تكبيرة الإحرام
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
تكبيرة
الإحرام ، نسبت إليه لأن بها يحصل الدخول في
الصلاة ، ويحرم ما كان محلّلا قبلها من الكلام وغيره.
(وهو ركن في الصلاة) تبطل بتركه مطلقا، إجماعا منّا ومن أكثر العامة، بل جميع الأمّة إلاّ النادر منهم، كما حكاه جماعة،
وللصحاح المستفيضة المصرّح جملة منها بفساد الصلاة بتركه نسيانا،
ففي العمد وما في معناه أولى.
وما في شواذها ـ مما ينافي بظاهره ذلك، من عدم البأس بتركها نسيانا مطلقا، كما في بعض،
أو إذا كبّر للركوع فيجتزئ به، كما في آخر،
أو قضائه قبل القراءة أو بعدها، كما في ثالث،
أو قبل
الركوع وإلاّ فيمضي، كما في رابع
ـ مؤوّل بتأويلات غير بعيدة في مقام الجمع بين الأدلّة.
(وصورته :) التي يجب
الاقتصار عليها إجماعا، كما في
الانتصار والناصرية والمنتهى وعن الغنية،
وتأسّيا بصاحب
الشريعة (الله أكبر، مرتّبا) بين الكلمتين، بتقديم الاولى على الثانية، مواليا بينهما، غير مبدّل حرفا منهما بغيره، ولا كلمة بأخرى، ولا مزيد لها ولا لحرف مطلقا، حتى الألف بين اللام والهاء من اسمه تعالى على الأحوط بل الأولى، غير معرّف لأكبر، ولا مضيف له إلى شيء، ولا غير ذلك، وإن وافق القانون العربي، وفاقا للمشهور، لما مر. خلافا للإسكافي، فجوّز التعريف على كراهية.
ولهم، فجوّزوا زيادة الألف بين اللام والهاء إذا مدّه، بحيث لا يزيد على العادة، أو زاد ولكن لم يخرج الكلمة عن هيئتها على كراهية، كما يأتي، لعدم تغيّر المعنى.
وهما ضعيفان، لما مر. ولا سيّما الأوّل، بل هو شاذّ على خلافه
الإجماع ، كما عرفته، وما اخترناه في الثاني خيرة المبسوط، كما قيل.
ومنه ـ مضافا إلى القاعدة المتقدمة ـ يظهر أنه (لا ينعقد)
التكبير بالترجمة عنه (بمعناه) مطلقا (ولا مع
الإخلال ) بشيء منه (ولو بحرف) مطلقا، حتى بهمزة الجلالة متصلة بالنية المتلفّظ بها، فإنّ الإخلال بها بإسقاطها بالدرج حينئذ وإن وافق العربيّة إلاّ أنه مخالف لما قدمناه من الأدلّة.
(ومع التعذر) والعجز عن
الإتيان به بصيغة
العربية المأثورة (تكفي الترجمة) عن معناه بلغته، أو مطلقا مع المعرفة بها، ولا يتعين
السريانية والعبرانية، ولا الفارسية بعدهما. وإن قيل بتعين الثلاثة مرتّبا بينهما كما قلنا، لعدم وضوح مستنده، وإن كان مراعاته أولى. وهذا الحكم مشهور بين الأصحاب، بل لا يكاد يظهر فيه منهم خلاف عدا بعض متأخّريهم،
فاحتمل سقوط التكبير، وفاقا لبعض العامة العمياء،
مع أنه وغيره
ادّعيا كونه مذهب علمائنا وأكثر العامة، معربين عن كونه مجمعا عليه بيننا، ومعه لا وجه للاحتمال، وإن اتّجه من دونه، لضعف ما يقال في توجيه الحكم ودليله، كما بيّنته في
شرح المفاتيح ، من أراده فعليه بمراجعته.
و
إطلاق العبارة ونحوها يقتضي كفاية الترجمة مع التعذّر مطلقا، من دون
الاشتراط لضيق الوقت، حتى لو صلّى مترجما في أوّل الوقت مع علمه بعدم
إمكان التعلّم إلى آخره لكفى، وبه صرّح بعض الأصحاب.
خلافا لآخرين، فاشترطوه.
