أرض الصلح
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هي
الأرض التي فتحها المسلمون صلحا وفي
العرف الفقهي تسميها بهذا.
أرض الصلح هي
الأرض التي فتحها
المسلمون صلحاً، بأن هجم المسلمون عليها
لفتحها، فلم يسلم أهلها، ولا قاوموا
الدعوة مقاومة مسلّحة، وإنّما ظلوا على دينهم، ورضوا أن يعيشوا في كنف
الدولة الإسلامية مسالمين، فصالحهم
الإمام على أن تكون الأرض لهم
بجزية أو
خراج يدفعونها عن رءوسهم أو عن
رقبة الأرض، أو على أن تكون للمسلمين ولهم
السكنى وعلى
أعناقهم الجزية، فهذه الأرض تسمّى في
العرف الفقهي بأرض
الصلح.
وفي بعض
المصادر الفقهية التعبير عنها ب (أرض الجزية)، وفي اخرى ب (أرض أهل الذمّة)،
وظاهره اختصاص هكذا صلح
بأهل الذمّة ولا يصحّ مع غيرهم من
الكفّار بل صرّح بذلك
الحلبي، حيث قال: «وأمّا أرض الصلح فمختصّة بأرض
الكتابيّين دون من عداهم من
ضروب الكفار الذين لا تجوز
هدنتهم ولا مصالحتهم على شيء»..
وفي
مجمع الفائدة والبرهان: «... ولكن هذا (عقد الصلح) إنّما يكون مع
قوم يصحّ أخذ الجزية منهم وتقريرهم عليها وعلى دينهم، وهو ظاهر، وإن فعل مثل ذلك بغيرهم فلا يكون المأخوذ جزية ويكون ذلك صلحاً لمصلحة يعلمها صاحبها».
إلّا أنّ
المحقّق النجفي في
الجواهر استظهر من
الشرائع وغيره عدم
الفرق بينهم وبين غيرهم؛ لعموم أدلّة الصلح، وليس ذلك من الجزية المختصة
بأهل الكتاب، اللهمّ إلّا أن يدّعى اختصاص مشروعيّة الصلح بهم كالجزية.
ويظهر من بعض المتأخّرين موافقته على ذلك حيث بعد أن نقل ما في الجواهر قال: «كما هو واضح من حيث
الدليل».
ملكية أرض الصلح وما يترتّب عليها من
أحكام تابعة لمقتضى
عقد الصلح وبنوده فإنّه تارة يتمّ على أن تبقى الأرض لهم وعليهم الجزية، واخرى يتمّ على أنّ الأرض للمسلمين ولهم السكنى وعليهم الجزية.
فإن تمّ الصلح على أن تكون الأرض للمسلمين كان حكمها حكم الأرض
المفتوحة عنوة عامرها للمسلمين،
والنظر فيها إلى الإمام عليه السلام، ويقبّلها ويصرف حاصلها في مصالحهم،
ومواتها للإمام عليه السلام
بلا خلاف
ولا إشكال؛ لعموم أدلّة الصلح، وخصوص
النصوص الواردة في
خيبر بناءً على أنّها منه، مضافاً إلى كون هذا الصلح من الفتح عنوة؛ ضرورة تعدّد أفراده، وما في بعض النصوص من عدّ ما صولحوا عليه من
الأنفال محمول على غير
الفرض.
وإن تمّ عقد الصلح على أن تبقى الأرض لهم وعليهم نصف حاصلها أو ثلثه أو غير ذلك، فهي ملك لهم على
الخصوص يصح لهم
بيعها وغيره من
التصرف فيها؛ لعموم (تسلّط الناس على أموالهم) الذي هو مقتضى الصلح أيضاً، وليس عليهم إلّا ما صالحهم عليه الإمام أو
نائبه حتى
الزكاة، بناءً على أنّ الصلح مقتضٍ لإقرارهم على
دينهم وهي غير واجبة عندهم بلا خلاف.
نعم، وقع
الكلام في حكم الجزية المفروضة عليها لو باعها المالك لها من مسلم فهل تنتقل إلى ذمّة البائع الكافر- وهذا هو
المشهور؛
لأصالة براءة الذمة، ولأنّ المأخوذ جزية وهي منافية للإسلام- أم تجب على
المشتري كما نسب إلى الحلبي،
واحتجّ له بأنّها حقّ على الأرض فيجب على من انتقلت إليه، وببعض الروايات،
وكذا وقع الكلام فيما إذا نقلها إلى ذمّي آخر. وتفصيل ذلك في مصطلح (جزية).
وبعض
الفقهاء أطلق كون هذه الأرض في هذه
الصورة لأربابها،
وصرّح بعضهم بأنّ الموات منها يبقى على ما كان عليه وهو للإمام خاصة،
وذكر في الجواهر احتمالين أي احتمال كونها لأربابها
واحتمال أنّها للإمام، وقوّى الأخير إذا لم يكن قد دخل في عقد الصلح صريحاً أو ظاهراً،
ومقتضاه أنّ الموات لهم إن دخل في عقد الصلح كذلك.
من هنا قال
الشهيد الصدر قدس سره: «وأمّا موات أرض الصلح فالقاعدة فيها هي ملكية الدولة، كموات الأراضي المفتوحة، وموات الأراضي المسلمة بالدعوة، وكذلك أيضاً
الغابات من أراضي الصلح وما إليها من الأراضي العامرة طبيعياً، ما لم يكن قد أدرجها
النبي صلى الله عليه وآله وسلم في عقد الصلح، فتطبق عليها حينئذٍ مقتضيات
العقد».
إذا أسلم الذمّي الذي صولح على أن تكون الأرض له وعليه الجزية ملكها على الخصوص وصارت كالأرض التي أسلم عليها أهلها
طوعاً إبتداءً ملكاً لأربابها بغير عوض، وسقط عنه ما ضرب عليها؛ لأنّه كالجزية أو جزية ولا شيء منهما عليه، والظاهر أنّ هذا موضع وفاق لا خلاف فيه.
نعم، يبقى عليهم حينئذٍ الزكاة إذا حصلت شرائطها.
وبقيت بعض
الفروع التي ترتبط بالمقام
كمقدار الجزية وأنّ للإمام وضعها على
الرءوس أو على الأرض، وهل له أن يضعها عليهما معاً وأنّ للإمام أن يزيد وينقص في ذلك بعد انتهاء عقد الصلح حسب ما يراه مصلحة وغير ذلك، محلّ تفصيلها مصطلح (جزية).
الموسوعة الفقهية ج۱۰، ص۲۱۲-۲۱۴.