ستر الوجه للمرأة المحرمة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
يجب على المحرم في حال الإحرام
الاجتناب عن امور تسمّى بتروك
الإحرام ، منها ستر الوجه للمرأة المحرمة .
يحرم على
المرأة ستر الوجه حال
الإحرام ،
وتختصّ حرمة ذلك بها، كما تختصّ حرمة ستر الرأس بالرجل، وهذا ممّا لا خلاف فيه
في الجملة،
بل عليه دعوى
الإجماع .
وتدلّ على ذلك عدّة من الروايات:
منها: صحيحة
أبي نصر عن أبي الحسن عليه السلام، قال: «مرّ
أبو جعفر عليه السلام بامرأة محرمة قد استترت بمروحة، فأماط
المروحة بنفسه عن وجهها».
ومنها: صحيحة
الحلبي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «مرّ أبو جعفر عليه السلام بامرأة متنقبة وهي محرمة فقال: أحرمي وأسفري وأرخي ثوبك من فوق رأسك، فإنّك إن تنقّبت لم يتغيّر لونك، فقال رجل: إلى أين ترخيه؟ فقال: تغطّي عينها، قال: قلت: تبلغ فمها؟ قال: نعم».
وفي صحيحة
عبد الله بن ميمون عن
جعفر عن
أبيه عليهما السلام، قال: «المحرمة لا تتنقّب؛ لأنّ إحرام المرأة في وجهها، وإحرام الرجل في رأسه».
ومنها: رواية
ابن عيينة عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: ما يحلّ للمرأة أن تلبس من الثياب وهي محرمة؟ قال: «الثياب كلّها ما خلا القفّازين والبرقع والحرير».
وهناك روايات اخر تدلّ بظاهرها على كراهة لبس
النقاب أو
البرقع وعدم حرمته:
منها: صحيحة
العيص عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام : «المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير والقفّازين»، وكره النقاب وقال: «تسدل الثوب على وجهها»، قلت: حدّ ذلك إلى أين؟ قال: «إلى طرف
الأنف قدر ما تبصر».
ومنها: رواية
يحيى بن أبي العلاء عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: أنّه كره للمحرمة البرقع والقفّازين.
وعلى هذا الأساس قال
الشيخ الصدوق : «يكره النقاب، ولا بأس أن تسدل الثوب على وجهها إلى طرف الأنف قدر ما تبصر».
وكذا قال
الشيخ الطوسي في
الجمل والعقود والمحقّق في النافع
والعلّامة في
الإرشاد و
القواعد ،
وقد تردّد المحقّق في
الشرائع في كراهة النقاب مع جزمه بوجوب
إسفار الوجه،
وكذا تردّد العلّامة في موضع
من التذكرة مع دعواه عدم الخلاف بل الإجماع على حرمة تغطية وجهها.
ولكن ذهب المشهور
إلى
تحريم النقاب، قال
السيد العاملي : القول بتحريم النقاب للمرأة مذهب الأصحاب، ولا نعلم فيه مخالفاً.
وهذا هو مختار المعاصرين أيضاً.
واستدلّ لذلك بالنصوص المستفيضة الدالّة على حرمة ستر الوجه عليها.
وأمّا الخبران المصرّحان بكراهة النقاب والبرقع، فقد اجيب عنهما تارة باحتمال
إرادة الحرمة من الكراهة،
واخرى
باحتمال حمل النقاب المكروه على الذي يسدل على الوجه من غير أن يمسّه بقرينة ما في المقنع من التصريح بكراهة النقاب، مع أنّه قال فيه بعد أسطر: «لا يجوز للمرأة أن تنقّب».
ثمّ إنّ المذكور في جملة من الروايات التنقّب، وفي بعضها البرقع، إلّا أنّ المستفاد من جملة النصوص المعتبرة- كما تقدّم بعضها- عدم جواز ستر وجهها بأيّ ثوب كان؛
فإنّ التعليل الوارد في صحيح الحلبي بأنّه مانع عن تغيّر لونها يدل على أنّه لا خصوصية للنقاب إلّا
باعتبار كونه مانعاً عن ذلك. فإذن تدلّ
الصحيحة على أنّ كل ساتر يكون حافظاً للونها ومانعاً عن تغيّره فهو محرّم عليها.
وكذا تعليل حرمة النقاب في صحيح ابن ميمون بأنّ إحرام المرأة في وجهها، يدلّ على أنّه لا خصوصية للنقاب إلّا كونه من أظهر أفراد الساتر، فإذن يكون المحرّم عليها ستر وجهها بأيّ ساتر.
