الفقاع
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الأطعمة والأشربة (توضيح).
وهو ما يتّخذ من الشعير حقيقة.
وهو ممّا الحق
بالخمر والمسكر من حيث الحكم، وأمّا إلحاقه بأحدهما حقيقة وموضوعاً ففيه كلام بين الفقهاء.
والبحث حول الفقّاع يقع في امور:
المراد بالفقّاع- كما هو ظاهر الفقهاء
-: ما يتّخذ من الشعير حقيقة، وعليه بعض أهل اللغة.
وقد يطلق على المتّخذ من غيره كما هو ظاهر جماعة آخرين.
وذكر
المحقّق الأردبيلي وغيره أنّ المرجع في تعيين المراد منه العرف واللغة، حيث إنّه لم يفسّر في الشرع، وادّعى عدم ثبوت وضع شرعي ولا لغوي فيه.
ويترتّب على القول بأنّه اسم لخصوص المتّخذ من الشعير لزوم الاقتصار في الحكم بالحرمة عليه، والحكم بالحلّ في المتّخذ من غيره، كما صرّح به
السيّد اليزدي ،
وأكّد عليه السيّد الخوئي،
حيث ذكر أنّه لا مناص معه من الاكتفاء بالمقدار المتيقّن كما في موارد دوران الأمر بين الأقل والأكثر؛ إذ المدار في الحرمة والنجاسة على ما يطلق عليه الفقّاع في عصر
الأئمّة عليهم السلام وبلدهم، وحيث إنّه مشكوك السعة والضيق يرجع في غير المورد المتيقّن إلى أصالة الطهارة والحلّ.
ثمّ وقع الكلام بين الفقهاء في أنّ الفقّاع
خمر حقيقة أم تنزيلًا؟
صرّح
المحقّق الحلّي بكونه كذلك، واستدلّ عليه بأنّ التسمية ثابتة شرعاً في النصوص، والتجوّز خلاف الأصل، فيكون حقيقة في المشترك.
وذكر بعضهم: أنّه يستكشف من قولهم عليهم السلام في النصوص: «هو (الفقّاع) خمر»
أنّه ليس خمراً حقيقة، أو أنّ الخمر منصرف عنه، وإلّا لم يحتج إلى حكم
الإمام عليه السلام بأنّه خمر في النصوص.
صرّح الفقهاء بحرمة الفقّاع قليله وكثيره كالخمر وغيره من المسكرات،
بل نفى بعضهم الخلاف فيه،
بل ادّعى بعضهم
الإجماع عليه،
وفي
الجواهر : «الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منه مستفيض أو متواتر أو قطعي».
نعم، نسب إلى
الجعفي حلّ بعض أنواع الفقّاع،
لكنّه نادر لا عبرة به،
مضافاً إلى منع تسمية ما وصفه فقّاعاً.
وتدلّ على الحرمة الأخبار المستفيضة
منها: ما رواه
محمّد بن سنان ، قال: سألت
أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الفقّاع؟
فقال: «هي الخمر بعينها».
ومنها: ما عن
هشام ، حيث سأل
أبا عبد اللَّه عليه السلام عن الفقّاع؟ فقال: «لا تشربه؛ فإنّه خمر مجهول».
ومنها: ما عن
الوشّاء ، قال: كتبت إليه- يعني
الرضا عليه السلام- أسأله عن الفقّاع؟
فكتب: «حرام، ومن شربه كان بمنزلة شارب الخمر...»، وقال عليه السلام: «هي خمرة استصغرها الناس».
واحتجّ
السيّد المرتضى على حرمته
بما روي عن
امّ حبيبة : أنّ اناساً من أهل
اليمن قدموا على
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: يا رسول اللَّه، إنّ لنا شراباً نغسله من القمح والشعير، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «الغبيراء؟» فقالوا: نعم، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «لا تطعموها».
واحتجّ
الفاضل المقداد
بما ورد من طرق الجمهور أيضاً عن ضمرة: أنّ الغبيراء التي نهى عنها رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم هي الفقّاع.
وأمّا ما روي من قوله عليه السلام: «أكره أن آكله إذا قطر في شيء من طعامي»،
فاجيب عنه
أوّلًا: بضعف السند.
وثانياً: بإمكان حملها على التحريم، ولو كان ظاهراً في الكراهة الاصطلاحية فكذلك لا مجال للأخذ به؛ لمعارضته النصوص والإجماعات.
وكذلك حملوا الكراهة على التحريم فيما رواه
محمّد بن إسماعيل إسماعيل ، قال: سألت
أبا الحسن عليه السلام عن شرب الفقّاع؟ فكرهه كراهة شديدة.
صرّح جماعة بعدم كون الفقّاع مسكراً منهم صاحب
كشف الغطاء حيث ذكر أنّه يوجب فتوراً لا يبلغ حدّ السكر،
بينما ذكر آخرون بأنّه مسكر، ففي الجواهر: «أنّ التدبّر فيه (
إطلاق النصوص) يقتضي كونه من المسكر ولو كثيره».
وذكر بعض آخر أنّ المستفاد من الأخبار أنّه من
الأشربة المسكرة، ولعلّه لذا عبّر عنه في بعضها
بالخمر المجهول.
واستظهر بعضهم من تعبير بعض الفقهاء: «الفقّاع حرام وإن لم يسكر»
كونه على قسمين: مسكر، وغير مسكر ليس من طبعه الإسكار.
صرّح جماعة من الفقهاء بعدم اعتبار الإسكار في الفقّاع،
ونسب ذلك إلى ظاهر الأصحاب تارة،
وإلى ظاهر النصوص ومعاقد
الإجماع اخرى.
