الإلحاق
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو ضم أو
إتباع شيء بشيء آخر.
اتّباع شيء بشيء آخر،
يقال: ألحقت فلاناً بفلان، أي أتبعته إيّاه حتى لحقه، ومن ذلك إلحاق
الولد بأبيه .
واستعمل في
الفقه في نفس معناه اللغوي.
ويراد بها ما يلحق الشيء ويسير في
أثره .
وربما يمكن أن يفرّق بينها وبين الإلحاق لغة، بأنّ التبعية إنّما تكون في الموارد التي يوجد بينها نوع علقة وارتباط بين شيئين، يدركها العقل أو العرف من دون حاجة إلى مؤونة زائدة في ذلك، كما في تبعية
الأبناء للآباء في الدين، بخلاف الإلحاق الذي يحتاج إلى إعمال مؤنة زائدة لإلحاق شيء بشيء وضمّه له.
والظاهر أنّ
الفقهاء لم يراعوا هذا الفرق في كلماتهم.
وهو- لغة- تقدير الشيء بمثله وقياسه به،
وفي
الاصول : هو إثبات مثل حكم المقيس عليه في المقيس.
والقياس الفقهي شكل من أشكال الإلحاق؛ لأنّه يجري فيه إلحاق فرع بفرع آخر أو تسرية حكمه؛ ولهذا يعبّر عنه أحياناً بإلحاق الفروع بالاصول أو إلحاق المسكوت بالمنطوق.
تحدّث الفقهاء عن الإلحاق في موارد متعدّدة، نذكر أهمّها إجمالًا فيما يلي:
هناك موارد عديدة في الفقه الحق فيها شيء بشيء آخر في الحكم وترتيب ما لأحدهما من حكم على الآخر.
وقد يندرج الطرفان تحت عنوان واحد أحياناً عند من يقول بالإلحاق، وإنّما يعبّر عنه بالإلحاق لوضوح الدليل في أحد الطرفين وعدمه في الآخر، فمن يقول به كأنّه يلحق الثاني بالأوّل.
ونشير إلى بعض موارد الإلحاق الحكمي فيما يلي:
ألحق الفقهاء
الفقّاع بالخمر في جميع أحكامه،
من قبيل وجوب غسل الإناء منه سبع مرّات،
وحرمة
الأكل على المائدة التي يشرب عليها الفقّاع،
وعدم جواز
الصلاة في الثوب الذي أصابه الفقّاع حتى يغسل، ووجوب تطهير البدن منه وإزالته عنه فيما لو أصابه،
كما أنّ شاربه يحدّ كحدّ شارب الخمر؛
للروايات الدالّة على كونه خمراً، كما في رواية
هشام بن الحكم أنّه سأل
أبا عبد الله عليه السلام عن الفقّاع، فقال: «لا تشربه؛ فإنّه خمر مجهول...».
والرواية ظاهرة في جعله منه حكماً وإنّما عبّر بالإلحاق لأنّهما حقيقتان مختلفتان عرفاً.
والتفصيل في محلّه.
يحرم استقبال القبلة واستدبارها حال
التخلّي ،
واحتمل شمول الحكم لحال
الاستنجاء أيضاً؛
لرواية عمّار عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: قلت له: الرجل يريد أن يستنجي، كيف يقعد؟ قال: «كما يقعد للغائط...».
ونوقش بأنّ دعوى ظهور الرواية في الإلحاق ممنوعة؛
إذ أنّها إنّما وردت لبيان الكيفية اللازمة في القعود، وأنّ كيفيته في الاستنجاء ككيفيته في التخلّي.
بالإضافة إلى ورودها ردّاً على فعل الجمهور في الاستنجاء.
هذا، وقيل بالإلحاق؛ عملًا بالاحتياط.
ألحق بعض الفقهاء جزء الحيوان بكلّه في نزح مقدّره،
فيما لو وقع جزء منه في البئر، كيده أو رجله، فإنّه يكون بحكم ما لو سقط كلّه؛ عملًا بالاحتياط الدالّ على المساواة، وبأصالة البراءة الدالّة على عدم الزيادة.
واحتمل بعضهم إلحاقه بما لا نصّ فيه، فيما إذا لم يجب فيه إلّاأقل ممّا ينزح للكلّ؛
لحصول المغايرة بين الجزء والكلّ.
