أحكام النكاح بعد تسع تطليقات
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
والمطلّقة تسعاً للعدّة تحرم علی المطلِّق ابداً.
والمطلّقة تسعاً للعدّة ینکحها بینها رجلان، بان طُلِّقت بالشرائط، ثم ارتُجِعَت فی العدّة فوطئِت، ثم طُلِّقت کذلک، ثم ارتُجِعت فوُطِئت، ثم طُلِّقت فنکحت زوجاً غیره بعد انقضاء
العدّة فوطِئت، ثم طُلِّقت فتزوّجها الاول بعد انقضاء العدّة، ثم طُلِّقت کذلک حتی استکملت تسعاً تحرم علی المطلِّق ابداً اجماعاً منّا خلافاً للعامّة.
والنصوص به مستفیضة:
کالموثّق فی تعداد المحرّمات بالابد: قال: «والذی یطلِّق
الطلاق الذی لا تحلّ له حتی تنکح زوجاً غیره ثلاث مرّات، وتزوّج ثلاث مرّات، لا تحلّ له ابداً».
واطلاقه کغیره وان شمل المطلّقة ثلاثاً بالسنّة بالمعنی الاخصّ، وهی التی تزوّجها المطلِّق بعد انقضاء العدّة، الاّ انّه مقیّد بالاجماع کما حکاه جماعة
ومفهومِ القید المعتبر فی المرویّ فی
الخصال فی تعداد المحرّمات بالسنّة، قال: «وتزویج الرجل امراة قد طلّقها للعدّة تسع تطلیقات».
ومفهومِ الشرط فی
الرضوي، حیث قال: «وامّا طلاق العدّة: فهو ان یطلّق الرجل امراته علی
طهر من غیر
جماع، ثم یراجعها من یوم او غد او متی ما یرید من قبل ان تستوفی قرءها، وادنی المراجعة ان یقبّلها، او ینکر الطلاق، فیکون انکار الطلاق مراجعة، فاذا اراد ان یطلّقها ثانیةً لم یجز ذلک الاّ بعد الدخول بها، واذا اراد طلاقها تربّص بها حتی تحیض وتطهر، فیطلّقها، فاذا اراد راجعها، فان طلّقها الثالثة فقد بانت منه ساعة طلّقها، فلا تحلّ له حتی تنکح زوجاً غیره، فاذا انقضت عدّتها منه، فتزوّجها رجل آخر، وطلّقها او مات عنها، فاذا اراد الاول ان یتزوّجها فعل، فان طلّقها ثلاثاً، واحدة بعد واحدة علی ما وصفناه لک فقد بانت منه، ولا تحلّ له بعد تسع تطلیقات ابداً. واعلم انّ کلّ من طلّق تسع تطلیقات علی ما وصفت لم تحلّ له ابداً».
مضافاً الی دلالته بوجه آخر، وهو ذکر
السنّة فیه ایضاً، مع عدم الاشارة فیها الی تحریم التسع للمطلقّة بها بالابد، بل خصّ بالعدّة.
ویدلّ علیه ایضاً صریحاً خصوص المعتبرین بوجود ابن ابی عمیر وعبدالله بن مغیرة اللذین هما ممّن اجمعت العصابة علی تصحیح ما یصحّ عنهما من
الروایة فی سندهما، فلا یضرّ ضعف
الراوي لو کان.
ففی احدهما: عن رجل طلّق امراته، ثم لم یراجعها حتی حاضت ثلاث
حیض، ثم تزوّجها، ثم طلّقها، فترکها حتی حاضت ثلاث حیض، ثم تزوّجها، ثم طلّقها، فترکها حتی حاضت ثلاث حیض من غیر ان یراجعها یعنی: یمسّها قال: «له ان یتزوّجها ابداً ما لم یراجع ویمسّ».