بل قد يستفاد من صحيحة أبي نصر عدم جواز ستر الوجه بالساتر حتى غير
الاعتيادي ، فإنّ المروحة ليست من نوع الثياب الساترة الاعتيادية كالبرقع والنقاب.
ومن هنا ذكر جمع من الفقهاء أنّه لا فرق في التحريم بين أن تغطّيه بثوب أو غيره».
نعم، الظاهر
استثناء الستر بأعضاء
البدن كاليدين، بل قيل: إنّه مقطوع به.
وأمّا ما ورد في رواية
سماعة عن أبي عبد اللَّه عليه السلام- أنّه سأله عن المحرمة، فقال: «إن مرّ بها رجل استترت منه بثوبها، ولا تستتر بيدها من الشمس»
- فمحمول
على ضرب من الكراهة؛ وذلك لعدم الفتوى بالحرمة من أحد من الفقهاء.
هذا مضافاً إلى ضعف السند.
ثمّ إنّه ذهب بعض الفقهاء إلى المنع من ستر بعض الوجه أيضاً،
كما تقدّم أنّ ستر بعض الرأس ممنوع على الرجال.
واستدلّ له بأنّ الظاهر من الروايات الناهية أنّ البعض بحكم الكلّ؛
إذ النقاب ليس ساتراً لجميع الوجه ومع ذلك فهو ممنوع.
ولكن ذكر غير واحد من الفقهاء أنّ المتفاهم العرفي من الروايات هو ستر تمام وجهها؛ لأنّ الوارد فيها عنوان
التنقيب وهو لا يشمل البعض،
ولا يقاس بستر بعض الرأس؛ لأنّ منعه إنّما علم بدليل خاص، ولا دليل خاص في المقام يقتضي المنع عن ستر بعض الوجه، بل يستفاد جواز ستر البعض من روايات اسدال الثوب على الوجه، فإنّ صحيحة الحلبي المتقدّمة تدلّ على جواز تغطية العين وستر الطرف الأعلى للوجه.
ثمّ إنّه بناءً على ذلك قد يقال: إنّ
القدر المتيقّن من الستر الممنوع، هو ستر طرف الأنف الأسفل، أي: مارن الأنف إلى الذقن؛ لأنّ هذا من النقاب المنهي عنه في الروايات.
وقد اتّفق الفقهاء
على جواز
إسدال الثوب على الوجه تبعاً لما في الروايات وإن كانت مضامينها مختلفة جدّاً: ففي بعضها جواز إسدال الثوب إلى طرف الأنف قدر ما تبصر، كصحيحة العيص المتقدّمة.
وبعضها: ما دلّ على جواز الإسدال إلى فمها، كصحيحة الحلبي المتقدّمة. وثالثة: تدلّ على الجواز إلى الذقن، كصحيحة
حريز قال: قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «المحرمة تسدل الثوب على وجهها إلى
الذقن ».
وجوّز في آخر: إلى
النحر ، كصحيحة زرارة عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «إنّ المحرمة تسدل ثوبها إلى نحرها».
وفي بعضها: إلى النحر إذا كانت راكبة، كصحيحة
معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: أنّه قال: «تسدل المرأة الثوب على وجهها من أعلاها إلى النحر إذا كانت راكبة».
وقد عمل بها جماعة من الفقهاء فجوّزوا الإسدال بالثوب مطلقاً
وإن وصل إلى الذقن أو النحر،
بدعوى عدم
التعارض بين الروايات.
ولكن في كلمات بعض الفقهاء أنّ المرأة تسدل
القناع إلى طرف أنفها
قدر ما تبصر لا أكثر.
ولعلّ وجهه ما ذكره
السيد الخوئي من أنّ ما دلّ على أنّ حدّ الإسدال إلى طرف الأنف وهو الجانب الأعلى من الأنف صريح في عدم جواز الإسدال إلى الزائد من ذلك كالفم والذقن بل إلى
المارن ، فيكون ما دلّ على جواز الإسدال إلى الفم أو الذقن والنحر معارضاً لتلك الرواية، فهذه الروايات تسقط بالمعارضة، فالمرجع حينئذٍ ما دلّ على أنّ إحرام المرأة في وجهها، فالواجب عليها بمقتضى هذه الروايات كشف وجهها وعدم ستر الزائد من طرف الأنف الأعلى بأيّ ساتر كان.
