المحلل
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ويعتبر فيه
البلوغ والوطئ في القبل بالعقد الصحيح
الدائم؛ وهل يهدم ما دون الثلاث؟ فيه روايتان أشهرهما: أنه يهدم؛ ولو ادعت أنها تزوجت ودخل وطلقها فالمروى: القبول إذا كانت ثقة.
ويعتبر فيه
البلوغ فلا تحليل بالصغير، إجماعاً منّا، كما حكاه جماعة
، وكذا المقارب للبلوغ المعبَّر عنه بالمراهق، على الأظهر الأشهر، بل عليه كافّة من تأخّر إلاّ من ندر
للأصل، وصريح
الخبر، وضعفه بالشهرة منجبر، وبظواهر أخبار العُسَيلة
معتضد.
خلافاً
للإسكافي وأحد قولي
الطوسي؛ لإطلاق الزوج في
الآية.
ويضعّف بعدم
التبادر أوّلاً، وظهور: «فإن طلّقها» في الذيل في غيره ثانياً، وبتقييده بما مرّ من الخبر ثالثاً.
والوطء فلا تحليل بمجرّد
العقد، إجماعاً من العلماء إلاّ سعيد ابن المسيّب
للأصل، والنبوي المشهور من الجانبين: «لا، حتى تذوقي عُسَيلته ويذوق عُسَيلتك»
وهي: لذّة
الجماع، أو
الإنزال، وليسا بدون الدخول قطعاً.
ويشترط أن يكون في القبل لظاهر الخبر، ولأنّه المعهود. وأن يكون موجباً
للغسل، وحدّه غيبوبة الحشفة؛ لأنّ ذلك مناط أحكام الوطء، وظاهرهم الاتفاق على الاكتفاء به، وهو
الحجة فيه إن تمّ، وإلاّ فهو محلّ نظر؛ للأصل، وظاهر الخبر المشترط لذوق العُسَيلة، الغير الحاصلة بمجرّد غيبوبة الحشفة ظاهراً إن فسّرت بلذّة الجماع، وقطعاً إن فسّرت بالإنزال؛ لعدم حصوله بذلك غالباً.
وأن يكون بالعقد الصحيح فلا عبرة بالوطء المجرّد عنه مطلقا، حراماً كان أو شبهةً، أو المشتمل على الفاسد منه؛ لأنّه كالعدم.
والأصل فيه بعد
الإجماع الأصل، وظاهر قوله عزّ وجلّ: «زَوْجاً» الغير الصادق على مثل ذلك. ومنه يظهر عدم التحليل بالوطء بالملك، أو التحليل، إمّا لعدم العقد، أو لعدم صدق الزوج على الواطئ بهما.
مضافاً إلى الخبرين في الأوّل، في أحدهما: عن رجل زوّج عبده أمته، ثم طلّقها تطليقتين، أيراجعها إن أراد مولاها؟ قال: «لا» قلت: أفرأيت أن وطأها مولاها، أيحلّ للعبد أن يراجعها؟ قال: «لا، حتى تزوّج زوجاً غيره، ويدخل بها، فيكون نكاحاً مثل
نكاح الأوّل» الخبر
، ونحوه الثاني
.
وحيث إنّ الزوج حقيقة في الدائم دون المتمتّع، أو يتبادر منه خاصة دونه، انقدح وجه تقييد
العقد بالدائم. مضافاً إلى إشعار ذيل الآية بذلك.
مع أنّه نصّ المعتبرة المستفيضة، منها الصحيح: عن رجل طلّق امرأته ثلاثاً، ثم تمتّع منها رجل آخر، هل تحلّ للأوّل؟ قال: «لا»
ونحوه
الموثق وغيره
، وفيهما زيادة على ما مرّ: «حتى تدخل فيما خرجت منه». ومن الزيادة يظهر عدم
التحليل بالتحليل
وملك اليمين.
ثمّ إنّ إطلاق
النص والفتوى يشملان العبد أيضاً؛ مضافاً إلى خصوص بعض الأخبار: عن رجل طلّق امرأته طلاقاً لا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره، فتزوّجها عبد، ثم طلّقها، هل يهدم الطلاق؟ قال: «نعم؛ لقول
الله عزّ وجلّ في كتابه «حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ»
وهو أحد الأزواج»
.
وحينئذٍ يسهّل الخطب في تحصيل المحلّل إن خيف عدم طلاقه، أو إبطاؤه به، فيحتال بتزويجها من العبد، ثم نقله إلى ملكها، فإنّه كطلاقها.
وهل يهدم المحلِّل بشرائطه ما دون الثلاث فيكون معه كالعدم، أم لا، بل يحتسب من الثلاث، فإن كان واحداً كانت عنده على ثنتين، وإن كان اثنين كانت عنده على واحدة فيه روايتان، أشهرهما: أنّه يهدم بل ربما أشعر كثير من العبارات بالإجماع عليه.
