ولوغ الخنزير
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
والمراد بالخنزير في المقام البرّي دون البحري، كما صرّحوا بذلك في باب النجاسات.
وأمّا تطهير
الإناء من ولوغ الخنزير فقد ذهب الشافعية إلى أنّ تطهيره بأن يغسل سبع مرّات إحداهنّ بالتراب، ووافقهم في ذلك
الحنابلة ، وعند الحنفية تطهيره بأن يغسل ثلاثاً.
وقد اختلفت كلمات فقهائنا في كيفية تطهير
الآنية المتنجّسة بولوغ الخنزير أو شربه، وإليك حاصل كلماتهم الواردة بهذا الشأن:
إنّ كلمات الفقهاء قبل
الشيخ الطوسي لم تصرّح بحكم الخنزير وهل انّه يلحق بالكلب أو لا، نعم قد تشعر عبارة المفيد بعدم
الإلحاق.إلّا أنّ الشيخ الطوسي ادّعى انّ أحداً لم يفرّق في هذا الحكم بين الكلب والخنزير، وتابعه من تلاه من الفقهاء قال المفيد : «ولا يجوز التطهّر بسؤر الكلب والخنزير». ثمّ قال- بعد أن ذكر كيفية تطهير الاناء من ولوغ الكلب-: «وليس حكم غير الكلب كذلك، بل يهراق ما فيه ويغسل مرّة واحدة بالماء».
وقال الشيخ الطوسي : «إذا ولغ الخنزير في الاناء كان حكمه حكم الكلب، وهو مذهب جميع الفقهاء.
وقال ابن القاص عن الشافعي: إنّ العدد يختصّ بولوغ الكلب، وخطّأه جميع أصحابه...»
وقال في
المبسوط : «وما ولغ فيه الخنزير حكمه حكم الكلب سواء؛ لأنّه يسمّى كلباً، ولأنّ أحداً لم يفرّق بينهما».
وقال في النهاية بعد أن ذكر غسل الآنية المتنجسة ثلاث مرات-: «غير أنّه لا يعتبر غسلها بالتراب إلّا في ولوغ الكلب خاصّة».
وقال ابن البرّاج : «إذا شرب الكلب أو الخنزير في شيء من الأوعية أو الأواني فلا يجوز
استعمال ذلك حتى يهرق ما فيه من الماء، ويغسل ثلاث مرّات: الاولى بالتراب».
إلّا أنّ
ابن إدريس الحلّي اعترض بشدّة على الشيخ وأطنب في مناقشة استدلاله وحكم بعدم إلحاق الخنزير بالكلب، فانّه قال: «ولا يراعى التراب إلّا في ولوغ الكلب خاصّة دون سائر
الحيوان »،
ثمّ أورد مناقشته لاستدلال الشيخ بصورة مفصّلة.
وقد أحدثت فتوى ابن إدريس هذه انعطافاً واضحاً في الموقف الفقهي، حيث تابعه كل من جاء بعده من الفقهاء في عدم إلحاق الخنزير بالكلب في
التعفير قال المحقق الحلّي : «ليس الخنزير كالكلب في الولوغ».
وقال يحيى بن سعيد الحلّي : «وتختص آنية ولوغ الكلب بالتراب في الاولى خاصّة... وليس في الخنزير تراب».
وقال
العلّامة الحلّي : «قال الشيخ في المبسوط والخلاف: حكم الخنزير في الولوغ حكم الكلب، وهو مذهب الجمهور.ونقل
ابن القاص عن الشافعي في القديم: يغسل مرّة واحدة.وخطّأه سائر أصحابه، قالوا: لأنّه في القديم قال: يغسل بقول مطلق، وإنّما أراد به السبع.
وقال ابن إدريس: حكم الخنزير حكم غيره من النجاسات في أنّه لا يعتبر فيه التراب، وهو الحق».
وقال
الشهيد الأوّل في الدروس: «والأقرب السبع فيه (الخنزير) بالماء».
لكن قال في اللمعة «ويستحبّ السبع في الفأرة والخنزير».
وقال ابن فهد : «و (يجب) السبع من الخنزير».
وقال الشهيد الثاني : «والأقوى في ولوغ الخنزير وجوب السبع بالماء».
وقال السيد محمّد العاملي : «الأجود غسل الاناء من ولوغ الخنزير سبعاً».
وقال
المحقق السبزواري : «المشهور في ولوغ الخنزير الغسل سبعاً»
وقال الفاضل الاصبهاني: «ويغسل من ولوغ الخنزير سبع مرّات بالماء وجوباً... وظاهر الأكثر أنّه كسائر النجاسات».
وقال
الفيض الكاشاني : «وأمّا الخنزير فلا بدّ من السبع».
وقال المحدّث البحراني: «الخنزير، وقد اختلف الأصحاب في عدد ما يجب من ولوغه، فالمشهور بين المتأخّرين وجوب السبع... وهو المؤيّد المنصور».