وفصّل
صاحب المعالم بين ما إذا كان مقدّر الكلّ أقل من منزوح غير المنصوص اكتفي به للجزء؛ لأنّ الاجتزاء به في الكلّ يقتضي الاجتزاء به في الجزء بطريقٍ أولى، وبين ما إذا كان مقدّر الكلّ أزيد من مقدّر غير المنصوص فالمتّجه عدم وجوب نزح الزائد؛ للمغايرة بينهما المقتضية لعدم تناول الحكم المعلّق بأحدهما للآخر.
والتفصيل في محلّه.
اختلف الفقهاء في حكم عصير
الزبيب والتمر إذا غلى، فقيل بإلحاقه بالعصير العنبي في أحكامه؛
عملًا بمفهوم رواية
علي بن جعفر عن
أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن الزبيب، هل يصلح أن يطبخ حتى يخرج طعمه، ثمّ يؤخذ الماء فيطبخ حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه، ثمّ يرفع فيشرب منه السنة؟ فقال عليه السلام: «لا بأس به».
وهناك من قال بأنّه لا يلحق بحكم العصير العنبي؛ لخروجه عن مسمّى العنب مع كون الأدلّة ظاهرة في العصير العنبي، ولأصالة
الطهارة .
ولرواية
أبي بصير ، قال: كان
أبو عبد اللَّه عليه السلام يعجبه الزبيبة.
والتفصيل في محلّه.
ألحق بعض الفقهاء خشبة الأقطع بالرِّجل والنعل في التطهير بالمشي على الأرض،
بمعنى أنّه إذا مشى عليها الأقطع فإنّ الأرض تطهّرها بزوال عين النجاسة بالمشي.
والمستند في ذلك ما ورد في بعض الأخبار في المقام من التعليل ب: «أنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً»،
وكذلك القول بمساواتها للنعل أو القدم.
واستشكل بعضهم في ذلك،
واحتاط آخرون بالعدم،
واختار جماعة عدم إلحاق أسفل العصا وكعب الرمح.
ولعلّ ذلك لعدم شمول الأدلّة لذلك إلّا على ضرب من
القياس أو الظن غير المعتبر.
ألحق بعض الفقهاء
المجوس باليهود والنصارى في الحكم في بعض الموارد، من قبيل الجزية،
والديات؛
للأخبار الواردة في المقام، كخبر
علي بن دعبل عن
الإمام الرضا عن أبيه عن آبائه عليهم السلام «أنّ
النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: سنّوا بهم سنّة
أهل الكتاب ...».
وما روي عن
الإمام علي عليه السلام أنّه قال: «المجوس إنّما الحقوا باليهود والنصارى في الجزية والديات؛ لأنّه قد كان لهم فيما مضى كتاب».
والتفصيل في محلّه.
ألحق بعض الفقهاء
الخنثى المشكل بالمرأة في أغلب أحكامها لا في جميعها، من قبيل وجوب الستر عليه؛ عملًا بالاحتياط لإبراء الذمّة،
وإثبات ربع مال الوصية بشهادته،
وعدم وجوب
الجهاد عليه.
والتفصيل في محلّه.
ألحق الفقهاء المشاهد المشرّفة
بالمساجد في أغلب أحكامها، من قبيل حرمة تنجيسها، أو فعل ما يستوجب هتك حرمتها، كفعل المحرّمات فيها أو إقامة الحدود،
أو دخول
الجنب فيها؛ وذلك لأنّ روح المسجدية وحقيقتها، وهي شرافة المكان وكونه محلّاً للعبادة والتقرّب إلى اللَّه عزّوجلّ متحقّقة في المشاهد على نحو أتم.
بالإضافة إلى أنّ صيانتها من الهتك والإهانة من جملة مراتب تعظيم شعائر اللَّه المتيقّن وجوبها.
والتفصيل في محلّه.
ألحق بعض الفقهاء أسماء الأنبياء والأئمّة عليهم السلام- وأضاف بعضهم اسم
السيّدة الزهراء عليها السلام
- بلفظ الجلالة في حرمة مسّ المحدث لها؛
للإجماع عليه؛
ولمناسبته للتعظيم.
