاستحباب ، مع ضعف ما عدا الصحيح منها سندا ودلالة، مع إشعاره بوروده تقية. والصحيح منها لا يعارض النصوص الواردة بالبناء على المظنون خصوصا وعموما من غير إشارة فيها إلى وجوبهما أصلا مع ورودها في بيان الحاجة. وهي بالترجيح أولى؛ لاعتضادها بالأصل
والشهرة العظيمة بين أصحابنا بحيث كاد أن يكون
إجماعا ، ولكن فعلهما لعلّه أحوط وأولى.
(وهما) أي السجدتان (بعد
التسليم ) مطلقا (على الأشهر) الأقوى، بل عليه عامة متأخري أصحابنا، وفي صريح
الناصرية والخلاف
والأمالي أن عليه إجماعنا،
والصحاح به مع ذلك مستفيضة.
وقيل : إن كانتا للنقصان فقبل وإلاّ فبعد؛
للصحيح.
وحمل على التقية،
ويعضده مصير
الإسكافي إليه، حكاه عنه جماعة
وإن أنكره في
الذكرى ، لأن عبارته المنقولة ظاهرة فيما نقلوه عنه وإن لم تكن فيه صريحة، هذا، وقال بعد الإنكار : نعم هو مذهب
أبي حنيفة .
وهو أيضا من المعاضدات القوية إلاّ أنّ المنسوب إليه في المعتبر والمنتهى هو الموافقة لأصحابنا،
وكيف كان فلا ريب في ضعف هذا القول.
وأضعف منه القول المحكي في
الشرائع أنهما قبل التسليم مطلقا؛
لضعف ما دلّ عليه من الأخبار
سندا ومكافاة ـ كالصحيح المتقدم ـ لما تقدّم من وجوه شتّى. وحمل هذا على التقية أيضا،
ولا بأس به جمعا بين الأدلة.
ويجب (عقيبهما تشهد خفيف وتسليم) على الأشهر الأقوى، وفي ظاهر
المعتبر والمنتهى أنّ عليهما إجماعنا؛
وهو الحجة.
مضافا إلى المعتبرة المستفيضة في الأول، منها الصحيح : «واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة تتشهد فيهما تشهدا خفيفا».
ونحوه المعتبران الواردان فيمن لا يدري كم صلّى أنه يبني على الجزم ويسجد سجدتي السهو ويتشهد تشهدا خفيفا،
فتأمل.
وبها يقيّد ما أطلق فيه التشهد من المعتبرين الواردين في ناسي التشهد.
والصحيح في الثاني الوارد فيمن صلّى أربعا أو خمسا، وفيه : «فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثمَّ سلّم بعد هما».
خلافا للمختلف فلا يجبان؛
للأصل، والموثق : عن سجدتي السهو هل فيهما تسبيح أو تكبير؟ فقال : «لا، إنما هما سجدتان فقط، فإن كان الذي سها الإمام كبّر إذا سجد وإذا رفع رأسه ليعلم من خلفه أنه قد سها، وليس عليه أن يسبح فيهما ولا فيهما تشهد بعد السجدتين».
وهو نصّ في نفي
التشهد ، ولا قائل بالفرق بينه وبين نفي التسليم، مع استفادته من الحصر في الصدر.
ويضعف الأصل بما مر، ويضعف عن مقاومته الموثق.
ولو لا الشهرة العظيمة المعتضدة بظواهر
الإجماعات المحكية لكان ترجيح الموثقة لا يخلو عن قوة؛ لاعتبار سندها، وصراحتها، واعتضادها بالنصوص الواردة بالأمر بالسجدتين من غير إيجاب لشيء بعدهما مع ورودها في بيان الحاجة ظاهرا؛ مضافا إلى مخالفتها لما عليه أكثر
العامة العمياء ومنهم أصحاب الرأي وهم أصحاب أبي حنيفة كما صرّح به في
المنتهى .
وبموجب ذلك ينبغي حمل الصحيحين وما في معناهما على التقية، ويحتمل الاستحباب على بعد، لكن لا ينبغي من حيث الشهرة تركهما على حال.
وصريح الموثقة كظاهر العبارة وغيرها عدم وجوب شيء آخر. وهو الأقوى؛ للأصل أيضا، فلا يجب التكبير لهما كما هو المشهور. خلافا
للمبسوط فأمر به،
ولا دليل على الوجوب إن أراده، والاستحباب لا بأس به.
(ولا ذكر فيهما) {في المختصر المطبوع : ولا يجب فيهما ذكر. } كما عليه الفاضلان في المعتبر
والمختلف والمنتهى،
وقوّاه جماعة من متأخري متأخرينا.
خلافا للأكثر فأوجبوه (و) عينوا ما (في رواية
الحلبي ) الصحيحة (أنه سمع
أبا عبد الله عليه السلام يقول فيهما : «بسم الله وبالله وصلّى الله على محمد وآله»).
وفي بعض النسخ : «اللهم صلّ».. إلى آخره.
وسمعه مرة أخرى يقول : «بسم الله وبالله، السلام عليك أيها
النبي ورحمة الله وبركاته».
وفي بعض النسخ بإضافة الواو قبل السلام. والكل حسن كما صرّح به جمع.
(و) استضعفها الماتن أولا : بأن (الحقّ رفع منصب الإمامة عن السهو في
العبادة ) بل مطلقا، بناء على فهمه منها أنه عليه السلام سها فقال ما ذكر فيهما. وثانيا : باحتمال كون ما قاله على وجه الجواز لا اللزوم (۲).
ويضعّف الأول : بجواز كون المراد بقوله فيهما على وجه
الإفتاء لا أنه سها. والثاني : بأن اللزوم هو المتبادر، كما هو الحال في سائر الجمل الاسمية أو الفعلية المنساقة في سياق الطلب.
نعم، يمكن حمله على الاستحباب جمعا بينه وبين ما مرّ من الموثق المعتضد بالأصل وإطلاق كثير من النصوص، لكن الأحوط، بل اللازم عدم الترك.
ويجب فيهما ـ مضافا إلى ما مرّ ـ
النية ؛ لأنها عبادة. ورفع الرأس بينهما، بل والجلوس بينهما مطمئنا تحقيقا للتثنية المتبادرة من الفتوى والرواية. والسجود على الأعضاء السبعة، ووضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه، والطهارة،
والستر ، واستقبال القبلة.
كل ذلك احتياطا للعبادة، وتحصيلا
للبراءة اليقينية، وأخذا بما هو المتبادر من سياق الأخبار الموجبة لهما في صورهما المتقدمة، مع أنه لا خلاف أجده في اعتبار النية وكثير ممّا بعدها.
والمراد بالسلام ما يخرج به عن الصلاة من إحدى الصيغتين المشهورتين، دون السلام عليك أيها النبي.
خلافا
للحلبي فينصرف به،
ولم أقف على مستنده، والاقتصار على المتبادر من النصوص مقتض لتعين ما ذكرنا وتحتمه. والله سبحانه هو العالم بحقائق أحكامه.
رياض المسائل، ج۴، ص۱۶۶-۱۷۵.