واستدلّ عليه بإطلاق الأدلّة، وترك الاستفصال؛ لأنّ
النبي صلى الله عليه وآله وسلم حكم بالتحريم من دون استفصال في أنّه مسكر أم لا،
مع أنّه صلى الله عليه وآله وسلم استفصل عند بيان حكم النبيذ.
قال
المحدّث البحراني : «ظاهر الأخبار أيضاً أنّ المدار في الفرق بين الحلال والحرام من قسميه إنّما هو الغليان وعدمه، اللّهمّ إلّاأن يدّعى أنّه بالغليان يكون مسكراً، كما في سائر الأشربة المسكرة».
نعم، صرّح بعضهم باعتباره ولو في مرتبة خفيّة منه.
ظاهر إطلاق بعض الفقهاء عدم اعتبار النشيش أو الغليان في نجاسة وحرمة الفقّاع،
وفي
الرياض : أنّه مقتضى الاصول،
وإن احتمل بعضهم اعتبارهما؛
لأنّ الفقّاع لا يكون فقّاعاً حقيقة إلّاإذا نشّ وارتفع في رأسه الزبد.
وصرّح
الإسكافي باعتبار النشيش،
واختاره جماعة،
ونسب اشتراط الغليان إلى
التهذيب والاستبصار ،
بل إلى الأصحاب،
ونسبه في
الجواهر إلى غير واحد.
واستدلّ له
بما رواه
مرازم ، قال: كان يعمل
لأبي الحسن عليه السلام الفقّاع في منزله، قال
ابن أبي عمير : ولم يعمل فقّاع يغلي.
وهو تامّ الدلالة،
وإلّا لم يكن وجه لعمل الفقّاع في منزل
الإمام عليه السلام ولا لتفسير ابن أبي عمير بأنّه لم يعمل فقّاع يغلي.
وقد ذكر
المحقّق الأردبيلي أنّ تأويل الأخبار الكثيرة الدالّة على التحريم من دون تقييد لأجل هذه الرواية الواحدة بعيد، بل مشكل، فيمكن تأويل الرواية المذكورة بحملها على
التقيّة أو الفقّاع الحلال، فهي لا توجب طرح هذه الأخبار ولا تقييدها بما يفهم من كلام ابن أبي عمير.
واجيب عنه بأنّه لو كان اعتذار ابن أبي عمير حجّة فلا مناص إلّامن التقييد.
واستدلّ له
أيضاً برواية
عثمان بن عيسى ، قال: كتب
عبيد اللَّه بن محمّد الرازي إلى
أبي جعفر الثاني عليه السلام: إن رأيت أن تفسّر لي الفقّاع؛ فإنّه قد اشتبه علينا، أمكروه هو بعد غليانه أم قبله؟
فكتب عليه السلام: «لا تقرب الفقّاع إلّاما لم يضرّ آنيته أو كان جديداً»، فأعاد الكتاب إليه: كتبت أسأل عن الفقّاع ما لم يغلِ، فأتاني: «أن اشربه ما كان في إناء جديد أو غير ضارّ» ولم أعرف حدّ الضراوة
والجديد، وسأل أن يفسّر ذلك له، وهل يجوز شرب ما يعمل في الغضارة
والزجاج والخشب ونحوه من الأواني؟ فكتب عليه السلام: «يفعل الفقّاع في الزجاج وفي الفخّار الجديد إلى قدر ثلاث عملات، ثمّ لا يعدّ منه بعد ثلاث عملات إلّافي إناء جديد، والخشب مثل ذلك».
لكن قال
المحقّق الأردبيلي : «إنّها ضعيفة السند ومتنها مغلق، وظاهرها يفيد جواز المغلي أيضاً في الجديد وغير الضارّ، بل ما غلى وعمل ثلاث مرّات أيضاً، ويحرم ما فوقه، والقائل بمضمونها غير ظاهر؛ إذ كلام ابن أبي عمير يدلّ على تحريم المغلي مطلقاً».
بل قال الشهيد الأوّل بشذوذ هذه الرواية، وحملها على التقيّة، أو على ما لم يسمّ فقاعاً.
ويظهر من الرياض الميل إلى عدم اشتراط الغليان، حيث قال: «ومقتضى الاصول دوران الحكم بالتحريم مدار تسميته في العرف فقّاعاً، فيحرم معها مطلقاً... ولا ريب فيه، مع
إطلاق الاسم عليه حقيقة عرفاً».
ويدلّ عليه ما في رواية
ابن يقطين عن
أبي الحسن الماضي عليه السلام قال: سألته عن شرب الفقّاع الذي يعمل في السوق ويباع، لا أدري كيف عمل، ولا متى عمل، أيحل أن أشربه؟ قال: «لا احبّه»،
لو نزّل على التحريم، كما نسب ذلك إلى الأصحاب.
لكن ذهب بعض الفقهاء إلى أنّ قوله عليه السلام: «لا احبّه» ظاهر في الكراهة أو مشعر بها،
بل في
الجواهر : «لا وجه للتنزيل المزبور بعد اشتراك الاسم ووقوع العمل على وجهين، وقاعدة حمل فعل المسلم على الوجه الصحيح، وغير ذلك».
وبناءً على كفاية صدق الاسم، قال الشهيد في الروضة: «لو وجد في الأسواق ما يسمّى فقّاعاً حكم بتحريمه وإن جهل أصله؛ نظراً إلى الاسم...».
لكن في الجواهر عدم كفاية التسمية ولزوم العلم بكونه من القسم المحرّم، وأنّ ذلك مقتضى القواعد الشرعيّة حيث صرّح بعدم التحريم في المشكوك فيه،
مثل: حمل فعل
المسلم على الوجه الصحيح،
ومثل: «كلّ شيء يكون فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبداً حتّى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه».
الموسوعة الفقهية، ج۱۴، ص۱۴۸-۱۵۴.