دية الجنين قبل ولوج الروح
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
دية الجنين الحر المسلم اذا اكتسى اللحم ولم تلجه الروح: مئة دينار، ذكرا كان أو انثى؛ ولو كان ذميا فعشر
دية أبيه، وفي رواية
السكوني: عشر دية أمه؛ ولو كان مملوكا فعشر قيمة أمه المملوكة، ولا
كفارة.
واعلم أنّ
دية الجنين الحرّ المسلم تبعاً لإسلام أبويه أو أحدهما إذ اكتسى اللّحم وتمّت خلقته ولم تلجه الروح مائة دينار عشر الدية ذكراً كان الجنين أو أُنثى على الأشهر الأظهر، بل عليه عامة من تأخّر، وفي
الغنية والسرائر وعن صريح
الانتصار والخلاف وظاهر
المبسوط الإجماع عليه
، وهو الحجة.
مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة، منها زيادةً على ما يأتي إليه الإشارة الصحيح: «إنّ
أمير المؤمنين (علیهالسّلام) جعل دية الجنين مائة دينار وجعل مني الرجل إلى أن يكون جنيناً خمسة أجزاء، فإذا كان جنيناً قبل أن تلجه الروح مائة دينار، وذلك أنّ الله عزَّ وجلَّ خلق الإنسان من سلالة وهي
النطفة فهذا جزء، ثم علقة فهذا جزءان، ثم مضغة فهو ثلاثة أجزاء، ثم عظم فهو أربعة أجزاء، ثم يكسى لحماً حينئذٍ تمّ جنيناً، فكملت له خمسة أجزاء مائة دينار، والمائة دينار خمسة أجزاء، فجعل للنّطفة خمس المائة عشرين ديناراً، وللعلقة خمسي الدية أربعين ديناراً، وللمضغة ثلاثة أخماس المائة ستّين ديناراً، وللعظم أربعة أخماس الدية ثمانين ديناراً، فإذا أُنشئ فيه خلق آخر وهو الروح فهو حينئذٍ نفس ألف دينار كاملة إن كان ذكراً، وإن كان أُنثى فخمسمائة دينار» الخبر
. وقريب منه أخبار كثيرة يأتي إليها الإشارة.
خلافاً
للعماني، فقال: فيه الدية كاملة
؛
للصحيح: «إذا كان عظماً شقّ له السمع والبصر ورتبت جوارحه، فإن كان كذلك فيه
الدية كاملة»
ونحوه آخر
.
وهو شاذّ، ومستنده غير صريح؛ للإطلاق المحتمل تقييده بصورة ولوج
الروح جمعاً، وللأخبار المفصّلة، مع احتماله الحمل على دية الجنين مائة دينار.
وللإسكافي، فأطلق أنّ فيه غرّة عبد أو أمة
؛ للنصوص الآتية. وستعرف جوابه.
وللمبسوط، ففرّق بين الذكر فما مرّ، والأُنثى فنصفه
. وهو مع عدم وضوح مستنده شاذّ، وإن قيل: يفهم منه أنّ على ما ذكره الاتفاق
، بل على خلافه في
السرائر الإجماع
، وهو
الحجة.
مضافاً إلى
إطلاق الفتاوي والروايات، بل ظواهر جملة منهما، ومنها الصحيحة السابقة، حيث لم تفصّل بين ديته ذكراً أو أُنثى إلاّ حال ولوج الروح خاصّة.
ونحوها الصحيحة أو
المرسلة القربية منها سنداً: «دية الجنين خمسة أجزاء: خمس للنطفة عشرون ديناراً، وللعلقة خمسان أربعون ديناراً، وللمضغة ثلاثة أخماس ستّون ديناراً، وللعظم أربعة أخماس ثمانون ديناراً، فإذا تمّ الجنين كان له مائة دينار، فإذا أُنشئ فيه الروح فديته ألف دينار أو عشرة آلاف درهم إن كان ذكراً، وإن كان أُنثى فخمسمائة دينار»
الحديث.
وقريب منهما
الحسن القريب من الصحيح، بل قيل صحيح
: «في النطفة أربعون ديناراً، وفي
العلقة ستّون ديناراً، وفي
المضغة ثمانون ديناراً، فإذا اكتسى العظام لحماً ففيه مائة دينار، قال الله عزَّ وجلَّ «ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ»
فإن كان ذكراً ففيه الدية، وإن كان أُنثى ففيها ديتها»
.