واعترض عليه بأنّ الإجماع منقول، كما أنّ مقتضى التعظيم هو استحباب ترك المسّ لا وجوبه، فإنّ للتعظيم مراتب عديدة ولا يستلزم الوجوب في جميعها.
نعم، لو استلزم مسّه لها الهتك حرم
هذا، وقيل بكراهة المسّ.
والتفصيل في محلّه.
ألحق بعض الفقهاء الدخان الغليظ وبخار القدور بالغبار في إفساده
للصوم .
واستحسنه البعض فيما لو كان لهما أجزاء تتعدّى إلى الحلق.
وأنكره بعض آخر؛
لرواية
عمرو بن سعيد عن
الإمام الرضا عليه السلام قال: سألته عن الصائم يتدخّن بعود أو بغير ذلك فتدخل الدخنة في حلقه؟ فقال عليه السلام: «جائز لا بأس به».
ألحق بعض الفقهاء قبور العلماء والأولياء بقبور الأئمّة عليهم السلام في بعض أحكامها، كجواز- بل رجحان- تعمير قبورهم وتجديد بنائها؛ تعظيماً لشعائر الإسلام، وتحصيلًا لكثير من المصالح الدينية.
تحدّث الفقهاء عن الإلحاق في النسب في نقاط متعدّدة، نوجز أهمّها فيما يلي:
ذكر الفقهاء عدّة شروط لإلحاق
الأولاد بالآباء نسباً،
وهي:
أ- وجود رابط أو مجوّز شرعي للعلاقة بين الرجل والمرأة.
ب- الدخول أو ما في حكمه ممّا يستلزم إمكان حمل المرأة من الرجل ويوجب الإلحاق.
ج- مضيّ أقلّ مدّة
الحمل ، وهي ستّة أشهر هلالية أو عددية،
أو ملفّقة
من حين الدخول، المعلوم من قوله سبحانه وتعالى: «وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً»،
مع قوله سبحانه: «وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ».
د- عدم تجاوز أقصى مدّة الحمل، وهي تسعة أشهر على ما هو المعروف؛ لقول
الإمام الباقر عليه السلام في خبر
عبد الرحمن بن سيابة : «أقصى مدّة الحمل تسعة أشهر...».
وعليه فإذا لم تتحقّق شرائط الإلحاق كلّاً أو بعضاً فلا يلحق الولد بأبيه حينئذٍ،
كما لو لم يحصل دخول أو غير ذلك.
ذكر الفقهاء عدّة
موارد ومصاديق لإلحاق الأولاد بالنسب، يجمعها ما يلي:
أ- حالة وجود رابط أو مجوّز شرعي، كالعقد بقسميه الدائم والمنقطع، أو الملك، أو
الوطء لشبهة؛ لأنّه كالصحيح في لزوم إلحاق المولود بالرجل مع تمامية باقي الشروط.
ولهذا كلّه ذكروا أنّ المولود من الزنا لا يلحق بالنسب في الإرث؛
لخبر محمّد بن الحسن القمّي، قال: كتب بعض أصحابنا على يدي إلى
أبي جعفر عليه السلام:
ما تقول في رجل فجر بامرأة فحبلت، ثمّ إنّه تزوّجها بعد الحمل، فجاءت بولد وهو أشبه خلق اللَّه به؟ فكتب عليه السلام بخطّه وخاتمه: «الولد لِغَيَّة لا يُورث»،
وللإجماع.
ب- الإقرار ببنوّة الصغير له يوجب إلحاقه به في النسب، بشرط إمكان بنوّته له، وجهالة نسب الصغير، وعدم وجود منازع له فيه.
ج- القرعة فيما إذا وطأ اثنان امرأة في طهر واحد، وكان وطأ يلحق به النسب، كما لو كان لشبهة، فيقرع بينهما، فمن خرج اسمه الحق المولود به.
وهذا المورد الثالث تتقلّص فرص تحقّقه في زماننا بناءً على القول بأنّ الفحوصات الجينية معتبرة ونافذة وحجة.
نعم، العمل بالقيافة لا يوجب الإلحاق بالنسب؛ لعدم اعتبارها عندنا.
