أحكام الوصي في مال اليتيم
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
يجوز للوصي أن يشتري شيئا من
التركة لمصلحة الورثة، و إن أراد أن يشتريه لنفسه، جاز له ذلك، إذا أخذه بالقيمة العدل من غير نقصان.
(و) يجوز له أيضاً (أن يُقوّم مال اليتيم على نفسه) بثمن المثل فصاعداً إذا لم يكن غيره هناك للزيادة باذلاً، على الأقوى، وفاقاً للنهاية والقاضي والفاضلين والشهيدين والمفلح الصيمري وغيرهم من المتأخّرين؛
للخبر المنجبر قصور سنده بعمل الأكثر، وفيه : هل للوصي أن يشتري من مال الميت إذا بيع فيمن زاد، يزيد ويأخذ لنفسه؟ فقال : «يجوز إذا اشترى صحيحاً».
وعلّلوه أيضاً بأنه بيع وقع من أهله في محلّه؛ لأنه جائز التصرف يصحّ أن يقبل الشراء ويتملّك العين، فينفذ، لانتفاء المانع المدّعى كما يأتي، والأصل عدم غيره.
خلافاً للحلّي والخلاف،
فلم يجوّزاه؛ لوجوب التغاير بين الموجب والقابل، وهو مفقود في المقام، وقياسه على شراء
الأب من مال ولده الصغير الجائز بإجماعنا حرام.
ولما روي من أن رجلاً أوصى إلى رجل ببيع فرس له، فاشتراه الوصي لنفسه، واستفتى
عبد الله بن مسعود ، فقال : ليس له ذلك.
استدلّ بهذا دون الأوّل في الخلاف، قال بعده : ولا يعرف له أي لابن مسعود مخالف.
وفيهما نظر؛ لمنع الأوّل إن أُريد به التغاير الحقيقي، كيف لا وقد ادّعى الطوسي على كفاية التغاير الاعتباري في عقد النكاح إجماعنا،
وهو حاصل هنا، فيكون كافياً فيه بطريق أولى.
والقياس المزبور حرام لو لم يكن من باب
اتحاد طريق المسألتين، وإلاّ كما ادّعاه بعض الأصحاب
فلا.
والرواية بعد تسليم سندها لا حجة فيها، حيث لم يحك فيها عن صاحب الشريعة، ودعوى الشيخ عدم مخالف لابن مسعود بعد
تسليم كونها حجة لا تعارض الرواية المنجبرة بالشهرة العظيمة، والدليل الآخر المتقدم إليه الإشارة، وهو وإن كان في صلوحه للحجّية مناقشة، إلاّ أنه كاتحاد طريق المسألتين المتقدم ذكره صالح للتأييد والتقوية.
نعم، يؤيّد ما ذكراه الأخبار المانعة للوكيل عن الشراء لنفسه.
لكن لا تصلح للحجّية؛ إما لعدم المصير إليها ثمة، كما ذهب إليه جماعة؛
أو لاختصاصها بما ليس منه مفروض المسألة.
(و) يجوز له أيضاً (أن يقترضه) أي مال
اليتيم ، وفاقاً للنهاية وجماعة،
بل نسبه في الكفاية وغيره
إلى الشهرة؛ للنصوص المستفيضة، منها الصحيح : في رجل ولّى مال اليتيم أيستقرض منه؟ فقال : «إن
علي بن الحسين عليهما السلام قد كان يستقرض من مال أيتام كانوا في حجره، فلا بأس بذلك».
ونحوه بعينه خبران آخران،
لكن بدون تفريع نفي البأس.
وقصور سندهما منجبر بالشهرة الظاهرة والمحكية، مع اعتباره في أحدهما بابن محبوب المجمع على تصحيح رواياته.
وهذه النصوص كغيرها وإن كانت مطلقة، إلاّ أنه ينبغي تقييدها بما (إذا كان) الوصي (مليئاً) كما ذكره الجماعة، واستفيد من نصوص أُخر معتبرة، منها القريب من الصحيح، بل الصحيح كما قيل
: في رجل عنده مال اليتيم فقال : «إن كان محتاجاً ليس له مال فلا يمسّ ماله، وإن هو اتّجر به فالربح لليتيم وهو ضامن».
والخبر : كان لي أخ هلك، فوصّى إلى
أخٍ أكبر مني وأدخلني معه في الوصية، وترك ابناً له صغيراً وله مال، أفيضرب به أخي فما كان من فضل سلّمه لليتيم وضمن له ماله؟ فقال : «إن كان لأخيك مال يحيط بمال اليتيم إن تلف فلا بأس به، وإن لم يكن له مال فلا يعرض لمال اليتيم»
ونحوه آخر.
وشرط بعضهم
الرهن عليه، وليس في النصوص مع ورودها في مقام الحاجة دلالة عليه، لكن التحفّظ في مال اليتيم بقدر
الإمكان طريق
الاحتياط ، قال الله تعالى (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).
ولذا إن الحلّي لم يجوّز
الاقتراض من ماله على
الإطلاق .
ولكنه شاذّ، وبالنصوص المتقدمة مضعّف.
وفسّر الملاءة بعض
بأن يكون للمتصرف فيه مال بقدر مال الطفل فاضلاً عن المستثنيات في الدين وعن قوت يوم وليلة له ولعياله الواجبي النفقة.
وآخر
بأن يكون المتصرف قادراً على أداء المال المأخوذ من ماله إذا تلف بحسب حاله.
وليس في النصوص ما يدل على شيء منهما صريحاً، والخبران الأخيران يحتملان
الانطباق على كلّ منهما، لكن الثاني لعله أظهر وأوفق بالحفظ المعتبر في مال اليتيم، وأنسب بمدلول الآية الكريمة.
والظاهر اعتبار
الإشهاد ، كما قيل؛
حفظاً للحق عن التلف.
قال الشهيد الثاني : وإنما يصح له التقويم على نفسه مع كون البيع مصلحة للطفل؛ إذ لا يصحّ بيع ماله بدونها مطلقاً، وأمّا الاقتراض فشرطه عدم
الإضرار بالطفل وإن لم يكن المصلحة موجودة.
واستحسنه في
الكفاية .
ولا يخلو في الثاني عن قوة؛ لإطلاق النصوص المتقدمة.
رياض المسائل، ج۱۰، ص۳۳۷- ۳۴۱.