شروط حد الزنا
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
يشترط في ثبوت
الحد:
البلوغ،
والعقل، والعلم بالتحريم،
والاختيار؛ فلو تزوج محرمة كالأم أو المحصنة، سقط الحد مع الجهالة بالتحريم، ويثبت مع
العلم؛ ولا يكون
العقد بمجرده شبهة في السقوط؛ ولو تشبهت الأجنبية بالزوجية فعليها الحد دون واطئها؛ وفي
رواية: يقام عليها الحد جهرا وعليه سرا وهي متروكة؛ ولو وطئ المجنون عاقلة، ففي وجوب الحد تردد، أوجبه
الشيخان ولاحد على المجنونة؛ ويسقط الحد بادعاء الزوجية، وبدعوى ما يصلح شبهة بالنظر إلى المدعى.
ويشترط في ثبوت الحدّ به على كلّ من الزانية والزاني:
البلوغ وكمال
العقل والعلم بالتحريم، والاختيار بلا خلاف أجده، إلاّ في الثاني، فقد وقع الخلاف فيه كما سيأتي؛ ولعلّه لهذا لم يذكره
الماتن اقتصاراً منه على المتفق عليه.
فلا حدّ على الصغير والمكرَهة إجماعاً؛
لحديث رفع القلم، وما يأتي من
النصّ في المجنون، وللنصوص المستفيضة، منها الخبر: «ليس على المستكرَهة شيء إذا قالت: استُكرِهت»
.
ولا على المكرَه على الأشهر الأظهر؛ بناءً على تحقّق
الإكراه فيه.
خلافاً للمحكيّ عن
الغنية، واحتمله في
القواعد وغيره
؛ لعدم تحقّقه فيه؛ لعدم انتشار الآلة إلاّ عن
الشهوة المنافية للخوف.
وفيه: أنّ التخويف بترك الفعل، والفعل لا يخاف منه، فلا يمنع الانتشار.
ولا على الجاهل بتحريم
الوطء حينه ولو كان مكلّفاً، فلو تزوّج محرَّمة عليه كالأُمّ أو المرضعة أو المحصنة ذات البعل سقط الحدّ مع الجهالة بالتحريم للمعتبرة المستفيضة:
منها
الصحيح: «لو وجدت رجلاً كان من العجم أقرّ بجملة
الإسلام لم يأته شيء من التفسير، زنى، أو سرق، أو شرب خمراً، لم أُقم عليه الحدّ إذا جهله، إلاّ أن تقوم عليه بيّنة أنّه قد أقرّ بذلك وعرفه»
ونحوه الصحيحان
،
والمرسل القريب منهما سنداً بجميل
وابن أبي عمير المجمع على تصحيح ما يصحّ عنهما، وغيرها
.
ويثبت مع
العلم به، إلاّ مع الشبهة الدارئة ولا يكون
العقد بمجرّده من غير توهّم صحّته شبهةً تنفع في السقوط بلا خلاف عندنا، بل في ظاهر
التنقيح وغيره
: أنّ عليه إجماعنا؛ وهو
الحجّة، مضافاً إلى عدم صدق الشبهة بذلك بلا شبهة، خلافاً
لأبي حنيفة.
نعم لو حصلت معه شبهة أسقطته هي دونه، كما لو انفردت عنه.
ولو اختصّت بأحدهما اختصّ بالسقوط كما يأتي، فلو تشبّهت الأجنبيّة على الرجل بالزوجة ونحوها ممّن تحل له فعليها الحدّ إجماعاً دون واطئها على الأشهر الأقوى، بل عليه عامّة متأخّري أصحابنا، بل ظاهر العبارة هنا وفي
الشرائع والتحرير وغيرها
الإجماع عليه؛
لأصالة البراءة، والشبهة الدارئة.
وفي رواية ضعيفة بالإرسال وعدّة من الجهلة أنّه يقام عليها الحدّ جهراً وعليه سرّاً
، وهي مع ضعفها متروكة لا عامل بها، عدا
القاضي.
وهو شاذّ، فلتُطرَح، أو تُحمَل على ما حكي في
الوسائل عن أكثر الأصحاب من شكّ الرجل أو ظنّه وتفريطه في التأمّل، وأنّه حينئذٍ يعزّر؛ لما ورد في تزويج امرأة لها زوج، وغير ذلك
؛ ويعضده رواية
المفيد لها في
المقنعة بزيادة: فوطئها من غير تحرّز
.
