حكم إعادة الربا على المالك
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(ويجب
إعادة الربا) على المالك (مع العلم بالتحريم) حين المعارضة بلا خلاف في الظاهر، وقد حكي؛
وهو الحجّة.مضافاً إلى نصّ الآية (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ)
وغيرها من الآيات الأُخر
الناصّة هي كالروايات
بحرمة
الربا التي هي الزيادة لغةً، الموجبة لعدم الملكيّة، فيلزم الردّ مع معرفتها قدراً ومعرفة الصاحب بالضرورة، والنصوص الآتية مصرِّحةً بذلك أيضاً تنفع المقام نصّاً أو فحوًى، فتأمّل جدّاً.
(فإن جهل صاحبه) جهلاً أوجب اليأس عنه (وعرف) مقدار (الربا) مفصّلاً كالربع والثلث كان له حكم المال المجهول المالك المشار إليه بقوله : (تصدّق به) عنه.ولو علم قدره جملةً لا تفصيلاً. قيل : فإن علم أنّه يزيد عن
الخمس خمّسه وتصدّق بالزائد ولو ظنّاً، ويحتمل قويّاً كون الجميع صدقة، ولو علم نقصانه عنه اقتصر على ما تيقّن به
البراءة ، صدقةً على الظاهر وخمساً في وجه.
وهو أحوط.
(وإن) انعكس فـ (عرفه) ولو في جملة قوم منحصرين (وجهل) مقدار (الربا) أصلاً (صالح) الصاحب (عليه) ولا خمس هنا.فإن أبى عن الصلح فعن التذكرة دفع إليه خمسه إن لم يعلم زيادته، أو ما يغلب على
ظنّه إن علم زيادته أو نقصه؛ لأنّ هذا القدر جعله الله تعالى مطهِّراً للمال.
وفيه نظر، والأحوط وجوب دفع ما يحصل به يقين البراءة. قيل : ويحتمل
الاكتفاء بدفع ما يتيقّن
انتفاؤه عنه.
وهو ضعيف.
(وإن مزجه بالحلال وجهل المالك والقدر تصدّق بخمسه) على السادة، على الأظهر الأشهر بين الطائفة؛ للنصوص المتقدّمة هي والبحث في المسألة في كتاب الخمس، فليطلب التحقيق ثمّة.إلاّ أنّ النصوص الآتية الواردة في بيان الحاجة خالية عن ذكر الخمس بالمرّة، بل ظاهرة في حلّ الجميع بالكلية من دون ريبة، ولكن لم يعمل بها إلاّ نادر من الطائفة،
ومع ذلك فظاهر سياقها صورة الجهل بالحرمة خاصّة، فالعمل بالنصوص المتقدّمة في بحث الخمس العامّة لنحو المسألة أقوى البتّة.
(ولو جهل التحريم) حين المعاوضة ثم علم به وتاب واستغفر ربّه (كفاه
الانتهاء ) عنه
والتوبة ، فلا يجب عليه شيء من الأُمور المزبورة في الصورة المذكورة، وفاقاً لجماعة، كالمقنع والنهاية؛
للأصل،
واختصاص أدلّة حرمة الربا والزيادة من الكتاب والسنّة بحكم
التبادر وقاعدة التكليف والنصوص الآتية بالصورة السابقة.
مضافاً إلى
انسحاب الحكم بعدم الوجوب في حالة الجهل إلى حال
الانكشاف والمعرفة، عملاً
باستصحاب الحالة السابقة.وظاهر قوله سبحانه (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ)
المفسّر به في ظاهر كلام
الطبرسي بقوله : معناه ما أخذ وأكل من الربا قبل النهي، ولا يلزمه ردّه.
فتأمّل.
وظاهر النصوص، كالصحيح فيمن أراد الخروج عن الربا : «مخرجك من كتاب الله تعالى (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ) والموعظة : التوبة».