ففي الموثق: عن رجل طلّق امرأته حتى بانت منه، وانقضت عدّتها، ثم تزوّجت زوجاً آخر، فطلّقها أيضاً، ثم تزوّجت زوجها الأوّل، أيهدم ذلك
الطلاق الأوّل؟ قال: «نعم»
ونحوه خبران آخران
.
وفي رابع: رجل طلّق امرأته تطليقة واحدة فتبين منه، ثم تزوّجها آخر، فطلّقها على السنّة، ثم تزوّجها الأوّل، على كم هي عنده؟ قال: «على غير شيء» ثم قال: «يا رفاعة: كيف إذا طلّقها ثلاثاً ثم تزوّجها ثانية استقبل الطلاق، وإن طلّقها واحدة كانت على ثنتين؟!»
. وقصور هذه النصوص
بالشهرة مجبور.
ومع ذلك مطابق لمقتضى
الأصل، ولزوم الاقتصار في الثلاث المحرِّم على المتيقّن المتبادر من النص الدالّ عليه، وهو: الثلاث التي لم يتخلّلها المحلِّل.
ومع ذلك مخالف لما عليه أكثر
العامة، كما حكاه بعض الأجلّة
، وإن حكي الهدم عن
أبي حنيفة وجماعة
؛ لرجحان الكثرة على القلّة، مع التأيّد بصريح بعض المعتبرة
بوجود المجمع على تصحيح رواياته في سنده من حيث الدلالة على كون الهدم مذهب علي (علیهالسّلام)، وعدمه مذهب عمر.
وأمّا ما دلّ على كون الثاني مذهب
علي (علیهالسّلام) ، فغير ظاهر المنافاة؛ لضعف
السند أوّلاً، واحتمال
التقية في النسبة ثانياً، وليس فيه أنّ مذهب عمر: الهدم.
وأمّا الرواية الثانية فهي الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة: منها
الصحيح: عن رجل طلّق امرأته تطليقة واحدة، ثم تركها حتى مضت عدّتها، فتزوّجت زوجاً غيره، ثم مات الرجل، أو طلّقها، فراجعها زوجها الأوّل؟ قال: «هي عنده على تطليقتين»
.
إلاّ أنّها متروكة، كما هو الظاهر من جماعة
، وصرّح به بعض الأجلّة
، ومع ذلك فلا يعرف بها قائل من
الطائفة، وإن نسب إلى قيل، وكلّ ذلك أمارة الشذوذ، ورجحان الأخبار الأوّلة.
ولو ادّعت أنّها تزوّجت المحلِّل وأنّه دخل بها وطلّق، فالمروي
صحيحاً: القبول إذا كانت ثقة.
إلاّ أنّ المشهور القبول مع الإمكان مطلقاً، وحمل
الرواية على
الاستحباب؛ تمسّكاً بعموم المعتبرة المجوِّزة للتزويج بمن لا يعلم حالها، معللة بأنّها: «هي المصدَّقة على نفسها» كما في بعضٍ
، و: «إنّما عليك أن تصدِّقها في نفسها» كما في آخر
.
المؤيّد بأنّها أخبرت عن أمرٍ ممكنٍ متعلّقٍ بها من غير منازع، والمستفاد من كلمة الأصحاب وكذا الأخبار القبول مطلقاً في نحو ذلك، ففي الخبر: عشرة كانوا جلوساً، وفي وسطهم كيس فيه ألف درهم، فسأل بعضهم بعضاً: ألكم هذا الكيس؟ فقالوا كلّهم: لا، وقال واحد منهم: هو لي، فلمن هو؟ قال: «هو للذي ادّعاه»
.
مع أنّ عدم القبول ربما أوجب العسر والحرج المنفيين آيةً وروايةً. وإلى هذا التعليل يشير بعض الأخبار: «أرأيت لو سألها البيّنة كان تجد من يشهد أن ليس لها زوج»
. وربما يؤيّده النهي عن السؤال بعد
التزويج بلا سؤال مع
التهمة في كثير من النصوص
.
ومن هنا ينقدح عموم الحكم وانسحابه في كلّ امرأة كانت مزوّجة، وأُخبرت بموته وفراقه وانقضاء
العدّة في وقت محتمل. ولا فرق بين أن تعيّن الزوج وعدمه، ولا بين استعلامه وعدمه، وإن كان طريق
الورع غير خفي بسؤال المعلوم، والتوقف مع ظنّ كذبها.
قيل: والمراد بالثقة من تسكن النفس إلى خبرها، وإن لم تكن متّصفة
بالعدالة المعتبرة في
الشهادة.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۲، ص۲۶۹-۲۷۵.