وقال السيد بحر العلوم في منظومته:يقربُ الوجوبُ في الخنزيرِ وإن يخالف ظاهرَ المشهورِ ومراده من الوجوب: وجوب السبع حيث تقدّم قوله:كذلك السبع على الندب نفذ في الخمر والكلب وميت الجرذ.
وقال
السيد علي الطباطبائي : «والأظهر الأشهر
اختصاص الحكم بالكلب، فلا ينسحب إلى الخنزير، بل يجب فيه السبع من دون تعفير؛ للصحيح».
وقال النراقي: «ولوغ الخنزير كسائر النجاسات الغير المنصوصة عليها بخصوصها».
وقال المحقق النجفي: «ولا يلحق غير الكلب به في الحكم المزبور... نعم ينبغي غسل الاناء سبعاً لشرب الخنزير... وإن كان
الاحتياط فيه شديداً».
وقال
الشيخ الأنصاري : «الأقوى وجوب غسل الاناء من ولوغ الخنزير سبعاً كما هو المشهور إمّا مطلقاً كما عن الكفاية، أو بين المتأخّرين كما في الذخيرة».
وقال المحقق الهمداني : «الأظهر وجوب غسل الاناء الذي شرب منه الخنزير سبع مرّات كما صرّح به غير واحد من المتأخرين، بل لعلّه المشهور بينهم كما عن بعض ادّعاؤه».
وقال السيد اليزدي : «يجب في ولوغ الخنزير غسل الاناء سبع مرّات... والأحوط في الخنزير التعفير قبل السبع أيضاً، لكن الأقوى عدم وجوبه».
وقال
السيد الحكيم : «يجب في تطهير الاناء النجس من شرب الخنزير غسله سبع مرّات». ونحوه قال السيد الخوئي
وقال السيد الشهيد الصدر في رسالته: «إذا كان وعاء من أوعية الطعام والشراب ومتنجّساً بسبب شرب الخنزير منه غسل سبع مرّات».
وقال
السيد الإمام الخميني : «يجب غسل الاناء سبعاً... لشرب الخنزير، ولا يجب التعفير. نعم، هو أحوط... قبل السبع».ونحوه قال السيد الگلپايگاني
وإن اختلفوا في العدد، كما سيأتي. وحاصل الأقوال في المسألة ما يلي:
إلحاق الخنزير بالكلب، وصرّح به الشيخ، بل نسبه إلى من تقدّمه من الفقهاء، بل نسبه إلى جميع الفقهاء من سائر المذاهب أيضاً. في حين رماه بعض بأنّه في منتهى الشذوذ.
قال
المحقّق النراقي : «والأحوط ضمّ واحدة ترابيّة مع السبع المائيّة في الخنزير أيضاً؛ لوجود قول بإلحاقه بالكلب وإن شذّ جدّاً».
واستدلّ له بعدّة وجوه:
أوّلها- انّ الخنزير يسمى كلباً في اللغة، فينبغي أن تتناوله الأخبار الواردة في ولوغ الكلب.ونوقش: بأنّ الخنزير لا يسمّى كلباً لا لغة ولا عرفاً،
وإطلاقه عليه يكون مجازاً أو من باب أنّه سبع. قال ابن سيده:الكلب كل سبع عقور، ومنه كلَّبت الجوارح
وحكى عنه ابن منظور قوله:إنّه قد غلب على هذا النوع النابح.
وقال
الفيروزآبادي : «الكلب: كلّ سبع عقور، وغلب على هذا النابح».
إلّا أنّ هذا
الاطلاق الأخير- مضافاً إلى كونه بحاجة إلى عناية- غير مناسب مع صحيح البقباق المتعرّض للسؤال عن أصناف الحيوانات بعناوينها الخاصة، فقد ذكر عنوان السباع في صدر الرواية أوّلًا، فيكون ظاهر ذكر عنوان الكلب في الذيل بعد ذلك هو الحيوان الخاص من السباع، فلا يشمل الخنزير. قال: «سألت
أبا عبد اللَّه عليه السلام عن فضل الهرّة والشاة والبقرة
والإبل والحمار والخيل والبغال والوحش
والسباع ؟ فلم أترك شيئاً إلّا سألته عنه؟فقال: لا بأس به، حتى انتهيت إلى الكلب، فقال: رجس نجس...» الحديث.
ثانيها- انّ سائر النجاسات يغسل منها الإناء ثلاث مرّات، والخنزير نجس بلا خلاف.
ونوقش: بأنّ هذا الوجه لا يثبت لزوم التعفير، بل ولا لزوم تثليث الغسلات لو لم نقل بالتعدّد في سائر النجاسات إلّا ما خرج بالدليل.
ثالثها- دعوى الأولوية وانّه شرّ من الكلب.