وهو حسن مع إمكان التعلّم لا مطلقا.
(ولا يجب التعلم ما أمكن) بلا خلاف أجده، لتوقف الواجب عليه، ولا يتمّ إلاّ به، فيجب ولو من باب المقدمة.
(و
الأخرس ) الذي سمع التكبيرة وأتقن ألفاظها ولا يقدر على التلّفظ بها أصلا، وكذا من بحكمه، كالعاجز عن النطق لعارض (ينطق بالممكن) منها (ويعقد قلبه بها) أي بالتكبيرة ولفظها وأنها ثناء عليه تعالى، لا معناها المطابقي، إذ لا يجب
إخطاره بالبال. وأما قصد اللفظ فلا بدّ منه (مع
الإشارة ) بلا خلاف في اعتبارها، وإن اختلف في
اعتبار ما زاد عليها من عقد القلب خاصة أيضا، كما هنا وفي
الشرائع و
الإرشاد وعن النهاية،
أو بزيادة تحريك اللسان، كما في القواعد وروض الجنان وعن الشهيد في
البيان ،
أو
الاكتفاء بالإشارة خاصة، كما في التحرير والمنتهى
حاكيا له عن الشيخ، وحكى عنه في
المبسوط وعن المعتبر في الذخيرة.
لكن الظاهر أن عقد القلب بالتكبيرة لا بدّ منه، وإلاّ لما تشخّص لها الإشارة عن غيرها، ولعلّه مراد الجماعة، فاتّحد قولهم مع ما في العبارة.
بقي الكلام في اعتبار تحريك اللسان، واستدل على اعتباره بوجوبه مع القدرة على النطق، فلا تسقط، إذا لا يسقط الميسور بالمعسور، فهو أحد الواجبين. ولا يخلو عن نوع نظر، كالاستدلال له ولاعتبار الإشارة بالخبر : «تلبية الأخرس وتشهّده وقراءته للقرآن في الصلاة تحريك لسانه وإشارته
بإصبعه »
لخروجه عن المفروض كما ترى، إلاّ أن يستدلّ به عليه بالفحوى، أو عدم تعقّل الفرق بين التكبير ومورد الخبر أصلا، فتدبّر. وكيف كان، فلا بد من اعتبار ما عدا التحريك، لعدم الخلاف فيه على الظاهر، المصرّح به في بعض العبائر.
-ولكنه ادّعى فيه عدم ظهور الخلاف في اعتبار عقد القلب والإشارة والتحريك.- وأما اعتباره فهو أحوط، بل لعلّه أظهر.
(ويشترط فيها) جميع ما يشترط في الصلاة، من الطهارة والستر و (القيام) و
الاستقبال ، للصلوات البيانية، ولأن ذلك مقتضى الجزئية والركنية الثابتة بما قدّمناه من الأدلة.
(و) عليه فـ (لا يجزئ) التكبيرة أو الصلاة لو كبّر غير متطهّر، أو غير متستّر، أو غير مستقبل، أو غير قائم مطلقا، سواء كبّر (قاعدا) أو آخذا في القيام، أو هاويا إلى الركوع كما يتفق للمأموم (مع القدرة) على القيام، بلا خلاف أجده إلاّ من المبسوط والخلاف، فقال : إنه إن كبّر المأموم بتكبيرة واحدة للافتتاح والركوع وأتى ببعض التكبير منحنيا صحّت صلاته.
وفي الذكرى وغيره : لم نقف على مأخذه.
مع أنه استدلّ له في الخلاف بأن الأصحاب حكموا بصحة هذا التكبير و
انعقاد الصلاة به من غير تفصيل بين أن يكبّر قائما أو يأتي به منحنيا، فمن ادّعى
البطلان احتاج إلى دليل.
قلت : قد عرفته، وبعبارة أخرى : كلّ عبادة خالفت كيفيتها المتلقّاة من الشرع زيادة ونقصانا أو هيئة
فالأصل بطلانها مطلقا، إلى أن يقوم دليل على الصحة، للتأسّي الواجب في العبادة التوقيفية بحسب القاعدة الأصولية، مضافا إلى الرواية في الصلاة الموجبة له، وهي مشهورة، -وهي منقولة عن
النبي صلي الله عليه و آله وسلم ومتنها : «صلّوا كما رأيتموني أصلّي». - هذا. وفي الصحيح : «إذا أدرك
الإمام وهو راكع فكبّر الرجل وهو مقيم صلبه، ثمَّ ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه، فقد أدرك الركعة».