ذكر بعض الفقهاء أنّ الشيء يلحق بالأعم الأغلب، ومقتضى ذلك أنّه إذا اشتبه الشيء المحصور بغير المحصور كان له حكم غير المحصور؛ إلحاقاً للشيء بالأعمّ الأغلب،
كما لو شككنا في عقد أنّه جائز أو لازم، فالظنّ به يلحقه بأغلب أفراده؛ إذ إنّ أغلب العقود لازمة وقليل منها جائز، ومع الظن يلحق بأغلب أفراده.
وقد استدلّ لهذه القاعدة بتتبّع موارد الاستعمال؛ فإنّه بتتبّعها يحصل ظن يلحق الشيء بالأعم الأغلب، والعقل يساعد على ذلك، كما العرف
والشرع .
وهذا البرهان مبني على حجّية مطلق الظن بناءً على الانسداد؛ لأنّه يجعل الإلحاق من الامور التي يفيدها الظن وهو حجّة، لكن لم يبيّن ما هي الأدلّة العقلية والشرعية على ذلك؟
وقد يستند إلى البناء العقلائي من حيث إنّ العقلاء يجرون هذه القاعدة في حياتهم في موارد الشكّ في بعض الأفراد المشكوكة.
ويناقش بأنّه أوّل الكلام، ولعلّه يكون من باب الاطمئنان لندرة وضآلة الاحتمال الآخر.
ولهذا اعترض على حجّية هذه القاعدة المدّعاة بأنّها من أفراد الظن غير الحجّة التي لا يمكن الوثوق بها،
بل أدون من
الاستقراء الناقص،
وحيث إنّ
الاستقراء الناقص ليس بحجّة، فالقاعدة المذكورة أولى بأن تكون كذلك؛ وذلك لأنّ الاستقراء الناقص عبارة عن تتبع أفراد الطبيعة بقدر الطاقة والتمكّن بحيث يحصل الظن من ذلك أنّ بقية الأفراد على هذا النسق أيضاً، وما نشكّ به من أفراد نلحقه بأغلب أفراد الطبيعة، وهذا القياس بما أنّه يفيد الظن فقط فلا يكون حجّة؛ فإنّ الظن لا يغني من الحقّ شيئاً، وقاعدة الإلحاق أدون منه؛ لأنّ جميع ما صودف من أفراد الطبيعة ليس على نسق واحد؛ لأنّ الفرض أنّها على قسمين، غاية الأمر أنّ قسماً منهما أقل من القسم الآخر، فلا يمكن تشكيل القياس هنا، والقول بأنّ كلّ أفراد الطبيعة كذلك حتى وهماً فضلًا عن الظن به؛ للعلم بأنّ قسماً منها جاء على غير النسق الذي عليه القسم الآخر.
هذا، ويظهر من بعض الاصوليّين عدم وجود فرق بين قاعدة الإلحاق وقاعدة الاستقراء الناقص، فحكمهما واحد.
الحق غير المنصوص بالمنصوص في الحكم في عدّة موارد، أهمّها:
۱- لو كان الحكم المنصوص ذا
علّة منصوصة قطعية فيلحق به غير المنصوص، كما في حرمة
الخمر للإسكار ، فإنّه علّة تامة وقطعية في حرمة الخمر، وفي كلّ مورد تتحقّق فيه هذه العلّة يلحق بحكم الخمر.
۲- واخرى يلحق غير المنصوص بحكم المنصوص لا من باب وجود علّة منصوصة، بل من باب الأولوية، كحرمة ضرب
الوالدين المستفاد من حرمة التأفّف في قوله تعالى: «فَلَا تَقُل لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا»،
فحرمة ضربهما تكون أولى من قول افّ لهما.
۳- وقد يلحق غير المنصوص بالمنصوص من باب تنقيح المناط القطعي أو إلغاء الخصوصية، كما لو فهم الفقيه من المورد الذي تتحدّث عنه الرواية مجرّد المثالية أو مجرّد بيان مصداق، بحيث ينقح المناط في المسألة، أو يرى أنّ العرف لا يفهم خصوصيةً للمورد الذي جاء في النص، فيقوم بتعميم الحكم ويلحق غير المنصوص بالمنصوص.
ففي مثل هذه الموارد يمكن الإلحاق دون ما إذا كان بطريق الظن غير المعتبر، مثل
القياس أو محض المشابهة أو العلّة
المستنبطة غير القطعية.
وتفصيل ذلك في
علم الاصول .
الموسوعة الفقهية، ج۱۶، ص۳۵۰-۳۵۹.