ولفظ التابید صریح فی العموم لما لو طُلِّقت کذلک طلقات عدیدة ولو تجاوزت التسع، وانّها لا تحرم بذلک الی حصول الامرین من الرجوع والوقاع.
ولیس نصّاً فی مختار ابن بکیر
وهو العدم بمحض انقضاء العدّة بدون محلّل. فیطرح؛ لقبوله التقیید بحصول التحلیل بعد کلّ ثلاث، ومقتضاه حینئذٍ: انّه یتزوّجها ابداً بعد حصول
المحلِّل، لا مطلقاً.
واصرح منهما
الموثّق عن
مولانا الصادق (علیهالسّلام): «فان فعل هذا بها» مشیراً الی المطلّقة بالسنّة «مائة مرّة هدم ما قبله، وحلّت بلا زوج».
وخروج الذیل عن الحجّیة بالاجماع والمعتبرة غیر ملازم لخروج الجمیع عنها، فقد یکون من الحاق ابن بکیر الذی فی سنده به وکلامه؛ لاجتهاده. ویؤیّده تصریحه بعدم سماعه عدم اعتبار المحلّل من احد، کما فی الموثّق
:
ویعضد حقّیّة الصدر تصریح ابن بکیر به، مع انّه لم یردّه ابن سماعة وغیره ممّن وقع فیه برایه فی عدم اعتبار المحلّل فی طلاق السنّة فی ذلک، وانّما اقتصروا فی الردّ علی رایه الفاسد.
هذا، مضافاً الی دلالة الاخبار کفتوی الاخیار علی الفرق بین العدّة
والسنّة، ولا یُتصور اجماعاً الاّ بامرین لا یمکن المصیر الی احدهما: من عدم احتیاج الثلاث من الثانیة الی المحلّل دونها من الاُولی؛ للاجماع کالاخبار باحتیاجهما الیه، فانحصر الفارق فی حصول التحریم بالتسع فی الاولی دون الثانیة.
ویؤیّده اطلاق الاخبار الدالّة علی هدم
التزویج للطلاق
کائناً ما کان، سنّیةًام عدّیةً، خرجت منه الثانیة علی التسع، بقیت الاولی.
نعم، فی بعض المعتبرة تصریح بالتحریم المؤبّد بالتسع فی السنّة، کالصحیح: «اذا طلّق الرجل
المراة، فتزوّجت، ثم طلّقها زوجها الاول، ثم طلّقها، فتزوّجت رجلاً، ثم طلّقها، فتزوّجها الاول، ثم طلّقها هکذا ثلاثاً، لم تحلّ له ابداً».
لکنّه شاذّ غیر معارض لما تقدّم، فاستشکال بعض متاخّری
الاصحاب فی اختصاص تابّد التحریم بالتسع الطلقات العدّیة؛ بناءً علی عدم الدلیل علیه، لا وجه له، والصحیح المتقدّم قد اعترف بشذوذه،
فلا یصلح وجهاً للاستشکال.
ثم انّ اطلاق العدّة علی التسع المرتّبة مجاز؛ لانّ الثالثة من کلّ ثلاث لیست للعدّة، فاطلاقه علیها امّا اطلاق لاسم الاکثر علی الاقلّ، او باعتبار المجاورة.
قیل: وحیث کانت النصوص
والفتاوی مطلقة فی اعتبار التسع للعدّة فی التحریم المؤبّد، کان اعمّ من کونها متوالیة ومتفرّقة، فلو اتّفق فی کلّ ثلاث واحدة للعدّة اعتبر فیه اکمال التسع کذلک.
انتهی.
وللنظر فیه مجال:
امّا فی الاول: فلتعلیق
التحریم المؤبّد فیه علی وقوعها بحیث یحتاج کلّ ثلاث منها الی محلّل، الا تری الی الموثّق المصرّح بـ: انّ «الذی یطلّق الطلاق الذی لا تحلّ له حتی تنکح زوجاً غیره ثلاث مرات ویزوّج ثلاث مرات، لا تحلّ له ابداً»! ؟ ولا شیء من الطلقات الثلاث العدّیّات المتفرّق کلّ منها فی ثلاث یحتاج الی محلّل.
