طرق معرفة القبلة وأدلتها (الأدلة العلمية)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الاستقبال (توضيح) .
وهي متعدّدة:
منها: مشاهدة
الكعبة ، وهي إنّما تكون للقريب منها، كمن حضر
المسجد الحرام .
ومنها: لمس الكعبة، فإنّه أيضاً موجب للعلم
بالقبلة .
ومنها:
إخبار المعصوم عليه السلام أو فعله، فإنّه لا شكّ في حصول العلم بالقبلة بذلك، وعدم
احتمال خطئه فيها؛
لأنّ خطأه يؤدي إلى
الاستخفاف به بعد الوقوف على عدم صحة تشخيصه
واشتباهه في تعيين جهة الكعبة.
قال
المحقّق النجفي : «فمن الغريب تخيّل بعض الناس جواز الخطأ عليه في ذلك وأنّه ممّن هو مكلّف باستعمال
الأمارات الظنّية ، كتكليفه بالحكم بالبيّنة واليمين والشاهد وغيرهما من
الأحكام الظاهريّة ؛ ضرورة وضوح الفرق بين ما كان خطأه فيه لقصور في معرفة العلم المؤدّي لذلك وبين ما لا يكون كذلك، فإنّ النقص الواجب تنزيهه عنه متحقّق في الأوّل، بخلاف الثاني فإنّه لا نقص عليه بذلك حتى لو علم بالعلم الإلهي الخارج عن طريق البشر خلاف ما حكم به، فإنّ الظاهر عدم تكليفهم عليهم السلام بالعلم المزبور، كما يشهد له تصفّح أفعالهم الواقعة منهم عليهم السلام كخروج
الحسين عليه السلام إلى
كربلاء ، وغيره ممّا يجب عليهم التحرّز منه لو أنّهم مكلّفون بالعلم المزبور».
ومنها:
محراب المعصوم عليه السلام الذي نصبه أو صلّى فيه، فإنّه يفيد العلم بالقبلة على ما ذكره غير واحد من الفقهاء،
بل ظاهرهم
الاتّفاق عليه
إذا قطع بأنّ صلاته كانت من غير
تيامن ولا
تياسر ولا
تقيّة، ويلحق بذلك المحراب المبني على مرأى منه من دون عذر،
بل نزّله بعضهم منزلة الكعبة أو الإخبار عن الجهة المحاذية لها، فمشاهدة محاريبهم عليهم السلام كمشاهدة الكعبة.
حيث نسبه إلى بعضهم واستشكل فيه.ويدلّ عليه عدم خطأ المعصوم عليه السلام في تشخيص القبلة.
واورد عليه:
أوّلًا بمنع بقاء شيء من هذه المحاريب على بنائها السابق.
وثانياً بعدم التأكّد من
صلاة المعصوم عليه السلام فيها من دون
انحراف .
وثالثاً بأنّه على فرض عدم انحرافه عنها قد لا يكون مصيباً للقبلة الواقعية؛ لعدم وجوب مطابقة عمله لعلمه في تلك الصلاة؛ إذ من الممكن أن يكون قد اكتفى بالجهة العرفية؛ لكفاية ما يقوم مقام العلم كالبيّنة وأمثالها التي لا تقدح مخالفتها سيّما إذا كان متعلّقها من الشروط العملية التي لا يوجب
اختلالها فساد العبادة في الواقع.
ورابعاً بأنّه من المحتمل أن تكون صلاته في المحراب تقيّة.ودفع هذا الاحتمال بأصالة عدم التقيّة يوجب خروج محراب المعصوم عليه السلام عن العلامات القطعيّة.
۱- محراب
مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم: فقد ذكر كثير من الفقهاء عدم جواز
الاجتهاد فيه ولا التيامن والتياسر عنه؛ لأنّه منزّل منزلة الكعبة؛
لما روي أنّ الأرض زويت أي جمعت.
للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لمّا أراد نصب محراب مسجده، فجعله بإزاء
ميزاب الكعبة ،
حيث نسبها إلى العامة والخاصة. فاخذ يداً بيد.
بل ذكر بعضهم أنّ محرابه صلى الله عليه وآله وسلم يمثّل
معجزته الفعليّة الباقية، واحتمال التغيير فيها ضعيف جدّاً، خصوصاً وأنّ سلاطين الجور كانوا حريصين على التظاهر بحفظ آثار النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم؛
لاهتمام المسلمين قاطبة بحفظها وحراستها.
واورد عليه: بأنّه قد وقع في محراب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة بعض التغيير؛نقله عن
الشيخ نجيب الدين في
مفتاح الكرامة،
بدليل مخالفته للقواعد الرياضيّة الدالّة على أنّ قبلة
المدينة منحرفة إلى اليسار قريباً من ثلاثين درجة، مع أنّ المحراب الفعلي مخالف لما تقدّم من أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعله بحذاء الميزاب، فإنّ من وقف بحذائه يصير
القطب الشمالي محاذياً لمنكبه الأيسر.نعم، بناء البيت الذي فيه قبره الشريف أوفق للقواعد من المحراب.
لكن فيه: أنّ التغيير بعشرين درجة.ومع ذلك أصرّ بعضهم على أنّ هذه القرائن لا توجب نفي صحّة جهة المحراب
ومحاذاته للكعبة المكرّمة، ولا تضرّ في دعوى
إصابة محرابه صلى الله عليه وآله وسلم للقبلة الواقعيّة.
۲- محراب
مسجد الكوفة ؛
حيث نسبه إلى جمع من العلماء. لأنّ المشهور
نقلًا عن إرشاد الجعفريّة. بل نقل متواتراً
أنّ
عليّاً عليه السلام هو الذي أقامه،
وصلّى فيه هو وولداه
الحسن والحسين عليهما السلام،
وفعلهم هو الحقّ.