وأظهر منه الصحيح المروي عن نوادر أحمد بن محمد بن عيسى، ونحوه الرضوي : إنّ رجلاً أربى دهراً من الدهر، فخرج قاصداً إلى
أبي جعفر عليه السلام يعني الجواد فقال له : «مخرجك من كتاب الله تعالى يقول الله (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ) والموعظة هي التوبة، لجهله بتحريمه ثم معرفته به، فما مضى فحلال، وما بقي فليتحفّظ» ولم نعثر عليه في
فقه الرضا عليه السلام .
خلافاً للحلّي وكثير من المتأخّرين،
فأوجبوا الردّ؛ عملاً بآية (فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ)
وسياقها ظاهر في صورة العلم بالحرمة.وحملاً للآية السابقة والخبرين في أحدهما : «قد وضع ما مضى من الربا وحرم ما بقي، فمن جهله وسعه جهله حتى يعرفه»
وقريب منه الثاني
على العود إلى الذنب بمعنى سقوطه بالتوبة، أو ما كان من الربا في زمن الجاهلية. وهو ضعيف بعد ما مرّ من الأدلّة، وما سيأتي إليه
الإشارة من المعتبرة.وللإسكافي، فإن كان معروفاً ردّه على صاحبه وتاب إلى الله تعالى، وإن اختلط بماله حتى لا يعرفه أو ورث مالاً يعلم أنّ صاحبه كان يربى ولا يعلم الربا بعينه فيعز له جاز له أكله والتصرف إذا لم يعلم الربا.
ولا يخلو عن قوّة؛ للمعتبرة، منها الصحيح في الذي قال : «إنّي ورثت مالاً وقد علمت أنّ صاحبه الذي ورثته منه قد كان يربى، وقد اعترف أنّ فيه رباً واستيقن ذلك، وليس يطيب لي حلاله لحال علمي فيه، وقد سألت الفقهاء من
أهل العراق والحجاز فقالوا : لا يحلّ أكله من أجل ما فيه، فقال له أبو جعفر عليه السلام : إن كنت تعلم أنّ فيه مالاً معروفاً ربا وتعرف أهله فخذ رأس مالك وردّ ما سوى ذلك، وإن كان مختلطاً فكله هنيئاً، فإنّ المال مالك، واجتنب ما كان يصنع صاحبه، فإنّ
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد وضع ما مضى من الربا وحرّم عليهم ما بقي، فمن جهله وسع له جهله حتى يعرفه، فإذا عرف تحريمه حرم عليه ووجب عليه فيه العقوبة إذا ارتكبه كما يجب على من أكل الربا».
ونحوه الصحيح الآخر، وفيه زيادة على ما مرّ : «وأيّما رجل أفاد مالاً كثيراً فيه الربا فجهل ذلك ثم عرفه فأراد أن ينزعه، فما مضى فله، ويدعه فيما يستأنف»
ونحوهما غيرهما.
إلاّ أنّ سياقها كما ترى بالدلالة على المختار أولى، من حيث تعليل حلّ أكل الربا المختلط بوضع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ما مضى منه، وهو كالصريح في أنّ المراد بما مضى نفس الربا في حالة الجهل في «ت» زيادة : لذلك، وفي «ر» : مطلقاً، وفي «ق» : مطلقاً لذلك.ومنه يظهر صحة تفسير الآية بما قدّمناه، كما هو أيضاً ظاهرها.
وبالجملة الدلالة على الحلّ في غاية الوضوح جدّاً، فحمل
الأمر بالردّ مع التمييز والعزل في «ر» زيادة : لذلك، وفي «ح» : مطلقاً لذلك. على
الاستحباب غير بعيد. والجمع بجمل الأمر على ظاهره وتقييد الأدلّة المتقدمة الدالّة على إطلاق
الإباحة بصورة الخلط وإن أمكن، إلاّ أنّ عدم التكافؤ بكثرتها،
واعتضادها بفتوى جماعة وظهور سياق المعتبرة المتضمّنة للأمر المزبور في عموم الإباحة حتى لصورة التمييز والمعرفة أوجب أولويّة صرف الأمر عن ظاهره إلى الاستحباب، وإن كان العمل بظاهره أحوط، وأحوط منه القول الثاني.
رياض المسائل، ج۸، ص۴۰۹-۴۱۴.