وقد اعترف به فی توجیهه احتمال اغتفار الثالثة من کلّ ثلاث وقع فیها عدّیة واحدة، بـ: انّه المعتبر عند التوالی، وانّ الثالثة لم یتحقّق اعتبار کونها للعدّة، وانّما استفید من
النصّ التحریم بالستّ الواقعة لها، فیستصحب الحکم مع عدم التوالی.
فبعد الاعتراف بکون المستفاد من النصّ: التحریم بالستّ الواقعة لها المنحصرة هی في التوالی، کیف یمکن دعوی شموله للتسع المتفرّقة؟!
واعترف به ایضاً فی توجیه احتمال عدم الاغتفار، الذی قوّاه بثبوته مع التوالی علی خلاف الاصل، واذا لم یحصل اعتبرت الحقیقة، خصوصاً مع کون طلقة العدّة هی الاُولی خاصّة، فانّ علاقتی المجاز منتفیتان عن الثالثة؛ اذ لا مجاورة للعدّیّة ولا اکثریّة لها، بخلاف ما لو کانت العدّیّة هی الثانیة، فانّ علاقة المجاورة موجودة.
اقول: ولا ریب انّ ثبوت الاغتفار مع التوالی انّما هو من النصّ، ولو صحّ اطلاقه کما ادّعاه لثبت فی غیره.
وامّا فی الثانی: فلتصریح
علي بن ابراهیم فی المحکی عنه بعین ما فی
الرضوی، مصرّحاً فی آخره بـ: انّ هذه هی التی لا تحلّ لزوجها الاول ابداً،
الظاهر فی الحصر الحقیقی، والمجازی خلاف الاصل.
ونحوه
الصدوق فی
الفقیه،
بل ظاهرهما کالرضوی اشتراط الترتیب فی تابّد التحریم؛ لتصریحه کالفقیه بانّه الطلاقات التسع، التی کلّ ثلاث منها لا بُدّ ان یکون کلّ واحد منها واحداً بعد واحد، المتبادر منه ذلک.
وبالجملة: فالحکم بالتحریم بالتسع المتفرّقة محلّ اشکال ان لم یکن اجماع، وعلی تقدیره یقتصر علی مورده؛ وقوفاً علیه فی الخروج عن مقتضی الاصل.
والظاهر عدمه في
الأمة طرّاً ، حتى لو طُلِّقت للعدّة تسعاً يتخلّلها أربعة رجال ، كما يستفاد من المتعرّضين لحكمها هنا ، حيث احتملوا العدم فيها مطلقاً ، ولو ثبت الإجماع لم يحتمل كما لا يحتمل في
الحرّة ، فالاقتصار فيها على
الأصل أقوى.
ويشكل الحكم بتأبّد التحريم مع التفريق مطلقاً أيضاً مضافاً الى ما تقدّم بأنّ
طلاق العدّة حينئذٍ لا يتحقّق إلاّ بالرجعة بعده
والوطء ، فإذا توقّف التحريم على تحقّق التسع كذلك لزم تحريمها بعد الدخول في الخامسة والعشرين إن كان العدّية هي الاولى من كلّ ثلاث ، أو السادسة والعشرين إن كان الثانية منها ، بغير طلاق. وهو بعيد.
ولو توقّف على طلاق آخر بعده ولم يكن ثالثاً كما في الأول لزم جعل ما ليس بمحرّم محرّماً ، والحكم بالتحريم بدون طلاق موقوف على التحليل ، وكلاهما بعيد.
وذلك
أمارة لزوم الاقتصار على مورد النصّ، إلاّ أنّ
الاحتياط سبيله واضح.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۱، ص۲۵۴-۲۶۰.