أو على أنّه (علیهالسّلام) أراد إيهام الحاضرين الأمر بإقامة الحدّ على الرجل سرّاً، ولم يقم عليه الحدّ؛ استصلاحاً وحسماً للمادّة، لئلاّ يتّخذ الجاهل الشبهة عذراً، كما حكي عن بعض فقهائنا في
نكت النهاية.
ولو وطئ المجنون امرأة عاقلة، ففي وجوب الحدّ عليه تردّد:
من ورود النصّ به، ففي
الخبر: «إذا زنى المجنون أو المعتوه جلد الحدّ، وإن كان محصناً رجم» قلت: وما الفرق بين المجنون والمجنونة، والمعتوه والمعتوهة؟ فقال: «المرأة إنّما تؤتى، والرجل يأتي، وإنّما يزني إذا عقل كيف يأتي اللذّة، وأنّ المرأة إنّما تُستَكرَه ويفعل بها وهي لا تعقل ما يفعل بها»
وقصور
السند مجبور بنسبة
الشيخ في
المبسوط روايته إلى الأصحاب كافّة
، مشعراً بدعوى إجماعهم عليه، ولذا أوجبه
الشيخان والصدوق والقاضي
.
ومن تأمّل في الجابر لضعف الخبر؛ لوهنه بندرة العامل به، مع أنّ الناقل له ذكر قبل النسبة ما يشعر بالإجماع على العدم، كما هو ظاهر
السرائر وصريح الغنية
، وبالعدم صرّح في
الخلاف مفتياً به
، وحكي عن المفيد في
العويص، فيتقوّى الندرة الموهنة، فينبغي الرجوع إلى الأُصول العامّة، مثل
حديث: «رفع القلم عن المجنون حتى يفيق»
.
وبه استدلّ مولانا
أمير المؤمنين (علیهالسّلام) على عمر حين أمر بحدّ المجنونة، فيما رواه المفيد في
إرشاده، فقال (علیهالسّلام): «أما علمت أنّ هذه مجنونة، وأنّ
النبيّ (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) قال: رفع القلم عن المجنون حتى يفيق، وأنّها مغلوبة على عقلها ونفسها، فردّوها، فدرأ عنها الحدّ»
وخصوصيّة المورد مدفوعة بعموم التعليل.
ونحوه فيه الصحيح: في امرأة مجنونة زنت، قال: «إنّها لا تملك أمرها، ليس عليها شيء»
هذا.
مضافاً إلى عموم خصوص بعض النصوص: «لا حدّ على مجنون حتى يفيق، ولا على صبيّ حتى يدرك، ولا على النائم حتى يستيقظ»
.
وفي الصحيح: «لا حدّ لمن لا حدّ عليه» يعني: لو أنّ مجنوناً قذف رجلاً لم أرَ عليه شيئاً، ولو قذفه رجل فقال: يا زان، لم يكن عليه حدّ
. ونحوه
الموثّق، وغيره
.
وهي ظاهرة أيضاً في رفع الحدّ عنه على العموم. وهذا القول أظهر، وفاقاً لمن مرّ،
والديلمي والحلّي، وعامّة المتأخرين، حتى
الماتن؛ لمصيره إليه في النكت على ما حكي
، فينبغي طرح الرواية، أو تأويلها بما يرجع إلى الأدلّة المانعة من حملها على بقاء تمييز وشعور له بقدر مناط التكليف، كما ربما يشير إليه ما فيها من التعليل.
ولا حدّ على المجنونة مطلقاً اتّفاقاً فتوًى وروايةً، وبه صرّح في التنقيح
، والماتن فيما يأتي.
ويسقط الحدّ بادّعاء الزوجيّة ونحوها، ما لم يعلم كذبه.
ولا يكلّف
اليمين ولا
البيّنة؛ للشبهة الدارئة بذلك.
وبدعوى كلّ ما يصلح أن يكون شبهة لكن بالنظر إلى المدّعى لها خاصّة؛ فلو ادّعاها أحدهما أو هما مع عدم إمكانها إلاّ بالنسبة إلى أحدهما، سقط عنه دون صاحبه؛ ووجهه واضح ممّا سلف، مع دعوى
الإجماع عليه حتى على عدم التكليف باليمين والبيّنة في كلام بعض الأجلّة
.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۵، ص۴۳۵-۴۴۱.