وهو إن لم يصرّح بأنّ ذلك في ولوج الروح، إلاّ أنّ في ذكر قوله سبحانه «ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ» الآية، إشارة إلى ذلك، فإنّ «خَلْقاً آخَرَ» كما عرفته من الصحيحين السابقين هو الروح، وظاهره وإن نافى الأخبار السابقة في ديات النطفة والعلقة والمضغة، إلاّ أنّه محمول على زيادة خلقه النطفة إلى أن تبلغ العلقة، وزيادة العلقة إلى تبلغ المضغة، وزيادة المضغة إلى أن تبلغ العظم.
ولو كان الجنين ذمّيا أي متولّداً عن ذمّي ملحقاً به فعشر دية أبيه ثمانين درهماً، بلا خلاف أجده، بل عن الخلاف
وفي ظاهر عبارة بعض الأجلّة
بل جماعة
الإجماع عليه
، وهو الحجة، دون ما في
التنقيح من أنّ إلحاق الولد الحرّ بأبيه في الأحكام حقيقة غالبة، ولا ما ذكره جماعة
من مناسبة ذلك لمراعاة جنين الحرّ المسلم بدية أبيه؛ فإنّ جميع ذلك مناسبات يشكل التعويل عليها في إثبات الأحكام، سيّما مع معارضتها بمثلها، وهو أنّ
أهل الذمّة مماليك
الإمام (علیهالسّلام) كما وقع التصريح به في كثير من الأخبار، ومن حكم المملوك أنّ دية جنينه تعتبر بعشر دية امّه كما يأتي، وعليه فيناسب أن تكون دية الجنين الذمّي عشر دية امّه.
ووقع التصريح به أيضاً في روايتي
مسمع والسكوني عن جعفر، عن أبيه، عن
علي (علیهالسّلام): أنّه «قضى في جنين
اليهودية والنصرانية والمجوسية عشر دية أُمّه»
).
لكنّهما ضعيفتا
السند، سيّما الاولى، والمناسبة المؤيّدة لهما ليست بحجة كما مضى، وعلى تقدير حجيتها في نفسها فلا يعترض بها اتفاق الأصحاب الظاهر والمحكي على خلافها، ولولاه لكان المصير إليها قويّاً، سيّما مع اعتضادها بالروايتين، وقوّة سند الثانية منهما، ولكن لا محيص بعد ذلك عن اطراحهما، أو حملهما على ما يجتمعان مع
الفتاوي.
ولو كان مملوكاً فعشر قيمة امّه المملوكة على الأظهر الأشهر، بل عليه عامّة من تأخر، وفي السرائر وعن الخلاف الإجماع عليه
؛ للقوي: «في جنين الأمة عشر ثمنها»
.
خلافاً للمبسوط، فعشر قيمة الأب إن كان ذكراً وعشر قيمة الامّ إن كان أُنثى
. وهو مع شذوذه لم أعرف له مستنداً.
واحترز بتقييد الامّ بالمملوكة عمّا لو كانت حرّة، فإنّ فيه عشر دية أبيه كما في
القواعد.
قيل: لأنّ الأصل في الولد أن يتبع
الأب، وحكم الجنين الحرّ ذلك، خرج ما إذا كانت أمة
بالنصّ والإجماع
. وفيه نظر؛ لما مرّ.
واحتمل فيه أيضاً عشر قيمة
الأُمّ على تقدير الرقّية
. قيل: لعموم النص والفتوى باعتبار قيمتها
. وفيه نظر أيضاً؛ لاختصاص موردهما بجنين الأمة لا مطلقاً.
واستقرب في
التحرير عشر دية أُمّه ما لم تزد على عشرقيمة أبيه
.
قيل: جمعاً بين عموم النص والفتوى باعتبار قيمتها، ورقّ الجنين الموجب لعدم زيادة ديته على أبيه الرقيق
.
وفي عموم النص ما مرّ، ووجه الأخير للعبد لم يظهر، فالمسألة محل نظر، ولكنّ الأخذ بالأقلّ أجدر؛ عملاً بالأصل؛ وأخذاً بالمتيقّن.
واعلم أنّه لا
كفّارة في قتل الجنين في جميع أحواله؛
للأصل؛ واختصاص ما دلّ على وجوبها بصورة القتل المشروط بحياة القتيل، ولا خلاف فيه هنا ظاهراً، بل عليه في بعض العبارات إجماعنا
، وهو حجة أُخرى.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۶، ص۵۳۶-۵۴۱.