ونحوه في الدلالة على اعتبار القيام في التكبيرة ولو في الجملة الموثق : عن رجل سها خلف الإمام فلم يفتتح الصلاة، قال : «يعيد الصلاة، ولا صلاة بغير افتتاح » وعن رجل وجبت عليه صلاة من قعود فنسي حتى قام وافتتح الصلاة وهو قائم، ثمَّ ذكر، قال : يقعد ويفتتح الصلاة وهو قاعد، وكذلك إن وجبت عليه الصلاة من قيام - فنسي - حتى افتتح الصلاة وهو قاعد، فعليه أن - يقطع صلاته - ويقوم فيفتتح الصلاة وهو قائم، ولا يعتدّ بافتتاحه وهو قاعد».
(وللمصلّي الخيرة في تعيينها) أي تكبيرة الإحرام (من) أيّ التكبيرات (السبع) التي يستحب التوجّه بها ـ كما سيأتي في مندوبات الصلاة
ـ بلا خلاف على الظاهر، المصرّح به في بعض العبائر،
بل ظاهر
المنتهى والذكرى إجماع الأصحاب عليه،
لإطلاق النصوص باستحباب السبع،
من دون تصريح فيها بجعل أيّها تكبيرة الإحرام، مع أنها واحدة إجماعا فتوى ورواية.
نعم في الرضوي : «واعلم أن السابعة هي الفريضة، وهي تكبيرة
الافتتاح ، وبها تحريم الصلاة».
قيل : وقد يظهر من
المراسم والكافي والغنية أنها متعيّنة،
كما في ظاهر الرواية. وهي قاصرة السند عن الصحة ولو كانت معتبرة، وفتوى الجماعة بها غير صريحة، مع أنها معارضة بجملة من النصوص الصحيحة الدالّة على أنها الاولى ـ مضافا إلى الإجماعات المتقدمة على التخيير المنافي للتعيين ـ منها : ما دلّ على تعليل استحباب السبع بأن النبي صلي الله عليه و آله وسلم افتتح الصلاة والحسين عليه السلام إلى جانبه يعالج التكبير فلا يحيره، فلم يزل صلي الله عليه و آله وسلم يكبّر ويعالجه عليه السلام حتى أكمل سبعا فأحار عليه السلام في السابعة.
وهو ظاهر ـ بل صريح ـ في أن الأولى هي التي افتتح بها الصلاة، والافتتاح لا يطلق حقيقة إلاّ على تكبيرة الإحرام. وبهذا التقريب يظهر وجه دلالة الصحيح : «إذا افتتحت فارفع كفّيك ثمَّ ابسطهما بسطا، ثمَّ كبر ثلاث تكبيرات»
الحديث. وقريب منه آخر : قلت له : الرجل ينسى أوّل تكبيرة من الافتتاح وهذه أصحّ من تلك سندا، وأكثر عددا.
ومقتضى الجمع بينهما التخيير كما ذكروه، مع أفضلية جعلها الأخيرة، كما عن المبسوط و
الاقتصاد والمصباح ومختصره، وعليه الشهيدان في الذكرى و
الروضة وروض الجنان والمحقق الثاني،
ونسبه بعض إلى الشيخ والمتأخرين،
خروجا عن شبهة القول بالتعيين، كما عمّن مرّ من الجماعة، و
التفاتا إلى صراحة الرضوية بأنّها السابعة، وأقلّها
الاستحباب . ولا كذلك الصحاح المتقدمة، إذ غايتها الدلالة على الجواز، لا الرجحان وجوبا أو استحبابا كما يتوهم، ولأجله يقال بعكس ما في الرضوية،
مع أنه لا قائل به من معتبري الطائفة، مع رجحان ما فيها بأنه أبعد من عروض المبطل وقرب الإمام من لحوق لاحق به، فهو أولى.
رياض المسائل، ج۳، ص۱۱۶- ۱۲۴.