ونوقش: بأنّه لا قطع لنا بالأولوية في المقام، بل ذلك منقوض ببعض النجاسات كدم الحيض فانّه كسائر النجاسات.
مضافاً إلى أنّ النصّ قد فرّق بينهما، كما سيأتي في رواية
علي بن جعفر .
رابعها- دعوى عدم الخلاف؛ ففي المبسوط أنّ أحداً لم يفرّق بينهما
وهو المراد من تعبير المحقق: «بأنّه لا فارق».
ويمكن المناقشة: بأنّه لو سلِّم لما أمكن عدّه
إجماعاً تعبّدياً كاشفاً عن رأي
المعصوم .
لزوم غسله سبع مرّات، ويبدو أنّ أوّل من صرّح به هو العلّامة الحلّي في أكثر كتبه كما تقدّم، ونسب إلى المشهور
أو مشهور المتأخرين،
واختاره الشهيدان وابن فهد والسيد محمّد العاملي وغيرهم.
ويدلّ عليه: ذيل صحيحة علي بن جعفر عن أخيه
موسى بن جعفر عليهما السلام حيث قال: وسألته عن خنزير يشرب من إناء كيف يصنع به؟ قال: «يغسل سبع مرّات».
ونوقش ذلك:
أوّلًا- بعدم عمل قدماء الأصحاب بها وتركهم لها؛ إذ لم يفتِ أحد منهم بها.
وردّ: بأنّ حجّية الخبر الجامع لشرائط الحجّية غير مشروطة بذلك. نعم لو تحقق الاعراض ربما يشكل العمل حينئذٍ به،
إلّا أنّه لم يثبت
إعراض الأصحاب عنها، فإنّ بعضهم- كالمحقق- حملها على
الاستحباب مما يدلّ على اعتنائهم بشأنها.
ثانياً:
باستبعاد إيجاب الغسل سبع مرّات بأنّه عليه السلام في صدر الصحيحة قد اكتفى في تطهير الثوب من
الأثر المنتقل إليه من الخنزير بمطلق الغَسل وطبيعيّه، حيث قال: سألته عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغسله فذكر وهو في صلاته كيف يصنع به؟ قال: «إن كان دخل في صلاته فليمض، فإن لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما أصاب من ثوبه إلّا أن يكون فيه أثر فيغسله».
ومعه كيف يوجب الغسل سبع مرّات في
الإناء ؛ فإنّ إزالة الأثر من الثوب أصعب من إزالته من الاناء؟! وردّ ذلك بأنّ الوجوه الاستحسانية والاستبعادات العقلية غير صالحة للركون عليها في الأحكام الشرعية التعبّدية؛ لأنّه من المحتمل أن تكون للاناء الذي شرب منه الخنزير خصوصية لأجلها اهتم الشارع بشأنه وشدّد
الأمر فيه، بل الأمر كذلك واقعاً؛ لأنّ الاناء معدّ للأكل والشرب فيه.
وهل انّ لزوم السبع يعمّ القليل والكثير أم يختص بالقليل؟
ذهب بعض الفقهاء إلى عدم الفرق بين القليل والكثير في لزوم السبع؛ وذلك لأنّ الصحيحة غير مخصوصة بالتطهير بالماء القليل، فيكون مقتضى إطلاقها حينئذٍ اشتراط السبع حتى في الغسل بالماء المعتصم.
وقد تقدّم عن السيد الخوئي إطلاق القول بعدم
اعتبار التعدّد في ماء المطر،
كما تقدّم بيان وجهه.في حين اختار آخرون الاختصاص بالقليل، وأمّا في الكثير فيكفي غسلها مرّة واحدة.
كونه كسائر النجاسات التي لا دليل عليها بالخصوص، فيلحقه حكمها، وقد تقدّم أنّ تطهير
الآنية من سائر النجاسات امّا بغسلها مرّة أو أكثر، وأوّل من صرّح به المحقق في المعتبر.
وممّا تقدّم تتضح المناقشة فيه؛ فإنّ النص الخاص في الخنزير موجود، وبه يقيّد إطلاق الأمر بالغسل، فيجب العمل بمقتضاه، وحمله على الاستحباب خلاف الظاهر.هذا، وقد احتاط بعضهم استحباباً في التعفير قبل السبع أيضاً،
تخلّصاً من خلاف الشيخ الطوسي الذي ألحق الخنزير بالكلب.
ونلفت النظر إلى أنّ تعابير الفقهاء مختلفة فبعضهم جعل الموضوع هو ولوغ الخنزير
وبعضهم عبّر بالشرب
وأطلق ثالث».ولا يخفى أنّ الرواية وردت جواباً عن مورد وقع السؤال فيه عن خنزير يشرب من إناء، كيف يصنع به؟وقد تقدّم الكلام في أنّ الولوغ قد يفسّر بالشرب أو بالأعم.
الموسوعة الفقهية، ج۱، ص۴۶۳-۴۶۹.