الإجازة في الآثار التكليفية السابقة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهي الآثار المترتبة في تصحيح الآثار التكليفية السابقة.
يظهر من تتبع كلمات الفقهاء في الفروع المختلفة أنّ
الإجازة اللّاحقة لا تصحّح
الآثار التكليفية السابقة، كما أشاروا إليه في مسألة وطء المشتري للجارية التي بيعت فضولًا.
قال
الشيخ الأنصاري : «إنّ الوطء على الكشف الحقيقي حرام ظاهراً لأصالة عدم الإجازة، حلال واقعاً»،
وأشار
السيد الحكيم إلى أنّه على الكشف الانقلابي والحكمي والنقل لا يجوز التصرف لعدم انتقاله حينئذٍ فيكون تصرفاً في مال الغير.
وقال
السيد الخوئي : «والذي ينبغي أن يقال: أنّه على الكشف الحقيقي بالمعنى الذي نقول (أي الكشف عن تحقّق الاعتبار الذي عقده الفضوليان) عدم تحقّق
الاستيلاد بوطء المشتري قبل الإجازة، كما أنّ الوطء كان محرّماً».
وكذلك ما ذكره
المحقق اليزدي في مسألة تصرف
الأصيل فيما
انتقل إليه بناء على الكشف الحكمي حيث قال: «فإنّ التصرّف السابق من الأصيل يكون محرماً ولا يمكن قلبه بعد الإجازة».
ج- هل إجازة العقد إجازة للقبض ؟ ذهب أغلب الفقهاء إلى أنّ إجازة العقد ليست إجازة لقبض الثمن ولا
لإقباض المثمن، عدا الشيخ الطوسي قال في النهاية: «متى
أمضى المغصوب منه
البيع لم يكن له بعد ذلك درك على المبتاع، وكان له الرجوع على الغاصب بما قبضه من الثمن فيه»،
وقد فهم منها العلّامة في المختلف أنّ إجازة العقد عند الشيخ إجازة في القبض، وأشكل عليه وقال: «إنّ إمضاء البيع لا يوجب الإجازة في قبض الثمن، فحينئذ للمالك مطالبة المشتري بالثمن، سواء كان قد دفعه إلى الغاصب أو لا، نعم لو أجاز القبض كان ما قاله الشيخ جيداً».
وذكر
الفاضل المقداد في التنقيح: «واشترط العلّامة إجازة القبض وهو حسن إن كان الثمن في الذمّة، أمّا لو كان البيع بالعين الحاضرة فاجازة البيع إجازة للقبض».
وقال
المحقق النجفي في
الجواهر : «إنّ إجازة العقد ليس إجازة للقبض، من غير فرق في الثمن بين كونه عيناً أو ديناً، خلافاً للمحكي عن الشيخ فجعل إجازته إجازة للقبض، ولا ريب في ضعفه، فلا يتشخص الدين مثلًا بقبض الفضولي ولا يجري عليه حكم القبض الصحيح في العين إلّا بإجازة مستقلة لذلك».
ووافقه
الشيخ الأنصاري في المكاسب ثمّ قال: «فلو كان إجازة العقد دون القبض لغواً- كما في الصرف والسلم بعد قبض الفضولي والتفرّق- كان إجازة العقد إجازة للقبض، صوناً للإجازة عن اللغوية».
وعلّق عليه المحقق النائيني بقوله: «بل يمكن أن يقال باختصاص ذلك بباب الصرف والسلم؛ فإنّ حكم القبض فيهما حكم
الايجاب والقبول».
تعرّض بعض متأخّري فقهائنا لحكم الردّ ورجوع المالك بعد إجازته للعقد الفضولي، وحكموا بعدم جوازه وبطلانه، قال الشيخ الأنصاري في
المكاسب : «لا إشكال في أنّه لا ينفع الردّ بعد الإجازة وهو واضح».
وقال المحقق اليزدي في
العروة : «لا يجوز الردّ بعد الإجازة، فمعها يلزم العقد».
وقد ادّعى السيد الحكيم في مستمسكه
الإجماع حيث قال: «إجماعاً؛ لصحة العقد بالإجازة، ولا دليل على بطلانه بالردّ».
وقال
السيد الخوئي : «بلا خلاف فيه بينهم، فإنّ العقد بالإجازة ينتسب إلى المجيز حقيقة، ومن هنا تشمله أدلّة لزوم العقد، فيحتاج فسخه بعد ذلك إلى الدليل»
وجزم في المنهاج
بأنّ الردّ بعد الإجازة لا
أثر له.
إلّا أنّ
المحقق الاصفهاني وتعليقاً على قول الشيخ الأنصاري (لا ينفع الردّ بعد الإجازة) قال: «هذا إذا كانت الإجازة متممة العلة بأي معنى كانت، وأمّا إذا كانت هناك حالة منتظرة للتأثير- كما إذا كانت المعاملة على النقدين المشروطة بالقبض- فللردّ مجال كشفاً ونقلًا. نعم، إذا كانت الإجازة إسقاطاً للحق فالساقط لا يعود بالرجوع، وهو مقتضى كلام من يجعل نفس الإجازة رفعاً للمانع لا إذناً في رفع المانع».
وأمّا ردّ الوارث بعد إجازته لما زاد عن الثلث من الوصية، فالمشهور
عند الأصحاب إنّ إجازة الوارث مؤثرة متى وقعت بعد الوصية، سواء كان في حياة الموصي أم بعد وفاته، قال
الشيخ الطوسي : «فإن وصّى بأكثر من الثلث ورضي به الورثة لم يكن لهم بعد ذلك
امتناع من انفاذها لا في حال حياته ولا بعد وفاته».
وقال بعض الفقهاء منهم
الشيخ المفيد وسلّار
وابن إدريس
أنّ
الإجازة لا تصح ولا تؤثر إلّا بعد وفاة الموصي.
وبناء عليه فصّلوا القول في مسألة الرد بعد الإجازة حيث حكموا بجواز الرجوع عن الإجازة إذا كانت في حياة الموصي، وعدم جوازه إذا كان
الإمضاء بعد موت الموصي، قال
المحقق الحلّي : «إجازة الوارث تعتبر بعد الوفاة، وهل تصح قبل الوفاة؟ فيه قولان، أشهرهما أنّها تلزم الوارث».
واستدل
الشهيد الثاني في
المسالك على المشهور بصحيحة منصور بن حازم وحسنة محمّد بن مسلم: «عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام في رجل أوصى بوصية وورثته شهود فأجازوا ذلك، فلما مات الرجل نقضوا الوصية، هل لهم أن يردّوا ما أقرّوا به؟ قال: ليس لهم ذلك، الوصية جائزة عليهم إذا أقرّوا بها في حياته».
وقال: «ويؤيده عموم الأدلّة الدالّة على وجوب امضاء الوصية، وكون
الإرث بعدها، خرج منه ما إذا لم يجز الوارث مطلقاً فيبقى الباقي؛ ولأنّ المنع من نفوذ الزائد عن الثلث إنّما هو لحق الورثة، وهو متحقّق في حال الحياة، فإذا أجازوا فقد
أسقطوا حقهم...».
الموسوعة الفقهية، ج۵، ص۹۷-۱۰۰