وردّ بأنّه قد ورد في بعض الروايات حدوث
التغيير فيه،
كخبر
الأصبغ بن نباتة عن الإمام
أمير المؤمنين عليه السلام في حديث له حتى انتهى إلى مسجد الكوفة، وكان مبنيّاً بخزف ودنان وطين فقال:«... ويل لبانيك بالمطبوخ المغيّر قبلة
نوح ...».
وخبر
محمّد بن إبراهيم النعماني في حديث عنه عليه السلام أنّه قال: «... أما أنّ قائمنا إذا قام كسره ( مسجد الكوفة) وسوّى قبلته».
واجيب عنهما- مضافاً إلى
إجمالهما وعدم ذكرهما في
الكتب الأربعة - بأنّهما لا يقاومان ما أخبر به جماعة من أجلّاء الأصحاب
من مطابقة المحراب للقبلة الواقعيّة، وانطباق نقلهم على العلامة المشهورة بينهم من وضع الجدي خلف المنكب الأيمن وموافقة هذه العلامة لقوله عليه السلام: «اجعله على يمينك»؛
لأنّا إذا قلنا: إنّ المنكب مجمع عظم العضد والكتف- كما ذكره بعض اللغويّين
وجملة من الفقهاء
- لم يكن هناك انحراف، فمن وقف في محراب الكوفة كان الجدي على منكبه الأيمن بهذا المعنى».
وبذلك يتضح الجواب عمّا قيل من أنّ محراب مسجد الكوفة يخالف العلامات التي ذكرها الفقهاء لأهل
العراق ،
حيث ذكر
المجلسي بأنّ قبلة مسجد الكوفة متيامنة وبقيّة المساجد تابعة لها، وقد منعت التقيّة من التصريح بعدم صحّة محرابها، فورد الأمروالمراد بورود الأمر بها خبران: أحدهما: مرفوع علي ابن محمّد قال: قيل لأبي عبد اللَّه عليه السلام: لِمَ صار الرجل ينحرف في الصلاة إلى اليسار؟ فقال: «لأنّ للكعبة ستّة حدود، أربعة منها على يسارك، واثنان منها على يمينك، فمن أجل ذلك وقع التحريف على اليسار».والآخر: خبر مفضل بن عمر.
بالتياسر لأهل العراق بدلًا من التصريح بخطئها،
فإنّه بعد أن اتضح مطابقة المسجد لعلامات القبلة لم يبق مجال لهذا الكلام.
۳- محراب
مسجد البصرة : حيث صرّح
المقدّس الأردبيلي بأنّه من محاريب المعصوم عليه السلام، ناقلًا عليه
التواتر ،
وذكر
الشهيد أنّه ربّما يقال بأنّ هذا المسجد لا يختلف من هذه الناحية عن مسجد الكوفة؛ لأنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان قد صلّى فيه أيضاً، فكما لا اجتهاد في مسجد الكوفة فكذا في مسجد البصرة، ثمّ عقّبه بقوله: «وهو قويّ».
لكن هناك من شكّك في ثبوت التواتر على أنّه من محراب المعصوم عليه السلام،
وقد قيل: إنّ
عقبة بن غزوان هو الذي نصب محرابه، فيجوز الاجتهاد فيه كما يجوز في سائر الأماكن الاخرى.
وفيه: (عتبة) بدل (عقبة).
۴- محراب
مسجد المدائن ، حيث نقل المقدّس الأردبيلي أيضاً التواتر على أنّه من محاريب المعصوم عليه السلام،
واستشكل
المحقّق النجفي في ثبوت هذا التواتر.
وقد ذكر الشهيد أنّ مسجد المدائن صلّى فيه الإمام الحسن عليه السلام فلا يصحّ فيه الاجتهاد.
۵- محراب
مسجد سرّ من رأى: فإنّه قال في
الذكرى : «وبمشهد سرّ من رأى- صلوات اللَّه على مشرّفيه- مسجد منسوب إلى
الإمام الهادي عليه السلام فلا اجتهاد في قبلته أيضاً إن كانت مضبوطة»،
إلّاأنّه لم يشتهر أنّه عليه السلام كان قد صلّى فيه.
وعلى أيّ حال إذا لم يثبت التواتر في مثل محراب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة ومحراب أمير المؤمنين عليه السلام في الكوفة
فمن الأولى عدم ثبوته في غيرهما،
كمسجد طوس وأمثاله من المساجد الاخرى التي ادّعي نصب المعصوم لمحاريبها والصلاة فيها.
ومنها:
قبر المعصوم عليه السلام، فإنّ من العلامات العلميّة على القبلة قبر المعصوم عليه السلام، باعتبار أنّه لا يدفنه إلّا معصوم فهو طريق إلى القبلة بشرط العلم بعدم تغيّره ومطابقة ظاهره لوضع الجسد الشريف.
إلّاأنّ هناك من ادّعى تغيّر قبورهم عليهم السلام بمرور الزمان بسبب وضع الشبابيك والصناديق والحضرات ونحوها،
ومن هنا ذكر البعض أنّ البحث فيها قليل الجدوى.
لكن ذكر
الشيخ جعفر كاشف الغطاء أنّ
ضريح النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم مأخوذ يداً بيد، بخلاف قبور
الأئمة عليهم السلام فإنّها لم يكن وضعها عن رأيهم ولا في أيّامهم بل استجدّت بعدهم.
نعم، لا شكّ في أنّ قبورهم عليهم السلام تفيد
الظنّ ؛
لجريان
سيرة المسلمين على
الاستقبال في شق القبور وبنائها.
الموسوعة الفقهية، ج۱۲، ص۱۵۱-۱۵۶.