نعم، في رواية معاوية بن عمّار جواز الستر من أعلى الوجه إلى النحر لكن مقيّداً بما إذا كانت راكبة، ولا بأس بالعمل بها؛ إذ لا تعارض بين هذه المعتبرة وروايات الحدّ، وللعلم بعدم الفرق بين حال
الركوب وغيره، وإنّما جوّز الستر في حال الركوب، لأنّها في معرض نظر الأجنبي، فتقيّد روايات الحدّ بحال
الاختيار ، وبأنّها إذا كانت مأمونة من النظر.
فالنتيجة: أنّه في حال الاختيار يجوز لها أن تسدل ثوبها إلى طرف الأعلى للأنف حتى تتمكّن من أن تبصر وترى الطريق كما في النصّ. هذا إذا كانت مأمونة من نظر الأجنبي، وأمّا إذا كانت في معرض النظر فيجوز لها الإسدال إلى الفم أو النّحر.
ثمّ إنّ جواز إسدال الثوب على الوجه لا ينافي ما تقدّم من حرمة تغطية المرأة المحرمة وجهها وذلك:
إمّا لأنّ الإسدال و
التغطية أو التنقيب عنوانان متغايران، لكلّ واحد منهما حكم مستقل، أحدهما جائز وهو الإسدال، والآخر غير جائز وهو التغطية، وقد يتحقّق أحدهما دون الآخر، فإنّ التغطية إنّما تتحقق بستر الوجه بشيءٍ يمسّ بالوجه، والإسدال إنّما هو إسدال الثوب من أعلى الوجه إلى أسفله وإن لم تتحقق المماسة، فإذا أسدلت الثوب لا بدّ من إبعاده عن وجهها لئلّا تتحقّق التغطية.
ولعلّه لذا قال الشيخ الطوسي: «يجوز لها أن تسدل على وجهها ثوباً إسدالًا، وتمنعه بيديها من أن يباشر وجهها أو بخشبة، فإن باشر وجهها الثوب الذي تسدله متعمّدة كان عليها دم»،
وتبعه على ذلك بعض الفقهاء،
بل نسبه الشهيد إلى الشهرة.
أو لما ذكره المحقّق الخوئي: أنّ الروايات ساقطة بسبب معارضتها بالنسبة إلى الزائد من طرف الأنف، والمرجع هو
إطلاق ما دلّ على أنّ إحرام
المرأة في وجهها، والمعتبر صدق كونها مكشوفة، وعدم تحقّق عنوان التغطية، فلا يضرّ ستر بعض الوجه الذي لا ينافي عنوان كشف الوجه، كما لا إشكال في إسدال الثوب إلى طرف الأنف الأعلى قدر ما تبصر.
هذا فيما إذا أمنت الناظر الأجنبي وإلّا فللمرأة المحرمة أن تتحجّب من الأجنبي بأن تنزل ما على رأسها من
الخمار أو نحوه إلى ما يحاذي أنفها أو ذقنها، كما يشهد لذلك رواية معاوية بن عمّار، و
الأحوط حينئذٍ أن تجعل القسم النازل بعيداً عن الوجه بواسطة اليد أو غيرها.
ولعلّه لذلك قال
الشيخ المفيد : «تسدل المرأة قناعها على وجهها إلى طرف أنفها في الإحرام إن احتاجت إلى ذلك، فإن لم تدعها إليه حاجة كشفت وجهها؛ لأنّ إحرام النساء في وجوههن، وإحرام الرجال في رءوسهم».
وقال
الشهيد الثاني بجواز الإسدال لمطلق الحاجة من حرّ أو برد أو ستر عن غير محرم،
وقال بعض المعاصرين أيضاً بجواز الإسدال للستر عن الأجنبي مع مراعاة
المجافاة .
وهل يجوز للمرأة المحرمة النوم على الوجه أو ستر وجهها عند النوم أو لا؟ تردّد الشهيد الثاني في مسألة النوم على الوجه من جهة عدم تسميته ستراً عرفاً، وأيضاً
من جهة استثناء الرأس لضرورةٍ النوم الطبيعي بخلاف الوجه،
بينما ذهب جملة من الفقهاء
إلى جواز النوم على الوجه؛ لعدم تناول الأخبار المانعة لذلك،
بل قال بعضهم
بجواز ستر الوجه عند النوم لدلالة بعض الروايات على جوازه، كصحيح زرارة: «والمرأة المحرمة لا بأس بأن تغطّي وجهها كلّه عند النوم».
وقال
المحقّق النجفي بعد نقل الرواية: «ولم أقف على رادّ له، كما أنّي لم أقف على من استثناه من حكم التغطية، ويمكن
إرادة التغطية بما يرجع إلى السدل، أو ما يقرب منه».
الموسوعة الفقهية، ج۶، ص۵۸۲- ۵۸۸.